النقاب بين ساركوزي ومفتي حسني مبارك
22 جمادى الأول 1432
عبد الباقي خليفة

ما الذي يجمع نيكولا ساركوزي، اليهودي المهاجر من بولندا ، وعلي جمعة الذي عينه حسني مبارك مفتيا على مصر؟. وإذا كانت مرجعية نيكولا ساركوزي، في منع النقاب بفرنسا نابعة من تصوره الشمولي والأحادي والمركزي لمفهوم المرأة لدى الطبقة اليعقوبية في الغرب، فإن مرجعية علي جمعة هي " ولي أمره " المخلوع حسني مبارك، الذي كان محاربا للتوجه الإسلامي.

 

 

ولا ندري كيف ترفض المحكمة الطعون المقدمة من قبل عدد من الطالبات المنقبات، ضد الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري برفض إلغاء قرار إلزامهن بكشف وجوههن أثناء تأدية الامتحانات في الجامعات المصرية، ومنع دخولهن الامتحانات بالنقاب، بناءً على رأي دار الإفتاء التي وقفت وراء حظر النقاب بتعلة "الخروج على ولي الأمر" وهو موقف خطير جدا، إذ يدل بما لا يدع مجالا للشك، بأن علي جمعة، يعتقد بأن اسقاط حسني مبارك حرام شرعا، إذ إن الثورة المصرية التي أطاحت به تدخل في هذا التصنيف لا محالة، بل أشد دلالة عليه، من ارتداء النقاب، وفقا للمنطق نفسه. والسؤال المطروح، هو كيف يبقى علي جمعة في منصبه، وهو يعد مخالفة قرارات حسني مبارك، خروجا على ولي الأمر، بمعنى أن الثورة خروج على ولي الأمر، فكيف فات الثوار، والحكومة الجديدة، والقضاء المصري النزيه هذا الأمر؟!

 

وإذا كان وجه المرأة ليس بعورة، وفق ما ذهب إليه "جمهور الفقهاء" أين إذن الحرية الشخصية. وهل منع المنقبات من دخول الامتحانات يخدم قضية العلم والارتقاء بالمرأة ؟. وهل عجزت السلطات عن ايجاد مخرج لهذه القضية، دون التورط من حرمان الطالبات من اجتياز الامتحانات بدون منغصات؟! ولماذا لم توظف نساء للتأكد من هوية المنقبات قبل الدخول إلى قاعات الامتحانات وبذلك يرفع الإشكال!
ومن باب المعاملة بالمثل، وإذا كان كشف الوجه ليس بعورة، فماذا عن العورات التي تدخل إلى قاعات الامتحانات وهي بكامل زينتها، فهل تم وضع معايير تجعل الجميع يلتزم بالحد الأدنى من اللباس الشرعي كالحجاب مثلا، أما إن الكل حر في ممارسة "عاداته " و"حريته" ما عدا المنقبات؟!

 

 

بين ساركوزي وعلي جمعة:
 من العجيب والمستغرب، أن يتفق علي جمعة مع ساركوزي في قضية منع النقاب. إذ إن قضية اللباس من أشد الأمور حساسية لدى الإنسان. إنه أشبه بإجبار فتاة على الزواج من رجل لا تحبه ، لذلك فهو من أخص الخصوصيات التي لا يجب أن يتدخل فيها أي شخص أو أي جهة، إنه قمع وعدوان لا يصدر سوى من نفس مريضة، فكيف يمكن تغريم انسان بسبب لباس اختاره لنفسه، ولم يضر الآخرين في كثير أو قليل؟. كيف تجبر مسلمة منقبة في فرنسا على دفع غرامة 150 يورو لأنها ارتدت النقاب، أي عار يلحقه ساركوزي بفرنسا والغرب عموما، وأي عار يلحقه علي جمعة، بمصر والمسلمين عموما، بإعطائه مبررات لقمع المسلمات اللواتي اخترن النقاب، من منظور شرعي. فالإمام مالك رفض فرض الموطأ على الناس، وتركهم  يختارون ما يطمئنون له من أحكام فقهية، حتى وإن رأى أنها غير واجبة، بل حتى غير صحيحة. كيف تعتقل امرأة لأنها خالفت قوانين اللادينية في فرنسا، أو اللائكية أو العلمانية ، ويبرر نفس القمع والاضطهاد بمخالفة " ولي أمر المفتي" الذي لم يكن يوما ما ولي أمر المسلمين، سواء في مصر أو غيرها، وأعني حسني مبارك. بل هو مغتصب للسلطة، محارب للمسلمين، ومستعدي للآخرين عليهم.

 

لقد استطاعت مسلمات فرنسا، أن تتحدين قرار منع النقاب، وخرجن في نفس اليوم الذي بدأ فيه سريان هذا القانون النيروني، مطلع شهر أبريل 2011 م، لكن ما الذي يمكن أن تفعله فتيات مصر المنقبات، لتتحدين قرار منعهن من حقهن المشروع في أداء الامتحانات ؟!
هل يحتاج الأمر في مصر إلى ثورة تطالب بحق المنقبات في الحياة، فضلا عن أداء الامتحانات، كما خرج الكثير من المسلمين في فرنسا احتجاجا على قانون منع النقاب، مما أدى إلى اعتقال 61 شخصا من بينهم 20 امرأة  يوم 10 أبريل 2011 م.

 

 

النقاب بين مؤيديه ومعارضيه:
كان المفروض أن لا تكون هذه القضية مطروحة، وقابلة للنقاش، لأنها تدخل في باب الحرية الشخصية، وعلى الدولة أن تكفل حريات جميع المواطنين، والملائمة بين متطلبات الأمن، والدقة، وإبراز الشخصية والحرية الشخصية المقدسة. فالله لم يكن ليعجزه أن يجبر جميع الخلق على عبادته، كما تفعل المخلوقات المجبولة على ما تقوم به، لكنه لم يفعل" ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة" فلماذا يريد علي جمعة وساركوزي أن يفكر الناس مثلهما، ويتبنى الناس مذاهبهما، سواء اللائكية أو الغنوصية الصوفية.

 

 
لقد استغرب كثيرون، نشر علي جمعة مقالا في الواشنطن بوست، يهاجم فيه السلفية ويحذر منهم، وتساءلوا عن علاقة علي جمعة بالاستخبارات الأميركية والفرنسية، ولكن الحقيقة هي أن علي جمعة كان منزعجا من موقف وزارة الخارجية الأميركية التي أعلنت أن واشنطن تعتبر ما وصفته باللباس الديني جزء من الحرية الدينية وحرية التعبير، وذلك في تعليقها على تنفيذ قرار حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة بفرنسا. وقال مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ردا على سؤال في هذا الخصوص" ندعم الحرية الدينية وحرية التعبير، الأمر يشمل تعبير الانسان عن معتقداته عبر لباس ديني"، كما انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حكم المحكمة الإدارية العليا في بلاده والقاضي بإبطال قرار المجلس الأعلى للتعليم السماح للطالبات بارتداء الحجاب خلال الاختبارات، وقال أردوغان " إن قرار المحكمة الإدارية يناقض معايير عالمية أساسية تتعلق بالحريات العامة، ويزعزع الثقة في النظام القضائي التركي" وأردف " إن القوانين الحالية لا يمكن لها أن تقيد الحريات في مجال التعليم".

 

 

لقد عانت التونسيات طويلا من مناشير منع الحجاب، فضلا عن النقاب، ووجد النظام العلماني الحاكم على مدى تزيد عن 50 سنة من مشايخ الزور والخور، من يبرر له ذلك، حتى قال المفتي السابق إن" الحجاب لباس سياسي". واعتبر الملتزمات به خارجات عن "ولي أمره". وعلي جمعة يكرر نفس الأخطاء بل الخطايا، لاعتقاده بأن حسني مبارك لا يزال ولي (الأمر).

 

 

لقد عادت للتونسيات حريتهن كاملة، بعيدا عن الحرية المؤدلجة، والموضوعة في قوالب، لا تعترف بالمفاهيم الأخرى للحريات، وأصبحت التونسية تسير في الشوارع دون خشية من ميليشيا (ولي الأمر) وهي تنزع حجابها من فوق رأسها على غفلة منها، وتقاد إلى مخافر(ولي الأمر) للتوقيع على عدم ارتداء الحجاب. وتستطيع التونسية اليوم استخراج جواز السفر والحصول على هويتها وهي ترتدي الحجاب. ولم يأت ذلك اعتباطا بل من خلال تضحيات ونضالات استمرت عدة عقود ولا تزال.

 

 

ضد التنمية والسلم وليس الحريات فقط:
 من يريد تسميم المستقبل في مصر، وغيرها من الحالات المشابهة؟ من يريد أن يفرض نمطا مغايرا للطبيعة التي تقضي بالتعدد؟ إذ إن منع النقاب، وإجبار الفتيات على كشف وجوههن، يعد إهانة لهن، فالناس منازل ومراتب فيما يعتبرونه إهانة، فلو طلب من امرأة متبرجة أن تكشف جزء مغطى من جسدها بلغة الأمر، لاعتبرت ذلك إهانة، فكيف لا تعتبر المنقبة التي تعودت على تغطية وجهها، وتعتبر ذلك عبادة، مطالبتها بكشف وجهها إهانة، واعتداء على خصوصيتها، واسترقاق مفضوح، في عصر يستطيع فيه المرء، أو هكذا ينبغي، أن يعبر عن قناعاته دون خشية من الإرهاب القضائي، والإرهاب السياسي، والإرهاب التعليمي، والإرهاب الوصائي باسم (ولي أمر) لم يعد كذلك ولم يكن كذلك قطعا، والسؤال هنا، ما مصير الفتيات اللواتي حرمن من التعليم بسبب النقاب؟
ولا شك أن ذلك يتم بوعي أو بدونه من أجل تكريس صورة نمطية سلبية عن المرأة المسلمة الملتزمة بدينها من منظورها الذي تعتقده، وهي صورة المرأة القابعة بين 4 جدران، تنتظر الزوج كمرحلة تسبق دخول القبر، بعيدا عن التحصيل العلمي، والمشاركة في عملية الانتاج والتنمية. المرأة الجاهلة، التي لا يحق لها أن تحصل تعليما، ولا أن تستشار فضلا عن أن تختار من تتزوج.

 

إن هذه الصورة السلبية، هي التي دفعت مدير التلفزيون المصري الأسبق (في عهد ولي أمر علي جمعة) إلى دعوة المذيعات المحجبات إلى التزام بيوتهن بعد ارتدائهن الحجاب، فالحجاب فضلا عن النقاب في عرفه هو عنوان القبوع في البيت، وليس الخروج منه، ونسي أن لا حجاب ولا نقاب على المرأة في بيتها ما لم يكن هناك أجانب، وأن الحجاب والنقاب هو تأشيرة خروج النساء لقضاء حوائجهن، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الحوائج التحصيل العلمي، والنجاح في الامتحانات.
ومن هنا نفهم أيضا لماذا تم حرمان تركية من التكريم في مسابقة شعرية لارتدائها الحجاب، بعد أن حصلت على الجائزة الأولى، لأن الصورة النمطية لدى البعض عن الحجاب أنه رمز للتخلف لا المرتبة الأولى كما أثبتت تلك الشابة التركية سازينر أردوغان، في حديقة أتاتورك، وأفحمت المتبرجات العلمانيات.

 

إن لباس المرأة للحجاب، أو ارتدائها للنقاب، لا يغير من طبيعتها الانسانية في شيء، بل يؤكدها ويحافظ عليها لا سيما إذا كانت مختارة لذلك. وقد أثبتت الوقائع أن المرأة بالحجاب وحتى النقاب يمكن أن تتصدر المراتب العليا وتحصل على جميع الدرجات العلمية بامتياز، بعيدا عن المرضى بالتلبس، وهو رمي المحجبات والمنتقبات بما فيهم وفيهن، من قبح ، وبجاحة، وجهل. وقديما قيل" رمتني بدائها وانسلت".