يوميات الثورات العربية: حتى لا نضمحل
22 جمادى الثانية 1432
د. محمد العبدة

جاء الإسلام لتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية لغير الله ، سواء عبودية الأشخاص أو عبودية الرغبات والمال والأشياء ، فلا أكاسرة ولا قياصرة ، ولا فراعنة ولا جبابرة . جاء الإسلام ليتحرر الإنسان من الدول الديكتاتورية التي تمتلك كل القوة ولديها جيوش من المرتزقة لقهر الشعوب وضبط سلوكها حتى لا تتكلم ولا تعترض وتتبع هذه الدول إجراءات خاصة وتستعمل أجهزة معينة تدمر ضحاياها، ولدى هذه الدول أساتذة جامعات يحرفون الكلم عن مواضعه ويسخرون العلم لصالح الطغيان ، ولديها جيوش من محرري الصحف يلجأون إلى الخداع اللفظي وخلط الأوراق ولبس الحق بالباطل

 

الحرية من خصائص البشرية وكلما اقترب الإنسان منها اقترب من بشريته ، والعرب تقول عن السيدة الكريمة : الحرة ، وتصف الفصاحة بأنها حر الكلام ، وعندما حمل الإنسان الأمانة حمل أيضا حرية الاختيار وحرية المسؤولية ، وهذه هي التي تعطي الحياة الإنسانية جلالها ، وإذا كان الإنسان قد وصف في الآية ( إنه كان ظلوما جهولا ) أي وإن جهل خطر الأمانة ألا أن من طبيعته وشأنه أن يعلم وأنه وإن ظلم أحيانا ولكنه يعدل أحيانا .

 

ليست الحرية حقا من حقوق الإنسان وحسب بل هي واجبة عليه لأنها هي التي تساعد الفضيلة والعلم ، وهي التي تساعد على إقامة الدين والأخلاق ، وهي التي تتيح للإنسان ان يحدد أهدافه وأن يحققها بالفعل . إلا أن الوصول إلى هذه الحرية السياسية واستقرارها في حياة الإنسان الاجتماعية ليست بالأمر السهل ، فلابد من المكابدة والمعاناة والبحث الدائم عن الحق ، فالمسلم لا يضع نفسه تحت عبودية أي مخلوق ، ولا يضع بينه وبين الله وسائط يخضع لها ، وحرية المسلم هي ضمن مرجعية ايمانية راسخة ، فمن الايمان بالله يستمد الإنسان مكانة وحقوقا .

 

ليست الحرية حملا زائدا ثقيلا ، وليست خطرا على المجتمع كما يتوهمها البعض فهذا جهل وضيق أفق ، لأننا نتكلم عن الحرية السياسية ، حرية الحقوق والواجبات ، حرية الإباء والوقوف في وجه الظلم ، وليس عن الحرية المنفلتة من كل قيد ، وليس عن حرية الفساد والهدم والإزراء بالقيم ، ولا أن يفعل الإنسان كل ما يشاء ،ويأتي بكل ما يريد ، ولكن أن يعد نفسه لمبدأ صحيح وعقيدة ثابتة يعمل لها ويكافح من أجل تحقيقها .
ليست الحرية من الترف الثقافي ، بل هي السلوى الصادقة في ظلمات الاستبداد ،ولذلك لابد من دعوة الناس إليها واستنباتها في قلوبهم لأنها شيء راق وأصيل .

 

( 2)
لا ندري هل سيستمر وصف النظام السوري بـ( الممانعة واحتضان المقاومة ) بعد كل المجازر التي ارتكبها في درعا وحمص وتلكلخ وبانياس وغيرها من المدن والبلدات ، وما وقع من الإهانة الكبيرة لمواطني البيضاء ، هل الذي يقتل الشعب بطريقة وحشية يمكن أن يكون نظام ممانعة ؟ ألم يأن لهؤلاء أن يراجعوا أنفسهم ويراجعوا حساباتهم السياسية ، إننا نعتب أشد العتب على الإخوان المسلمين في مصر والأردن الذين يصفون النظام بهذه الوصاف ، إن القرآن الكريم يطلب من المؤمنين أن يتولى بعضهم بعضا لأن الكفار فريق واحد ضد المسلمين ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)

 

إنه فساد كبير حين ينظر كل فريق من المسلمين لمصالحه الخاصة كما يتوهمها ولا يهتم بإخوانه في الدين ، وإذا كانت القضية شعارات ضد أمريكا و"إسرائيل" فهل يحرر فلسطين من يهدم الأوطان ويميت كرامة الشعوب وينهب الأموال ويمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه . إن العالم العربي ليس فيه فلسطين واحدة بل فلسطينات من الاحتلال الداخلي ، احتلال بالدبابات والمدافع وبالسجون التي لم تعد تستوعب من كثرة المعتقلين ، وبهدم البيوت وسرقة ما فيها .

 

يصعب أحيانا تفسير مواقف رئيس وزراء تركيا المختلفة بين فترة وأخرى وآخر تصريحاته ان بشار الأسد مستمر في الإصلاحات وليس هناك بديل ،ونقول له وهل عقمت سورية من الرجال، هل هو لا يعرف النظام السوري على حقيقته – وهذا افتراض ممكن – أم يظن أن سورية مقبلة على الانقسام إلى دويلات ، أوأنها ستتحول إلى حرب طائفية ، وكل هذا أوهام أيضا ولا يعلم حقيقة الشعب السوري ، أم يريد مصلحة تركيا التجارية ،وهذه مصيبة أخرى .

 

( 3 )
عندما تتاح الحرية أو جزء كبير منها في البلدان التي وقع فيها التغيير ، عندما يتاح ذلك فمن الطبيعي أن لا تستقر الأمور مباشرة وبكل سهولة، فالمستفيدون من الوضع السابق لن يتركوا امتيازاتهم وسيحاولون الارتداد على هذه الثورات بوسائل كثيرة ، وعلى المخلصين التنبه لهذا الأمر فإنه خطير . وشيء آخر سيحدث في مثل هذه الأجواء وهو الحراك السياسي المكثف وسيمضي وقت حتى يستقر ويأخذ شكله النهائي ، ستنشأ أحزاب ثم تذهب وتظهر تكتلات صغيرة وكبيرة .

 

في هذه الأجواء سنجد أناسا لا يندفعون للعمل السياسي خاصة إذا كان عن طريق الأحزاب وذلك لتفلت كثير منها من القيود الشرعية في غاياتها ووسائلها ، والبديل عن ذلك يمكن أن نسميه ( الجماعة السياسية ) التي تؤدي الدور السياسي عن هذه الفئة ، إنها جماعة ضغط أكثر من أن تكون هدفها الحكم ، إنها تعمل من أجل فكرة ومبدأ ، قد لا يكون لها برنامج سياسي ولكنها مؤثرة في الحياة العامة ، وهي التي تشكل دوائر جماعية خارج الانتخابات فإذا شاركت في الانتخابات فإن الأشخاص المرشحين سيظهرون قريبين من الجمهور وليسوا غرباء عنه . هذه الجماعة السياسية قد ترى أن الدور السياسي لا يناسبها وأن الدور الذي تختاره هو التأثير في السياسة ، وهذا بخلاف الحزب السياسي عندما يكون هدفه الأكبر الوصول إلى الحكم ، وإذا فشل فإنه سيضعف غالبا ، والمعيار في تقويمه هو مدى التزامه بالبرامج التي طرحها أثناء الانتخابات .

 

الجماعة السياسية تستمر في الدعوة لمبادئها حتى عندما تكون في الحكم وتستمر في التطبيق العملي حسب استطاعتها .