لماذا لم تسقط أنظمة سوريا وليبيا واليمن بعد؟
13 جمادى الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تصور الكثيرون أنه بعد الانهيار السريع الذي حدث للأنظمة في تونس ومصر بعد الثورات التي شهدتها ستنهار تبعا لذلك عدد من الانظمة الاخرى بمجرد انطلاق ثورات شعوبها نظرا لتشابه هذه الانظمة في التسلط والاستبداد وكبت الحريات ونهب الثروات, وهذا إن كان صحيحا في مجمله إلا أن هناك اعتبارات أخرى تحكم الاوضاع في البلدان الأخرى تختلف عما حدث في تونس ومصر مع التاكيد على أن المسألة هي مجرد وقت يطول أو يقصر ولكنها أنظمة متداعية ولا تملك ما يمكنها من الاستمرار بعد أن هبت رياح الحرية على البلاد العربية وتنسمت شعوبها رائحتها الذكية, وأصبح من المعتاد أن يتقابل العرب في أي مكان فيهنئون أنفسهم على حصول إخوانهم على حريتهم.

 

ولكن هناك اختلافات جوهرية تحكم الاوضاع في اليمن وسوريا وليبيا تؤخر سقوط هذه الانظمة حتى الآن وقد تؤجل السقوط لبعض الوقت ولا تعني في كل الاحوال أنها أنظمة عصية على السقوط...ومن أهم الفروق التي تختلف فيها هذه الدول عن مصر وتونس العصبية القبلية التي تنتشر في ليبيا واليمن والتي اعتمد عليها النظامان للبقاء في السلطة طوال هذاالوقت وهذه القبائل تقف مع الانظمة ليست حبا فيها ولكن خوفا من ضياع نفوذها في حال تغير السلطة وعدم تأمين انتقالها لأشخاص من نفس القبيلة أو من قبيلة موالية لها, وهو ما يجري في اليمن الآن حيث أعلنت عدة قبائل كبرى انضمامها إلى الثورة وطالبت بتنحي صالح ولكن ما زالت مترددة في اتخاذ إجراءات عملية أكبر على الأرض لعدم وضوح الرؤية بالنسبة لها بشأن النظام القادم وما هي معالمه, كما أن اليمن تعاني من إشكالية أخرى بشأن الاوضاع في الجنوب الذي تريد بعض التيارات فيه الانفصال وقد تستغل هذه التيارات والقبائل الجنوبية الاحداث الحالية للدفع بقضية الاستقلال بشكل أو آخر للسطح, كذلك القبائل في اليمن تمتلك أسلحة متطورة تقترب في نوعيتها مما تمتلكه الجيوش النظامية, وهو ما قد يؤدي إلى حرب أهلية في حال عدم وضع النعرات القبلية في الاعتبار عند الترتيب للنظام المقبل في البلاد, وقريب من ذلك ما يجري في ليبيا التي أغدق القذافي مليارات النفط على قبيلته والقبائل الموالية له وجهزها بأحدث الأسلحة تحسبا لثورة الشعب الذي أفقره رغم الثروات الهائلة التي يمتلكها, كما أنفق أموالا باهظة لاستئجار مرتزقة من شتى أنحاء العالم لحمايته وتنفيذ جرائمه التي يأنف الكثير من المواطنين ارتكابها في حق إخوانهم.

 

في الوقت نفسه ارتكبت الثورة في ليبيا خطأ كبيرا بلجوئها للسلاح في وقت مبكر خلافا لما فعلته الثورة في تونس ومصر حيث رفعت شعارا واضحا هو "سلمية ..سلمية" مما وضع الانظمة فيها في حرج بالغ أمام العالم ولم تنفع الدعاية المغرضة التي أطلقتها وسائل إعلامها بشأن وجود تحريض خارجي من الصمود في وجه الضحايا العزل الذين تساقطوا يوما بعد يوم, لقد أوهم النظام الليبي بعض السذج في الداخل والخارج بأن تنظيم القاعدة هو الذي يدير المعركة مع بعض الخارجين عن القانون وشن حرب إبادة مستغلا استخدام الطرف الآخر للسلاح, كما استغل تدخل الناتو في المعركة بشكل عشوائي في الترويج لمزاعم "حرب صليبية" ولإقناع بعض الموالين له بأن الحرب التي يخوضونها هي للدفاع عن أرضهم ضد الاحتلال..لقد اهتز النظام الليبي بشدة في بداية الثورة عندما كانت سلمية وسعى لكي يخفي تفاصيلها على العالم وأرسل عدة رسائل للخارج تشير لاستعداده للتغيير, أما الآن فبدأ يستخدم الإعلام لمصلحته ويضع الجثث ويشير لطائرات الناتو ويجد مبررا ولو ضعيفا للاستمرار في القتل والإبادة.

 

 

أما سوريا فإلى الآن يحتفظ الثوار بهدوئهم وسلميتهم وهو ما ينبغي التأكيد عليه حتى لا يمنحوا نظام الاسد المتداعي ما ينتظره ويتمناه ليعيد تنفيذ مجازره الشهيرة التي ارتكبها في حماه..سلمية وإصرار الثوار في سوريا جعلت الاسد يترنح ويقيل الحكومة ويفرج عن معتقلين ويلتقي بوفد من درعا وهي تنازلات على ضعف تأثيرها فإنما تدل على شعور النظام بالخوف وسعيه لمحاولة تطويق الثورة..النظام السوري وإن كان لا يعتمد على القبلية مثل النظامين الليبي واليمني ولكن يعتمد على ما هو أخطر وهو الطائفية فأكثر قيادات الامن والجيش هي قيادات نصيرية باطنية تعتبر قتل أهل السنة نوعا من الدفاع عن العقيدة وشرف عظيم, ولن تتوانى إذا جاءتها الفرصة في تنفيذ حرب إبادة بشعة ضد المدنيين..رهان الثوار في سوريا ينبغي أن يكون على انحياز أفراد الجيش وتحييدهم لينقلبوا على قياداتهم ويقفوا بجانب الثورة ولن يتأتى ذلك إلا بمواصلة الثورة وعدم الانخداع بالتنازلات الهامشية وإيصال صوت ثورتهم إلى العالم بجميع الطرق الممكنة والتركيز على الجانب الإعلامي حتى يزداد الضغط على نظام الأسد.