متى يعود التنكيل بالإسلاميين؟
29 جمادى الثانية 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

منذ نجاح الثورة في مصر وتونس وهناك هدنة أمنية تجاه الإسلاميين بعد عشرات السنين من الملاحقة والاعتقال والتعذيب والمحاكمات العسكرية, ليس هذا فحسب بل تم إطلاق سراح أكثر المعتقلين من التيار الإسلامي في هذين البلدين وهي أمور أشاعت حالة من الطمأنينة والاسترخاء في صفوف التيار الإسلامي, كما أعطته مساحة من الحرية للتعبير عن نفسه والانطلاق في مجال الدعوة الذي ضُيّق عليه فيه كثيرا مما أدى إلى ارتفاع معدلات الانحراف السلوكي والأخلاقي في هذه المجتمعات, ولكن يبدو أن الامور لن تستمر كثيرا في هذا الاتجاه المتسامح مع الإسلاميين فقد بدأت حملة مسعورة عليهم في محاولة لتخويف عامة الناس منهم والادعاء بأنهم وراء الفتنة الطائفية التي تشهدها مصر وأنهم يريدون الاستيلاء على السلطة, وهو كلام تحريضي من الدرجة الأولى ولا يختلف عما كان يردده النظام السابق الذي قامت الثورة من أجل الإطاحة به وكأن شيئا لن يتغير على هؤلاء الإسلاميين الذين أصبحوا الحائط المائل لكل الانظمة ولكل التيارات العلمانية المشبوهة التي تسرق الثورات وتتحول إلى محاكم تفتيش تقصي كل من لا يصطف بجانبها ويعيش على منهجها..

 

لقد شهدت مصر مؤخرا ما سمي بـ "جمعة الغضب الثانية" أو "جمعة إحياء الثورة" للتأكيد على بعض المطالب التي قامت الثورة من أجلها هكذا بدا الامر في ظاهره ولكن في حقيقة الامر فإن هذه المظاهرة تمت الدعوة إليها بتحريض منظريين علمانيين متطرفين يريدون تأجيل الانتخابات وعمل دستور جديد على أيديهم لإبعاد الإسلام والإسلاميين من الحكم إلى الأبد وهو ما فطن إليه التيار الإسلامي لذا قرر عدم المشاركة واوضح موقفه ذلك في بيانات تم نشرها مع إشارته إلى أهمية منح المجلس العسكري فرصة يعالج فيها الامور بروية ودون ضغط إلا أن البعض حاول أن يستغل هذا الموقف ليدق أسافين بين الإسلاميين والجيش بدعوى أن هناك صفقة بين الطرفين, والبعض الآخر انهال بالشتائم والسباب على الإسلاميين بحجة أن لهم أجندات خاصة وأنهم يريدون مداهنة المجلس العسكري إلى آخر هذه الافتراءات..

 

والحقيقة أن التيار العلماني فوجئ بضعف المشاركة بدون الإسلاميين وهو ما اعترفت به صحف أجنبية أكدت أن هذه المظاهرة كشفت محدودية شعبية الليبراليين في مصر ..أقصى التقديرات التي ذكرها بعض من شارك في المظاهرة أن عدد الحضور كان بين 600 و700 ألف وهو ربع عدد الحضور في أيام الثورة وهو ما يبين الحجم الحقيقي للتيار العلماني عالي الصوت إعلاميا, علما أن بعض الشباب المنتمين لجماعة الإخوان شاركوا لاعتقادهم بالمطالب الظاهرة للتجمع دون أن يفطنوا للأمور الخفية..غيظ العلمانيين من ارتفاع شعبية الإسلاميين في الشارع واتجاههم للسيطرة على البرلمان القادم أصابهم بحالة من الفزع والرعونة ونسوا شعاراتهم عن الحرية والديمقراطية وضرورة أن يحدد الشعب ممثليه ودستوره ونصبوا أنفسهم أوصياء عليه وكالوا له الاتهامات بالسطحية والجهل, حتى وصل الامر لمحاولة الانقلاب على اختياره الحر الصريح في الاستفتاء الأخير الذي قرر فيه رغبته في الاستقرار السريع ووجود حكومة ورئيس منتخب في أقرب وقت , والذي يتابع المشهد عن قرب يجد تناقضات في موقف العلمانيين تكشف عن خبثهم الشديد كما تكشف عن مخططهم للتنكيل بالإسلاميين في أقرب وقت ممكن إذا اتيحت لهم الفرصة واستطاعوا أن يقفزوا إلى الحكم دون وجود قوي للإسلاميين وهو ما تم في فترات سابقة, ومما ييبين ذلك رغبتهم المعلنة بسرعة وحسم محاكمة الرئيس المخلوع ورموز حكمه واتهام المجلس العسكري بالتباطؤ في ذلك وأنا معهم في ذلك تماما بل أبشرهم قائلا: إن الرئيس المخلوع والرموز الكبيرة في حكمه كصفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور لن ينالوا جزاءهم في وجود المجلس العسكري لاعتبارات كثيرة من أهمها أن المجلس يشعر بحرج وأنه ضيف في السلطة ويريد أن يتم ذلك من خلال الحكومة والرئيس المنتخب كما لا يخلو الامر من نوع من المجاملة لهذه الرموز التي كان رجال المجلس يأتمرون بأوامرهم في يوم من الأيام وهو ما يبرر تأخرهم في ملاحقتهم, المهم أن ما يطلبونه من الحزم في امور كثيرة أيضا على الصعيد الامني والاقتصادي كل ذلك لن يتم في وجود حكومة شرف التي هي أشبه بحكومة تصريف اعمال والتي تم اختيار معظم أعضائها بشكل عشوائي يشوبه المجاملة أحيانا والضغط أحيانا من قبل شباب الثورة الغير مؤهل لاختيار الاصلح لهذه المناصب فهو لا يدري من الاصلح لوزارة الداخلية أو للاقتصاد أو غير ذلك ولا حتى المجلس مؤهل لهذه المهمة؛ إذن الحل للخروج من هذا النفق الذي يزداد إظلاما يوما بعد يوم هو تنفيذ إرادة الشعب ووجود برلمان ورئيس وحكومة منتخبين حتى يستطيع الشعب محاسبتهم وستكون لهم مدة معينة فإذا فشلوا عليهم الرحيل وهكذا مثل أي نظام يقوم على تداول حقيقي للسلطة أما مصمصة الشفاه على حال البلد ثم الإصرار على بقاء الوضع على ما هو عليه ورفض الانتخابات والإصرار على دستور جديد يتم اختيار من يصيغه بالضغط الإعلامي والترهيب واستغلال المتطرفين العلمانيين لبعض شباب الثورة للاعتصام في التحرير لكي يتم زرع رؤوس علمانية في مجلس لصياغة الدستور ويعطى الإسلاميون الذين يشكلون أكثر من 50 في المائة من الشارع الآن ـ باعتراف العلمانيين أنفسهم في تصريحاتهم المذعورة ـ 5 في المائة أو 10 في المائة من باب ذرالرماد في الاعين كما حصل في مصاطب يحي الجمل وعبد العزيز حجازي للحوار فهذا يعني اللعب بالنار وأن مبارك ذهب وجاءت مجموعة من اليساريين والناصريين والليبراليين ليقتسموا الكعكة وهم أبعد الناس عن الشارع, كما أن هذا سيكون أبعد شيء عن الديمقراطية التي يدعونها, كما أننا جربناهم سابقا في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك وبعضهم يتلون كالحرباء الآن زاعما البطولة والشجاعة رغم أنه كان من رجال هذه العهود..

 

 

ما يحدث الآن يذكرني ببداية عهد مبارك عندما  أطلق المعتقلين وكانت هناك حرية نسبية في الدعوة كما حصل ذلك في بعض الاوقات بعهد السادات وكذلك في بداية عهد عبد الناصر قبل أن ينقلب على الإخوان الذين ساعدوه لتثبيت أركان حكمه وفي كل مرة يجد هؤلاء الطغاة من بين من يسمون أنفسهم "مثقفين" ـ وبعضهم موجود الآن ويكيل الاتهامات للإسلاميين ـ من يبرر له ذلك, كما أنه في كل مرة لا يدوم الحال طويلا قبل أن ينقلب رجال السلطة على الإسلاميين وينكلوا بهم.. فهل نحن في انتظار تنكيل آخر بالإسلاميين على أيدي العلمانيين الجدد؟ أم يستيقظ الإسلاميون من ثباتهم ويتعلمون من دروس الماضي؟