أماه .. لا تدفعينني إلى الانحراف !
12 جمادى الثانية 1432
أميمة الجابر

لا خلاف أن حب الأم لأولادها من أقوى معاني الحب بعد حبها لله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , ولكن قد يكون لذلك الحب مزيج من الحنان الزائد الذي يضعف قلب الأم أمام أولادها فلا تستطيع رفض طلباتهم مهما كانت فوق طاقاتها , فذلك الحب الزائد قد يعود على الأولاد بأشياء لا تحمد عقباها .

إن الزهرة الصغيرة التي نتعهدها بالرعاية ونوفر لها كل سبل العناية ليس لها إلا أن تزدهر وعندما تكبر وتتفتح تضفي عبيرها على من حولها , ولكن من الأخطاء التي قد يتعرض لها الكثير فيما يخص هذه الزهرة ريها بالماء الكثير ظنا منهم أن ذلك في صالحها ولكن الماء إذا كثر عن المعدل المعتاد فإنه يشل الزرع ويفسده ويغرقه !

قد تبذل الأم أقصي جهد في تقديم نوع ما من الطعام ورغم ما وصلت فيه من براعة الإتقان فإذا بها قد أفسدت رونقه عند تقديمه فيعرض عنه الكثير لأن الملح الزائد فيه أفسده !

ومثلا فإن تعويد الأولاد على الترفه الزائد في العيش مفسد لأخلاقهم , فقد تجد كثيرا من الأولاد قد اعتادوا أطيب وأرقى الطعام , ويعرضون عن كثير منه لعدم تعودهم على خشن الطعام ورخيصه , فعلى الأم تعويد أولادها على التقليل من الدنيا ويمكنها أن تجعل لهم يوما أو يومين في الأسبوع يقدم فيه نوعان من الطعام المتواضع لتعويدهم إذا دارت عليهم الدنيا أوضاق عليهم الرزق فلا يصعب عليهم العيش فقد تم تدريبهم على ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يقول : " اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم "

 

وقد يحدد الأب مثلا لأبنه مصروفا ماليا ما في الشهر فيخرج الولد مع أصحابة فيجد منهم من يغالي في المصروف فيقلده فبالتالي لا يكفيه مصروفه فيرجع إلى أمه ويقف أمامها ملحا عليها حتى تضعف أمامه فتناوله ما يريد من مال وهي قد تجد في ذلك كثرة حب له وحنان , لكنها لا تدري ماذا يفعل بهذا المال الزائد وفيم ينفقه , فالمال الكثير في يد الابن قد يكون نقمة عليه وضررا وليس نفعا له فمن الأخطاء التي لا تشعر بها الأم أن تمده كلما يطلب مالا , وحكت لي بعض الأمهات قائلة : " كان زوجي  يعطي ابني بعض المال كمصروف ليس قليل ولا كثير ولكن ولدي تعرف على بعض الأصحاب كنت أظن أنهم أصدقاء طيبون وكان يخرج معهم وكنت قد ورثت مالا فكان يأتي لي ويتحايل عليّ كي أزود له على مصروف والده وبدأ شيئا فشيئا يزيد الطلب ويزيد الإلحاح ويزيد التصميم على زيادة المال  , وكنت أخشى اخبر والده بذلك حتى ذبل وجهه وظهرت عليه بعض الأعراض وبعد البحث عنه والمراقبة ثبت عليه انه واقع في الإدمـــان .
فهذا الحنان الذي زج بولدها  إلى ذلك المصير ... !

خطأ آخر يقع فيه الوالدين وهي ثقتهم الزائدة في أبنائهم وعدم اهتمامهم بمواعيد ذهابهم وإيابهم أو تأخيرهم بعد انتهاء مدارسهم أو دروسهم فإن معظم الآباء يخسرون أولادهم للحرية التي هي بلا حدود .

 فالأولاد بلا قيود يستحوذ عليهم سلوك الانحراف عادة عن طريق الجادة المستقيم فلا بد من إظهار اهتمام وإشعار بالمتابعة القريبة مع بث الثقة فيهم بالطبع ولكن يكونا على حذر كامل بالسؤال عنه في الصغير والكبير في تأخيرهم عن مواعيدهم عن البيت أو في المال الذي ينفقونه كمصروف يومي أو مثال ذلك , وقد أرسلت إلينا احد الأخوات رسالة تخبرنا فيها انه كان لها ابن حسن الخلق وكانت تثق به ثقة عمياء – على حد تعبيرها -وهذه الثقة جعلتها لا تسأل عليه أين ذهب ومع من كان ! حتى دخل الجامعة  فتقول لنا إن ثقتي الزائدة له كانت سببا في انحرافه فإنه لم يكن يقدر قيمة هذه الثقة بل ظلمنا وظلم نفسه حتى فوجئت بانحرافه بشكل لا أستطيع التعبير عنه !

إن التجارب قد تكون أفضل طريق في التدريس والتعليم , لذا علينا أن نتعلم من تجارب الآخرين وأيضا علينا أن نتعلم أن ديننا العظيم إذ جاء بالوسطية السمحة , فأمتنا أمة وسطية في الإسراف وفي التعامل مع الآخرين وفي التدرج في تغيير المنكر وفي الاعتقاد , وفي العبادات وفي كل شىء :" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " , كذلك فإن تقديم الأم لأبنائها من الحب والحنان القدر الذي يأخذ بهم لبر الأمان وبر الإصلاح هو الواجب فالحزم في وقت الحزم و الحب والحنان في وقته لأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده .