زندقة القذافي.. تاريخ أسود ودروس مهمة
15 جمادى الأول 1432
منذر الأسعد

ربما أمكن القول بكثير من الثقة: إن القرن الهجري الرابع عشر عجيب في حصاده، إذ  شهد ذروة مآسي الأمة الإسلامية بعد  انتصارات مشرّفة، أنجزتها الشعوب المسلمة  التي ثارت على الغزاة الأجانب وكنستهم من ديارها، في ملاحم بطولية رائعة انتصر فيها المؤمنون العزل على قوى البغي المدججة بأعتى الأسلحة وأكثرها "تقدماً"!!

 

المؤلم أن الشعوب التي انتصرت بقيادة علماء الدين سرعان ما وقعت ضحية بين أيدي جلادين لبسوا لبوس المناضلين والوطنيين، لتكتشف –بعد فوات الأوان-أن هؤلاء لم يكونوا سوى وكلاء قذرين للمحتل الذي طردوه بتضحيات هائلة!! بل إن هؤلاء العملاء كانوا أشد دموية وهمجية من الصليبيين الذين أوكلوا إليهم ترويض الأمة. وبعبارة أخرى: لقد هزم آباؤنا الاستعمار عسكرياً لكنه انتصر علينا سياسياً، وهي قصة تستحق البحث والتنقيب لأخذ العبر واستلهام الدروس لئلا نُلْدَغَ من الجحر نفسه مرتين.

 

فبعد ابن باديس وتلامذته المجاهدين سيطر جنرالات الفرنكوفونية على بلد المليون ونصف مليون شهيد، وبعد صفحة عمر المختار الذهبية ابْتُلِيَتْ ليبيا بمعمر القذافي، وهكذا....

 

واليوم اضطر أحفاد المختار إلى أن يدفعوا ثمناً باهظاً للتحرر من الجلاد الصلف معمر القذافي الذي ينكل بهم منذ 42سنة. وهذه الواقعة المعبّرة استدعت إلى الذاكرة كتاباً أصدرته رابطة العالم الإسلامي منذ عشرين عاماً عندما طغى وتجبر وتطاول على ثوابت الأمة، وعنوانه: (الرد الشافي على مفتريات القذافي). الكتاب ليس كبير الحجم (110صفحات)، ويتألف من أربعة فصول، يتضمن أولها بيانات حول القذافي من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمجلس الأعلى العالمي للمساجد ومجلس هيئة كبار العلماء بالسعودية وعدد من الدعاة الإسلاميين. بينما احتوى الفصل الثاني على قرارات ذات صلة كقرار المجلس الأعلى العالمي للمساجد في دورته الرابعة ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثالثة، أما الفصل الثالث ففيه كلمات لعدد من أهل العلم والدعوة ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد رحمهما الله  تعالى. وجاء الفصل الأخير بعنوان: دراسات وفيه دراسة قيمة للأستاذ حامد مطاوع بعنوان: أجزاء الكتاب الأخضر حلقات عجاف أفرزها فكر سقيم.

 

والحقيقة أن الكتاب يفضح زندقات القذافي وتهجمه بالباطل على الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخاً، ويرد عليه بالأدلة الشرعية المفحمة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة...

 

نحن -إذاً- لسنا ضد الكتاب عندما نضع جملة من علامات الاستفهام الحيوية، لنستفيد دروساً ومواعظ نافعة لمسيرة الأمة بعامة.

 

فانتشار هذا الكتاب كان ضعيفاً وهو طازج، أولاً لخلل مبدئي تتسم به أكثر الهيئات الرسمية وشبه الرسمية لأن كثيراً ممن يعملون فيها يعملون بعقلية الموظف لا الداعية المتحمس. وثانياً لأن الكتاب لم يصدر لمواجهة زندقة القذافي مبدئياً وإنما صدر عندما تطاول مجنون ليبيا على السعودية. صحيح أنه افترى حينئذ على السعودية بادعائه أن طائرات أمريكية تحلّق فوق المشاعر المقدسة في موسم الحج!! لكن ذلك يقتضي الرد على أكذوبته في حينها أما كفرياته فيجب التصدي لها بصرف النظر عن حسن علاقات أو سوئها مع المملكة.

 

والأمر في جملته يعيدنا إلى قضية عظيمة الأهمية، وهي ضرورة استقلال العلماء عن تقلبات السياسة وتوجهات الحكومات. ولعل ضعف تأثير المؤسسات الدينية التابعة للحكام بات أوضح من أن يحتاج إلى مناقشة. فالمفتون غير المستقلين أصبحوا مرفوضين حتى لو أفتوا فتاوى سليمة. ونتج عن ذلك فوضى علمية أتاحت لغير العلماء المؤهلين أن يتصدوا لهذه المهمة الحساسة.

 

أما العظة الكبرى من قراءتنا  لهذا الكتاب في ظل محنة الشعب الليبي مع عميل سرق الحكم والثروة وَسَامَ الليبيين سوء العذاب، فهي أنه يجب على الأمة عدم الاستسلام لأي شخص استسلاماً مطلقاً، واليقظة التامة لمساءلة الحاكم عندما يحاول الانحراف عن الجادة وأطره على الحق أطراً كما أمرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. ففي هذا النهج الوقائي توفير للدماء الزكية والأموال الضخمة التي يتطلبها التخلص من استبداد طاغية متجبر.