ما هي حاجة طلاب حلق القرآن إلى جانب الحفظ والتلاوة ؟( تحقيق )
9 جمادى الثانية 1432
محمد لافي

حفظ القرآن الكريم من أفضل القربات إلى الله تعالى, فمتعلمه ومعلمه يحظيان بخيري الدنيا والآخرة "خيركم من تعلَّم القرآن وعَلَّمه" رواه البخاري


 وإن كانت حلقات تحفيظ القرآن الكريم من أهم وأقدم مؤسسات تعليم وتأديب الأطفال في الإسلام حيث أنها تقوم بمهمة كبيرة وجهد متواصل في تعليم التلاميذ القرآن الكريم من حيث التلاوة الصحيحة وتقديم المعلومات اللازمة من أحكام التجويد المختلفة. إلا أن اقتصار هذه الحلقات على تعليم قراءة القرآن الكريم تجويداً وحفظاً فقط وغياب الجانب التأهيلي والتربوي قد يخرج جيلاً هشاً غير قادر على مواجهة ما ينتظره, خاصة في عصر كثرت فيه الشهوات والشبهات والمغيرات للفطرة، الأمر الذي يتطلب مواجهة ذلك بغرس الآداب والتوجيهات التربوية في نفوس طلاب الحلقات.


"المسلم" التقى بعضاً من مدرسي ومشرفي حلقات تحفيظ القرآن الكريم الذين أدلوا بملاحظات ومقترحات من شأنها أن تفتح آفاقاً تربوية وعملية للتعامل مع هذه الشريحة بما يناسب متطلبات العصر, وجعل من حلق القرآن الكريم محاضن تربوية لبناء الأجيال, وتربيتهم وتأديبهم على أخلاق القرآن وتعاليمه والوصول بها إلى درجة المثالية من النواحي التعليمية والتربوية والفكرية.


معلمين مؤهلين


بداية يرى الشيخ عبد الحكيم بن محمد آل عبود إمام جامع طيبة ومشرف الحلقات فيه أن طلاب الحلق بحاجة إلى محاضن تربوية مساندة لحلقات تحفيظ القرآن يقوم عليها أناس أصحاب كفاءة عالية, ومؤهلين من الناحية العلمية, ومربيين على أيدي مشايخ وعلماء, بمقدورهم التعايش مع الشباب ويعرفون واقعهم, فشباب هذا الجيل يعيشون عالماً مختلفاً عما عاشه الجيل السابق, فإن لم يكن هؤلاء المربين قريبين من الطلاب فلن يتمكنوا من إفادتهم أو حتى من التعايش معهم.


ويضيف " فنلاحظ على بعض مدرسي الحلقات أنه ينقل الصورة التي تلقاها قبل 15 سنة, فهي ليست مناسبة, فأنت لست في دائرة حكومية, هذا الطالب جاء بمحض إرادته, فلا بد له من التعامل الجيد, من الحوار والكلمة الطيبة حتى يستمر معك, كثيرا ما نستقبل طلاباً من أماكن بعيدة, قد تتوفر فيها حلقات, لماذا ؟ لأن المدرس هذا يقسوا أو يضرب, فلا بد من إعادة ثقافة المربيين بما يتناسب مع احتياج جيل اليوم فلا يكفي للمدرس أن يكون تربى في حلقة أن يوكل له حلقة من غير أن يكون اكتسب العلم والثقافة الكافية".


ويرى ضرورة تكثيف الجهود في إجازات نهاية الأسبوع والإجازة الصيفية, لأنه إن لم يتم استغلال مثل هذه الإجازات فسوف يكون هناك نفور من الشباب, وقد يتم استهدافهم ممن يريدون إفساد دينهم وخلقهم حيث ستكون هذه الإجازات فرصة سانحة لهم. فلا بد من إشغالهم في هذه الأوقات ببرامج وأعمال متنوعة بالتعاون مع مكاتب الدعوة والجمعيات الخيرية.


كما لا بد أن تكون هذه البرامج جادة لكي  تفرز شباباً جادين يحملون الهم, أما البرامج الهزلية , أو الاكتفاء  بمجرد الحفظ  سوف تقصر الفائدة على الحفظ وقد يكون الشاب عرضة للانتكاسة أو مصيدة لأصحاب السوء.


ويؤكد على تحفيز الشباب وربطه بالحلقة عن طريق إعطاءه جرعات لتحفيظ القرآن ومسابقات للحفظ ومسابقة للتلاوة.

                                               

فهم واقع الطلاب ومحيطهم.

الشيخ سلطان الموغل مدرس ومشرف حلقات منذ 13 سنة أكد ضرورة مراعاة الظروف البيئية التي تحيط بالطالب وحالته المعيشية والثقافية والأسرية, فالتعامل مع أبناء الأحياء الفقيرة يختلف عن نظيرهم من أبناء الأحياء الراقية, فبالاطلاع على آثار السلف نجد أنهم كانوا يراعون مستوى الطالب وحالته المعيشية

ويضيف " فبحكم أني اشرف على حلق في بعض المناطق الفقيرة, فغالبيتهم يتلقون إعانات, وهذه الفئة بحاجة ماسة إلى الاهتمام بالجانب الأخلاقي حتى لا ينجرفون وراء الجرائم الأخلاقية المنتشرة في هذه المناطق كالسرقة وغيرها.

ويشير إلى ضرورة أن يكون الحفظ في المنزل بحيث يتسنى للمدرس الجلوس مع طلابه و الحديث معهم في النواحي التربوية

ويؤكد على أهمية استهداف أهالي الطلاب عن طريق الأنشطة التثقيفية التي تعم بنفعها
 أبناء الحلق وأسرهم والتي تحارب المنكرات, وتصحح المعتقد, وتقوم عبادتهم. عن طريق المسابقات الثقافية وبعض البحوث البسيطة

ويلفت إلى أهمية الجانب التشجيعي للطلاب حتى تستقطب أبناء الحي ويدفعهم ذلك  للاستمرار في الحلقة, وينقل إحدى التجارب التي تعزز هذه الفكرة حيث يقول " في الصيف الماضي أقمنا دورة تدريبية بعد صلاة الظهر, بواقع ساعة لبرنامج الحفظ وساعة للبرنامج الثقافي, إضافة إلى وجبة الغداء, وقد لاحظنا أن البرامج المساندة للحلقة جذبت عدداً كبيراً من الطلاب وتحققت بذلك الفائدة المرجوة بفضل الله تعالى.

ويضيف " لا بد من الإمام وجماعة المساجد أن تتضافر جهودهم لمصلحة أبنائهم من خلال الحلقة ومراعاة احتياجهم من الدورات والمهارات فنحن لا نرى اهتماماً من الجهة المسؤولة بهذا الجانب.

 

التربية تنطلق من القرآن الكريم وعلومه

ويرى فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجويسم وكيل مدرسة ثانوية ومشرف حلقات ضرورة تأهيل معلم الحلقات تأهيلاً جيداً من الناحيتين العلمية والتربوية إضافة إلى رفع المستوى العلمي لطلاب الحلقات انطلاقاً من القرآن الكريم وعلومه, مثل التفسير والتجويد, والتنويه على الوقفات التربوية مع الآيات أثناء التسميع, وتخصيص أيام أو فترات من الحلقة لهذا الهدف.


ويؤكد الجويسم على أهمية ربط الطالب بالقدوات الحسنة الماضية والحاضرة وغرس قيم حافظ القرآن وإبراز شخصيته الإسلامية مثل التواضع والصدق وتعزيز ذلك من خلال الاستضافات والندوات واللقاءات الداخلية والخارجية .


ويشير إلى أهمية ترك أثرعلى المجتمع المحيط للحلقة من خلال إشراكهم في بعض المناشط التطوعية ودعوات الزيارة والإهداءات.مع عدم إهمال البرامج الترويحية للطلاب كالرحلات والزيارات .


حاجات متعددة :

أما الشيخ أبوبكر بن محمد البخيت مشرف حلقات بالمدينة المنورة فيقسم احتياجات الطلاب إلى عدة أقسام أولها الحاجة الترفيهية فهم بحاجة إلى بعض الأوقات للترفيه و كما أنه حاجة من حاجياتهم فهو مرغب قوي لجذب الطالب للحلقة , وبعض الحلقات توفر لديها صالة مغلقة فيها بعض الألعاب الرياضية كتحفيز لمن يؤدي واجبه في وقت مبكر من الطلاب والحاجة لها في طلاب حلقات الابتدائي ثم المتوسط.


وكذلك الحاجة التثقيفية: والمراد بها البرامج الثقافية التي تعنى بإكساب بعض المعلومات الثقافية في فنون شتى مثل : المسابقات - البرامج الوثائقية - بعض أفلام الكرتون التثقيفية - حفظ بعض القصائد الخفيفة والبسيطة.


وأيضاً الحاجة الاجتماعية وذلك بتنمية روح التآلف والتعاون بين الطلاب  بإشراكهم في جو جماعي داخل الحلقة وخارجها كتقسيم الطلاب في الحلقة إلى مجموعات ووضع جائزة نهاية كل شهر للمجموعة المنضبطة في الحضور والتسميع والأدب.أما الأنشطة خارج الحلقة فيمكن زيارة بعض الطلاب فيما بينهم ونحو ذلك.


والحاجة التربوية:  فالطلاب بحاجة إلى تربيتهم على محبة القرآن وتعظيمه والآداب وبر الوالدين وحب التدين ونحو ذلك من الأمور التي تنمى بالقصص وإقامة بعض البرامج في تدبر القرآن.


وكذلك الحاجة التعليمية: فطلاب الحلقات بحاجة إلى بعض الأمور التعليمية كل حسب مستواه كمعرفة معاني الكلمات وبعض أسباب النزول ونحو ذلك


ويختتم هذه الحاجات بالحاجة التدريبية فيقول: والمراد بذلك تعويدهم على بعض المهارات العملية سواء كانت مهنية أو ذهنية كمهارات التفكير, ومهارات التفوق وذلك ببرامج عملية بسيطة وليس مناسبا أبدا في هذه المرحلة إشغالهم بالدورات التدريبية والتي في حقيقتها  تخلو من التدريب ويكثر فيها التنظير,

 

الوعي بالواقع والمهارات الاجتماعية

فضيلة الشيخ ماجد آل حشاش مدير مركز الوسط الجنوبي بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم أكد على الجانب التربوي كذلك فيقول " من الأشياء المهمة الاهتمام بالجوانب التربوية لطالب القرآن, فنجد أحيانا أن الطالب يخرج خاتماً أو حافظاً لكنه غير مطبق, وهذا مخالف لهدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم خصوصاً أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يتجاوزن العشر آيات حتى يطبقونها علماً وعملاً, ولا دليل أقوى من كلام أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها عندما سئلت عن خلق النبي الكريم فقالت : كان خلقه القرآن  وكان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الحفظ ثم الفهم ثم التطبيق, ليساهم بذلك في تثبيت الحفظ , وإيجاد جيل واع فاهم لما يقرأ متأثر, نافع صالح في نفسه مصلح لغيره ,


أما قضية كثرة الحفظ فقط في مقابل عدم الحفظ والتدبر يجعل الجيل هشاً لا يصمد أمام ما يثار من فتن من شبهات وشهوات, وغالباً لا يثبت على دين الله إلا من كان حافظا عالماً, ولا يدل على أهمية هذا الشيء إلا عمر رضي الله عنه الذي روي أنه حفظ سورة البقرة في عشر سنوات فالمستشعر لما يقرأ تجده كأنه يحكي مواقف إيمانية, في العصور المفضلة, في وقفاته , في نبرة الصوت , في طريقة وصل الآيات, في كيفية الوقف, كيفية الابتداء, فيتأثر السامع معه ويعيش ما يقرأ,


كما يؤكد آل حشاش على الجانب العلمي لدى الطالب فيقول " أمر آخر هو الاهتمام بالجانب العلمي فنجد من طلاب حلق تحفيظ القرآن الكريم وقد انعدمت لديهم مبادئ العلم الشرعي فتجدنا نعمل بعض الاختبارات العملية في المتون البسيطة مثل الأصول الثلاث, فتجد الطالب وكأنه لأول وهلة يسمع بهذه المتون, لا بد من الاهتمام بالتحصيل العلمي لينتج لنا شخصاً يستطيع أن يتدبر أن يستشهد بالأدلة, يعرف كيف يحاور, كذلك الاهتمام بالسنة وأحوال الرجال , فطالب القرآن يجب أن لا يغفل المصدر الآخر, وهي السنة, فكلا المصدرين مهمين ومكمل بعضه البعض , فسنة النبي صلى الله عليه وسلام جاءت مفسرة بخلاف القرآن الذي جاءت أحكامه مجملة, وهي تعين على حفظ وفهم كتاب الله ,وكذلك علم الرجال يجعلنا نهتم بالأحاديث الصحفية الواردة.


أيضاً : الوعي بالواقع , مثل ما يحاك لطلاب الحلق من كتابات ومقولات , قد تكون صارفة ومقللة لهم, ومنفرة لهم كما أن هذه المقولات أو المقالات قد تشوش على الأسرة فتمنع الطالب من حضور الحلقة, فلا بد أن يهتم بالمشرف والمعلم بهذا الشئ و أن يكون واعي بالشبهات التي تثار حول الحلق والرد عليها. فقد أثبتت حلقات تحفيظ أنها لا تفرخ الإرهاب بل بالعكس, بل إن الإرهاب لم يصدر من طلاب الحلقات , فوعي الطالب حول ما يحاك ضد الحلق يجعله أكثر تمسكاً بها وإقبالاً عليها


ويضيف الشيخ ماجد " ومن الأمور الهامة الدورات التدريية على مختلف أنواعها النفسية منها والاجتماعية, والتربوية والمهارية, فمن طلاب الحلق وللأسف يجهل بعض المهارات الاجتماعية مثل آداب المجلس أو كيف التعامل مع والده وهو حافظ القرآن. فهذه الآداب مثل التعامل مع الوالدين, مع الحاكم مع الفقير, مع المسكين, وكذلك آداب البيع والشراء  لا يكون استنباطها إلا من القرآن الكريم وبذلك نحاول إنشاء الشخصية الإسلامية من خلال حلق تحفيظ القرآن الكريم"

 

وختاماً, فإن كافة وجهات النظر وان تعددت فإن تعددها تعدد تنوعي يصب بمجمله في ضرورة تطوير حلق تحفيظ القرآن الكريم من خلوات للحفظ والتلاوة, إلى مراكز تعليمية وتأهيلية وتربوية تنطلق من القرآن الكريم وعلومه وأدابه.