أنت هنا

خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ
25 جمادى الثانية 1432
د. عبد الرحمن بن محمد القرني

خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ (1-3)

المقـــــدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علىٰ خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذا بحث يكشف الغطاء بعون الله عن مسألة من مسائل أصول الفقه المهمة مما يحتاجه الطلاب والباحثون، والأصوليون والمحدثون، وتعظم به بلوىٰ المكلفين، وذلك لعلاقته بالأصل الثاني من أصول التشريع وهو السنة النبوية.
تلك المسألة هي مسألة خبر الآحاد الوارد فيما تعم به البلوىٰ؛ فإنه قد اجتمعت عندي أسباب داعية للكتابة فيها، ويمكن إيجاز هذه الأسباب الكاشفة عن أهمية البحث في الأمور التالية:
أولاً: تعلق هذه المسألة بالوحي الثاني سنة رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم.
ثانياً: أن هذه المسألة أصل عظيم في الفقه، فقد أثمرت في الأحكام الشرعية العملية شيئاً كثيراً.
ثالثاً: أن هذه المسألة ربما صعبت في مبناها ومعناها علىٰ بعض الناس؛ لالتباسها  - فيما رأيت  - علىٰ بعض الطلاب بمسألة خبر الآحاد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله، فكان هذا البحث  - بحمد الله وفضله ـ كاشفاً عن الفرق بين المسألتين، ومعلوم أهمية معرفة الفروق بين مسائل العلم.

فأما منهج البحث الذي رسمته، والتزمت السير عليه؛ فكان بالرجوع إلىٰ المصادر الأصلية، وصفحت عن المراجع الحديثة قدر الإمكان، كما أَثبَتُّ كل مذهب من كلام أصحابه وكتب أتباعه، وعزوت الآيات الكريمة لسورها، وخرجت الأحاديث مع بيان الحكم عليها، وترجمت للأعلام، ملتزماً بالإيجاز غير المخل في ذلك كله.

وأما خطة البحث؛ فإني قد قسمته إلى مباحث سبعة:
الأول: في معنىٰ المسألة، والثاني: في خلافهم في المسألة، والثالث: في الفرق بين هذه المسألة ومسألة خبر الآحاد الوارد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله، والرابع: في الفرق بين قاعدة خبر الواحد في عموم البلوىٰ وقاعدة العسر وعموم البلوىٰ، والخامس: في دلائل المسألة، والسادس: في مناقشة تلك الدلائل، والسابع: في أثر الخلاف في المسألة في الأحكام الشرعية.
هذا وما كان فيه من صواب فمن فضل الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، سائلاً الله تعالىٰ العفو والغفران، وأن يصلح لي وللمسلمين النيات ويوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلىٰ الله وسلم علىٰ خير رسله محمدٍ وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.
 

المبحـث الأول
معنـــى المســـــألة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول
معنى مفردات المسألة:

ما يحتاج  إلىٰ إيضاح من مفردات عنوان المسألة هو لفظان: خبر الآحاد، وعموم البلوىٰ.

*   أما اللفظة الأولىٰ وهي خبر الآحاد؛ فأقول:

«الخبر» مفرد، وجمعه: أخبار، وهو في اللغة: اسم لما يُنقل ويُتحدث به، أو هو: ما أتاك من نبأ عمن تَسْتخبر([1]).

والخبر في الاصطلاح مرادف للحديث.

وقيل: الحديث ما جاء عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عن غيره؛ ومن ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ: «إخباري»، ولمن يشتغل بالسنة النبوية: «محدِّث».
وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل حديث خبر ولا عكس.
أي أن الخبر أعم من الحديث؛ حيث يطلق الخبر علىٰ ما جاء عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم وما جاء عن غيره، وأما الحديث فهو مختص بما جاء عنه صلىٰ الله عليه وسلم([2]).

*   والخبر ينقسم إلىٰ متواتر وآحاد.
فالمتواتر: ما رواه عدد لا يمكن في العادة تواطؤهم علىٰ الكذب عن مثلهم وأسندوه إلىٰ شيء محسوس([3]).
والآحاد: ما لم يبلغ حد التواتر([4]).
وهناك ما يسمىٰ بالحديث «المشهور»، وربما سمي بـ «المستفيض» ([5])، وهو عند الجمهور: ما رواه ثلاثة فأكثر ولم يبلغ حد التواتر.
فهو عند الجمهور قسم من خبر الآحاد([6])، ووافقوا فيه اصطلاح المحدِّثين([7]).
وأما الحنفية فجعلوه قسماً ثالثاً للخبر، وعَرَّفوه بأنه: ما كان آحاداً في الأصل ثم انتشر في العصر الثاني فصار ينقله عددٌ لا يُتَصَوَّر في العادة تواطؤهم علىٰ الكذب.
وهو عند عامتهم كالمتواتر في جواز النسخ به، والتخصيص، والزيادة علىٰ نص الكتاب وغير ذلك، إلا أن جاحده لا يكفر([8]).

* أما اللفظة الثانية وهي «البلوىٰ»؛ فإنها في أصل الوضع بمعنىٰ الاختبار، يقال: بَلَوْتُ الرجلَ بلاءً وبَلْوَىٰ وبَلْوَةً وبَلِيَّةً، أي: اختبرتُهُ.
ومن هنا صح أن يقال عن التكاليف الشرعية بلوىٰ؛ لأنها اختبار للناس؛ ولأن البلاء يكون في الخير وفي الشر، يقال: ابتليتُهُ بلاءً حسناً وبلاءً سيئاً، وقال الله تعالىٰ: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ([9])([10]).
وقد أخذ هذه اللفظة بعض العلماء في تسمية بعض مصنفاتهم، كالإمام الصنعاني([11]) في عنوان كتاب له فسماه: «المسائل المهمة فيما تعم به البلوىٰ حكام الأمة» ([12]).

 المطلب الثاني
 المعنى الاصطلاحي للمسألة
فأما المراد بمسألتنا في اصطلاح الأصوليين فهو: أن يَرِد حديث آحادي صح سنده في أمر تعم به البلوىٰ أي يكثر وقوعه ويعم التكليف به ويتكرر حدوثه وتعظم حاجة المكلفين إليه فيحتاج إلىٰ معرفته العام والخاص للعمل به وتمس الحاجة إليه في جميع الأحوال([13]).
فهل يقبل ذلك الحديث أو أنه لا يقبل؟ خلاف بين الأصوليين، ويأتي أن الحنفية هم الذين ردوا هذا الخبر، وقَبِلَهُ الباقون.
مثاله: أن الصلاة وما يتوقف عليها من الطهارة ونحوها هي مما تعم به البلوىٰ([14])، والحنابلة مثلاً قد استدلوا فيها بما روي عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم أنه: «نهىٰ أن يتوضَّأ الرَّجُلُ بفضلِ وضوءِ المرأة» ([15]) فقالوا بعدم جواز وضوء الرجل بفضل طهور المرأة([16]).
وخالفهم الحنفية فقالوا بالجواز([17])، ولم يأخذوا بهذا الحديث، لأنه وارد في شيء تعم به البلوىٰ؛ حيث قال السرخسي([18]):«والذي رُوِيَ: (أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم نهىٰ أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل وضوء الرجل) شاذٌّ فيما تعم به البلوىٰ، فلا يكون حجة» ا.هـ([19]).
 

المبحــث الثاني
 الخـــلاف في المســألة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول
 المذاهـب في المسألة
اختلف أهل العلم بالأصول في حجية خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، وكان خلافهم في المسألة علىٰ قولين:
الأول: أن خبر الآحاد في عموم البلوىٰ حجة، وهذا قول المالكية([20])، والشافعية([21])، والحنابلة([22])، وأبي علي الجُبَّائي([23])، وأبي الحسين([24]) البصري ([25])، وابن حزم([26]) الظاهري([27])، وعامة الفقهاء والمتكلمين([28])، وجميع أصحاب الحديث([29]).
الثاني: أن خبر الآحاد في عموم البلوىٰ ليس بحجة. وهذا قول الحنفية([30])، وأبي عبدالله([31]) البصري([32]).
وسماه الحنفية «شاذاً» ([33])، أو «غريباً» ([34])، وزاد برهان الدين البخاري([35]) وأكمل الدين البابرتي([36]): أنه يسمىٰ «مستنكراً» ([37]).
هذا وقد وقع شيء من الاضطراب لنقلةِ مذهبِ الحنفية من غير الحنفية، فقال بعضهم: إنه قول بعض الحنفية([38]).
وقال آخرون: إنه قول أكثر الحنفية([39])، أو: عامة الحنفية([40]).
وقال آخرون: إنه قول الكرخي([41]) وبعض الحنفية([42]).
وقال آخرون: إنه قول أبي([43]) حنيفة([44]).
وقال آخرون: إنه قول أصحاب أبي حنيفة([45]).
وقال آخرون: إنه قول المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة([46]).
وقال آخرون: إنه قول الحنفية([47])، فأَطْلَقَ واستراح.
وكأنَّ أبا العباس بن تيمية([48]) أراد الإشارة إلىٰ هذا الاضطراب؛ حيث قال: «يُقْبَل خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ… خلافاً للحنفية، وقال ابن بَرْهان([49]): خلافاً لبعض الحنفية، وقال أبو الخطاب([50]): خلافاً لأكثر الحنفية، وعزاه الجويني([51]) إلىٰ أبي حنيفة» اهـ([52]).
فإذا رجعنا إلىٰ كتب الحنفية  - وأهل مكة أدرىٰ بشعابها  - فإننا نجدهم يذكرون أن رد خبر الواحد في عموم البلوىٰ هو قول عيسىٰ([53]) بن أَبَان([54]) والكَرْخي من متقدميهم([55])، وجميع متأخريهم([56]).
وربما عبر بعضهم بقوله: «عامة الحنفية» ([57]) وهو لا يريد جميعهم([58])؛ ولهذا لما قال ابن عبد الشكور([59]):«عند عامة الحنفية» قال الأنصاري([60]) في شرحه: «لا عند بعضهم» اهـ([61]).
هذا وعبارة ابن الهمام([62]) في (التحرير) هي: «عند عامة الحنفية منهم الكرخي» فقال ابن أمير حاج([63]) في شرحه: إنه لا فائدة لقوله: «منهم الكرخي»؛ لأنه مندرج في عامتهم([64]).
وتعقبه أمير بادِ شاه([65]) بأن ابن الهمام قد أتىٰ بهذه الجملة رداً علىٰ ما يتوهم من كلام بعضهم من اختصاص الكرخي بهذا المذهب([66]).
قلتُ: منهم أبو الحسين البصري في (المعتمد) فإنَّه نسبه إلىٰ الكرخي فحسب([67]).
* فأما قول الجويني: «إنه قول أبي حنيفة»؛ فلعله أراد أنه مذهبه، وبناءً علىٰ ذلك فليس بالضرورة أن يكون نصَّاً عنه.
وعليه يُحْمل كلام بعض الحنفية في المسائل الفقهية المخرَّجة علىٰ القاعدة، كقول السرخسي في بعض مسائل الكفاءة في النكاح: «ولكن أبا حنيفة  - رحمه الله  - قال: الحديث شاذٌّ لا يؤخذ به فيما تعم به البلوىٰ» اهـ([68]).
لكن في بعض كتب الحنفية ما يدل علىٰ أنَّ أبا حنيفة ومحمد بن الحسن([69]) كانا يقولان بردّ خبر الآحاد في عموم البلوىٰ، ففي (فتح القدير) لابن الهمام في باب الاستسقاء قال: «… وكذا قول غير المصنف: (المرويُّ فيه شاذٌّ فيما تعم به البلوىٰ) وهو ظاهر جواب الرواية([70])؛ فإنَّ عبارته في (الكافي)([71]) الذي هو جَمْعُ كلامِ محمد قال: (لا صلاة في الاستسقاء إنما فيه الدعاء… ولم يبلغنا عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم في ذلك صلاةٌ إلا حديث واحد شاذٌ لا يؤخذ به) انتهىٰ. وهذا صريحٌ من جهة الرواية في علمِ محمدٍ به.
فإن قيل: من أين يلزم كون ما علمه محمد  - رحمه الله  - ومَنْ بعده من الرواية معلوماً لأبي حنيفة؟
قلنا: ومن أين عُلِم أنه لم يبلغه وبلغ أتباعه، بل الظاهر تلقيهم ذلك عنه ثم الجواب عنه بما ذكر وفي عدم ا لأخذ به لشذوذه» اهـ([72])‍‍‍‍ أي: شذوذه فيما تعم به البلوىٰ.
وقصة أخرىٰ ذكرها البابرتي([73])، وذكرها ابن الهمام أيضاً؛ حيث قال الأخيرُ بعد أَنْ ذَكَرَ  أن مذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز التطوع علىٰ الدابة في المِصْر: «قيل: لما قال أبو حنيفة ذلك؛ قال أبو يوسف([74]): حدثني فلان  - وسَمَّاه  - عن سالم([75]) عن ابن عمر([76]) رضي الله عنهما: (أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة([77]) رضي الله عنه وكان يصلي وهو راكب) ([78]) فلم يرفع أبو حنيفة رأسه.
قيل: ذلك رجوع منه، وقيل: بل لأنه شاذ فيما تعم به البلوىٰ، والشاذ في مثله ليس حجة عنده، ومحمد تمسك به أيضاً» اهـ([79]).
والضمير في قوله: «ليس حجة عنده» يرجع إلىٰ أبي حنيفة، والضمير في قوله: «به أيضاً» يرجع إلىٰ الأصل المذكور وهو رد خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ.
 
q  هذا وقد وافق الحنفية علىٰ مذهبهم في المسألة ابن خُوَيْز منداد([80]) من المالكية([81])، ونقله بعضهم عن ابن سريج([82]) من الشافعية([83]).
 

المطلب الثاني
موضـع النزاع
يمكن إيجاز الكلام في محل النزاع في مسألة خبر الآحاد الوارد في عموم البلوىٰ في الأمور التالية:
أولاً: أن تقييدهم المسألة بخبر الآحاد؛ يدل علىٰ أن الخلاف لا يجري فيما عداه، وهو المتواتر عند الجميع، وكذا المشهور علىٰ ما سبق من تقسيم الحنفية.
وقد صرح الحنفية بقبول الخبر المشهور في عموم البلوىٰ؛ حيث قال الكاساني([84]) رداً علىٰ بعض خصوم الحنفية في مسألة من مسائل الأذان: «وما يَرْوُون فيه من الحديث فهو غريب، فلا يقبل خصوصاً فيما تعم به البلوىٰ، والاعتماد في مثله علىٰ المشهور» اهـ([85]).
وقال علاء الدين البخاري([86]):«وذلك لأن ما تعم به البلوىٰ  - كمس الذكر([87])  - لو كان مما ينتقض به الطهارة لأَشَاعَهُ النبي صلىٰ الله عليه وسلم ولم يقتصر علىٰ مخاطبة الآحاد، بل يلقيه إلىٰ عدد يحصل به التواتر أو الشهرة» اهـ([88]).
وسبق في أول البحث أن حكم الحديث المشهور عند الحنفية كحكم الحديث المتواتر،  إلا أَنَّ جاحده لا يكفر.
وعلىٰ هذا: فإنه إذا كان الخبر الوارد في عموم البلوىٰ مشهوراً أو متواتراً؛ كان حجة عند الكل فلا يجري فيه الخلاف المذكور.
ثانياً: أن الحنفية زادوا علىٰ الشهرة تلقي الأمة للحديث بالقبول، فاشترطوا لقبوله أحد هذين الوصفين.
وعليه: فإن الحديث إذا كان مشهوراً أو تلقته الأمة بالقبول؛ كان هذا الحديث مقبولاً عند الجميع ولو عمت بحكمه البلوىٰ فلا يجري فيه الخلاف المذكور.
وقد نص الحنفية علىٰ ذلك؛ حيث قال ابن الهمام: «خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ… لا يَثْبُتُ به وجوبٌ دون اشتهار أو تلقي الأمة بالقبول» اهـ([89])، وكذلك قال غيره([90]).
وهما شيئان اثنان ولذا قال ابن الهمام بعد ذلك: «والأكثر يقبل دونهما» اهـ([91]) فأتىٰ بضمير التثنية؛ قال أمير بادِ شاه في شرحه: «دونهما: أي بلا اشتراط اشتهاره ولا تلقي الأمة له بالقبول» اهـ([92]).
ثم قال ابن الهمام: «فعدم أحدهما دليل الخطأ أو النسخ فلا يقبل» اهـ([93])، قال أمير بادِ شاه في شرحه: «فعدم أحدهما: أي الشهرة والقبول» اهـ([94]).
وقد ذكر ابن أمير حاج أنه لا تلازم كلياً بينهما بل هما شيئان مختلفان؛ حيث قال: «ثم الظاهر أنه لا تلازم كلياً بين الاشتهار وبين تلقي الأمة له بالقبول؛ إذْ قد يوجد اشتهار للشيء بلا تلقي جميع الأمة له بالقبول، وقد تتلقىٰ الأمةُ الشيءَ بالقبول بلا روايته علىٰ سبيل الاشتهار» اهـ([95]).
قلت: الذي يظهر في الفرق بينهما أن الأول - وهو الشهرة  - هو من حيث السند والرواية، وأن الثاني  - وهو التلقي بالقبول  - هو من حيث التطبيق والعمل.
ثالثاً: أن موضع الخلاف بين الحنفية والجمهور هو ما إذا كان الحكم في المسألة التي تعم بها البلوىٰ هو الوجوب أو الحظر.
فأما إن كان غير الوجوب والحظر كالمسنون والمباح ونحوهما؛ فإن خبر الآحاد فيه يكون مقبولاً عند الجميع.
هذا هو الذي ذكره أبو بكر الجَصَّاص([96]) حيث قال: «وأما مجيئه فيما تعم البلوىٰ به فإنما كان علة لرده من توقيفٍ من النبي عليه الصلاة والسلام الكافَّةَ علىٰ حكمه فيما كان فيه إيجابٌ أو حظر» ([97]) اهـ، وقال أيضاً: وأمَّا ما ليس بفرضٍ مما هم مخيَّرون في أن يفعلوا منـه ما شـاءوا – وإنما الخلاف بين الفقهاء في الأفضل منه – فليس علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم توقيفهم علىٰ الأفضل مما خَيَّرهم فيه، وذلك جائزٌ ورود الأخبار فيه من طريق الآحاد، وليس ذلك مثل ما قد وُقِّفوا عليه وحُظِرَ عليهم مجاوزته إلىٰ غيره مع بلواهم به([98]).
وقَصَرَ ابن الهُمام محل النزاع علىٰ الوجوب؛ ففي (التحرير): «خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ  - أي يحتاج الكل إليه حاجة متأكدة مع كثرة تكرره  - لا يثبت به وجوب» اهـ([99]).
ثم قال ابن الهمام: «وليس غسل اليدين ورفعهما([100]) منه؛إذ لا وجوب» اهـ([101])‍‍‍ قال أمير بادِ شاه في شرحه: «يعني أنا لا نثبت بكل منهما وجوباً بل استناناً([102])؛ لذلك فلا يضر قبولنا إياه فيه» اهـ([103]).
ثم ذَكَرا مثالاً آخر وهو التسمية في قراءة الصلاة،أثبتها الحنفية بخبر الآحاد؛ لكون الحكم ليس إيجاباً بل استحباباً([104])، وقال ابن أمير حاج: «وإن كانت [أي التسمية] مما تعم به البلوىٰ لكنا لم نثبت به [أي خبر الآحاد] وجوبها، بل ظاهر المذهب استنانها، فلا يرد علينا أيضاً» اهـ([105]).
ثم قال ابن الهمام وأميرْ بادِ شاه في جواب اعتراض للجمهور: «… (قلنا: التفاصيل إن كانت رفع اليدين والتسمية والجهر بها ونحوه من السنن) كوضع اليمين علىٰ الشمال تحت السرة وإخفاء التأمين (فليس) إثبات ذلك (محل النزاع) إذ النزاع في إثبات الوجوب به»اهـ([106]).
وهذا الذي ذكره ابن الهمام في (التحرير) وتابعه عليه شارحاه؛ ذكره أيضاً ابن عبد الشكور في (مسلم الثبوت)؛ حيث قال: «خبر الواحد فيما يتكرر وتعم به البلوىٰ… لا يُثْبِتُ الوجوبَ» اهـ([107]) ثم قال يذكر اعتراضاً للجمهور وجوابه من قِبَلِ الحنفية: «قالوا أولاً: قبلته الأمة في تفاصيل الصلاة. قلنا: إن كانت من السنن كغسل اليدين ورفعهما فلا نزاع»اهـ([108]). أي: فإن النزاع إنما هو في الواجبات([109]).
لكن الأنصاري لم يرتض هذا، واختار في (فواتح الرحموت) أن النزاع قائم في سائر الأحكام التكليفية، وذكر أن هذا هو الظاهر من كتب الحنفية؛ حيث قال: «واعلم أن الذي يظهر في تحرير المسألة من كتب الكرام أن الخبر الشاذ المروي من واحد أو اثنين فيما عم به البلوىٰ وورد مخالفاً لما يعلمه الجماعة ويبتلون به بحيث يكونون لو علموا بالخبر لعملوا به سواء كان الخبر في مباح أو مندوب أو واجب أو محرم؛ لم يقبل ولم يعمل به ويكون مردوداً.
ويدل علىٰ التعميم تمثيل الإمام فخر الإسلام([110]) بحديث جهر التسمية في الصلاة الجهرية([111]) وهو من هذا القبيل» اهـ([112]) أي: أن تمثيل فخر الإسلام البزدوي بالجهر بالتسمية في الصلاة الجهرية مع أنها سنة عند من يقول بها؛ يدل علىٰ أن الخلاف يجري أيضاً في غير الواجبات.
وكذلك مَنَعَ العبادي([113]) قصر المسألة علىٰ نفي الوجوب فحسب؛ حيث قال: «أقول: كون المدعىٰ نفي الوجوب ممنوع» اهـ([114]).
قلت: ويؤيد كلام الأنصاري والعبادي ما سيأتي إن شاء الله من الأمثلة الفقهية المتخرجة علىٰ الخلاف في المسألة؛ فإن بعضها في الوجوب وبعضها في غيره.
 

المطلب الثالث
سبب الخلاف
لم أر من الأصوليين من تعرض لسبب الخلاف بين الجمهور والحنفية في المسألة تعرضاً واضحاً، والذي يظهر لي أن سبب الخلاف بين الفريقين يرجع إلىٰ ثلاثة أشياء، ثانيها وثالثها يستتبعان أولها.
وهذه الأمور الثلاثة هي:
الأول: تقسيم أحكام الشرع إلىٰ ما تعم به البلوىٰ وما لا تعم به البلوىٰ؛ فإن هذا التقسيم وضعه الحنفية وبنوا عليه التفرقة بينهما في طريق الثبوت، فالأول طريق ثبوته التواتر أو الشهرة، والثاني يمكن إثباته بخبر الآحاد.
فأما الجمهور فلم يقولوا بهذا التقسيم، وإنما ذكروه في كتبهم في مسألتنا بياناً لمذهب الخصم وللرد عليه.
بل قال الجمهور بأن جميع أحكام الشرع تعم بها البلوىٰ([115])، وعلىٰ هذا فطريق ثبوت الكل عندهم سواء.
الثاني: اختلافهم في أن العادة هل هي قاضية بنقل ما عمت به البلوىٰ نقلاً متواتراً أَوْ  لا؟
فعند الحنفية أن العادة تقضي بأن ما تعم به البلوىٰ يتواتر نقله أو يشتهر؛ لوجود داعيه من كثرة السؤال عنه وكثرة الجواب، وعلىٰ هذا فنقل الخبر  - والحالة هذه  - نقلاً آحادياً دليل زيفه وغلطه([116]).
وعند الجمهور مَنْعُ لزوم ذلك ، بل العادة تجوِّز النقل الآحادي لأحكامٍ تعم بها بلوىٰ المكلفين، وعليه فخبر الآحاد فيها صحيحٌ مقبول([117]).
وقد أشار الجويني إلىٰ هذا السبب؛ حيث قال: «كل أمر خطير ذي بال يقتضي العرفُ نقلَه  - إذا وقع  - تواتراً؛ إذا نقله آحادٌ فهم مكذَّبون فيه منسوبون إلىٰ تعمد الكذب أو الزلل… وقـال أبو حنيفــة بانيــاً علىٰ هذا: لا يقبـل خبـر الواحـد فيمــا تعـــم بها البـلوىٰ» اهـ([118])،  فقد بَيَّن أن قول الحنفية مبني علىٰ هذا،  وكذلك قال المازري([119]).
الثالث: اختلافهم هل يجب علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم إشاعة ما عمت به البلوىٰ بين الصحابة رضي الله عنهم؟
فالحنفية قالوا بأنه يلزم النبي صلىٰ الله عليه وسلم إشاعة حكم ما تعم به بلوىٰ المكلفين وإلقاؤه لجمعٍ يبلغ حد الشهرة أو التواتر([120]).
وهذا كما ترىٰ ينبني علىٰ الأول؛ فإن الحنفية لما قسموا الأحاديث إلىٰ ما تعم به البلوىٰ وما لا تعم فَرَّعوا عليه وجوب إشاعة الأول دون الثاني.
فأما الجمهور فإنهم لما لم يقولوا بهذا التقسيم؛ لم يوجبوا الإشاعة وقبلوا كل الأحكام بأخبار الآحاد والتواتر([121]).
 

المبحث الثالث
 الفرق بين مسألة خبر الآحاد فيما تعـم به البلوى
ومسألة خبر الآحاد فيما تتوافر الدواعي على نقله
إن مسألة خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ قد تشتبه علىٰ بعض الناس بمسألة أخرىٰ ذكرها الأصوليون أيضاً، وهي مسألة خبر الآحاد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله.
والحق أن بينهما فرقاً، فأما الأولىٰ وهي خبر الواحد في عموم البلوىٰ فمعناها أن الخبر الآحادي الذي صح سنده إذا ورد في التكليف بشيء يتكرر وقوعه وتعم الحاجة إليه المسلمين لأجل العمل به والتكليف بمقتضاه هل يقبل أو أنه لا يكون مقبولاً؟
وأما الثانية وهي خبر الواحد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله فحاصلها: أن خبر الآحاد الذي لو صح لتواتر نَقْلُه إلينا؛ لكون الدواعي علىٰ نقله متوفرة  - إما لغرابته كسقوط الخطيب عن المنبر يوم الجمعة، أو قتل أمير بالسوق، أو ظهور خسف أو زلزلة أو نحو ذلك، وإمَّا لتعلقه بأصل من أصول الدين  كالنص علىٰ الإمامة الكبرىٰ  - فإنه مقطوع بكذبه؛ ولهذا يعلم أهل الشام مثلاً أو أهل مصر أنه لا بلدة بين مكة والمدينة أكبر منهما، ولا مستند لعلمهم هذا إلا عدم النقل المتواتر.
ولم يخالف في هذه المسألة إلا الرافضة وقالوا بقبوله؛ وذلك ليتوصلوا بهذا إلىٰ نصرة بعض عقائدهم الباطلة؛ حيث زعموا أن النص الجلي دل علىٰ إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكتمه الصحابة رضوان الله عليهم.
قلت: وذلك منهم لخلوّ أيديهم من الأحاديث، فلما لم يجدوا في السنن والصحاح ما ينصروا به عقائدهم الفاسدة وأصولهم الكاسدة؛ وضعوا الأحاديث واختلقوا الأكاذيب، وبنوا عليها صرحاً من خيال؛ ليتزلفوا بها إلىٰ أئمتهم وينصروا بها بدعتهم، والله حسيبهم.
واعلم أن موضع النزاع بين الفريقين هو الخبر الذي ينقله الواحد في موطن كثر مشاهدوه، وسكتوا مدة ا لعمر.
فالرافضة  - قبحهم الله  - يقولون: إن نصاً قاله النبي صلىٰ الله عليه وسلم في غدير خُم([122]) بمحضر أكثر من مائة ألف صحابي دل علىٰ إمامة علي([123]) رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلىٰ الله عليه وسلم، ولكن الصحابة كتموه وبايعوا أبا بكر الصديق([124]) رضي الله عنه.
والجمهور يقولون: إن العادة تقضي بالقطع بكذب مثل هذا الخبر لو فُرِض وجوده، وما ينسبه الروافض إلىٰ صحابة رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم من الكتمان والتآمر علىٰ إخفائه يدل علىٰ سفاهة عقولهم وشناعة أمرهم؛ فإن سكوت جم غفير عن خــبر علموه وكتمانهم ذلك هو مما تحيله العادة، فكيف وهذا الجم الغفير هم صحابة رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم الذين هم خير القرون؟!([125]).

المبحث الرابع:
 الفروق بين قاعدة خبر الواحد في عموم البلوى.
وقاعدة العسر وعموم البلوى.
أردت في هذا المبحث بيان وجه الاختلاف بين قاعدة خبر الواحد في عموم البلوىٰ، وقاعدة العسر وعموم البلوىٰ؛ وذلك لما تراه من اشتراك لقبي القاعدتين في بعض الألفاظ، وهو «عموم البلوىٰ».

ويمكن إيجاز الفرق بين القاعدتين في الأمور التالية:
أولاً: أن القاعدة الأولىٰ  - وهي خبر الواحد في عموم البلوىٰ  - قاعدة أصولية، وأما الثانية فهي قاعدة فقهية.
ثانياً: أن القاعدة الأولىٰ يراد بها: الحديث الآحادي الوارد في حكم تعم أهميته المسلمين، وتمس الحاجة إليه.

والقاعدة الثانية يراد بها: أن الشيء العام الذي يعسر التحرز منه فإن الشارع يسره وخففه علىٰ المكلف بحيث يمكنه فعل العبادة أو غيرها بحسب قدرته([126]).
فقولهم: «العسر»: أي عسر تجنب الشيء([127]).
وقولهم: «عموم البلوىٰ» أي الحالة التي تشمل كثيراً من الناس ويعم المصاب بها([128]).
وشرط العمل بهذه القاعدة أن يكون هذا الأمر الذي عمت به البلوىٰ وارداً في موضع لا نص فيه يخالفه، فإن وجد نص بخلافه فلا اعتبار للقاعدة([129]).

ثالثاً: أن القاعدة الأولىٰ مختلف فيها في المذاهب الأربعة بين الجمهور وبين الحنفية كما سبق بيانه.
والقاعدة الثانية متفق عليها في المذاهب الأربعة، وإليك الأمثلة بإيجاز:
* فقد استدل بها الحنفية في مواضع عدة، منها قول الزيلعي([130]) في بعض مسائل الطهارة: «… أن نجاسته مخففة عنده… ووجه التخفيف عموم البلوىٰ والضرورة، وهي توجب التخفيف فيما لا نص فيه» اهـ([131]).
وقال ابن الهمام: «وما ترشَّش علىٰ الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه؛ لعموم البلوىٰ» اهـ([132]).
وفي (الدر المختار) قال التمرتاشي([133]):«وجاز إجارة  القناة والنهر مع الماء، به يُفْتَىٰ لعموم البلوىٰ» اهـ([134]).
وذكر ابن نجيم([135]) هذه القاعدة في (أشباهه) فقال: «السادس: العسر وعموم البلوىٰ، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كما دون ربع الثوب من المخففة وقدر الدرهم من المغلظة…» اهـ([136]).

* كما استدل بها المالكية في مواضع، منها قول الخرشي([137]): «يرخص في الخبز المخبوز بالزِّبْل([138]) عندنا بمصر؛ لعموم البلوىٰ» اهـ([139]).
وقال الحطاب([140]) في بعض مسائل الصلاة: «والظاهر صحة الصلاة لاسيما في هذه المسألة؛ لعموم البلوىٰ بها» اهـ([141]).
وفي (الشرح الكبير) للدردير([142]): «أو جلس علىٰ ثوب غيره في صلاة أو في مجلس يجوز فيه الجلوس معه فقام رب الثوب فانقطع فلا ضمان علىٰ الجالس» اهـ‍‍‍‍‍، قال الدسوقي([143]):«قوله: (فلا ضمان علىٰ الجالس) أي لأنه مما تعم به البلوىٰ في الصلاة والمجالس»اهـ([144]).
وقال ابن الشاط([145]): «القاعدةُ في الملة السمحة تخفيفٌ في كل ما عمت به البلوىٰ»اهـ([146]).

* واستدل بها الشافعية أيضاً، فمن ذلك قول النووي([147]) في بعض مسائل الصلاة: «أن الشك في ترك السجدة ونحوها تعم به البلوىٰ فَعُفِيَ عنه» اهـ([148]).
وقال أيضاً: «إذا انفصل شعر آدمي في حياته فطاهر علىٰ أصح الوجهين؛ تكرمةً للآدمي ولعموم البلوىٰ وعسر الاحتراز» اهـ([149]).
وقال شمس الدين الرملي([150]):«ويحكم أيضاً بطهارة ما عمت به البلوىٰ، كَعَرَقِ الدواب ولعابها…» اهـ([151]).
وذكر السيوطي([152]) هذه القاعدة في (أشباهه) فقال: «السادس: العسر وعموم البلوىٰ، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم القروح والدمامل والبراغيث…» اهـ([153]).

* واستدل بها الحنابلة كذلك، فمن ذلك قول ابن قدامة([154]) في بعض مسائل الديات: «…وإن كان بغير إذنه ففيه روايتان: إحداهما لا يضمن… والثانية يضمن… والصحيح هو الأول؛ لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان الإمام فيه وتعم البلوىٰ به»اهـ([155]).
وقال شمس الدين ابن مفلح([156]) في بعض مسائل الطهارة: «وكانت أيدي الصحابة تتلوث بالجرح والدمل ولم ينقل عنهم التحرز من المائع حتىٰ يغسلوه؛ ولعموم البلوىٰ ببعر الفأر وغيره» اهـ([157]).
وقال المرداوي([158]):«من رأىٰ سواداً بالليل فظنه عدواً فتبين أنه ليس بعدو بعد أن تيمم وصلىٰ، ففي الإعادة وجهان… أحدهما لا يعيد وهو الصحيح، قال المجد([159]) في شرحه: والصحيح لا يعيد؛ لكثرة البلوىٰ بذلك في الأسفار» اهـ([160]).
وفي (الإقناع) للحجاوي([161]) و(شرحه) للبهوتي([162]) بعد أن قَرَّرا أنَّ لعمل الجوارح أثراً في بطلان الصلاة: «ولا تبطل الصلاة بعمل القلب ولو طال؛ لعموم البلوىٰ به» اهـ([163]).

 

يتبع

---------------------------------
([1]) انظر (لسان العرب) 4/226 و(المصباح المنير) 1/162 «خبر».
([2]) انظر (نزهة النظر) ص52  - 53 و(تدريب الراوي) 1/42  - 43.
([3]) انظر (شرح اللمع) 2/572 و(تقريب الوصول) ص285  - 287 و(نهاية السول) 2/666 و(البحر المحيط) 4/231 و(شرح المحلي علىٰ جمع الجوامع) 2/119 و(شرح الكوكب المنير) 2/324.
([4]) انظر (شرح اللمع) 2/578 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص43 و(بيان المختصر) 1/655 و(تقريب الوصول) ص289 و(نهاية السول) 2/684 و(البحر المحيط) 4/255  - 256 و(شرح الكوكب المنير) 2/345.
([5]) انظر (الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص43 و(شرح المحلي) 2/129 و(قواعد التحديث) ص124.
([6]) انظر (الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص43 و(بيان المختصر) 1/655  - 656 و(نهاية السول) 2/684 و(شرح المحلي) 2/129 و(شرح الكوكب المنير) 2/345.
([7]) انظر (البحر المحيط) 4/249 و(نزهة النظر) ص62 و(تدريب الراوي) 2/173.
([8]) انظر (ميزان الأصول) ص428 و(المغني في أصول الفقه) ص192 و(أصول الشاشي) ص192  - 194 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 2/368 و(التقرير والتحبير) 2/235 و(إفاضة الأنوار) ص192 و(الوجيز) للكراماستي ص144 - 147.
([9]) من الآية 35 سورة الأنبياء.
([10]) انظر (لسان العرب) 14/83  - 84 و(تاج العروس) 19/216  - 217 «بلا».
([11]) هو محمد بن إسماعيل الحسني الصنعاني عز الدين أبو إبراهيم، فقيه محدِّث أصولي، يُعرف بالأمير، من كتبه (سبل السلام شرح بلوغ المرام) و(إرشاد النقَّاد إلىٰ تيسير الاجتهاد) توفي سنة 1182هـ. انظر (الأعلام) 6/38. 
([12]) ذكره الصنعاني في كتابه (سبل السلام) 4/403.
([13]) هذا التعريف جمعته من عباراتهم في المصادر التالية: (أصول السرخسي) 1/368 و(إيضاح المحصول) ص523 و(شرح مختصر الروضة) 2/233 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/16 و(بيان المختصر) 1/746 و(البحر المحيط) 4/347 و(الردود والنقود) للبابرتي ص656 و(فتح الباري) 13/235 و(الآيات البينات) 3/294 و(تيسير التحرير) 3/112 و(حاشية الإزميري) 2/225 و(حاشية البناني) 2/135 و(الترياق النافع) 1/276 و(مذكرة الشنقيطي) ص173.
([14]) انظر (تحفة المسئول) 2/428.
([15]) الحديث أخرجه أحمد 17863، 17865، 20655، 20657، وأبو داود 82 والترمذي 64 والنسائي 344 وابن ماجه 373 وقد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر: «وأغرب النووي فقال: «اتفق الحفاظ علىٰ تضعيفه» اهـ وصححه الألباني. انظر (فتح الباري) 1/300 و(إرواء الغليل) 1/43 و(التعليقات الحسان) 2/466.
([16]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/23 و(الإقناع وشرحه الكشاف) 1/36.
([17]) انظر (اللباب) للمنبجي 1/55 و(حاشية ابن عابدين) 1/133 فأما المالكية والشافعية فإنما وافقوا الحنفية هنا لأدلة خارجية. انظر للمالكية (الإشراف) 1/157 و(الاستذكار) 3/132  - 135 وانظر للشافعية (البيان) 1/259 و(المجموع) 1/191.
([18]) هو محمد بن أحمد السرخسي شمس الأئمة أبو بكر، فقيه حنفي قاضٍ، من كتبه (المبسوط) في الفقه، و(أصول الفقه) توفي نحو سنة 490هـ. انظر (الجواهر المضية) 3/78.
([19]) (المبسوط) 1/62.
([20]) انظر (إحكام الفصول) ص266 و(المحصول) لابن العربي ص117 و(شرح تنقيح الفصول) ص372.
([21]) انظر (التبصرة) ص314 و(المستصفىٰ) 1/321 و(المحصول) للرازي 4/441.
([22]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/885 و(الواضح) 4/389 و(مختصر ابن اللحام) ص94  - 95.
([23]) هو محمد بن عبدالوهاب بن سلام الجُبَّائي أبو علي، من رؤوس المعتزلة وإليه تُنسب فرقة الجبائية، توفي سنة 303هـ. انظر (وفيات الأعيان) 4/267.
([24]) هو محمد بن علي بن الطَّيِّب البصري أبو الحسين، أصولي معتزلي، من كتبه (المعتمد في أصول الفقه) و(تصفح الأدلة) توفي سنة 436هـ. انظر (وفيات الأعيان) 4/271.
([25]) انظر (المعتمد) 2/661.
([26]) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي أبو محمد، فقيه أصولي من الظاهرية، من كتبه (الإحكام في أصول الأحكام) و(المحلىٰ في الفقه) توفي سنة 456هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 10/74.
([27]) انظر كتابه (الإحكام) 1/104.
([28]) انظر (أصول الفقه) لابن مفلح 2/618 وهو في (المسودة) 1/478 نقلاً عن ابن برهان، ولم أجده في كتابه (الوصول إلىٰ الأصول) 2/192  - 195 خلافاً لما ذكره محقق (المسودة)، فلعل النقل عنه من كتبه الأصولية الأخرىٰ.
([29]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/16 و(التحقيق شرح الحسامي) ص158 و(الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي 1/362.
([30]) انظر (الفصول في الأصول) 3/114 و(ميزان الأصول) ص434 و(بديع النظام) 1/379  - 380.
([31]) هو الحسين بن علي بن إبراهيم الكاغَدِي البصري أبو عبدالله، قاضٍ معتزلي يُعرف بالجُعَل، من كتبه (الإيمان) و(المعرفة) توفي سنة 369هـ. انظر (طبقات المعتزلة) ص105 و(الأعلام) 2/244.
([32]) انظر (البحر المحيط) 4/347 و(إرشاد الفحول) 1/280.
([33]) انظر مثلاً (تقويم الأدلة) ص196 و(المغني في أصول الفقه) ص198 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/18 و(التوضيح) لصدر الشريعة 2/9 و(مرآة الأصول) 2/219 و(المبسوط) 1/129، 2/77، 24/18، 27/143، 30/219 و(فتح القدير) لابن الهمام 1/464، 2/91.
([34]) انظر مثلاً (أصول السرخسي) 1/368 و(كشف الأسرار شرح المصنف علىٰ المنار) 2/53 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/278 و(بدائع الصنائع) 1/127، 147، 218.
([35]) هو محمود بن أحمد بن عبدالعزيز البخاري برهان الدين، فقيه حنفي من مجتهدي المذهب، من كتبه (المحيط البرهاني) و(شرح أدب القضاء للخصَّاف) توفي سنة 616هـ. انظر (الفوائد البهية) ص205 و(الأعلام) 7/161.
([36]) هو محمد بن محمد بن محمود البابرتي أكمل الدين، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (العناية شرح الهداية) و(شرح أصول البزدوي) توفي سنة 786هـ. انظر (الفوائد البهية) ص195.
([37]) انظر (المحيط البرهاني) للبخـاري 2/262 و(الردود والنقـود) للبابـرتي ص659 غـير أن المعـروف عنـد =  = الحنفية أن «المستنكر»  - ويقال أيضاً «المنكر»  - هو الخبر الذي لم يظهر من السلف إلا ترك العمل به. انظر (كشف الأسرار شرح المصنف علىٰ المنار) 2/29 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 2/387 و(فتح الغفار) 2/92.
([38]) انظر (مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد) 2/72 و(المسودة) 1/479.
([39]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/86 و(روضة الناظر) 2/432 و(البحر المحيط) 4/347 و(شرح الكوكب المنير) 2/367.
([40]) انظر (قواطع الأدلة) 2/357.
([41]) هو عبيد الله بن الحسين الكرخي أبو الحسن، فقيه حنفي من أعيانهم، من كتبه (شرح الجامع الصغير) و(شرح الجامع الكبير) توفي سنة 340هـ. انظر (الفوائد البهية) ص108.
([42]) انظر (المستصفىٰ) 1/321 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص135 واقتصر أبو الحسين البصري في (المعتمد) 2/660 علىٰ ذكر الكرخي.
([43]) هو النعمان بن ثابت بن زُوْطَىٰ الكوفي أبو حنيفة، الفقيه المجتهد أحد الأئمة الأربعة، وكان من طبقة التابعين، من كتبه (المخارج) في الفقه، توفي سنة 150هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 3/990 و(الأعلام) 8/36.
([44]) انظر (البرهان) 1/426 و(المسودة) 1/479.
([45]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/885.
([46]) انظر (إحكام الفصول) ص266.
([47]) انظر (المحصول) للرازي 4/441 و(شرح تنقيح الفصول) ص372 و(المسودة) 1/478 و(نهاية السول) 3/170 و(شرح المحلي) 2/135.
([48]) هو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الحراني تقي الدين أبو العباس، فقيه حنبلي أصولي شيخ الإسلام، يُعرف كآبائه بابن تيمية، من كتبه (الإيمان) و(درء تعارض العقل والنقل) توفي سنة 728هـ. انظر (المنهج الأحمد) 5/24.
([49]) هو أحمد بن علي البغدادي أبو الفتح، فقيه شافعي أصولي يُعرف بابن بَرْهان، من كتبه (الوسيط) و(الوجيز) كلاهما في أصول الفقه، توفي سنة 518هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شُهْبة 1/279.
([50]) هو محفوظ بن أحمد الكَلْوَذاني أبو الخطاب، فقيه حنبلي أصولي، من كتبه (الهداية في الفقه) و(التمهيد في أصول الفقه) توفي سنة 510هـ. انظر (المنهج الأحمد) 3/57.
([51]) هو عبدالملك بن عبدالله الجويني ضياء الدين أبو المعالي، فقيه شافعي أصولي محقِّق يُعْرف بإمام الحرمين، من كتبه (البرهان في أصول الفقه) و(مختصر التقريب في أصول الفقه) توفي سنة 478هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/255.
([52]) (المسودة) 1/478  - 479.
([53]) هو عيسىٰ بن أَبَان بن صدقة البصري أبو موسىٰ، فقيه حنفي قاضٍ من تلاميذ محمد بن الحسن، من كتبه (إثبات القياس) و(اجتهاد الرأي) توفي سنة 221هـ. انظر (الفوائد البهية) ص151 و(الأعلام) 5/100.
([54]) انظر (الفصول في الأصول) 3/113.
([55]) المتقدمون عند الحنفية: قيل هم مَنْ أدرك الأئمة الثلاثة أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد بن الحسن، والمتأخرون: هم مَنْ لم يـدرك الثلاثـة. وقيل: المتقدمون مَنْ كان قبـل مطلـع القـرن الثالث، والمتأخرون: مِنْ مطلعِ القرن  = =  الثالث. انظر (المذهب الحنفي) للنقيب 1/327، والقول الثاني كان ينبغي أن لا يذكره؛ لأنه إنما نقله عن الذهبي في (ميزان الاعتدال) 1/4، وعنه ابن عابدين في (رسائله) 1/161، وإنما أراد الذهبي وابن عابدين رواةَ الحديث لا فقهاء الحنفية، فتأمَّلْ!! ثم الذي يظهر لي أنَّ الأمر غير محدد بحدٍّ بل هو أمر نسبي؛ فإنَّ الكرخي (ت340هـ) علىٰ سبيل المثال قد ذكره البخاري (ت 730هـ) في (كشف الأسرار) 3/16 فجعله من المتقدمين حيث قال: «لا يُقْبَل عند الشيخ أبي الحسن الكرخي من أصحابنا المتقدمين، وهو مختار المتأخرين منهم» اهـ وذكره الجصَّاص (ت370هـ) فجعله من المتأخرين حيث قال في كتابه (أحكام القرآن) 2/140 في بعض مسائل متعة الطلاق: «وأصحابنا المتأخرون مختلفون فيه فكان شيخنا أبو الحسن   - رحمه الله  - يقول ...» الخ، فتدبر!!
([56]) انظر (بذل النظر) ص474 و(التحقيق شرح الحسامي) ص158 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/16 و(حاشية الرُّهاوي علىٰ شرح المنار) 2/648 و(حاشية الإزميري) 2/225 و(النامي) ص142 هذا ولم تتعرض بعض مصنفاتهم لتسمية القائلين في المذهب، فانظر مثلاً (تقويم الأدلة) ص196  - 199 و(أصول السرخسي) 1/368 و(أصول اللامشي) ص148 و(ميزان الأصول) ص434 و(أصول الشاشي) ص205 و(كشف الأسرار شرح المصنف علىٰ المنار) 2/52 و(الوافي) للسغناقي 3/1077 و(الوجيز) للكراماستي ص148.
([57]) انظر (التحرير وشرحه تيسير التحرير) 3/112 و(مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت) 2/129.
([58]) كلمة «عامَّة» اختلف فيها أئمة العربية، فيرىٰ سيبويه أنها بمعنىٰ «جميع»، ويرىٰ المبرد أنها بمعنىٰ «أكثر». انظر (الكتاب) 1/445 و(شرح الأشموني علىٰ الألفية) 3/57  - 58 و(عدة السالك) 3/331 قلت: وردتْ أحاديث عدة تؤيد المعنيين، فممَّا يؤيد مذهب المبرد قوله صلىٰ الله عليه وسلم: «تَنَزَّهُوا من البولِ فإنَّ عامَّةَ عذابِ القبرِ منهُ» أخرجه الدارقطني 459، وانظر (صحيح الجامع) 3002 ومن أظهرها حديث جرير رضي الله عنه: «… فجاءَهُ قومٌ عامَّتُهُمْ من مُضر بل كلُّهُمْ من مُضَر». أخرجه مسلم 1017 وغيرهما من الأحاديث. ويؤيد مذهب سيبويه أحاديث منها قوله صلىٰ الله عليه وسلم: «وبُعِثْتُ إلىٰ الناسِ عامَّة» أخرجه البخاري 335 وحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه: «فَنَزَلَتْ فيَّ خاصَّة وهي لكم عامَّة» أخرجه البخاري 4517 ومسلم 1201 وغيرهما من الأحاديث.
([59]) هو محب الله بن عبدالشكور البَهَاري العثماني، فقيه حنفي قاضٍ، من كتبه (مسلّم الثبوت) في أصول الفقه و(سلم العلوم) في المنطق، توفي سنة 1119هـ. انظر (نزهة الخواطر) 6/252.
([60]) هو عبدالعلي محمد بن نظام الدين الأنصاري السهالوي، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت) و(تنوير المنار) توفي سنة 1225هـ. انظر (نزهة الخواطر) 7/289.
([61]) (مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت) 2/129.
([62]) هو محمد بن عبدالواحد السَّكَندري السِّيْواسي كمال الدين المعروف بابن الهُمَام، فقيه حنفي أصولي محقِّق، من كتبه (فتح القدير) شرح علىٰ الهداية و(التحرير في أصول الفقه) توفي سنة 861هـ. انظر (الفوائد البهية) ص180.
([63]) هو محمد بن محمد بن محمد الحلبي شمس الدين، فقيه حنفي يُعرف بابن أمير حاج، ويُعْرف أيضاً بابن الموقت، من كتبه (شرح منية المصلي) و(شرح تحرير الأصول) توفي سنة 879هـ. انظر (الضوء اللامع) 9/210.
([64]) انظر (التقرير والتحبير) 2/296.
([65]) هو محمد أمين بن محمود البخاري، فقيه حنفي يُعرف بأميرْ بادِشاه، من كتبه (تيسير التحرير) و(شرح تائية ابن الفارض) توفي نحو سنة 972هـ. انظر (الأعلام) 6/41.
([66]) انظر (تيسير التحرير) 3/112.
([67]) انظر (المعتمد) 2/660 وسبق في هامشٍ قريب التنبيه عليه.
([68]) (المبسوط) 5/25.
([69]) هو محمد بن الحسن بن فَرْقَد الشيباني أبو عبدالله، الفقيه الإمام صاحب أبي حنيفة، من كتبه (المبسوط) و(الجامع الكبير) و(الزيادات) توفي سنة 187هـ. انظر (الجواهر المضية) 3/122.
([70]) لعل الصواب: وهو جوابُ ظاهرِ الرواية.
([71]) «الكافي»: هو كتابٌ للإمام محمد بن محمد بن أحمد الحاكم الشهيد المتوفىٰ سنة 334ه‍، وهو مختصرٌ جمع فيه الكتب الستة لمحمد بن الحسن التي تُعْرَف بكتب ظاهر الرواية، وأحسن شروح «الكافي» هو «المبسوط» للسرخسي. انظر (شرح عقود رسم المفتي) ص15  - 16.
([72]) (فتح ا لقدير) 2/91.
([73]) انظر (العناية) 1/463  - 464 نقلاً عن (الهارونيات) لمحمد بن الحسن. وانظر (المبسوط) 1/250 و(حاشية الشلبي علىٰ تبيين الحقائق) 1/177.
([74]) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الفقيه القاضي الإمام صاحب أبي حنيفة، من كتبه (الخراج) توفي سنة 182هـ. انظر (الفوائد البهية) ص225.
([75]) هو سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي العَدَوي أبو عمر، تابعي من الثقات الأعلام وأحد المكثرين من الرواية، توفي سنة 106هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 3/49.
([76]) هو عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي العَدَوي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل كان أول مشاهده الخندق، وتوفي سنة 73هـ. انظر (أسد الغابة) 3/42.
([77]) هو سعد بن عبادة بن دُلَيْم الأنصاري الخزرجي أبو ثابت، صحابي جليل كان صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها، توفي سنة 15هـ. انظر (أسد الغابة) 2/299.
([78]) حديث ركوبه صلىٰ الله عليه وسلم يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه ثابت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما لكن ليس فيه ذكر الصلاة، أخرجه البخاري 4566، 5663، 6254 ومسلم 1798، وقد ثبت في الصحيحين أيضاً صلاته صلىٰ الله عليه وسلم النافلة علىٰ الراحلة، أخرجه البخاري 1100 ومسلم 700، 701، وانظر (نصب الراية) 2/151  - 152.
([79]) (فتح القدير) 1/463  - 464.
([80]) هو محمد بن أحمد بن عبدالله بن خُوَيْز مَنْداد، فقيه مالكي أصولي، من كتبه (أحكام القرآن) و(أصول الفقه) توفي نحو سنة 390هـ. انظر (الوافي بالوفيات) 2/52 و(الديباج المذهب) 2/229.
([81]) انظر (إحكام الفصول) ص267.
([82]) هو أحمد بن عمر بن سُرَيج البغدادي أبو العباس، فقيه شافعي قاضٍ من أعيان المذهب، من كتبه (الردّ علىٰ ابن داود في القياس) توفي سنة 306هـ. انظر (طبقات الشافعية الكبرىٰ) 3/21.
([83]) انظر (البحر المحيط) 4/347.
([84]) هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين، فقيه حنفي، من كتبه (بدائع الصنائع) و(السلطان المبين في أصول الدين) توفي سنة 587هـ. انظر (الفوائد البهية) ص53.
([85]) (بدائع الصنائع) 1/147 وانظر أيضاً (المبسوط) 1/129.
([86]) هو عبدالعزيز بن أحمد البخاري علاء الدين، فقيه حنفي أصولي محقِّق، من كتبه (كشف الأسرار شرح أصول البزدوي) و(غاية التحقيق شرح المنتخب) توفي سنة 730هـ. انظر (الفوائد البهية) ص94.
([87]) حديث نقض الوضوء بمس الذكر يأتي نصه وتخريجه في المبحث السابع إن شاء الله تعالىٰ.
([88]) (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([89]) (التحرير) 3/112.
([90]) انظر (مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت) 2/128، 130.
([91]) (التحرير) 3/112.
([92]) (تيسير التحرير) 3/112.
([93]) (التحرير) 3/113.
([94]) (تيسير التحرير) 3/113.
([95]) (التقرير والتحبير) 2/296.
([96]) هو أحمد بن علي الرازي أبو بكر، فقيه حنفي أصولي من أعيان المذهب، يُعرف بالجصاص، من كتبه (أحكام القرآن) و(شرح مختصر الطحاوي) توفي سنة 370هـ. انظر (الفوائد البهية) ص27.
([97]) (الفصول في الأصول) 3/114 ووقع في مطبوعه تحريف.
([98]) انظر (أحكام القرآن) للجصاص 1/253.
([99]) (التحرير) 3/112.
([100]) يعني غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام. انظر (التقرير والتحبير) 2/296.
([101]) (التحرير) 3/112.
([102]) قوله: «استناناً» قد كُتِبَتْ: «استئنافاً»، والتصويب من (التقرير والتحبير) 2/296.
([103]) (تيسير التحرير) 3/112.
([104]) المصدر السابق.
([105]) (التقرير والتحبير) 2/296.
([106]) (التحرير وشرحه تيسير التحرير) 3/113.
([107]) (مسلم الثبوت) 2/128.
([108]) المصدر السابق 2/130.
([109]) (فواتح الرحموت) 2/130.
([110]) يعني به فخر الإسلام البزدوي، فانظر (أصوله) 3/17، وهو علي بن محمد بن عبدالكريم البزدوي فخر الإسلام، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (تفسير القرآن) و(أصول الفقه) توفي سنة 482هـ. انظر (الفوائد البهية) ص124.
([111]) انظر أحاديث الجهر بالبسملة في (مختصر خلافيات البيهقي) 2/41 و(دلائل الأحكام) لابن شداد 2/34 و(البدر المنير) 3/554.
([112]) (فواتح الرحموت) 2/129 وكذلك قال المطيعي في (سلم الوصول) 3/173.
([113]) هو أحمد بن قاسم العَبَّادي القاهري شهاب الدين، فقيه شافعي أصولي محقِّق، من كتبه (الآيات البينات علىٰ شرح المحلي علىٰ جمع الجوامع) و(حاشية علىٰ شرح المنهج) توفي علىٰ الصحيح سنة 994هـ. انظر (الكواكب السائرة) 3/124.
([114]) (الآيات البينات) 3/295.
([115]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/104.
([116]) انظر (تيسير التحرير) 3/113 و(فواتح الرحموت) 2/129.
([117]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/88  - 90 و(بيان المختصر) 1/748.
([118]) (البرهان) 1/426.
([119]) انظر (إيضاح المحصول) ص524  - 525، وهو محمد بن علي التميمي المازَرِي أبو عبدالله، فقيه مالكي أصولي، من كتبه (إيضاح المحصول من برهان الأصول) و(شرح التلقين) في الفقه، توفي سنة 536هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/250.
([120]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([121]) انظر (الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([122]) غدير خم: بضم الخاء، وهو موضع فيه ماء بين مكة والمدينة علىٰ ثلاثة أميال من الجحفة. انظر (مراصد الاطلاع) 1/482 و(لسان العرب) 12/191 «خمم».
([123]) هو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي أبو الحسن، صحابي جليل وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين، قُتِل سنة 40هـ. انظر (أسد الغابة) 3/282.
([124]) هو عبدالله بن (أبي قُحافة) عثمان بن عامر القرشي التيمي أبو بكر، صحابي جليل أول الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، توفي سنة 13هـ. انظر (أسد الغابة) 3/20.
([125]) انظر هذه المسألة في (الفصول في الأصول) 3/64 و(البرهان) 1/380 و(المستصفىٰ) 1/267 و(قواطع الأدلة) 2/363 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص55 و(بديع النظام) 1/338 و(بيان المختصر) 1/662 و(تقريب الوصول) ص299 و(أصول ابن مفلح) 2/497 و(نظم الفرائد) ص189 و(رفع الحاجب) 2/316 و(شرح المحلي) 2/126 و(التحبير) 4/1824 و(فواتح الرحموت) 2/126 و(نشر البنود) 2/21 و(سلم الوصول) 3/89.
([126]) انظر (موسوعة القواعد الفقهية) 3/63، 2/317.
([127]) انظر (المواهب السنية علىٰ الفرائد البهية) 1/249.
([128]) انظر (موسوعة القواعد الفقهية) 3/63 و(الموسوعة الفقهية) 31/6.
([129]) انظر (المبسوط) 1/61، 4/105 و(تبيين الحقائق) 1/74 و(العناية) 1/206 و(الأشباه والنظائر) لابن نجيم ص93.
([130]) هو عثمان بن علي الزيلعي فخر الدين، فقيه حنفي، من كتبه (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) في الفقه و(شرح الجامع الكبير) توفي سنة 743هـ. انظر (الفوائد البهية) ص115.
([131]) (تبيين الحقائق) 1/75.
([132]) (فتح القدير) 1/209.
([133]) هو محمد بن عبدالله التُّمُرْتاشي شمس الدين، فقيه حنفي يُعرف بالخطيب، من كتبه (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) و(تنوير الأبصار)، والصحيح أنه كان حياً سنة 1007هـ وأنه لا تُعرف سنة وفاته. انظر (الأعلام) 6/239 ومقدمة تحقيق (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) ص84.
([134]) (الدر المختار) 6/63.
([135]) هو زَيْن بن إبراهيم بن محمد المصري المعروف بابن نُجَيم، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (البحر الرائق) و(الأشباه والنظائر) توفي سنة 970هـ. انظر (الطبقات السنية) 3/275.
([136]) (الأشباه والنظائر) لابن نجيم ص85 وفيه: «عما» ولعل صوابها: «مما» أو «كما» وقد أثبتُّ الأخيرة.
([137]) هو محمد بن عبدالله الخَرَشي أبو عبدالله، فقيه مالكي انتهتْ إليه رئاسة المذهب بمصر، له شرحان كبير وصغير علىٰ (مختصر خليل) توفي سنة 1101هـ. انظر (شجرة النور) ص317.
([138]) الزِّبْل: هو رَوْثُ الحيوان، ويقال له أيضاً: «السرجين» و«السرقين» بفتح السين وكسرها. انظر (تحرير ألفاظ التنبيه) ص176و(تاج العروس) 14/301 «زبل».
([139]) (شرح مختصر خليل) للخرشي 1/93.
([140]) هو محمد بن محمد بن عبدالرحمن الرُّعَيني أبو عبدالله، فقيه مالكي يُعرف كأبيه بالحَطَّاب، من كتبه (شرح مختصر خليل) و(قرة العين شرح الورقات) توفي سنة 954هـ. انظر (شجرة النور) ص270.
([141]) (مواهب الجليل) 1/136.
([142]) هو أحمد بن محمد العدوي أبو البركات، فقيه مالكي يُعرف بالدردير، من كتبه (أقرب المسالك لمذهب مالك) و(متشابهات القرآن) توفي سنة 1201هـ. انظر (شجرة النور) ص359.
([143]) هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي الأزهري شمس الدين أبو عبدالله، فقيه مالكي محقِّق، من كتبه (حاشية علىٰ الشرح الكبير للدردير) و(حاشية علىٰ الرسالة الوضعية) توفي سنة 1230هـ. انظر (شجرة النور) ص361.
([144]) (حاشية الدسوقي علىٰ الشرح الكبير) 3/451.
([145]) هو قاسم بن عبدالله الأنصاري أبو القاسم، فقيه مالكي يُعرف بابن الشاط، من كتبه (أنوار البروق) و(غنية الرائض في علم الفرائض) توفي سنة 723هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/152.
([146]) (تهذيب الفروق والقواعد السنية) 3/182.
([147]) هو يحيىٰ بن شرف النووي محيي الدين أبو زكريا، فقيه شافعي محدِّث من أعيان المذهب، من كتبه (روضة الطالبين) و(المنهاج في شرح صحيح مسلم) توفي سنة 676هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/153.
([148]) (المجموع) 1/202.
([149]) المصدر السابق 1/232.
([150]) هو محمد بن أحمد بن حمزة الرملي شمس الدين، فقيه شافعي يُعرف بالشافعي الصغير، من كتبه (شرح المنهاج في الفقه) و(شرح الآجرومية) توفي سنة 1004هـ. انظر (خلاصة الأثر) 3/342.
([151]) (نهاية المحتاج) 1/101.
([152]) هو عبدالرحمن بن أبي بكر الخضيري السيوطي جلال الدين أبو الفضل، فقيه شافعي محدِّث وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) و(شرح روض الطالب) توفي سنة 911هـ. انظر (النور السافر) ص90.
([153]) (الأشباه والنظائر) للسيوطي ص78.
([154]) هو عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي موفق الدين أبو محمد، فقيه حنبلي أصولي من أعيان المذهب، من كتبه (المغني) في الفقه و(روضة الناظر) في أصول الفقه، توفي سنة 620هـ.انظر (المنهج الأحمد) 4/148.
([155]) (المغني) 12/90.
([156]) هو محمد بن مفلح بن محمد الصالحي الراميني شمس الدين أبو عبدالله، فقيه حنبلي أصولي، من كتبه (الفروع) في الفقه و(أصول الفقه) توفي سنة 763هـ. انظر (المنهج الأحمد) 5/118.
([157]) (الفروع) 1/258.
([158]) هو علي بن سليمان المرداوي الصالحي علاء الدين أبو الحسن، فقيه حنبلي أصولي منقِّح المذهب، من كتبه (التحرير) في أصول الفقه، و(التنقيح المشبع) في الفقه، توفي سنة 885هـ. انظر (المنهج الأحمد) 5/290.
([159]) هو عبدالسلام بن عبدالله الحراني مجد الدين أبو البركات، فقيه حنبلي أصولي يُعرف بابن تيمية، من كتبه (المنتقىٰ من أحاديث الأحكام) و(المحرر في الفقه) توفي سنة 652هـ. انظر (المنهج الأحمد) 4/265.
([160]) (الإنصاف) 1/268 ونحوه في 2/362.
([161]) هو موسىٰ بن أحمد الحَجَّاوي المقدسي الصالحي شرف الدين أبو النجا، فقيه حنبلي من أعيان المذهب، من كتبه (الإقناع في الفقه) و(مختصر المقنع) توفي سنة 968هـ. انظر (السحب الوابلة) 3/1134.
([162]) هو منصور بن يونس البُهُوتي المصري أبو السعادات، فقيه حنبلي محقِّق، من كتبه (شرح منتهىٰ الإرادات) و(شرح الإقناع) توفي سنة 1051هـ. انظر (السحب الوابلة) 3/1131.
([163]) (الإقناع وشرحه كشاف القناع) 1/378.

 

***

 

خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ (2-3)

المبحث الخامس
الأدلة في المسألة

وفيه مطلبان:
المطلب الأول
أدلة الجمهور
استدل الجمهور علىٰ قبول خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ بأدلة عدة، أوجز أهمها فيما يلي:
1-  قول الله تعالىٰ: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ([1]). حيث أوجب الإنذار علىٰ كل طائفة خرجتْ للتفقه في الدين وإن كانت آحاداً، وهو مطلق فيما تعم البلوىٰ به وما لا تعم، ولو لم يكن واجب القبول لما كان لوجوبه فائدة([2]).
2-   قوله تعالىٰ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ([3]). فإن مفهومه المخالف: إن جاءكم عدل بنبأ  - أي خبر  - فاقبلوا خبره، وهذا عام في البلوىٰ وغيرها([4]).
3-   أنه تواتر أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلىٰ النواحي والآفاق لتبليغ الأحكام، كبعثه معاذاً([5]) رضي الله عنه إلىٰ اليمن([6])، ومعلوم أن من تلك الأحكام ما تعم به البلوىٰ، والإجماع قائم علىٰ تكليف المبعوث إليهم بالعمل بخبره([7]).
4-   وروي: "أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم أتىٰ علىٰ قِرْبةٍ في بعض غزواته فدعا منها بماء وعندها امرأة، فقالت: إنها ميتة، فقال: سَلُوْهَا أليس قد دُبِغت؟ قالت: بلىٰ، فَأَتَىٰ منها لحاجته" ([8]).
قال ابن حجر([9]): "فيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوىٰ أم لا؛ لأنه صلىٰ الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابية" اهـ([10]).
5-   أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا علىٰ العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، فمن ذلك قول الصديق رضي الله عنه لما جاءته الجدة تطلب ميراثها: "ما لكِ في كتاب الله شيء وما علمتُ لكِ في سنة رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتىٰ أسأل الناس. فسأل الناس فقال المغيرة([11]) رضي الله عنه: حضرتُ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقال محمد بن مسلمة([12]) – رضي الله عنه – مثله، فأنفذه لها أبو بكر" ([13]).
ومن ذلك رجوع الصحابة رضي الله عنهم بعد اختلافهم في وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزال إلىٰ خبر عائشة([14]) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شُعَبِها الأربع ومَسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل" ([15]).
ومن ذلك رجوعهم في المخابرة إلىٰ حديث رافع بن خديج([16]) رضي الله عنه، فقد  روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كُنَّا نُخَابِرُ فلا نرىٰ بذلك بأساً فزعم رافع أن نبي الله صلىٰ الله عليه وسلم نهىٰ عنه فتركناه من أَجْلِهِ» ([17]).
إلى غير ذلك من الحوادث التي هي مما تعم به البلوىٰ ولم ينكر أحد شيئاً من ذلك فكان إجماعاً منهم([18]).
6-    أن كل ما ينقله العدل وصِدْقُهُ فيه ممكن يجب تصديقه فيه؛ لأن أحكام الشرع لا تثبت كلها بطريق العلم، فوجب قبول خبر الواحد فيها([19]).
7-    ولأن خبر الواحد قد دل الدليل القاطع علىٰ وجوب العمل به، فيجري مجرىٰ الآية والخبر المتواتر المقطوع بوجوب العمل بهما([20]).
8-    أن خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ خبرُ عدلٍ فيما يتعلق بالشرع، وليس له معارض مثله، فوجب قبوله والعمل به؛ قياساً علىٰ خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ([21]).
9-    أن خبر الواحد أصلُ القياسِ؛ فإنه منه يستنبط ويتفرع، وإذا جاز إثبات الأحكام في عموم البلوىٰ بالقياس مع أنه فرعٌ؛ كان جواز ذلك بخبر الواحد الذي هو أصلٌ أولىٰ([22]).
10-  أن خبر الواحد واقع فيما يمكن تصديقه فيه، فوجب تصديقه، إذ لا يجوز تكذيب الراوي العدل مع إمكان تصديقه([23]).
11-  أن الاحتياط يوجب قبول خبره؛ لدفع الضرر المظنون الحاصل من رد خبره، وهو ترك شيء من الأحكام الشرعية التي يفيدها ذلك الخبر([24]).
12-  أن وجوب الوتر، ونقض الوضوء بالفَصْد([25])، وبالقهقهة في الصلاة، وعدم الإفطار بالحجامة في رمضان، ووجوب الغُسْل من التقاء الختانين، وغير ذلك من التفاصيل؛ قد أثبتها الحنفية بأخبار آحاد وهي مما تعم به البلوىٰ([26]).

 

المطلب الثاني
أدلـــــــــــة الحنفيـــــــــــة
استدل الحنفية علىٰ رد خبر الواحد في عموم البلوىٰ بأدلة عدة، أوجز أهمها في التالي:
1)   قول الله تعالىٰ: ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ([27]). حيث نَهَىٰ سبحانه وتعالىٰ عن القول بما ليس للإنسان به علم، وخــبر الواحــد في عموم البلوىٰ لم يحصل به علم، فلا نقول به([28]).
2)   قوله تعالىٰ: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ ([29]). وخبر الواحد في عموم البلوىٰ ظنٌّ، فلا يغني شيئاً، ويخرج من عموم الآية خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ وإن كان ظناً؛ وذلك للإجماع علىٰ قبوله، فتبقىٰ الآية دالة علىٰ خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ؛ لأن العام حجة فيما بقي بعد التخصيص([30]).
3)   قوله تعالىٰ: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ ) ([31]). قال الجصاص: في الآية دلالة علىٰ أنَّ كل ما كان من الأحكام للناس إليه حاجة ينبغي أن يكون من طريق التواتر، كالوضوء من مس الذكر ومن مس المرأة ونحو ذلك؛ لعموم البلوىٰ بها، فإذا لم نجدها واردة من طريق التواتر؛ علمنا أن الخبر غير ثابت([32]).
4)      أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم رَدَّ خبر ذي اليدين([33]) رضي الله عنه حين أخبره بأنه صَلَّىٰ الرباعية ركعتين([34]).
وجه الاستدلال: أن حكم الصلاة مما تعم به البلوىٰ، وتتوفر دواعي السؤال عن حكمها، فلما انفرد ذو اليدين بإخباره بالسهو لم يقبل منه النبي صلىٰ الله عليه وسلم وحده، حتىٰ استثبتَ من بقية الحاضرين، فدل هذا علىٰ أن انفراد الواحد فيما تعم به البلوىٰ غير مقبول([35]).
5)   أن الصديق رضي الله عنه رَدَّ خبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في ميراث الجدة([36])، ورَدَّ الفاروق([37]) رضي الله عنه خبر أبي موسىٰ الأشعري([38]) رضي الله عنه في الاستئذان([39])، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير، فكان إجماعاً منهم علىٰ رد خبر الواحد في الأحكام التي تعم بها البلوىٰ([40]).
6)   أن ما تعم البلوىٰ به من شأنه أن يتكرر في الأوقات المختلفة، وهذا يدعو إلىٰ إلقائه من النبي صلىٰ الله عليه وسلم إلىٰ عدد التواتر مبالغةً في إشاعته؛ مخافة أن لا يصل إلىٰ من كُلِّفَ به فلا يتمكن من العمل به، فيفضي ذلك إلىٰ فساد عبادات الناس ومعاملاتهم من حيث لا يشعرون، فإذا لم ينقله إلا واحد دل ذلك علىٰ عدم صحته([41]).
7)   أن العادة تقضي بأن ما تعم به البلوىٰ من شأنه أن يكون معلوماً عند الكافة، وأن يتواتر نقله؛ لوجود سببه عندهم، وهو أن ما تعم به البلوىٰ يكثر وقوعه فيكثر السؤال عنه، وما يكثر السؤال عنه يكثر الجواب عنه، فيقع التحدث به، ويُرْوَىٰ الحديث فيه رواية مستفيضة، فإذا لم ينقله  - والحالة هذه  - إلا الآحاد دل علىٰ عدم صحته([42]).
8)   أن عموم بلواه للكافة يقتضي ظهور فِعْلهِ فيهم؛ لتوفر الدواعي علىٰ نقله، ووجوب إشاعته علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم، وإلا كان كتماناً للعلم وإخفاء للشرع، وما يظهر فعله في الكافة لا يُقْبَل فيه خبر الواحد كما لم يقبل خبر الواحد في حدوث فتنة عظيمة في الجامع يوم الجمعة، أو سقوط الخطيب عن المنبر، أو قتل أمير بالسوق([43]).
9)   أن المتأخرين لما نقلوا الخبر اشتهر فيهم، فلو كان ثابتاً في المتقدمين لاشتهر أيضاً وَلَمَا تفرَّدَ الواحد بنقله مع حاجة العامة إلىٰ معرفته([44]).
10)أن قبول خبر الواحد في عموم البلوىٰ يفضي إلىٰ التوقف في أحكام الكتاب العزيز؛ لجواز أن تكون نُسِخَتْ بمثل ذلك الخبر ولم يُنْقَل نسخها([45]).
11)أنه لما لم يجز إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأنه مما تعم البلوىٰ بمعرفته، كذلك لا يجوز قبول خبر الواحد إذا كان فيما تعم البلوىٰ بمعرفته([46]).
12)أن قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ يعني القول بعدم وجوب التبليغ عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم، أو علىٰ كتمان الصحابة رضي الله عنهم لما سمعوه من النبي صلىٰ الله عليه وسلم، لكن ذلك ممتنعٌ لأن الأدلة دالة علىٰ وجوب التبليغ عن النبي عليه الصلاة والسلام ودالة علىٰ عدالة الصحابة، وبناءً عليه فالخبر الآحادي في عموم البلوىٰ يكون مخالفاً للأدلة الدالة علىٰ وجوب تبليغ الأحكام وتأدية مقالات النبي صلىٰ الله عليه وسلم والأدلة الدالة علىٰ عدالة الصحابة، فلا يكون مقبولاً([47]).

 

المبحث السادس:
مناقشـــة الأدلـــة
وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول

مناقشة أدلة الجمهور
هذه أجوبة الحنفية على دلائل الجمهور:
أما الدليل الأول: فلم أجد للحنفية عنه جواباً حيث لم يَرِدْ في كتبهم، ويمكن أن يقال في جوابه: إن الاستدلال بالآية الكريمة لا يتوجه؛ لأن قوله «لينذروا» من قبيل المطلق وليس من قبيل العام؛ لأن الفعل مُثْبَتٌ وليس منفياً فأفاد الإطلاق، والمطلق يَصْدق بفرد من أفراده، فنحمل الآية علىٰ خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ.
والدليل الثاني:كسابقه لم يَرِدْ عند الحنفية، لكن يمكن أن يجيبوا عنه بقولهم: هذا استدلال بمفهوم المخالفة، وهو ليس بحجة عندنا فضلاً عن أن يكون له عموم.
وأما الدليل الثالث: وهو إرسال الرسل إلىٰ الآفاق كإرسال معاذ رضي الله عنه إلىٰ اليمن؛ فأُجِيْبَ عنه بأن هذا من باب الفتيا للعامي، وليس من باب نقل الأحاديث والأخبار([48]).
وأجاب الجمهور عن هذا الجواب بأنه مردود؛ لأن الاعتماد هو علىٰ كتب رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم مع الآحاد إلىٰ النواحي وما يأمر به من قبض الزكاة وغير ذلك، وعَمِلَ الصحابةُ ومَنْ بعدهم وتأسوا به، وذلك مقطوع به([49]).
أما الدليل الرابع:وهو حديث الأعرابية؛ فلم أجد للحنفية جواباً عنه حيث لم يَرِدْ في كتبهم، لكن يمكن الإجابة عنه علىٰ طريقة الحنفية بأن يقال: لا نسلم أن الحكم في الحديث المذكور مما تعم به البلوىٰ؛ لأنه ليس مما يتكرر كثيراً وتشتد الحاجة إليه، فلا يكون وارداً في محل النزاع.
ثم إن هذا حكايةُ فعلٍ وقضيةٌ في عين، وقضايا الأعيان لا تعم.
وأما الدليل الخامس: وهو دعوىٰ الإجماع استناداً إلىٰ تلك الحوادث كمسألة ميراث الجدة والمخابرة وغيرهما؛ فقد أُجِيْبَ عنه بثلاثة أجوبة:
أولها: أن دعوىٰ الإجماع معارضة بمثلها، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا علىٰ عدم العمل بخبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ لأنهم أقروا عمر رضي الله عنه علىٰ ردِّ خبر أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه في الاستئذان، وردِّ الصديق رضي الله عنه خبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في ميراث الجدة، علىٰ ما سبق بيانه في أدلتنا.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الجواب بجوابين:
الأول: أن رد الصديق رضي الله عنه خبر المغيرة رضي الله عنه في الجدة لم يكن رداً مطلقاً؛ ولهذا عمل بحديثه لما شهد علىٰ ذلك محمد بن مسلمة رضي الله عنه، ومعلوم أن خبرهما لا يخرج عن كونه آحادياً.
وكذلك رد الفاروق رضي الله عنه لخبر أبي موسىٰ رضي الله عنه في الاستئذان مثله؛ فإن خبر أبي موسىٰ وأبي سعيد الخدري([50]) رضي الله عنهما لا يخرج عن أن يكون خبر آحاد([51]).
الثاني: أن توقف الصديق رضي الله عنه في خبر المغيرة رضي الله عنه في الجدة لعله كان لوجه يقتضي التوقف، وهو أن ينظر أنه حكم مستقر أو منسوخ، أو ليعلم هل عند غيره زيادة علىٰ ما عنده، أو يكون عند غيره مثلُهُ فيكون الحكم أوكد أو خلافُهُ فيكون الحكم معارضاً، أو أظهرَ التوقفَ لئلا يتجاسر الناس علىٰ الرواية عن تساهلٍ، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة([52]).
وتوقف الفاروق رضي الله عنه مثله كذلك؛ وكان عمر رضي الله عنه يكره أن يتدافع الناس علىٰ الرواية بلا تثبت؛ ويجوز للإمام التوقف ولو مع انتفاء التهمة؛ لمثل هذه المصالح([53]).
ثانيها: أن ما ذكرتموه من التفاصيل كميراث الجدة والمخابرة وغير ذلك إنما ثبتت بأخبار آحاد، فإثباتكم قبول خبر الآحاد في عموم البلوىٰ بأخبار آحاد وردت في عموم البلوىٰ دورٌ، والدور باطل([54]).
وأجاب الجمهور عن هذا الجواب بأنه ليس هناك دور؛ لأن احتجاجنا وقع بإجماع الصحابة رضي الله عنهم علىٰ العمل بالخبر الآحادي في عموم البلوىٰ، وهذا الإجماع وإن نقل إلينا بخبر الواحد، غير أن ذلك لا يضر؛ لما تقرر في الأصول أن ما تواتر واشتهر من عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع كثيرة لا تنحصر فإنه يحصل بمجموعها العلم.
وعليه فإننا قد أثبتنا خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ بمتواتر، فلا دور([55]).
ثالثها: أن تلك التفاصيل مما ذُكِرَ ومما يمكن أن يُذْكَر لا تخلو من أحد ثلاثة أمور:
الأول: إما أن تكون من السنن والمستحبات، فلا تكون في محل النزاع؛ لأن نزاعنا إنما هو في الواجبات([56]).
والجواب عن هذا بعدم تسليم الحصر المذكور، وقد أَقَرَّ به الأنصاري حيث قال مستدركاً علىٰ صاحب (مسلَّم الثبوت) جوابه المذكور: «وقد عرفتَ أنتَ أن في السنن والمندوبات أيضاً نزاعاً» اهـ([57]). وقد سبق الكلام علىٰ ذلك في المطلب الثاني من المبحث الثاني.
الثاني: وإما أن تكون من أركان الصلاة الإجماعية، فتكون أيضاً خارجة عن محل النزاع؛ لأن ثبوتها حصل بدليل قطعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وليس ثبوتها بذلك الخبر الآحادي.
 والجواب عن هذا بما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ من أنَّ سند ذلك الإجماع هو خبر آحادي، والعبرة باصطلاح المحدِّثين وهم يسمونه خبر آحاد، وقد أثبتَ مَنْ سَمِعَه التكليف به، فدل علىٰ حجيته في عموم البلوىٰ.
الثالث: وإما أن تكون من الأركان المختلف فيها، فلا تخلو من أحد أمرين: أحدهما أن يكون الخبر الوارد في تلك الأركان الخلافية قد اشتهر أو تلقته الأمة بالقبول، وعليه فنحن نقول به ولا يكون في محل النزاع، وثانيهما أن يكون الخبر غير مشهور ولم يُتَلَقَّ بالقبول، فهذا فيه النزاع ونحن لا نقبله؛ لقضاء العادة باشتهار ما عمت به البلوىٰ([58]).
وهذا الجواب لم يرتضه الأنصاري وهو من الحنفية، وقال: إن الجواب الصحيح هو أن هذه الأركان المختلف فيها نسلِّم أنها أخبار آحاد تعم بها البلوىٰ، غير أنها مخالفة لعمل الأكثر؛ ولهذا لم نقبلها([59]).
•   وأما الدليل السادس: فلم يَرِدْ في كتب الحنفية، لكن يمكن الجواب عنه علىٰ طريقتهم بعدم تسليم أن صدقه فيه ممكن؛ لأن العادة تقضي بوجوب اشتهاره؛ لأن ما تعم به البلوىٰ يكثر السؤال والجواب عنه فيكثر التحدث به، ولأنه يجب إلقاؤه لجمعٍ كثير لشدة حاجة المكلفين إليه، فإذا لم ينقله  - والحالة هذه  - إلا الآحاد عرفنا أنه ليس بصدق.
والجواب من قِبَلِ الجمهور بمنع قضاء العادة بذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ.
•   وأما الدليل السابع:فيمكن أن يجيب عنه الحنفية علىٰ طريقتهم في المسألة بأن الذي دل الدليل القاطع علىٰ العمل به إنما هو خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ، فأما خبر الواحد في عموم البلوىٰ فهو عين المتنازع فيه، ولا قاطع فيه وإلا لما خالفناكم في حجيته، وهو عندنا لا يفيد علماً ولا ظناً فلا يصح قياسه علىٰ الآية والخبر المتواتر.
•   وأما الدليل الثامن: فيمكن الجواب عنه علىٰ طريقتهم بأنه قياس مع الفارق؛ لأن عموم بلواه يقضي بوجوب إلقائه للكثرة لئلا تضيع عبادات الناس سدىٰ، وتبطل أعمالهم وهم لا يشعرون،فلابد من توقيفهم عليه، بخلاف خبر الواحد فيما لا تعم به البلوىٰ فإنه لا يتحقق فيه هذا المعنىٰ وليس فيه ذلك المحذور؛ ولذا صح إلقاؤه للفرد والآحاد.
•       وأما الدليل التاسع: فقد أجاب الحنفية عنه من وجهين:
أولهما: أنَّ دليلكم إنما يلزمنا أَنْ لو سلمنا أن خبر الواحد في عموم البلوىٰ أعلىٰ رتبةً من القياس، لكننا لا نسلم ذلك؛ لأن القياس يوجب بمجرده الظنَّ، بخلاف خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ فإنه لا يفيد الظن حتىٰ يشتهر أو تتلقاه الأمة بالقبول([60]).
ثانيهما: أن حكم ما تعم به البلوىٰ لا نثبته بالقياس مطلقاً، وإنما نثبته بالقياس الجلي المستنبط من خبرٍ مشهور، فيكون القياس في معنىٰ أصله وهو الخبر المشهور([61]).
•   وأما الدليل العاشر: فأُجِيْبَ عنه بعدم تسليم أن خبر الراوي وقع فيما يمكن تصديقه فيه؛ لأننا نقول بأنه لا يمكن تصديق خبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ لأن العادة تقضي بوجوب تواتره، ولا يُعَدُّ هذا مِنَّا تكذيباً للراوي؛ لأننا إنما نكذِّب الخبر، وإنما يلزمنا تكذيب الراوي أَنْ لو قلنا بصحة نسبته إليه، لكننا نقول إنه لا تصح نسبته إليه([62]).
•   وأما الدليل الحادي عشر:فيمكن الجواب عنه علىٰ طريقة الحنفية بأن الاحتياط يمكن أن لو كان خبر  الواحد في عموم البلوىٰ يفيد ظناً أو قريباً منه، لكنه لا يصح أصلاً؛ لما قدمناه من أدلة، وبناءً عليه فلا يصح العمل بما يحمله ذلك الخبر بدعوىٰ الاحتياط؛ لأن تقرير الأحكام الشرعية بالأحاديث الضعيفة لا يصح بحال.
•       وأما الدليل الثاني عشر:فقد أجاب الحنفية عنه من ثلاثة أوجه:
أولهــا: لا نسلم أن تلك التفاصيل المذكورة مما تعم به البلوىٰ؛ لأنها ليست مما يتكرر وتشتد الحاجة إليه، وعليه فلا تكون في محل النزاع.
فالفَصْد قليل للمتوضئين؛ إذْ قَلَّمَا يفعله الرجل إلا عند عروض المرضِ، والتقاءُ الختانين من غير إنزال لا يكثر وقوعه، والقهقهة في الصلاة لا توجد إلا نادراً ممن ليس له تَثَبُّتٌ لأمر الصلاة([63]).
ثانيها: سلمنا أن تلك التفاصيل مما تعم به البلوىٰ، لكن لا نسلم أنها ثبتت بأخبار، بل هي ثابتة بالقياس، كقياس الخارج من غير السبيل علىٰ الخارج منه، فتكون خارجة عن محل النزاع؛ لأن نزاعنا في إثبات الأحكام بالخبر([64]).
ثالثها: سلمنا أن هذه التفاصيل مما تعم به البلوىٰ وأنها ثابتة بالخبر لا بالقياس، لكن لا نسلم أنها أخبار آحاد، بل هي ثابتة بأخبارٍ مشهورة، لكن سبب عدم شهرتها إما تَرْكُ بعض الرواة الحديث اعتماداً علىٰ غيرهم، وإما لعارض آخر كموت عامتهم في حرب أو وباء، أو غير ذلك من العوارض، كما نُقِلَ أن البخاري([65]) رحمه الله لما جمع (الصحيح) سمعه منه قريبٌ من مائة ألف، ولم يثق عند الرواية إلا بمحمد بن يوسف بن مطر([66]) الفِرَبْرِيّ([67]).
والجواب من قِبَلِ الجمهور كما سيأتي إن شاء الله أن من هذه التفاصيل ما هو ثابت عند الحنفية بخبر الآحاد وتعم به البلوىٰ كالوتر مثلاً.
وأجاب الحنفية بقولهم: إنما أوجبنا الوتر؛ لأنه قد اشتهر أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قد فعله وأمر بفعله، فلا يكون في محل النزاع([68]).

 

المطلب الثاني
مناقشة أدلة الحنفية
هذه أجوبة الجمهور على دلائل الحنفية:
*  أما الدليل الأول: فقد أجاب الجمهور عن الاستدلال بالآية بأنه ليس فيها دليل علىٰ دعواكم؛ لأن الآية تنهىٰ عن القول بلا علم، ونحن ما قلنا بحجية خبر الواحد في عموم البلوىٰ إلا بما صح لنا به العلم وقام البرهان علىٰ وجوب قبوله([69]).
*  وأما الدليل الثاني: فأجاب الجمهور عنه بأن الاستدلال بقوله تعالىٰ: ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾([70]) مُعَارَضٌ بالاستدلال بقوله تعالىٰ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾([71]). فإن مقتضاها الجزم بالعمل بخبره إذا لم يكن فاسقاً سواء كان فيما عمت به البلوىٰ أم لم تعم([72]).
ويمكن للحنفية الجواب بأن المعارِض لو سُلِّم أنه معارِض، فهو من قبيل المفهوم المخالف وهو ليس بحجة عندنا.
* وأما الدليل الثالث: فأجاب الجمهور عن الاستدلال بالآية الكريمة بأن التبليغ في الآية مطلق، ولم يقيَّد بصورة التواتر في عموم البلوىٰ، فلا تثبت هذه الزيادة إلا بدليل([73]).
* وأما الدليل الرابع: وهو الاستدلال بقصة ذي اليدين رضي الله عنه، فقد أجيبَ عنه من ثلاثة وجوه:
أحدهــا: أن توقف النبي صلىٰ الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين كان بسبب شذوذه عن الجماعة وقد كانوا حاضرين وشهدوا الصلاة معه([74]).
ثانيهــا: كون الذي أخبر به ذو اليدين شيئاً يتعلق بفعل النبي صلىٰ الله عليه وسلم، والقاعدة: أن فعل الإنسان إنما يرجع فيه إلىٰ تذكره، فكان المقتضي للتثبت قائماً([75]).
ثالثهــا: أنه معارضٌ بالأدلة الدالة علىٰ قبول خبر الواحد علىٰ الإطلاق من غير فرقٍ بين ما تعم به البلوىٰ وغيره، وبإجماع الصحابة رضي الله عنهم علىٰ قبوله فيما تعم به البلوىٰ حيث تكرر منهم في الوقائع قبوله من غير نكير فكان إجماعاً([76]).
* وأما الدليل الخامس:وهو دعوىٰ إجماع الصحابة علىٰ عدم العمل بخبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ؛ فقد سبق الجواب عنه في المطلب السابق.
* وأما الدليل السادس:وقولكم بأن ما تعم به البلوىٰ من شأنه أن يتكرر كمس الذكر، وهذا يقتضي إلقاءه إلىٰ الكثرة؛ لئلا تبطل صلوات الناس وسائر عباداتهم؛ فجوابه من وجوه ثلاثة:
أحدهــا: أن الله تعالىٰ لم يكلف رسوله صلىٰ الله عليه وسلم إشاعة جميع الأحكام، بل كَلَّفه إشاعة بعضها وردّ الخلق في بعضها الآخر إلىٰ خبر الواحد، كما رَدَّهم إلىٰ القياس في قاعدة الربا وكان يسهل عليه أن يقول: (لا تبيعوا المكيل بالمكيل والمطعوم بالمطعوم)، حتىٰ يستغني عن الاستنباط من الأشياء الستة.
فيجوز أن يكون ما تعم به البلوىٰ من جملة ما تقتضي مصلحة الخلق أن يُرَدُّوا فيه إلىٰ خبر الواحد.
والقول بأن عدم إشاعتها يوجب فساد صلوات الناس من حيث لا يشعرون غير مسلَّم؛ لأن الأحكام إنما تثبت بالعلم بها، فحيث لم يعلم بها المكلف لا يؤاخَذ بترك الحكم، والحاصل أن وجوب إشاعة الأحكام إنما تكون لو لزم المكلف العمل بها مطلقاً، لكنها لا تلزمه إلا إذا بلغه الخبر؛ ولذا لم تجب الإشاعة علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم([77]).
وأجاب الحنفية عن هذا الجواب بأن قولكم (بطلان الصلاة يكون فيمن بلغه الخبر دون مَنْ لم يبلغه) مردودٌ؛ وذلك لما تقرر من أن الحكم إذا بلغ إلىٰ مكلفٍ واحد فإنه يثبت في حق جميع المكلفين اتفاقاً، فلو صح مثل حديث مس الذكر لثبت حكمه علىٰ الكل، فيلزم منه فساد صلاة مَنْ لم يبلغهم هذا الخبر([78]).
*  وهذا الجواب ضعيف، ولهذا لم يرتضه بعض الحنفية؛ حيث أجاب الأنصاري عنه بأن هذا غير صواب؛ لأن عدم عَمَل المكلف بدليلٍ لم يبلغه هو من قبيل الخطأ، والخطأ معفو عنه؛ ألا ترىٰ أن رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم لم يأمر من صلىٰ إلىٰ بيت المقدس بعد نزول آية التوجه إلىٰ الكعبة بإعادة صلواتهم حيث لم يبلغهم الخبر؟!([79]).
ثانيها: سلمنا وجوب إشاعته علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم بين الكثرة، لكننا لا نسلم أن ذلك يقتضي توفر الدواعي علىٰ نقله واشتهاره؛ لجواز أن يعلم الناس أن مناط تكليفهم هو الظن، فيكتفوا من النقل بما يحصِّل الظن وهو خبر الواحد([80]).
ثالثها: سلمنا وجوب إشاعته وتوفر الدواعي علىٰ نقله علىٰ وجه الشهرة، لكنْ هناك دواعٍ مختلفة منعت الصحابة رضي الله عنهم من بيان الخبر للناس علىٰ الوجه المذكور؛ ولذا لم ينقله إلا آحادهم، فمن ذلك انشغالهم بالإمارة أو الخلافة وتدبير شؤون الناس، و إيثار بعضهم الجهاد علىٰ الرواية، حتىٰ قال السائب بن يزيد([81]) رضي الله عنه: "صحبتُ سعد بن أبي وقاص([82]) زماناً فما سمعت منه حديثاً إلا حديثاً واحداً"، وكان بعضهم لا يذكر الحديث إلا حين يُسْأل عنه، إلىٰ غير ذلك من الدواعي التي حالت دون اشتهار كثير من الأخبار([83]).
* وأما الدليل السابع: فأجاب عنه الجمهور بقولهم: لا نسلم قضاء العادة بتواتره، ويجوز أن يكثر السؤال والجواب ولا يتواتر النقل؛ ألا ترىٰ أن الأذان قد اختلف الناس في كلماته مع أنه مما يُسْمَع في اليوم خمس مرات، وكذلك حج النبي صلىٰ الله عليه وسلم وفعل المناسك بحضور الآلاف ولم تُنْقَل مناسكه إلينا إلا بخبر الآحاد، ورُجِمَ ماعز([84]) رضي الله عنه بحضور العدد الكثير ولم ينقل إلينا إلا بخبر الواحد؟!([85])
*  وأما الدليل الثامن: فحاصله قياس خبر الواحد في عموم البلوىٰ علىٰ خبر الواحد فيما تتوافر الدواعي علىٰ نقله؛ وقد أجاب الجمهور عن هذا بأنه قياس مع وضوح الفارق، وبيان ذلك من أوجه:
أولها: أن العادة في الخبر الذي تتوافر الدواعي علىٰ نقله إذا جرىٰ  - كقتل الأمير في السوق  - أن يسارع الناس إلىٰ روايته، والهِمَمُ والطباع مجبولة علىٰ ذلك، فإذا انفرد به الآحاد لم يقبل.
بخلاف خبر الواحد في عموم البلوىٰ؛ فإن العادة لا تقضي بتطابق الكل علىٰ نقله وروايته؛ لما ذكرنا آنفاً من أن الدواعي تحول دون نقله تواتراً([86]).
ثانيها: أن التفاصيل التي هي مما يسوغ فيها الاجتهاد لا تتوافر الدواعي علىٰ نقلها، بخلاف الكليات فإن دواعي المكلفين تتوافر علىٰ نقلها، ولهذا نجد أن الصلوات الخمس هي مما تواتر لأنها من الكليات، فأما تفصيلاتها في الكيفية فإنها نُقِلَتْ بخبر الآحاد([87]).
ثالثها: أن الذي تتوافر الدواعي علىٰ نقله  - كالنص علىٰ الإمامة  - لابد فيه من النقل المتواتر، وبغيره لا يكون مقبولاً، ألا ترىٰ أن القرآن لما توافرت الدواعي علىٰ نقله لم يصح بغير التواتر؟! بخلاف الذي تعم به البلوىٰ؛ فإن طريق معرفته غير منحصرة في التواتر؛ لأن الظن كافٍ فيه كما أسلفنا، ولذا جاز إثباته بالقياس([88]).
ويمكن للحنفية أن يردوا الأخير بأنه عين المتنازع فيه، فلا يُقْبل.
* وأمَّا الدليل التاسع: فيمكن الجواب عنه بأن يقال: إنما انتشر بين المتأخرين ولم يشتهر بين المتقدمين لما أسلفنا من أن الصحابة رضي الله عنهم كانت تعرض لهم موانع ودواعٍ مختلفة تحول دون استفاضة رواية الخبر، بخلاف المتأخرين فقد جاءوا في عصر انتشار الدين واستقرار الأحوال، فعكفوا علىٰ الرواية وعُنُوا بنقلها فاستفاض النقل.
* وأمَّا الدليل العاشر: فقد أجاب عنه الجمهور بأنَّ النسخ لا يجري هذا المجرىٰ الذي ذكرتم؛ لأنه رَفْعُ الحكم وإسقاطه، فإذا كان ذلك الحكم ثابتاً بالاستفاضة فلا يجوز أن يُنْقَل إسقاطه بخبر الآحاد، وما نحن فيه هو إثبات حكم ابتداءً، فيجوز بالمتواتر ويجوز بالآحاد([89]).
* وأمَّا الدليل الحادي عشر: فأجاب عنه الجمهور من وجهين:
أولهما: لا نسلم أنَّ القرآن لا يجوز إثباته بخبر الواحد؛ فإنَّ من القراءات ما ثبت بخبر الآحاد، نحو قراءة ابن مسعود([90]) رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، وغير ذلك([91]).
ثانيهما: سلمنا أنه لا يجوز إثبات القرآن بخبر الآحاد، لكن إنما امتنع ذلك ليس لأنه مما تعم به البلوىٰ، بل لأنه المعجز في إثبات نبوة نبينا محمد صلىٰ الله عليه وسلم، ولأنه أصل الدين، وطريقُ معرفة القرآن متوقفٌ علىٰ القطع؛ ولذلك وجب علىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم إشاعته وإلقاؤه علىٰ عدد التواتر؛ لأنه مما تتوافر الدواعي علىٰ نقله وتعبدنا بإشاعته، وأمَّا ما نحن فيه فهو حكم تفصيلي والظنّ كافٍ فيه؛ ولذا جاز إثباته بالقياس([92]).
*  وأمَّا الدليل الثاني عشر وقولكم فيه: (إنَّ قبول خبر الواحد في عموم البلوىٰ يعارض وجوب التبليغ ويعارض دلائل عدالة الصحابة رضي الله عنهم) فالجواب بأنَّ هذا ضعيف جداً وقد أقرَّ بهذا بعض الحنفية، حيث قال الرُّهاوي([93]) تعقيباً علىٰ هذا الدليل: "ولا يخفىٰ أنَّ هذه القضية ليست قطعية حتىٰ يُرَدَّ الخبر لمعارضتها" اهـ([94]).
وأجيب كذلك بما سلف من أنَّ الواجب في حقه صلىٰ الله عليه وسلم هو عدم إخفاء الشريعة، وليس الواجب عليه أن يبلغ كل أحد أو عدد التواتر، بل عليه أن يبلغها ولو لآحاد الناس ويردّ بعضهم إلىٰ بعض؛ ولهذا قال تعالىٰ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ([95])، وقال صلىٰ الله عليه وسلم: "نَضَّرَ الله امرءاً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتىٰ يبلِّغَه غيرَه" ([96])، وعليه فلا معارض يُرَدُّ لأجله الخبر([97]).

 

المطلب الثالث
الترجيـــــــح
اختار الشيخ المطيعي([98]) رحمه الله أن الخلاف بين الحنفية والجمهور خلافٌ لفظي؛ حيث قال: «والذي يغلب علىٰ الظن أنَّ قبول مثل هذا الخبر بعيدٌ عن الصواب؛ ولذلك يكاد يكون الخلاف لفظياً بِحَمْل ما قاله الشافعية [ يعني ومعهم الجمهور ] من القبول علىٰ خلاف هذا الخبر من أخبار الآحاد، وقد علمتَ أن الحنفية لا يردُّونها» اهـ([99]).
قلت: وهذا الحمل بعيدٌ، ولا يحتمله كلام الفريقين في كتبهم الأصولية في بحثهم المسألة، بل كلامهم يردُّ هذا الحمل.
ولا يمكن أن يكون خلافاً لفظياً؛ للفروع الفقهية الكثيرة المتخرجة علىٰ الخلاف بين الفريقين في القاعدة كما ستراه إن شاء الله تعالىٰ في المبحث الأخير.
وإذا تقرر أنَّ الخلاف بين الفريقين قائمٌ علىٰ محل؛ فإن الراجح في نظري القاصر هو قول الجمهور؛ وذلك لأمورٍ عدة، منها:
أولاً: التناقض الواضح الذي وقع فيه الحنفية؛ فإنهم ادعوا عدم قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، غير أنهم أثبتوا فروعاً كثيرة هي مما تعم به البلوىٰ بخبر الواحد، ولا يعصمهم قولهم: (إنها اشتهرتْ عندهم فهي كالمتواتر)؛ لأنَّ العبرة باصطلاح المحدِّثين وهم يسمونها أخبار آحاد، بل إنَّ من تلك الفروع ما أثبته الحنفية بأخبارٍ ضعيفة واهية فضلاً عن أن تكون صحيحة مشهورة، كما في النقض بالقهقهة في الصلاة([100])، وكذا النقض بالفَصْـد([101])، وغير ذلك.
ثانياً: أن أحكام الشرع الحنيف هي في الواقع تعم بجميعها البلوىٰ([102])، ولو فُرِضَ أن بعض أحكامه لا تعم بها البلوىٰ فإن الواجب أيضاً إشاعة حكمها خوفاً من أن لا يصل إلىٰ من ابتلي به فيضيع الغرض([103]).
فإذا رددنا أخبار الآحاد لأجل ذلك رددنا أكثر الأحكام  الشرعية؛ لأن أكثر ما في السنة أخبار آحاد؛ ولهذا لم يستطع الحنفية عند التطبيق أن يراعوا قاعدتهم فوقعوا في الاضطراب المذكور أولاً.
ثالثاً: ولأن من أدلة الجمهور ما هو واضح في الدلالة لكل منصفٍ، وهو كافٍ في رجحان مذهبهم وإن كان غيره يصح أيضاً.
ألا ترىٰ أن الصلاة هي من أعظم ما يُبْتَلَىٰ به المكلفون، وأكثر ما يتكرر للمسلم، ومع هذا فقد حَوَّلَ أهل قباء قبلة صلاتهم من بيت المقدس إلىٰ بيت الله الحرام بناء علىٰ خبر الواحد([104])، أَوْ لا ترىٰ أن أمير المؤمنين عثمان([105]) رضي الله عنه أخذ بخبر الفُرَيْعَة بنت مالك([106]) رضي الله عنهما أن عدة الوفاة في منزل الزوج([107])، ووفاة الأزواج عن زوجاتهم يُبْتَلَىٰ بها المكلفون كثيراً، وكان زيد بن ثابت([108]) رضي الله عنه يرىٰ أن لا تصدر الحائض حتىٰ تطوف بالبيت، فقال له ابن عباس([109]) رضي الله عنهما: «سَلْ فلانة الأنصارية هل أمرها رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم بذلك؟ فأَخبرتْهُ أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك، فرجع زيد يضحك وقال لابن عباس: ما أراكَ إلا صَدَقْتَ» ([110])، إلىٰ غير ذلك من الوقائع وقد تقدم بعضها.
رابعاً: ولأن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين رحمهم الله تعالىٰ لم يزالوا يقبلون أخبار الآحاد فيما تعم به البلوىٰ من غير نكيرٍ من أحدٍ منهم([111])، يقول الإمام الشافعي([112]) رحمه الله: «وجدنا سعيداً([113]) بالمدينة يقول: أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم في الصَّرْف، فيُثَبِّت حديثَه سُنَّةً، ويقول: حدثني أبو هريرة([114]) عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم فيثبت حديثه سنةً، ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنةً، ووجدنا عروة([115]) يقول: حدثتني عائشة أن رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم قَضَىٰ أنَّ الخراجَ بالضمانِ([116])، فيثبته سنةً، ويروي عنها عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم شيئاً كثيراً فيثبتها سُنَنَاً يُحِلُّ بها ويُحَرِّمُ، وكذلك وجدناه يقول: حدثني أسامة بن زيد([117]) عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم، ويقول: حدثني عبد الله بن عمر عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم وغيرُهما، فيثبت خبر كل واحدٍ منهما علىٰ الانفراد سنةً» اهـ([118]).
فلو كانت أخبار الآحاد غير مقبولة في عموم البلوىٰ لوقع الإنكار، لكنه لم يقع رغم كثرة هذه الوقائع وتكررها، فكان إجماعاً منهم علىٰ مر الأعصار، والإجماع حجة صحيحة.

يتبع
----------------------------------------------------
([1]) من الآية 122 سورة التوبة.
([2]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/100 و(المحصول) للرازي 4/441 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص135 و(تخريج الفروع) للزنجاني ص62.
([3]) من الآية 6 سورة الحجرات.
([4]) انظر (المحصول) للرازي 4/441 و(شرح تنقيح الفصول) ص373 و(التحبير) 4/1847.
([5]) هو معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل أعلم الأمة بالحلال والحرام، توفي سنة 18هـ. انظر (أسد الغابة) 4/142.
([6]) الحديث أخرجه البخاري 1395 ومواضع أخرىٰ، ومسلم 19.
([7]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/101 و(الإيضاح لقوانين الاصطلاح) ص113 و(شرح الكوكب المنير) 2/275 و(البرهان في علوم القرآن) للزركشي 2/226.
([8]) الحديث أخرجه أحمد 20067 والنسائي 4248 والدارقطني 105  - 108 وابن حزم في (المحلىٰ) 1/129 والحاكم 4/141 وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن الملقن في (البدر المنير) 1/609 وكذا صححه الألباني في (غاية المرام) 26 و(التعليقات الحسان) 4505.
([9]) هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني شهاب الدين أبو الفضل، فقيه شافعي من حفاظ الحديث، من كتبه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) و(لسان الميزان) توفي سنة 852هـ. انظر (بهجة الناظرين) ص134.
([10]) (فتح الباري) 1/308.
([11]) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي أبو عبدالله، صحابي جليل وأحد دهاة العرب، تولىٰ إمرة الكوفة وتوفي بها سنة 50هـ. انظر (أسد الغابة) 4/181.
([12]) هو محمد بن مسلمة بن خالد الأنصاري الأوسي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وتوفي سنة 46هـ. انظر (أسد الغابة) 4/83.
([13]) الحديث أخرجه أحمد 17980 وأبو داود 2894 والترمذي 2100  - 2101 وابن ماجه 2724 والبيهقي 12337والحاكم 4/338 وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن الملقن، وضعفه ابن حزم وعبد الحق الإشبيلي والحافظ ابن حجر والألباني. انظر (البدر المنير) 7/206 و(التلخيص الحبير) 3/1067 و(الدراية) 2/297 و(إرواء الغليل) 1680 و(التعليقات الحسان) 8/416.
([14]) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية أم عبدالله،صحابية جليلة أم المؤمنين وصاحبة المناقب الكثيرة، توفيت سنة 57هـ. انظر (أسد الغابة) 5/341.
([15]) الحديث أخرجه مسلم 349.
([16]) هو رافع بن خَدِيْج بن رافع الأنصاري الأوسي أبو عبدالله، صحابي جليل شهد أحداً والخندق وأكثر المشاهد، وتوفي سنة 74هـ. انظر (أسد الغابة) 2/160.
([17]) الحديث أخرجه مسلم 1547.
([18]) انظر (المعتمد) 2/661 و(العدة في أصول الفقه) 3/880 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص135 و(شرح مختصر الروضة) 2/234 و(شرح العضد) 2/72 و(شرح الكوكب المنير) 2/269.
([19]) انظر (المستصفىٰ) 1/321 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87 و(التنقيحات في أصول الفقه) ص229.
([20]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87.
([21]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881.
([22]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/88 و(روضة الناظر) 2/433 و(شرح العضد) 2/72.
([23]) انظر (روضة الناظر) 2/433.
([24]) انظر بعض هذا في (المحصول) للرازي 4/441.
([25]) الفَصْد: هو شَقُّ العِرْق لاستخراج الدم. انظر (تاج العروس) 5/165 «فصد».
([26]) انظر (التنقيحات) ص230 و(المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص136 و(الإيضاح لقوانين الاصطلاح) ص111 – 113و(شرح تنقيح الفصول) ص372 و(نهاية الوصول) 7/2962 و(بيان المختصر) 1/748.
([27]) من الآية 36 سورة الإسراء.
([28]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/103.
([29]) من الآية 28 سورة النجم.
([30]) انظر (شرح تنقيح الفصول) ص372 و(نهاية الوصول) 7/2966.
([31]) من الآية 67 سورة المائدة.
([32]) انظر (أحكام القرآن) للجصاص 4/106.
([33]) هو الخِرْباق بن عمرو السُّلَمي، صحابي جليل يُعرف بذي اليدين؛ لطولٍ كان في يديه، ولا تعرف سنة وفاته. انظر (أسد الغابة) 2/154 و(شرح صحيح مسلم) للنووي 5/70.
([34]) الحديث أخرجه البخاري 1227 – 1229 ومواضع أخرىٰ، ومسلم 573.
([35]) انظر (نظم الفرائد) ص229.
([36]) سبق ذكره وتخريجه في أدلة الجمهور.
([37]) هو عمر بن الخطاب بن نُفَيْل القرشي العدوي أبو حفص، صحابي جليل ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قُتل سنة 23هـ. انظر (أسد الغابة) 3/318.
([38]) هو عبدالله بن قيس بن سُلَيم الأشعري أبو موسىٰ، صحابي جليل من الأمراء الشجعان، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، توفي سنة 42هـ. انظر (أسد الغابة) 3/62.
([39]) الحديث والقصة أخرجهما البخاري 2062، 6245، 7353 ومسلم 2153.
([40]) انظر (المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص136 و(نهاية الوصول) للهندي 7/2965.
([41]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17 و(فواتح الرحموت) 2/129 و(تيسير التحرير) 3/113 و(العدة في أصول الفقه) 3/881 و(المستصفىٰ) 1/322 و(نهاية الوصول) 7/2965.
([42]) انظر (المحصول) لابن العربي ص117 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/87 و(تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص63 و(شرح تنقيح الفصول) ص372.
([43]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17 و(فواتح الرحموت) 2/129 و(تيسير التحرير) 3/113 و(العدة في أصول الفقه) 3/883 و(شرح مختصر الروضة) 2/234 و(شرح المحلي) 2/135.
([44]) انظر (أصول السرخسي) 1/368 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([45]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884.
([46]) انظر (الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([47]) انظر (التوضيح شرح التنقيح مع حاشية التفتازاني) 2/9  - 10 و(حاشية الرهاوي) 2/648.
([48]) انظر (التحبير) 4/1846 و(شرح الكوكب المنير) 2/376.
([49]) انظر المصدرين السابقين.
([50]) هو سعد بن مالك بن سِنَان الأنصاري الخزرجي الخدري أبو سعيد، صحابي جليل وأحد المكثرين من رواية الحديث، توفي سنة 74هـ. انظر (أسد الغابة) 2/306.
([51]) انظر (المعتمد) 2/661  - 662 و(المحصول) للرازي 4/442 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([52]) انظر (المستصفىٰ) 1/287.
([53]) انظر (المستصفىٰ) 1/288.
([54]) انظر (التحبير) 4/1845 و(شرح الكوكب المنير) 2/375.
([55]) انظر المصدرين السابقين و(المستصفىٰ) 1/276.
([56]) انظر (مسلم الثبوت) 2/130 و(التحرير) 3/113.
([57]) (فواتح الرحموت) 2/130.
([58]) انظر (مسلم الثبوت) 2/130 و(التحرير) 3/114.
([59]) انظر (فواتح الرحموت) 2/130 و(سلم الوصول) 3/171.
([60]) انظر (فواتح الرحموت) 2/131 و(تيسير التحرير) 3/114  - 115.
([61]) انظر (شرح مختصر الروضة) 2/235 و(نزهة الخاطر) 1/327.
([62]) انظر بعض هذا في (فواتح الرحموت) 2/126.
([63]) انظر (فواتح الرحموت) 2/130 و(سلم الوصول) 3/172.
([64]) انظر (فواتح الرحموت) 2/131 و(سلم الوصول) 3/172  - 173.
([65]) هو محمد بن إسماعيل البخاري الجُعْفي بالولاء أبو عبدالله، أحد كبار أئمة الحديث، من كتبه (الصحيح) و(الأدب المفرد) توفي سنة 256هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 6/140 و(الأعلام) 6/34.
([66]) هو محمد بن يوسف بن مطر الفِرَبْري أبو عبدالله، محدِّث ثقة من تلاميذ الإمام البخاري، سمع منه (الصحيح) مرتين، وتوفي سنة 320هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 7/375.
([67]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([68]) انظر (أصول السرخسي) 1/369.
([69]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/103.
([70]) من الآية 28 سورة النجم.
([71]) من الآية 6 سورة الحجرات.
([72]) انظر (شرح تنقيح الفصول) ص373.
([73]) انظر (البرهان في علوم القرآن) 2/226.
([74]) انظر (نظم الفرائد) ص229.
([75]) المصدر السابق ص229، 407.
([76]) المصدر السابق ص229.
([77]) انظر (المعتمد) 2/662 و(العدة في أصول الفقه) 3/881 و(المستصفىٰ) 1/322 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/91 و(المحصول) للرازي 4/442  - 443 و(روضة الناظر) 2/433 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137 و(شرح العضد) 2/72 و(أصول الفقه) لأبي النور زهير 3/153  - 154.
([78]) انظر (مسلم الثبوت) 2/129.
([79]) انظر (فواتح الرحموت) 2/129.
([80]) انظر (المحصول) لابن العربي ص117 و(شرح مختصر الروضة) 2/235  - 236.
([81]) هو السائب بن يزيد بن سعيد الكندي أبو يزيد، صحابي جليل من صغارهم، واستعمله عمر بن الخطاب علىٰ سوق المدينة، توفي سنة 80هـ. انظر (أسد الغابة) 2/273.
([82]) هو سعد بن (أبي وقاص) مالك بن وُهَيْب القرشي الزهري أبو إسحاق، صحابي جليل من السابقين للإسلام وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، توفي سنة 55هـ. انظر (أسد الغابة) 2/307.
([83]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/881 ــ882 وهذا الأثر عن السائب بن يزيد ذكرته مختصراً، وقد أخرجه الدارقطني 1943 والبيهقي 7333 وابن عدي في (الكامل) 5/245 وفي سنده عبد الله بن لَهِيْعَة مجمعٌ علىٰ ضعفه. انظر (البدر المنير) 5/448 و(التلخيص الحبير) 2/730.
([84]) هو ماعز بن مالك الأسلمي، صحابي جليل، كتب له النبي صلىٰ الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه، وهو الذي أقرَّ بالزنا وكان محصناً فَرُجِمَ. انظر (أسد الغابة) 4/8.
([85]) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 3/88  - 90 و(بيان المختصر) 1/748.
([86]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/883 و(المستصفىٰ) 1/321 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137.
([87]) انظر (البرهان في أصول الفقه) 1/426  - 427.
([88]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884 و(التمهيد في أصول الفقه) 3/90 و(الإحكام) للآمدي م1 ج2 ص137  - 138.
([89]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884.
([90]) هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبدالرحمن، صحابي جليل من السابقين للإسلام وأحد أكابر العلماء، توفي سنة 32هـ. انظر (أسد الغابة) 3/74.
([91]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/885.
([92]) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/884  - 885 و(المستصفىٰ) 1/321 و(الإحكام) للآمدي م1ج2ص138.
([93]) هو يحيىٰ بن قُراجا الرُّهاوي شرف الدين، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (حاشية علىٰ شرح صدر الشريعة علىٰ الوقاية) توفي بعد سنة 942هـ. انظر (الأعلام) 8/163.
([94]) (حاشية الرهاوي) 2/648.
([95]) من الآية 43 سورة النحل.
([96]) الحديث أخرجه أحمد 4157 ومواضع أخرىٰ، وأبو داود 3660 والترمذي 2656 – 2658 وابن ماجه 230 – 232 ومواضع أخرىٰ، والحاكم 1/87 – 88 وصححه ووافقه الذهبي، وحَسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان وابن حجر وكذا الألباني. انظر (موافقة الخُبْر الخَبَر) 1/364 و(السلسلة الصحيحة) برقم 404 و(التعليقات الحسان) 1/192 – 194 و 2/122 – 123.
([97]) انظر بعض هذا في (حاشية التلويح علىٰ التوضيح) 2/10.
([98]) هو محمد بخيت بن حسين المطيعي، فقيه حنفي أصولي كان مفتي الديار المصرية، من كتبه (البدر الساطع علىٰ جمع الجوامع) و(القول المفيد في علم التوحيد) توفي سنة 1354هـ. انظر (الأعلام) 6/50.
([99]) (سلم الوصول) 3/173.
([100]) حيث قال الحنفية بنقض الوضوء بالقهقهة إذا كانت في الصلاة؛ مستدلين بحديث: «أَلا مَنْ ضَحِكَ منكم قهقهةً فَلْيُعِدِ الوضوءَ والصلاةَ جميعاً». انظر (فتح القدير) 1/51 و(حاشية ابن عابدين) 1/144  - 145   والحديث أخرجه الدارقطني 601  - 647 والطبراني كما في (مجمع الزوائد) 1278 وابن عدي في (الكامل) 4/101، 6/194، 9/155 وقد ضعفه الأئمة، فانظر مثلاً (العلل المتناهية) 1/367  - 373 و(المغني) 1/240 و(مختصر خلافيات البيهقي) 1/316  - 341 و(الدراية) 1/34 و(فتح الباري) 1/280 و(إرواء الغليل) 392.
([101]) حيث قال الحنفية بنقض الوضوء بالفَصْد وهو شَقُّ العِرْق لاستخراج الدم؛ مستدلين بحديث: «الوضوءُ مِنْ كلِّ دمٍ سائلٍ». انظر (فتح القدير) 1/39 ــ40 و(حاشية ابن عابدين) 1/136 والحديث أخرجه الدارقطني 581 وابن عدي في (الكامل) 1/313، 2/268 وقد ضعفه أئمة الحديث، فانظر مثلاً (مختصر خلافيات البيهقي) 1/307 و(الدراية) 1/30 و(موافقة الخُبْر الخَبَر) 1/438  - 439 و(السلسلة الضعيفة) 470 وقد أقر الزيلعي وهو حنفي المذهب بضعف الحديث، وكذا ابن الهمام أقرَّ بضعفه وهو حنفي، فانظر (نصب الراية) 1/37 و(فتح القدير) 1/39.
([102]) انظر (الإحكام) لابن حزم 1/104.
([103]) انظر (المعتمد) 2/662.
([104]) الحديث أخرجه البخاري 7252 ومسلم 525 – 527.
([105]) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأُموي أبو عبدالله، صحابي جليل ثالث الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، قُتِل سنة 35هـ. انظر (أسد الغابة) 3/215.
([106]) هي الفُرَيعة بنت مالك بن سِنَان الأنصارية الخزرجية الخدرية، صحابية جليلة وهي أخت أبي سعيد الخدري، وكانت ممن شهد بيعة الرضوان، ولا تُعرف سنة وفاتها. انظر (أسد الغابة) 5/375.
([107]) الحديث أخرجه أحمد 27087، 27088 وأبو داود 2300 والترمذي 1204 والنسائي 3558 ــ3560 وابن ماجه 2031 والحاكم 2/208، وقد صححه الترمذي، وضعفه ابن حزم وتبعه عبد الحق الإشبيلي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وكذا صححه ابن حبان والذُّهلي وابن عبد البر وابن القطان وابن الملقن وغيرهم، وضعفه الألباني أول أمره ثم عاد وصححه. انظر (نصب الراية) 3/263 و(البدر المنير) 8/243 و(الدراية) 2/80 و(التلخيص الحبير) 4/1290 و(إرواء الغليل) 2131 و(التعليقات الحسان) 6/340.
([108]) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي النَّجَّاري أبو سعيد، صحابي جليل كان أعلم الناس بالفرائض، توفي سنة 45هـ. انظر (أسد الغابة) 2/235.
([109]) هو عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي أبو العباس، صحابي جليل حبر الأمة، وكان يسمىٰ «البحر» لسعة علمه، توفي سنة 68هـ. انظر (أسد الغابة) 3/8.
([110]) الحديث أخرجه مسلم 1328.
([111]) انظر (التحبير) 4/1840 و(إرشاد الفحول) 1/281 وغيرهما.
([112]) هو محمد بن إدريس بن العباس الشافعي المطلبي أبو عبدالله، الفقيه الإمام أحد الأئمة الأربعة، من كتبه (الرسالة في أصول الفقه) و(الأم في الفقه) توفي سنة 204هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 5/146 و(الأعلام) 6/26.
([113]) هو سعيد بن المسيب بن حَزْن القرشي المخزومي أبو محمد، من أئمة التابعين وعالم المدينة في زمانه، توفي سنة 94هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 2/1103.
([114]) هو عبدالرحمن بن صخر الدَّوسي أبو هريرة، صحابي جليل اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، وهو أكثر الصحابة رواية للحديث، توفي سنة 58هـ. انظر (أسد الغابة) 5/119.
([115]) هو عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو عبدالله، تابعي ثقة فقيه من أعيان العلماء، توفي سنة 93هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 2/1139.
([116]) الحديث أخرجه أحمد 24224 ومواضع أخرىٰ، وأبو داود 3508 ــ3510 والترمذي 1285، 1286 والنسائي 4495 وابن ماجه 2242، 2243 والدارقطني 3004 والحاكم 2/15 وصححه الترمذي، وضعفه ابن حزم، وكذا صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وممن صححه ابن حبان وابن القطان، وحسنه الحافظ ابن حجر، وكذا حسنه الألباني. انظر (البدر المنير) 6/541 و(التلخيص الحبير) 3/977 و(توالي التأسيس) ص235 و(إرواء الغليل) 1315 و(التعليقات الحسان) 7/266.
([117]) هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو محمد، صحابي جليل وهو حِبُّ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم وابن حِبّه، توفي سنة 54هـ. انظر (أسد الغابة) 1/75.
([118]) (الرسالة) للشافعي ص453 وما بعدها.

 

***

 

خبر الآحاد فيما تعم به البلوىٰ (3-3)

 

المبحث السابع
أثر الخلاف في المسألة في الأحكام الشرعية

•    قبل الخوض في هذا المبحث أحب أن أشير إلىٰ أن بعض أصحاب الكتب الأصولية وكتب تخريج الفروع علىٰ الأصول اختلفتْ رؤيتهم لثمرة الخلاف في مسالة خبر الآحاد في عموم البلوىٰ.
فنرىٰ أن بعضهم جعلها مثمرةً في الأحكام الشرعية العملية، كالشهاب الزنجاني([1]) الشافعي في كتابه (تخريج الفروع علىٰ الأصول)([2])، والشريف التلمساني([3]) المالكي في كتابه (مفتاح الوصول)([4]).
ومنهم مَنْ جعل الخلاف لفظياً، وهو الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله حيث قال: «والذي يغلب علىٰ الظن أن قبول مثل هذا الخبر بعيد عن الصواب، ولذلك يكاد يكون الخلاف لفظياً بحمل ما قاله الشافعية [ أي والذين معهم ] من القبول علىٰ خلاف هذا الخبر من أخبار الآحاد، وقد علمتَ أنَّ الحنفية أيضاً لا يردُّونها» اهـ([5]).
وفريقٌ ثالث لم يتعرض للمسألة أصلاً، كالإسنوي الشافعي([6]) في كتابه (التمهيد في تخريج الفروع علىٰ الأصول)، وابن اللحام الحنبلي([7]) في (قواعده)، والتمرتاشي الحنفي في كتابه (الوصول إلىٰ قواعد الأصول).
والحق أن للخلاف في مسألة الخبر الوارد في عموم البلوىٰ أثراً في الفقه وثمرة في الأحكام الشرعية، ولا أَدَلَّ علىٰ ذلك من المصنفات الفقهية؛ فإنها طافحة بالفروع المخرَّجة علىٰ المسألة.
•    إذا علمتَ هذا فلم يبق إلا ذكر أمثلة من الفروع الفقهية المتخرجة علىٰ الخلاف في قاعدة خبر الواحد في عموم البلوىٰ، فإليك هذه المسائل الفرعية متوخياً فيها الإيجاز قدر الإمكان([8]).

 

المسألة الأولىٰ: حكم نقض الوضوء بمسِّ الذَّكَر:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس الذكر علىٰ قولين:
1-     أن مس الذكر ينقض الوضوء.
وهذا قول المالكية([9]) والشافعية([10]) والحنابلة([11]).
2-     أن مس الذكر لا ينقض الوضوء.
وهذا قول الحنفية([12]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث بُسْرَة بنت صفوان([13]) رضي الله عنها أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوضَّأ» ([14]) وغيره من الأحاديث([15]).
•        وقد رَدَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر آحاد ورد فيما تعم به البلوىٰ، فلا يكون حجة.
قال الكاساني في الجواب عن الحديث: «أنه خبر واحد فيما تعم به البلوىٰ، فلو ثبت لاشتهر» اهـ([16]).
•    وبناءُ هذه المسألة علىٰ الخلاف في قاعدة الخبر الآحادي في عموم البلوىٰ بناءٌ مشهور، فقد ذكرته مصنفاتٌ عدة في الأصول، وفي الفقه، وفي تخريج الفروع علىٰ الأصول وغيرها([17]).
وقال الزرقاني([18]):«زعم الحنفية أن مَسَّ الذكر في حديث بسرة كناية عَمَّا يخرج منه…وقالوا أيضاً: إن خبر الواحد لا يُعْمَل به فيما تعم به البلوىٰ، ومَثَّلوا بهذا الحديث»اهـ([19]).
•    وقد أشار الماوردي([20]) إلىٰ أنَّ سبب الخلاف في المسألة هو الاختلاف في حجية القاعدة، حيث قال: «اعترضوا علىٰ هذه الأخبار بثلاثة أسئلة، أحدها: أَنْ قالوا: وجوب الوضوء من مسِّ الذكر مما تعم به البلوىٰ، وما عَمَّتْ به البلوىٰ لا يُقْبَل فيه أخبار الآحاد حتىٰ يكون نَقْلُه متواتراً مستفيضاً» اهـ([21]).

 

المسألة الثانية: حكم نقض الوضوء، بمس النساء لشهوة:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في وضوء مَنْ مَسَّ امرأةً بشهوة علىٰ قولين:
1-     أنه ينتقض وضوءه.
وهذا قول المالكية([22]) والشافعية([23]) والحنابلة([24]).
2-     أنه لا ينتقض وضوءه.
وهذا قول الحنفية([25]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «أَتَىٰ النبيَّ صلىٰ الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل لَقِيَ امرأةً لا يَعْرِفُها فليس يأتي الرجلُ من امرأته شيئاً إلا قد أتاه منها غير أنه لم يُجَامِعْها؟ قال: توضَّأْ ثم صَلِّ» ([26]) وغيره من الأدلة([27]).
•    وقد رد الحنفية الأحاديث التي استدل بها الجمهور بأنها أخبار آحادٍ وردتْ فيما عمت به البلوىٰ، فلا تكون حجة.
قال الجصاص: «أنه معلومٌ عموم البلوىٰ بمسِّ النساء لشهوة، والبلوىٰ بذلك أعم منها بالبول والغائط ونحوهما، فلو كان حدثاً لَمَا أَخْلَىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم الأمةَ من التوقيف عليه؛ لعموم البلوىٰ به وحاجتهم إلىٰ معرفة حكمه، ولا جائزَ في مثله الاقتصار بالتبليغ إلىٰ بعضهم دون بعض» اهـ([28]).
•    وبناءُ هذه المسألة علىٰ الخلاف في القاعدة بناءٌ مشهور حتىٰ صارتْ مثالاً لها؛ قال الجصاص: «كل ما كان من الأحكام للناس إليه حاجةٌ عامةٌ أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قد بَلًّغه الكافة، وأن وروده ينبغي أن يكون من طريق التواتر، نحو الوضوء من مس الذكر ومن مس المرأة ومما مَسَّتْه النار ونحوها؛ لعموم البلوىٰ بها، فإذا لم نجد ما كان منها بهذه المنزلة وارداً من طريق التواتر عَلِمْنا أن الخبر غير ثابت في الأصل» اهـ([29]).
وقال القرافي([30]) في بحثه لهذه المسألة الفقهية: «تمسَّكَ الحنفية بأن هذا حكمٌ تعم به البلوىٰ» اهـ([31]).
ثم قال: «تمسُّكُهم بعموم البلوىٰ هنا وفي مسألة الوضوء من مسِّ الذكر بناء علىٰ أن كل ما تعم به البلوىٰ يجب اشتهاره وإلا فهو غير مقبول» اهـ([32]).

 

المسألة الثالثة: صفة الإقامة للصلاة:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في جُمَل الإقامة هل تُثَنَّىٰ كما يُثنَّىٰ الأذان؟ أو أنها تُفْرَدُ؟ وكان خلافهم علىٰ قولين:
1-أن الإقامة تُفرد.
وهذا قول المالكية([33]) والشافعية([34]) والحنابلة([35]).
2-     أن الإقامة تُثنَّىٰ.
وهذا قول الحنفية([36]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث أنس([37]) رضي الله عنه قال: «أُمِرَ بلالٌ([38]) أن يَشْفَع الأذانَ ويُوتِرَ الإقامة» ([39]) وغيره من الأحاديث([40]).
•        وقد ردَّ الحنفية أحاديث الجمهور بأنها أخبار آحاد وردت في شيء تعم به البلوىٰ، فلا تكون حجة.
حيث قال السرخسي عن واحد من أحاديث الباب: «ولكنه شاذٌّ فيما تعم به البلوىٰ، والشاذ في مثلهِ لا يكون حجة» ([41]) اهـ.
•    وذكر بدر الدين الزركشي ([42])  هذه المسألة الفقهية من الفروع المخرَّجة علىٰ الخلاف في القاعدة، حيث قال: «وبنىٰ الحنفية علىٰ هذا رد خبر الواحد في نقض الوضوء بمس الذكر، والجهر بالبسملة، ورفع اليدين عند الهويّ إلىٰ الركوع والرفع منه، وإيجاب قراءة الفاتحة خلف الإمام، والإفراد في الإقامة، وغير ذلك؛ فإنه مما تعم به البلوىٰ فحقُّه الاشتهار»([43])اهـ.
وكذلك قال غيره([44]).

 

المسألة الرابعة: حكم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه علىٰ قولين:
1-    أنه يشرع رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.
وهذا قول المالكية([45]) والشافعية([46]) والحنابلة([47]).
2-    أنه لا يشرع رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.
وهذا قول الحنفية([48]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «رأيتُ رسولَ اللهِ صلىٰ الله عليه وسلم إذا قامَ في الصلاةِ رَفَعَ يديه حتىٰ يكونا حَذْوَ مَنْكِبَيْه وكان يفعل ذلك حين يكبِّر للركوع ويفعل ذلك إذا رَفَعَ رأسَه من الركوعِ» ([49]) وغيره من الأحاديث([50]).
•        وقد رَدَّ الحنفية الأحاديث التي استدل بها الجمهور بأنها أخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوىٰ، فلا تُقْبَل.
قال السرخسي بعد أَنْ ذكر أن مذهبهم ردّ خبر الواحد في عموم البلوىٰ: «وعلىٰ هذا لم يعمل علماؤنا  - رحمهم الله  - بخبر الجهر بالتسمية، وخبر رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع؛ لأنه لم يشتهر النقل فيها مع حاجة الخاص والعام إلىٰ معرفته» اهـ([51]).
وكذلك قال علاء الدين البخاري([52])، وأكمل الدين البابرتي([53])، وابن عبدالشكور([54]) وغيرهم.

 

المسألة الخامسة: حكم الجمع بين الصلاتين للمسافر:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم جمع الصلاتين في وقتِ إحداهما لعذر السفر علىٰ قولين:
1-     أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للمسافر.
وهذا قول المالكية([55]) والشافعية([56]) والحنابلة([57]).
2-     أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين للمسافر.
وهذا قول الحنفية([58]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانَ رسولُ الله صلىٰ الله عليه وسلم يَجْمَعُ بين صلاة الظهرِ والعصرِ إذا كان علىٰ ظَهْرِ سَيْرٍ ويَجْمَعُ بين المغربِ والعشاءِ» ([59]) وغيره من الأحاديث([60]).
•        وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر آحاد ورد فيما تعم البلوىٰ به، فلا يكون حجة.
قال الكاساني: «وما روي من الحديث في خبر الآحاد فلا يُقْبَل في معارضة الدليل المقطوع به، مع أنه غريبٌ ورد في حادثة تعم بها البلوىٰ، ومثله غير مقبول عندنا» اهـ([61]).
وذكر ابن رشد([62]) أن سبب الخلاف بين الفريقين هو خلاف الحنفية في قاعدة الخبر الآحادي في عموم البلوىٰ؛ حيث قال: «والأشبه عندي أن يكون من باب عموم البلوىٰ الذي يذهب إليه أبو حنيفة» اهـ([63]).

 

المسألة السادسة: حكم صلاة الاستسقاء:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في أنه هل يُشْرَع للاستسقاء صلاةٌ أو أنه لا يشرع؟ علىٰ قولين:
1-     أنه تُشْرَعُ صلاة الاستسقاء.
وهذا قول المالكية([64]) والشافعية([65]) والحنابلة([66]).
2-     أنه لا تشرع صلاة الاستسقاء.
وهذا قول الحنفية([67]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•   استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن زيد الأنصاري([68]) رضي الله عنه قال: «خَرَجَ النبيُّ صلىٰ الله عليه وسلم يَسْتَسْقي فتوجَّهَ إلىٰ القبلةِ يدعو وحَوَّلَ رداءه ثم صلىٰ ركعتين جَهَرَ فيهما بالقراءةِ» ([69]) وغيره من الأحاديث([70]).
•   وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر آحاد ورد فيما تعم به البلوىٰ، فلا يكون مقبولاً.
قال السرخسي: «والأثرُ الذي نُقِلَ أنه صلىٰ فيها صلىٰ الله عليه وسلم شاذٌُّ فيما تعم به البلوىٰ، وما يحتاج الخاص والعام إلىٰ معرفته لا يُقْبَل فيه شاذٌّ، وهذا مما تعم به البلوىٰ» اهـ([71]).
وقال برهان الدين البخاري في رَدِّهِ الحديث: «لأنه وَرَدَ ونُقِلَ في بليةٍ عامة، والواحد إذا روىٰ حديثاً في بلية عامة يُعَدُّ ذلك شاذاً ومستنكراً» اهـ([72]).
وقال البابرتي: «فإذا قيل: كلام المصنف حينئذ متناقض؛ لأنه قال أولاً: (ولم تُرْوَ عنه الصلاة) ثم قال: (لما روي عنه).
فالجواب: أن المرويَّ لمَّا كان شاذاً فيما تعم به البلوىٰ؛ جَعَلَهُ كأنه غير مروي»اهـ([73]).
وبنحوه أجاب ابن الهمام أيضاً([74]).

 

المسألة السابعة: حكم الصلاة علىٰ الشهيد:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في الصلاة علىٰ شهيد المعركة علىٰ قولين:
1-     أنه لا يُصَلَّىٰ علىٰ الشهيد.
وهذا قول المالكية ([75])والشافعية([76]) والحنابلة([77]).
2-     أنه يُصَلَّىٰ علىٰ الشهيد.
وهذا قول الحنفية([78]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•        استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث جابر بن عبد الله([79]) رضي الله عنهما: «أنَّ رسولَ الله صلىٰ الله عليه وسلم كان يَجْمَعُ بين الرَّجُلين من قَتْلَىٰ أُحُدٍ في ثوبٍ واحد ثم يقول: أَيُّهم أكثرُ أخذاً للقرآنِ؟ فإذا أُشِيْرَ له إلىٰ أحدهما قَدَّمَهُ في اللحد وقال: أنا شهيدٌ علىٰ هؤلاء، وأَمَرَ بدفنهم بدمائهم ولم يُصَلِّ عليهم ولم يُغَسِّلْهم»([80]) وغيره من الأحاديث([81]).
•        وقد رَدَّ الحنفية الأحاديث التي استدل بها الجمهور بأنها أخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوىٰ، فلا تكون حجة.
فقد حكىٰ النووي عنهم ذلك؛ حيث قال: «ولأنَّ أبا حنيفة لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوىٰ، وهذا منها» اهـ([82]).

 

المسألة الثامنة: حكم الزكاة في مال الصبي:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال الصغير علىٰ قولين:
1-     أن الزكاة تجب في مال الصبي.
وهذا قول المالكية([83]) والشافعية([84]) والحنابلة([85]).
2-     أن الزكاة لا تجب في مال الصبي.
وهذا قول الحنفية([86]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بما روي عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم أنه قال: «اتَّجِرُوا في أموالِ اليتامىٰ لا تَأْكُلها الزكاةُ» ([87]) وغيره من الأدلة([88]).
•        وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر واحد ورد في عموم البلوىٰ، ومثله لا يكون حجة.
قال سِبْط ابن الجوزي الحنفي([89]) بعد أَنْ ذكر أجوبة أخرىٰ عن الحديث: «ولو سُلِّمَ كان خبر واحدٍ ورد فيما تعم به البلوىٰ» اهـ([90]). وكذلك قال في كتابٍ آخر له([91]).
وقال أكمل الدين البابرتي في بعض مسائل الصلاة: «فلو كان هذا الخبر ثابتاً في الصدر الأول لاشتهر، ولو اشتهر لَمَا بقي الاختلاف في الصدر الأول، ولَ‍مَّا بقي الاختلاف فيه مع عموم البلوىٰ دَلَّ علىٰ زيافته كما في حديث الزكاة في مال الصبي» اهـ([92]).

 

المسألة التاسعة: حكم إخراج «الأَقْـط» في زكاة الفطر:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في أنه هل يجزئ إخراج «الأَقْط» ([93]) في زكاة الفطر أو أنه لا يجزئ؟ علىٰ قولين:
1-          أنه يجزئ إخراج الأقط في زكاة الفطر.
وهذا قول المالكية([94]) والشافعية([95]) والحنابلة([96]).
2-          أنه لا يجزئ إخراج الأقط في زكاة الفطر.
وهذا قول الحنفية([97]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كان فينا رسولُ اللهِ صلىٰ الله عليه وسلم زكاةَ الفِطْرِ صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من شعيرٍ أو صاعاً من تَمْرٍ أو صاعاً من أَقْطٍ أو صاعاً من زبيبٍ»([98])وغيره من الأدلة([99]).
•        وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر آحاد ورد فيما تعم به البلوىٰ، فلا يكون مقبولاً.
حيث قال السرخسي: «وهذا الحديث رَوَىٰ: (أو صاعاً من أقط) وبه أخذ مالك رحمه الله تعالىٰ وقال: الأقط كان قوتاً لأهل البادية في ذلك الوقت كما أنَّ الشعير والتَّمْر كانا قوتاً في أهل البلاد.
وأصحابنا قالوا: الحديث شاذٌّ لم يُنْقَل في الآثار المشهورة، وبمثله لا يجوز إثبات التقدير فيما تعم به البلوىٰ» اهـ([100]).

 

المسألة العاشرة: حكم شهادة الآحاد برؤية هلال رمضان:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء فيما إذا كانت السماء مُصْحِيَةً([101]) وشهد برؤية هلال رمضان آحادٌ من الناس فهل يُحْكَم بدخول رمضان أو أنه لابد من شهادة الجم الغفير؟ علىٰ قولين:
1-    يثبت رمضان بشهادة الآحاد.
وهذا قول المالكية([102]) والشافعية([103]) والحنابلة([104]).
2-    لا يثبت رمضان بشهادة الآحاد بل بالجم الغفير.
وهذا قول الحنفية([105]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاءَ أعرابيٌّ إلىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم فقال: إني رأيتُ الهلالَ  - يعني رمضان  - فقال: أتشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ؟ قال: نعم، قال: أتشهدُ أن محمداً رسولُ الله؟ قال: نعم، قال: يا بلالُ أَذِّنْ في الناسِ فَلْيصوموا غداً» ([106]).
وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب([107]) أنه خَطَبَ في اليوم الذي يُشَكُّ فيه فقال: «أَلا إني جالستُ أصحابَ رسولِ الله صلىٰ الله عليه وسلم وَسَاءلْتُهُم وإنهم حَدَّثوني أنَّ رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيتهِ وأَفْطروا لرؤيتهِ وانْسُكُوا لها فإنْ غُمَّ عليكم فأَتِمُّوا ثلاثين فإنْ شَهِدَ شاهدان فصوموا وأفطروا» ([108]) وغيرهما من الأحاديث([109]).
•        وقد ردَّ الحنفية أحاديث الجمهور في الباب بأنها أخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوىٰ، فلا تكون حجة.
قال الجصاص: «فالذي ذكرناه من الخبر عن رؤية الهلال إذا لم تكن بالسماء علة من الأصل الذي قدمنا أن ما عمتْ به البلوىٰ فسبيل وروده أخبار التواتر الموجبة للعلم»اهـ([110]).
•        وتخريجُ هذه المسألة علىٰ قاعدة خبر الواحد في عموم البلوىٰ مشهورٌ، وقد ذكرتْهُ كتبٌ أصولية عدة([111]).
وذكرها الزنجاني من الفروع المخرَّجة علىٰ الخلاف في القاعدة([112]).

 

المسألة الحادية عشرة: حكم التغريب في حد الزنىٰ:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم تغريب عامٍ في حد الزاني غير المحصن علىٰ قولين:
1-    أن الزاني غير المحصن يُغَرَّب.
وهذا قول المالكية([113]) والشافعية([114]) والحنابلة([115]).
2-    أن الزاني غير المحصن لا يُغَرَّب.
وهذا قول الحنفية([116]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث عبادة بن الصامت([117]) رضي الله عنه أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال: «البِكْرُ بالبكرِ جَلْدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ والثيِّبُ بالثيبِ جلدُ مائةٍ والرَّجْمُ» ([118]) وغيره من الأحاديث([119]).
•        وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر واحد ورد فيما تعم به البلوىٰ، فلا يكون مقبولاً.
حيث قال سعد الدين التفتازاني([120]):«فإنْ قلتَ: فَهَلَّا زِيْدَ (تغريب العام) علىٰ سبيل الوجوب.
قلنا: لأنَّ الخبر فيه غريبٌ مع عموم البلوىٰ» اهـ([121]).

 

المسألة الثانية عشرة: حكم الصيد وقطع الشجر بالمدينة:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في أنَّ للمدينة حَرَمَاً كمكة علىٰ قولين:
1-     أن للمدينة حرماً كمكة فيحرم صيدها وقطع شجرها.
وهذا قول المالكية([122]) والشافعية([123]) والحنابلة([124]).
2-     أنه ليس للمدينة حرمٌ فلا يحرم صيدها ولا قطع شجرها.
وهذا قول الحنفية([125]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال: «إنَّ إبراهيمَ حَرَّمَ مكةَ وإني حَرَّمْتُ المدينةَ ما بين لابَتَيْهَا لا يُقْطَعُ شجرُها ولا يُقْتَلُ صيدُها» ([126]) وغيره من الأحاديث([127]).
•        وقد ردَّ الحنفية أحاديث الجمهور الواردة في الباب بأنها أخبار آحادٍ وردت فيما تعم به البلوىٰ فلا تكون حجة.
قال ابن نُجَيْم: «ليس للمدينة حرمٌ عندنا، فيجوز الاصطياد فيها وقطع أشجارها…، وأجاب في (المحيط)([128]) عن الأحاديث الصحيحة في أنَّ لها حرماً أنها من أخبار الآحاد فيما تعم به البلوىٰ؛ لأنَّ الشجر للمدينة أمرٌ تعم به البلوىٰ، وخبر الواحد إذا ورد فيما تعم به البلوىٰ لا يُقْبَلُ؛ إذْ لو كان صحيحاً لاشتهر نَقْلُه فيما عَمَّ به البلوىٰ»اهـ([129]).
وقال الحموي([130]):«قوله: (ولا حرم للمدينة عندنا) أقول: وما ورد من قوله صلىٰ الله عليه وسلم: (حَرَّمْتُ المدينةَ ما بين لابَتَيْهَا لا تُقْطَعُ أغصانها ولا يُصَاد صيدُها) كما في (صحيح مسلم)([131])؛ فأجاب عنه في (المحيط) أنه من أخبار الآحاد فيما تعم به البلوىٰ فلا يقبل؛ إذْ لو كان صحيحاً لاشتهر نَقْلُهُ» اهـ([132]).
•        وقد أشار الماوردي إلىٰ هذا أيضاً؛ حيث قال: «فأما صيد المدينة فهو علىٰ مذهب الشافعي حرامٌ كصيد الحرم.
وقال أبو حنيفة: صيد المدينة حلالٌ؛ استدلالاً بأن صيد المدينة مما تعم به البلوىٰ، وما عَمَّ به البلوىٰ يجب أن يكون بيانه منتشراً وفي الناس مستفيضاً، وليس فيه استفاضة فلم يصح تحريمه» اهـ([133]).
وقال أبو العباس القرطبي([134]) عن الحنفية: «وإنكارُهُم علىٰ مَنْ قال بتحريم المدينة بناء منهم علىٰ أصلهم في رَدِّهم أخبار الآحاد فيما تعمُّ به البلوىٰ» اهـ([135]).

 

المسألة الثالثة عشرة: حكم جنين المذكاة الذي خرج ميتاً:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم جنين الشاة ونحوها من مأكول اللحم إذا خرج ميتاً بعد تذكية أُمِّهِ، وذلك علىٰ قولين:
1-     يحل أكل جنين المذكَّاة الذي خرج ميتاً.
وهذا قول المالكية([136]) والشافعية([137]) والحنابلة([138]).
2-     لا يحل أكل جنين المذكَّاة الذي خرج ميتاً.
وهذا قول الحنفية([139]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «قلنا يا رسولَ الله، نَنْحَرُ الناقةَ ونذبحُ البقرةَ أو الشاةَ فَنَجِدُ في بطنِهَا الجنينَ أَنُلْقِيْهِ أم نأكُلُه؟ فقال: كلوهُ إِنْ شئتم فإنَّ ذكاته ذكاةُ أُمِّهِ » ([140]) وغيره من الأحاديث([141]).
•        وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بأنه خبر واحد فيما عمت به البلوىٰ، فلا يكون حجة.
قال الكاساني في الجواب عن الحديث: «أنه من أخبار الآحاد ورد فيما تعم به البلوىٰ وإنه دليلُ عدمِ الثبوت؛ إذْ لو كان ثابتاً لاشتهر» أ.هـ ([142]).

 

المسألة الرابعة عشرة: حكم النبيذِ المُتَّخَذ من غير العنب:
أولاً: الخلاف في المسألة:
أجمع الفقهاء علىٰ أنَّ ما غَلَىٰ وقَذَفَ بالزَّبَدِ من عصير العنب فهو خمرٌ، فيحرم منه القدر المُسْكِر والقدر غير المسكر([143]).
وإنما اختلفوا فيما غَلىٰ وقذف بالزبد من غير العنب كماء الزبيب وماء الذرة وماء الشعير ونحو ذلك([144])  - وهو المسمىٰ عند الفقهاء بالنبيذ - فهل هو خمر فيحرم قليله وكثيره أم لا؟ علىٰ قولين:
1-     أنَّ النبيذ المتخذ من غير العنب خمرٌ فيحرم قليلُهُ وكثيره.
وهذا قول المالكية([145]) والشافعية([146]) والحنابلة([147]).
2-     أن النبيذ المتخذ من غير العنب ليس بخمرٍ فلا يحرم إلا القدر المسكر.
وهذا قول الحنفية([148]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث النعمان بن بشير([149]) رضي الله عنه أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال: «إنَّ من الحنطةِ خمراً ومن الشعيرِ خمراً ومن الزبيبِ خمراً ومن التَّمْرِ خمراً ومن العسلِ خمراً» ([150]) وغيره من الأحاديث([151]).
•        وقد رَدَّ الحنفية أحاديث الجمهور في الباب بأنها أخبار آحاد جاءت فيما تعم به البلوىٰ، فلا تكون حجة.
قال الجصاص: «ولو كان النبيذ محرماً لَوَرَدَ النَّقْلُ به مستفيضاً؛ لعموم البلوىٰ…وقد كانت بلواهم بشرب النبيذ أعمَّ منها بشرب الخمر لقلَّتها عندهم، وفي ذلك دليلٌ علىٰ بطلان قول مُوْجِبي تحريمه» اهـ([152]).
وقال أيضاً: «النبيذ غير محرم؛ لأنه لو كان محرماً لعرفوا تحريمه كمعرفتهم بتحريم الخمر؛ إذْ كانت الحاجة إلىٰ معرفة تحريمها([153]) أمسَّ منها إلىٰ معرفة تحريم الخمر؛ لعموم بلواهم بها، وما عَمَّتْ البلوىٰ به من الأحكام فسبيل وروده نقل التواتر الموجِب للعلم والعمل»اهـ([154]).
وقال السرخسي بعد أن ذكر حديثاً استدل به الجمهور: «والحديثُ فيه شاذٌّ، والشاذ فيما تعم به البلوىٰ لا يكون مقبولاً» اهـ([155]).
•    وقد أشار الماوردي إلىٰ هذا؛ حيث قال في دلائل الحنفية: «فأما ما استدلوا به من المعاني فمن وجوه…منها: أن تحريم الأنبذة مما تعم به البلوىٰ، وما عَمَّ به البلوىٰ وَجَبَ أن يكون بيانه عاماً، وما كان بيانه عاماً كان نقله متواتراً، وليس فيه تواترٌ، فلم يَثْبُتْ به التحريم» اهـ([156]).

 

المسألة الخامسة عشرة: حكم نكاح المرأة بلا ولي:
أولاً: الخلاف في المسألة:
اختلف الفقهاء في الحرة الرشيدة إذا زَوَّجَتْ نفسها من غير وليّ،وذلك علىٰ قولين:
1-          أن الولي شرطٌ، فنكاحها بلا ولي يكون فاسداً.
وهذا قول المالكية([157]) والشافعية([158]) والحنابلة([159]).
2-          أن الولي ليس بشرطٍ، فنكاحها بلا ولي يكون صحيحاً.
وهذا قول الحنفية([160]).
ثانياً: بناء المسألة على الخلاف في القاعدة:
•    استدل الجمهور علىٰ ما ذهبوا إليه بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال: «أيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ نفسَها بغير إذن وليِّها فنكاحها باطلٌ فنكاحها باطل فنكاحُها باطلٌ» ([161]) وغيره من الأحاديث([162]).
•    وقد ردَّ الحنفية هذا الحديث بعد التسليم بصحته بأنه خبر آحادٍ جاء في أمرٍ تعم به البلوىٰ فلا يكون حجة، علىٰ ما حكاه عنهم ابن نور الدين المَوْزَعي([163]) حيث قال بعد إيراده الحديث المذكور: «قالوا: هذا أمرٌ تعم البلوىٰ به، ولو كان الولي شرطاً في صحة النكاح لنُقِل عن النبي صلىٰ الله عليه وسلم بطريق التواتر.
قلنا: اشتراط التواتر في مقام البلوىٰ غير مسلَّم» ([164]) اهـ.

 

الخاتمة:
بعد انقضاء الكلام علىٰ مسألة خبر الواحد الوارد في عموم البلوىٰ؛ يمكن إيجاز أهم ما جاء فيه فيما يلي:
1-    أنَّ معنىٰ المسألة هو: حديث الآحاد الوارد فيما يعم التكليف به ويتكرر وقوعه وتمسُّ حاجة الناس إليه.
2- أن خبر الواحد في عموم البلوىٰ حجة شرعية عند جمهور أهل العلم؛ خلافاً للحنفية الذين لم يعملوا به وسموه شاذاً أو غريباً.
3-    أن الحنفية قَبِلوا هذا النوع من الحديث بأحد شرطين:
أحدهما: شُهْرَتُهُ روايةً وسنداً، وثانيهما: تلقي الأمة له بالقبول عملاً وتطبيقاً.
4-    أن هذه المسألة أصلٌ عظيم في الفقه؛ وذلك لما يتخرج علىٰ الخلاف فيها من مسائل فرعية كثيرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلىٰ الله وسلم علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.

 

______________________

([1]) هو محمود بن أحمد الزنجاني شهاب الدين أبو الثناء، فقيه شافعي أصولي قاضٍ، من كتبه (تفسير القرآن) قُتِل بسيف التتار سنة 656هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/126.
([2]) انظر (تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص62  - 67.
([3]) هو محمد بن أحمد الحسني التلمساني أبو عبدالله، فقيه مالكي أصولي محقِّق، من كتبه (مفتاح الوصول) في أصول الفقه و(شرح جُمَل الخونجي) توفي سنة 771هـ. انظر (شجرة النور) ص234.
([4]) انظر (مفتاح الوصول إلىٰ بناء الفروع علىٰ الأصول) ص315  - 317.
([5]) (سلم الوصول) 3/173 وسبق ذكره في المبحث السادس.
([6]) هو عبدالرحيم بن الحسن الأُموي القرشي الإسنوي جمال الدين أبو الحسن، فقيه شافعي أصولي محقِّق، من كتبه (شرح منهاج البيضاوي) و(الأشباه والنظائر) توفي سنة 772هـ. انظر (بهجة الناظرين) ص200.
([7]) هو علي بن محمد بن علي البعلي الدمشقي علاء الدين أبو الحسن، فقيه حنبلي أصولي يُعرف بابن اللحام، من كتبه (القواعد الأصولية) و(اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية) توفي سنة 803هـ. انظر (السحب الوابلة) 2/765.
([8]) واعلم أن بعض هذه المسائل الفقهية المخرجة علىٰ قاعدة خبر الواحد في عموم البلوىٰ تتخرج أيضاً علىٰ قواعد أخرىٰ، مثل قاعدة الزيادة علىٰ النص وقاعدة الخبر المخالف لعمل الراوي وقاعدة الخبر المخالف للقياس وغير ذلك، وهذا ليس بمستغرب لأن الفرع الفقهي قد تتجاذبه أصولٌ عدة.
([9]) انظر (مواهب الجليل) 1/299 و(الشرح الكبير) 1/121.
([10]) انظر (روضة الطالبين) 1/186 و(مغني المحتاج) 1/35.
([11]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/140 و(الإقناع وشرحه) 1/126.
([12]) انظر (المبسوط) 1/66 و(بدائع الصنائع) 1/30.
([13]) هي بُسْرَة بنت صفوان بن نوفل القرشية الأسدية، صحابية جليلة وهي ابنة أخي ورقة بن نوفل وجَدَّة الخليفة عبدالملك بن مروان لأمِّهِ، لا تُعرف سنة وفاتها. انظر (أسد الغابة) 5/229.
([14]) الحديث أخرجه أحمد 27293  - 27295 وأبو داود 181 والترمذي 82  - 84 والنسائي 445  - 448 وابن ماجه 479 والحاكم 1/137 وقد صححه الأئمة، فانظر (التمهيد) لابن عبد البر 2/266 و(التلخيص الحبير) 1/185 و(البدر المنير) 2/452 و(إرواء الغليل) 116.
([15]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) للقاضي عبد الوهاب 1/148 و(الحاوي) 1/231 و(رؤوس المسائل الخلافية) للعكبري 1/52 و(شرح التلقين) 1/191 و(البيان) للعمراني 1/188 و(تقويم النظر) لابن الدهان 1/178 و(بداية المجتهد) 1/28 و(المغني) 1/241 وغيرها.
([16]) (بدائع الصنائع) 1/30.
([17]) انظر مثلاً (المحلىٰ) 1/225 و(أصول السرخسي) 1/368 و(الانتصار) لأبي الخطاب 1/331 و(ميزان الأصول) ص434 و(شرح التلقين) 1/192 و(إيضاح المحصول) ص523 و(قواطع الأدلة) 2/358 و(التنقيحات) ص229 و(تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص64  - 65 و(مفتاح الوصول) ص315  - 316 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/18 و(شرح سنن أبي داود) للعيني 1/419.
([18]) هو محمد بن عبدالباقي الزرقاني أبو عبدالله، فقيه مالكي محدِّث، من كتبه (شرح الموطأ) و(شرح المواهب اللدنية) توفي سنة 1122هـ. انظر (شجرة النور) ص317.
([19]) (شرح الزرقاني علىٰ الموطأ) 1/130.
([20]) هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري أبو الحسن، فقيه شافعي قاضٍ من أصحاب الوجوه في المذهب، من كتبه (الحاوي) و(الأحكام السلطانية) توفي سنة 450هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/230.
([21]) (الحاوي) 1/233 وبقية الأسئلة لا علاقة لها بالقاعدة هنا؛ ولهذا لم أذكرها.
([22]) انظر (المعونة) 1/155 و(مواهب الجليل) 1/296.
([23]) انظر (المجموع) 2/30 و(مغني المحتاج) 1/34 وبالغ الشافعية فقالوا بنقض الوضوء حتىٰ مع عدم الشهوة.
([24]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/142 و(الإقناع وشرحه) 1/128.
([25]) انظر (المبسوط) 1/67 و(تبيين الحقائق) 1/12.
([26]) الحديث أخرجه أحمد 22112 والترمذي 3113 والدارقطني 483 والحاكم 1/135 والبيهقي 610 وقد صححه الدارقطني والحاكم، وسكت عنه الذهبي، وضعفه الترمذي والبيهقي، كما ضعفه الزيلعي في (نصب الراية) 1/70 والألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) 1000 وانظر (الدراية) 1/43.
([27]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الحاوي) 1/225  - 226 و(الاستذكار) 3/55 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/62  - 63 و(التحقيق) لابن الجوزي 1/320 و(مختصر خلافيات البيهقي) 1/248 و(إعلام الموقعين) 6/245 و(تفسير ابن كثير) 2/316 و(نيل الأوطار) 2/522 وغيرها.
([28]) (أحكام القرآن) للجصاص 4/4  - 5.
([29]) (أحكام القرآن) للجصاص 4/106.
([30]) هو أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي شهاب الدين أبو العباس، فقيه مالكي أصولي محقِّق، من كتبه (الذخيرة في الفقه) و(التنقيح في أصول الفقه) توفي سنة 684هـ. انظر (الديباج المذهب) 1/236.
([31]) (الذخيرة) 1/226.
([32]) المصدر السابق.
([33]) انظر (التفريع) 1/222 و(الكافي في فقه أهل المدينة) ص38.
([34]) انظر (روضة الطالبين) 1/309 و(مغني المحتاج) 1/136.
([35]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/264 و(الإقناع وشرحه) 1/236 غير أن جُمَل الإقامة عند الشافعية والحنابلة إحدىٰ عشرة، وعند المالكية عشر لأنهم يوترون «قد قامت الصلاة».
([36]) انظر (تبيين الحقائق) 1/91 و(فتح القدير) 1/243.
([37]) هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النَّجَّاري أبو حمزة، صحابي جليل، خادم رسول الله صلىٰ الله عليه وسلم وكان يتسمىٰ به ويفتخر بذلك، وهو أحد المكثرين من رواية الحديث، توفي سنة 93هـ. انظر (أسد الغابة) 1/148.
([38]) هو بلال بن رَبَاح الحبشي أبو عبدالكريم، صحابي جليل وأحد الذين عُذِّبوا بسبب إسلامهم، شهد بدراً والمشاهد كلها وتوفي سنة 20هـ. انظر (أسد الغابة) 1/237.
([39]) الحديث أخرجه البخاري 605 – 607 ومسلم 378.
([40]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (المعونة) 1/206 و(الحاوي) 2/68 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/113 و(تهذيب المسالك) 2/130 و(البيان) 2/67 و(المغني) 2/58 و(المجموع) 3/94 وغيرها.
([41]) (المبسوط) 1/129 – 130 ووقع في مطبوعه تحريف وتصحيف.
([42]) هو محمد بن بهادُر الزركشي بدر الدين أبو عبدالله، فقيه شافعي أصولي، من كتبه (البحر المحيط) و(شرح جمع الجوامع) في الأصول، توفي سنة 794هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/167.
([43]) (البحر المحيط) 4/347.
([44]) انظر (نهاية الوصول) 7/2962 وراجع (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([45]) انظر (الكافي في فقه أهل المدينة) ص43،44 و(عقد الجواهر الثمينة) 1/103 وروي عن الإمام مالك عدم الرفع، فانظر (التفريع) 1/226 و(المعونة) 1/215.
([46]) انظر (روضة الطالبين) 1/356 و(مغني المحتاج) 1/164، 165.
([47]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/450 و(الإقناع وشرحه) 1/391.
([48]) انظر (مختصر القدوري) ص28 و(فتح القدير) 1/309.
([49]) الحديث أخرجه البخاري 736 ومسلم 390.
([50]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (المعونة) 1/215 و(الحاوي) 2/150 و(الانتصار) 2/249 و(شرح التلقين) 2/550 و(البيان) 2/172 و(المغني) 2/172 و(المجموع) 3/401 وغيرها.
([51]) (أصول السرخسي) 1/369.
([52]) انظر (كشف الأسرار عن البزدوي) 3/18.
([53]) انظر (العناية) 1/296.
([54]) انظر (مسلم الثبوت)2/130 وتعقبه الأنصاري في شرحه.
([55]) انظر (التفريع) 1/261 و(مواهب الجليل) 2/153 وشرط المالكية أن يَجِدَّ به السير.
([56]) انظر (المجموع) 4/371 و(مغني المحتاج) 1/271.
([57]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 1/611 و(الإقناع وشرحه) 2/5.
([58]) انظر (تبيين الحقائق) 1/88 و(حاشية ابن عابدين) 1/381.
([59]) الحديث أخرجه البخاري 1107.
([60]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/314  - 315 و(الحاوي) 2/490 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/206 و(الانتصار) 2/549 و(شرح التلقين) 2/832 و(البيان) 2/486 و(المغني) 3/128- 129 وغيرها.
([61]) (بدائع الصنائع) 1/127.
([62]) هو محمد بن أحمد بن محمد القرطبي أبو الوليد، فقيه مالكي قاضٍ يُعرف بابن رشد الحفيد، من كتبه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) و(مختصر المستصفىٰ) توفي سنة 595هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/257.
([63]) (بداية المجتهد) 1/126.
([64]) انظر (الكافي في فقه أهل المدينة) ص80 و(الشرح الكبير) 1/405.
([65]) انظر (روضة الطالبين) 1/601 و(مغني المحتاج) 1/321.
([66]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/56 و(الإقناع وشرحه) 2/66.
([67]) انظر (مختصر القدوري) ص44 و(بدائع الصنائع) 1/282.
([68]) هو عبدالله بن زيد بن عمرو الأنصاري المازني، صحابي جليل جعله النبي صلىٰ الله عليه وسلم علىٰ الأنفال يقوم بها، ولا تعرف سنة وفاته. انظر (أسد الغابة) 2/604. ملاحظة: عبدالله بن زيد المذكور في هذا الحديث هو المازني وليس عبدالله بن زيد الأنصاري الحارثي صاحب القصة المشهورة في تشريع الأذان، وراجع (فتح الباري) 2/516.
([69]) الحديث أخرجه البخاري 1024 ومسلم 894.
([70]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/351 و(رؤوس المسائل الخلافية) للعكبري 1/365 و(الحاوي) 1/148 و(شرح التلقين) 3/1102 و(المغني) 3/336 و(المجموع) 5/63 وغيرها.
([71]) (المبسوط) 2/77.
([72]) (المحيط البرهاني) 2/262.
([73]) (العناية علىٰ الهداية) 2/92.
([74]) انظر (فتح القدير) 2/91.
([75]) انظر (المعونة) 1/351 و(مواهب الجليل) 2/247.
([76]) انظر (روضة الطالبين) 1/633 و(مغني المحتاج) 1/349.
([77]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/78، 106 و(الإقناع وشرحه) 2/109.
([78]) انظر (مختصر القدوري) ص49 و(المبسوط) 2/49.
([79]) هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي أبو عبدالله، صحابي جليل وأحد المكثرين من رواية الحديث، شهد أحداً وأكثر المشاهد وتوفي سنة 74هـ. انظر (أسد الغابة) 1/294.
([80]) الحديث أخرجه البخاري 1343، 1347 ومواضع أخرىٰ.
([81]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/357 و(الحاوي) 3/202 و(رؤوس المسائل الخلافية) للعكبري 1/375 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/248 و(شرح التلقين) 3/1186 و(تقويم النظر) 1/394 و(المغني) 3/467 وغيرها.
([82]) (المجموع) 5/265.
([83]) انظر (الكافي في فقه أهل المدينة) ص88 و(مواهب الجليل) 2/292.
([84]) انظر (المجموع) 5/329 و(مغني المحتاج) 1/409.
([85]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/170 و(الإقناع وشرحه) 2/169.
([86]) انظر (المبسوط) 2/162 و(حاشية ابن عابدين) 2/258.
([87]) الحديث أخرجه  - بألفاظ متقاربة  - الشافعي في (مسنده) 614 والترمذي 641 وعبد الرزاق 6982 والدارقطني 1970 والبيهقي 7338، 10982 والطبراني في (المعجم الأوسط) 998 وصححه البيهقي والنووي والعراقي شيخ الهيثمي، وحسنه ابن حجر، وضعفه أحمد والترمذي والزيلعي والألباني. انظر (المجموع) 5/329 و(نصب الراية) 2/331 و(البدر المنير) 5/468 و(مجمع الزوائد) 3/207 و(الدراية) 1/249 و(التلخيص الحبير) 2/734 و(فيض القدير) 1/108 و(إرواء الغليل) 788.
([88]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/388 و(الحاوي) 4/115 و(البيان) 3/136 و(تقويم النظر) 2/36 و(المغني) 4/70 و(مختصر خلافيات البيهقي) 2/438 وغيرها.
([89]) هو يوسف بن قِزُغلي البغدادي، فقيه حنفي وهو سبط الإمام أبي الفرج بن الجوزي، من كتبه (مرآة الزمان) في التاريخ و(شرح الجامع الكبير) توفي سنة 654هـ. انظر (الفوائد البهية) ص230.
([90]) (وسائل الأسلاف) ص61.
([91]) انظر (إيثار الإنصاف) ص140.
([92]) (العناية) 1/292.
([93]) الأَقْطُ: لبنٌ مجففٌ يابسٌ يُتَّخَذُ من المخيض. انظر (تاج العروس) 10/190 «أقط».
([94]) انظر (المعونة) 1/438 و(مواهب الجليل) 2/367.
([95]) انظر (روضة الطالبين) 2/163 و(مغني المحتاج) 1/406.
([96]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/287 و(الإقناع وشرحه) 2/253.
([97]) انظر (بدائع الصنائع) 2/72 - 73 و(حاشية ابن عابدين) 2/365.
([98]) الحديث أخرجه البخاري 1506 ومسلم 985.
([99]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/417 و(الحاوي) 4/426 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/308 و(البيان) 3/376 و(المغني) 4/290 و(المجموع) 6/131 و(الذخيرة) 3/168 ووقع في هذا الأخير: «كما» وصوابه: «كُنَّا».
([100]) (المبسوط) 3/114.
([101]) أما إذا كانت السماء فيها غيم فإن الحنفية يقبلون الآحاد، ولم يفرق الجمهور بين الحالتين، وكلامنا هنا فيما إذا كانت السماء مصحية، وانظر المصادر التالية الذكر.
([102]) انظر (المعونة) 1/455 و(مواهب الجليل) 2/381 غير أن المالكية اشترطوا اثنين فلا يكفي الشاهد الواحد، ولم يشترط ذلك الشافعية والحنابلة.
([103]) انظر (روضة الطالبين) 2/208 و(مغني المحتاج) 1/420.
([104]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/343 و(الإقناع وشرحه) 2/304.
([105]) انظر (مختصر القدوري) ص62 و(فتح القدير) 2/322 ثم إن الحنفية اختلفوا في تقدير هذا الجم الغفير فقيل خمسون كعدد القسامة، وقيل أكثر من خمسمائة، وقيل أكثر أهل البلد، وقيل لا يتقدر بعددٍ محصور بل ما يقع به العلم للقاضي. انظر (بدائع الصنائع) 2/80 و(حاشية ابن عابدين) 2/388.
([106]) الحديث أخرجه أبو داود 2340 والترمذي 691 والنسائي 2114 - 2117 وابن ماجه 1652 والدارقطني 2152- 2159 والبيهقي 7973  - 7977 والحاكم 1/424 وصححه ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان وابن خزيمة والنووي وابن الملقن، وقال الترمذي: «روي مرسلاً»، وقال النسائي: «روي مسنداً ومرسلاً والمرسل أولىٰ بالصواب»، وضعفه ابن حزم والزيلعي والألباني. انظر (المحلىٰ) 4/376 و(نصب الراية) 2/435، 443 و(المجموع) 6/282 و(البدر المنير) 5/646 و(التلخيص الحبير) 2/776 و(إرواء الغليل) 907 و(التعليقات الحسان) 5/307.
([107]) هو عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب القرشي العَدَوي، صحابي جليل وأبوه صحابي وعمه هو الفاروق رضي الله عنهم، توفي نحو سنة 65هـ. انظر (أسد الغابة) 3/119 و(الأعلام) 3/307.
([108]) الحديث أخرجه أحمد 18895 والنسائي 2118 والدارقطني 2193 وصححه الدارقطني، وقال ابن حزم: «في سنده حسين بن الحارث الجدلي وهو مجهول» وتعقبه ابن الملقن بأنَّ هذا وَهْمٌ منه فإنه معروف وروىٰ عن جماعة من الصحابة وروىٰ عنه جماعة، وكذا صححه الألباني. انظر (المحلىٰ) 4/377 و(البدر المنير) 5/644  - 645 و(التلخيص الحبير) 2/775 و(إرواء الغليل) 909.
([109]) انظر استدلالهم بالأحاديث في (الإشراف) 1/427 و(الحاوي) 3/261 ــ262 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/322 و(البيان) 3/480 ــ481 و(بداية المجتهد) 1/209 و(المغني) 4/417 و(المجموع) 6/282 و(مختصر خلافيات البيهقي) 3/38 وغيرها.
([110]) (أحكام القرآن) للجصاص 1/253.
([111]) انظر مثلاً: (الفصول في الأصول) 3/115 و(تقويم الأدلة) ص199 و(أصول السرخسي) 1/368 و(كشف الأسرار) للنسفي 2/52 و(كشف الأسرار عن البزدوي) 3/17.
([112]) انظر كتابه (تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص66.
([113]) انظر (الكافي في فقه أهل المدينة) ص572 و(الشرح الكبير) 4/321  - 322.
([114]) انظر (روضة الطالبين) 7/306 و(مغني المحتاج) 4/147.
([115]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 6/184 و(الإقناع وشرحه) 6/91.
([116]) انظر (المبسوط) 9/44 و(بدائع الصنائع) 7/39 والحنفية نفوا التغريب أن يكون من الحد، لكن قالوا: للإمام أن يغرب إذا رأىٰ فيه مصلحة. فأثبتوه سياسةً وتعزيراً لا حداً.
([117]) هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، صحابي جليل شهد بيعة العقبة الأولىٰ والثانية، وشهد بدراً والمشاهد كلها، توفي سنة 34هـ. انظر (أسد الغابة) 2/540.
([118]) الحديث أخرجه مسلم 1690.
([119]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 2/854 و(رؤوس المسائل الخلافية) 5/587 و(الحاوي) 17/19 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 2/979 و(تهذيب المسالك) للفندلاوي 5/586 و(البيان) 12/355 و(تقويم النظر) 4/468 و(المغني) 12/323 وغيرها.
([120]) هو مسعود بن عمر التفتازاني سعد الدين، فقيه أصولي من علماء العربية، من كتبه (حاشية التلويح علىٰ التوضيح) في أصول الفقه و(الإرشاد في النحو) توفي سنة 791هـ. انظر (الدرر الكامنة) 4/350. ملاحظة: التفتازاني ممن اختلفوا في مذهبه الفقهي، والراجح أنه علىٰ مذهب الحنفية كما حققه إبراهيم المختار بن أحمد الجبرتي في كتابه (القول الأصوب في أن سعد الدين التفتازاني حنفي المذهب) له نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، انظر (فهرسها) 2/224.
([121]) (حاشية التلويح علىٰ التوضيح) 2/39.
([122]) انظر (التفريع) 1/331 و(الشرح الكبير) 2/79 ــ80.
([123]) انظر (روضة الطالبين) 2/440 و(مغني المحتاج) 1/529.
([124]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 2/526 و(الإقناع وشرحه) 2/473  - 474.
([125]) انظر (المبسوط) 4/105 و(حاشية ابن عابدين) 2/626.
([126]) الحديث أخرجه مسلم 1362.
([127]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 1/501 و(رؤوس المسائل الخلافية) للعكبري 2/587 و(الحاوي) 5/432 ــ433 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/415 و(البيان) 4/264 و(المغني) 5/190، 192 و(المجموع) 7/478 و(الذخيرة) 3/338 و(مختصر خلافيات البيهقي) 3/250 وغيرها.
([128]) إذا أُطْلِقَ «المحيط» عند الحنفية فإنهم يريدون به غالباً كتاب «المحيط البرهاني» لبرهان الدين البخاري، وربما أراد بعضهم «المحيط الرضوي» لرضي الدين السرخسي. انظر (المذهب الحنفي) 1/341 ــ342 وقد ذكر ابن نجيم في مقدمة (البحر الرائق) 1/3 أن كتاب «المحيط» من مصادره لكن لم يفصح عن مؤلفه، ثم إنني طالعت كتاب «المحيط البرهاني» حيث إنه ذكر المسألة في 3/57 فلم أجد فيه الجواب المذكور.
([129]) (البحر الرائق) 3/43، 44.
([130]) هو أحمد بن محمد الحسني الحموي شهاب الدين، فقيه حنفي من كتبه (كشف الرمز عن خبايا الكنز) في الفقه و(الدر المنظوم في فضل الروم) توفي سنة 1098هـ. انظر (معجم المؤلفين) 2/93.
([131]) هو مسلم بن الحجَّاج القشيري النَّيسابوري أبو الحسين، أحد كبار أئمة الحديث، من كتبه (الصحيح) و(أوهام المحدثين) توفي سنة 261هـ. انظر (تاريخ الإسلام) 6/430 و(الأعلام) 6/221.
([132]) (غمز عيون البصائر) 3/184.
([133]) (الحاوي) 5/432.
([134]) هو أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ضياء الدين أبو العباس، فقيه مالكي محدِّث، من كتبه (مختصر صحيح مسلم) و(شرحه) توفي سنة 656هـ. انظر (الديباج المذهب) 1/240.
([135]) (المفهم) 3/481.
([136]) انظر (التفريع) 1/402 و(الشرح الكبير) 2/114 غير أن المالكية شرطوا لحل الجنين أن يكون قد نبت شَعْرُهُ وتَمَّ خَلْقُهُ، ولم يشترط ذلك الشافعية والحنابلة.
([137]) انظر (روضة الطالبين) 2/546 و(مغني المحتاج) 4/306.
([138]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 6/339 و(الإقناع وشرحه) 6/209.
([139]) انظر (المبسوط) 12/5  - 6 و(حاشية ابن عابدين) 6/304.
([140]) الحديث أخرجه أحمد 11260، 11343، 11414 وأبو داود 2827 والترمذي 1476، وابن ماجه 3199، والدارقطني 4736، والبيهقي 19490، وقد حسنه الترمذي وكذا المنذري، وصححه ابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر: «ينتهض حجةً بمجموع طرقه» وصححه الألباني. انظر (نصب الراية) 4/189 و(البدر المنير) 9/390 و(التلخيص الحبير) 4/1514 و(إرواء الغليل) 2539 و(التعليقات الحسان) 8/326.
([141]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 2/914 و(رؤوس المسائل الخلافية) 5/833 و(الحاوي) 19/175 و(البيان) 4/556 و(بداية المجتهد) 1/324 و(المغني) 13/309 و(الذخيرة) 4/129 و(مختصر خلافيات البيهقي) 5/84 وغيرها.
([142]) (بدائع الصنائع) 5/43.
([143]) انظر (الأشربة) لابن قتيبة ص29 و(الاستذكار) 24/302، 305 و(مراتب الإجماع) ص223 و(بداية المجتهد) 1/345 و(المفهم) لأبي العباس القرطبي 5/253 و(الإعلام) لابن الملقن 1/197 و(فتح الباري) 10/40، 43 وراجع (تاج العروس) 6/363 «خمر».
([144]) انظر (الأشربة) ص61 و(مراتب الإجماع) ص224 وعليك أن تلاحظ أن الحنفية أحلوا من النبيذ القدر الذي لا يُسْكِر، فأما القدر المسكر منه فحرامٌ عندهم كما في (الأقوال المعربة) للجبرتي ص61 وهي مسألة مجمعٌ عليها. انظر (بداية المجتهد) 1/345 و(شرح صحيح مسلم) للنووي 13/148 و(فتح الباري) 10/35.
([145]) انظر (الكافي في فقه أهل المدينة) ص190 و(مواهب الجليل) 3/232.
([146]) انظر (البيان) 12/519 و(مغني المحتاج) 4/187.
([147]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 6/217 و(الإقناع وشرحه) 6/119.
([148]) انظر (تبيين الحقائق) 6/45 و(حاشية ابن عابدين) 6/452.
([149]) هو النعمان بن بشير بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو عبدالله، صحابي جليل كان كريماً شجاعاً شاعراً، قُتِلَ سنة 64هـ. انظر (أسد الغابة) 4/235.
([150]) الحديث أخرجه أحمد 18350، 18407 وأبو داود 3676  - 3677 والترمذي 1872 وابن ماجه 3379 والدارقطني 4643، 4646 والبيهقي 17348 - 17349 والحاكم 4/148 وصححه ولم يوافقه الذهبي، وصححه ابن حبان وابن الملقن وابن حجر والألباني. انظر (البدر المنير) 8/706 و(فتح الباري) 10/46  - 47 و(السلسلة الصحيحة) 1593 و(التعليقات الحسان) 8/50.
([151]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (الإشراف) 2/925 و(رؤوس المسائل الخلافية) 5/681 و(الحاوي) 17/295 و(البيان) 12/520 و(تقويم النظر) 4/525 و(بداية المجتهد) 1/346 و(مختصر خلافيات البيهقي) 5/10  - 11 وغيرها.
([152]) (أحكام القرآن) للجصاص 4/127.
([153]) أي: الأنبذة.
([154]) (أحكام القرآن) للجصاص 2/8.
([155]) (المبسوط) 24/18.
([156]) (الحاوي) 17/288.
([157]) انظر (التفريع) 2/32 و(الكافي في فقه أهل المدينة) ص234.
([158]) انظر (روضة الطالبين) 5/397 و(مغني المحتاج) 3/147.
([159]) انظر (المنتهىٰ وشرحه) 5/129 و(الإقناع وشرحه) 5/48.
([160]) انظر (المبسوط) 5/10 و(فتح القدير) 3/256.
([161]) الحديث أخرجه أحمد 24205، 24372، 25326 وأبو داود 2083 والترمذي 1102 وابن ماجه 1879 والبيهقي 13599، 13717 والحاكم 2/168 وصححه وسكت عنه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان وابن الملقن، وحَسَّنه الترمذي، وصححه الألباني. انظر (المعتبر) ص193 و(البدر المنير) 7/553 و(فتح الباري) 9/191 و(إرواء الغليل) 6/243 برقم 1840.
([162]) انظر استدلالهم بالحديث المذكور في (رؤوس المسائل الخلافية) 4/45 و(الإشراف) 2/686 و(الحاوي) 11/60 و(رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 2/730 و(تهذيب المسالك) 4/11 و(البيان) 9/154 و(تقويم النظر) 4/25 و(المغني) 9/345 وغيرها.
([163]) هو محمد بن علي الخطيب الموزعي أبو عبدالله، فقيه أصولي يُعرف بابن نور الدين، من كتبه (تيسير البيان لأحكام القرآن) و(الاستعداد لرتبة الاجتهاد) توفي سنة 825 هـ. انظر (الضوء اللامع) 8/223 ومقدمة تحقيق (تيسير البيان) ص63، 67، 71، 72.
([164]) (تيسير البيان) 1/457 باختصار.