سوريا: الشعب يكسر القيود
10 جمادى الأول 1432
عبد الباقي خليفة

أخيرا تحرك الشعب السوري لإسقاط الديكتاتورية التي لم تحفظ وطنا، ولم تراع كرامة مواطن.. أخيرا انفجر الشعب السوري في وجه الدولة الفاشلة التي لم تحررأرضا، ولم تبن نهضة . وقد أربكت ثورة الشعب السوري اللانظام وجلاوزته حتى سادت الفوضى، واختلت الموازين لديه. وبعد أن كان رموزالمؤسسة الدينية مغيبون ولا سيما في الشأن السياسي، بدأ النظام السوري بالدفع بهم لمواجهة الاحتجاجات، والتحركات المؤيدة للشعب السوري من خارج القطرالعزيز. وذلك للزعم أن ما يجري ما هو إلا مخطط يستهدف سورية. ولا شك بأن الضرب على وتر التدخلات الخارجية لتفسير ما يجري في سورية، ما هو إلا هروب من مواجهة الواقع، وهروب من الاعتراف بأن الشعب السوري لم يعد يطيق السجن الذي وضعته فيه الأقلية الحاكمة في دمشق. فمستشارة الرئيس السوري لا تزال تكرر بأن ما يحصل " مشروع طائفي يحاك ضد سورية ولا علاقة له بالتظاهر السلمي. بينماهناك أنباء عن حالة من الارتباك داخل الأسرة الحاكمة في سوريا، يتحدث بعضها عن اغتيال فاروق الشرع، وأخرى عن خلافات بين بشارالأسد وشقيقه ماهر. كما أن الارتباك حاصل في طريقة التعامل مع الثورة في سوريا، ومحاولة تجنب السيناريوهات التي تمت في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن. إذ أن بشار الأسد لم يبادر بالتحدث للشعب السوري، كما حصل مع بن علي وحسني مبارك، وترك الأمر لمستشارته بثينة شعبان، وبعض أعضاء البرلمان المزيف، وبعض العمائم الذين لا يحضرون سوى في الولائم الرسمية أوالمغارم الشعبية. الارتباك حاصل أيضا في في تفسير اللانظام الحاكم في سوريا لما جرى من مجازر في درعا واللاذقية وغيرها ، بين انكار سقوط ضحايا، والزعم بأن مجموعات مسلحة ( من خارج الوطن ) هي التي ارتكبت تلك الجرائم. وذلك لإخفاء التصدع الحاصل داخل اللانظام ووجود تجاوزات خطيرة، تضع سلطة بشار الأسد داخل الأسرة الحاكمة على المحك، وسط أنباء بأن ماهر الأسد وليس شقيقه بشار،هو من يقود المجازرضد الشعب السوري في المدن والبلدات المختلفة.

 

دوامة العنف ودموية اللانظام : لا شك بأن لجوء الأنظمة للعنف، رغم فشله في منع الثورات من تحقيق أهدافها، في تجارب تونس، ومصرعلى الأقل، منبعه سوء تقديرالأوضاع، كما يحمل في ثناياه احتقارا للشعب. وعندما يقول سيف القذافي، أو بشار الأسد، وغيره بأن بلاده ليست تونس ومصر، فذلك يعني بأنه لا يوجد رجال بحق في بلاده، يحققون ما حققه الشعبان التونسي والمصري من نصر. ويعتقد الجبابرة المستبدون كالقذافي، وابنه ، وبشارالأسد، وشقيقه، وغيرهم، بأن شعبهم جبان، وبتعبير القذافي، جرذان، لا يمكنهم أن يثوروا كما فعل التوانسة والمصريون، ولذلك يستخدمون العنف لاعتقادهم بأن ذلك، وإن لم يجد في تونس ومصر، وليبيا، واليمن، فسيجدي في سوريا لأن الشعب في اعتقادهم، ليس هو الشعب التونسي، أوالشعب المصري. بل إن دبلوماسيا عربيا قال لي بالحرف الواحد، الرئيس التونسي السابق جبان، والرئيس المصري السابق جبان، لأنهما استسلما. وهكذا يجرب الطغاة العنف والقمع والقتل لشعوبهم لاعتقادهم بأن الشعب يخاف من الموت، وجبان، مثلهم تماما، في مواجهة الأعداء الحقيقيين. حيث جبن بشار الأسد وزبانيته في مواجهة العدوالصهيوني، ولم يردوا على الإعتداءات التي تعرضت لها سوريا سنة 2008 وضرب ما يقال أنه مفاعل نووي، فوق الأراضي السورية. لقد قالها وزير خارجية مصر الأسبق أحمد أبو الغيط، ردا على سؤال بخصوص امكانية حصول ثورة في مصر، على غرار تونس" كلام فارغ " وبعد مصر، قالها سيف القذافي" ليبيا ليست تونس ومصر" وقالها علي عبد الله صالح، كما قالها بشار الأسد في حوار مع صحيفة أجنبية إن" الوضع في سوريا مختلف ". وكما ينظر الطغاة للأعداء الحقيقيين، يرغبون بأن ينظر إليهم الشعب بنفس نظرتهم للأعداء. وإذا لم يفعل الشعب ذلك، طبقوا عليه مقولة، نحكمك أو نقتلك..

 

 إذن العنف والعنف وحده هو ما يبدأ به النظام الاستبدادي رده على الشعب، وعندما يدرك بأن القتل لا ينفع ، وأن الشعب لم يجبن، وأن سير المحتجين والمتظاهرين بدأ يكبر، وأن القطر، أصبح سيلا جارفا، يبدأ بتقديم التنازلات، قطرة قطرة، حتى يرحل بهذه الطريقة أو تلك. وبقدرما يكون سقف المطالب عاليا، بقدر ما تكون الانجازات أفضل، فلا مجال للمطالبة بالإصلاحات في ظل نظام الفساد والمحسوبية، وسلطة الاستخبارات واحتكار السلطة. لذلك أحسن الشعب السوري، عندما قام بتدمير تمثال حافظ الأسد في، درعا، وأحسنوا عندما رفعوا سقف مطالبهم إلى" الشعب يريد إسقاط النظام "كما أحسنوا عندما قاموا باحراق مقرات حزب البعث الدموي، ومراكزالبوليس، الذي تحول من حماية الشعب إلى حماية نظام الفساد والجوروالاستبداد.

 

مطالب الحرية ثمنها الدماء: كانت شعارات المتظاهرين في سوريا، تعبر بحق عن كبت عميق، عن اختناق طال أمده، عن معاناة تجاوزت الأربعين سنة، وكانت" الله ، سورية، حرية وبس" تختصر كل ذلك، فرغم حالة البطالة، والفقر المدقع التي تعيشها قطاعات الشعب الواسعة، إلا أن الشعار، يؤكد حقيقة ما تطالب به شعوبنا، وهو حرية التدين، والعيش وفق تعاليم الإسلام( الله ) . وحب الأوطان والاستعداد للموت في سبيلها، واسترداد الأراض المحتلة السليبة مهما كلف ذلك من ثمن ( سوريا ). وتحقيق واجب الاستخلاف في الأرض، وأحد أهم سنن الفطرة، وما جبل عليه الانسان ( الحرية ). وفي الذكر الحكيم " ولقد كرمنا بني آدم " وأكبر تكريم للانسان منحه "الحرية " التي خصه بها من دون سائر المخلوقات، الحيوانات تحكمها الغزائز، والملائكة مجبولون على الطاعة، والانسان وحده الذي يستطيع طاعة ربه بأداء العبادات والتحكم في غرائزه وفق ما شرعه له المولى سبحانه وتعالى، بإرادته .. كان شعارا عميقا، ربما لم يدركه حتى بعض الذين رددوه، ولكن أعماقهم كانت تدرك معنى ذلك الشعار، وتتجاوب معه في انسجام، فحب الله والوطن والحرية ، والعيش في ظلال ذلك أكبر نعمة يمن بها المولى سبحانه على عباده .

 

كانت درعا، كما هي سيدي بوزيد، في تونس، نقطة انطلاق الثورة في سورية، وكان السوريون في انتظار تلك الشرارة التي عمت بعد فترة وجيزة، دمشق، وحماة، وحمص، واللاذقية، والصنمين، وخلال أسبوع واحد سقط أكثر من 50 قتيلا ( نحو 100 قتيل وفق تقديرات المعارضة ) على يد قوات القمع النصيرية في سورية .. ويتترس النظام السوري بأنه ينتمي إلى محور المقاومة والممانعة، ولكن ذلك كما يقول ياسر الزعاترة، " ليس نقيضا للاصلاح والديمقراطية والحرية. بل لعلها الأحوج إليها من أي طرف آخر". كما أن سقوط نظام بشار الأسد لن يضر المقاومة في شئ، بل سيكون الشعب السوري كله مجند لحمايتها ودعمها، ليس بالمال وحفظ أمنها فحسب، بل الانخراط فيها أيضا. ومن البديهي أن الذي يقتل شعبه، في الشوارع برصاص الشرطة والجيش، وعبر القناصة من فوق أسطح المنازل، كما حصل في اللاذقية وغيرها، من أجل الاحتفاظ بكرسي الحكم، غير مؤهل معنويا، وماديا، لمواجهة الأعداء الحقيقيين، إذ أن سلب حرية الشعب، يعني إخضاعه للاحتلال، ولا يمكن لشعب تم إخصاؤه أن يقاتل برجولة وينتصر. ولم ينتظرالشعب السوري الإذن من جلاده للتعبيرعن جهوزيته، متحديا سياسة الإخصاء والإغتيال،حيث ردد السوريون الشعار الفلسطيني الخالد" بالروح بالدم نفديك يا شهيد" فليس هناك تحد أكبر من الصدع بهذا النداء، عند تشييع جنازات الشهداء الذين سقطوا من أجل أن تنير قناديل دماءهم ظلمات سورية المتمثلة في اللانظام النصيري الطائفي.

 

يرحل اللانظام أو يتدخل الغرب: اللانظام الحاكم في سوريا بين خيارين اليوم، إما أن يرحل، وتدخل سورية التاريخ، كما حصل في تونس ومصر، أو يهئ البلاد من خلال المجازر التي يرتبكها منذ عدة أسابيع في المدن السورية ضد الشعب. وقد بدأت التدخلات الدولية تتوالى ، حيث حذرت الأمم المتحدة ، والاتحاد الاوروبي، يوم السبت 26 مارس، السلطات السورية من مغبة الإستمرار في قمع المتظاهرين المطالبين بالحريات وبالإصلاح، وذلك بعد سقوط عشرات القتلى في المظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في سوريا في منتصف الشهر الثالث الميلادي.ووجهت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة،نافي بيلاي، تحذيرا إلى سوريا من الدخول في دوامة العنف، من جراء القمع ، ودعتها لاستخلاص العبر من الدول العربية الأخرى.وأن الشعب السوري لا يختلف عن بقية الشعوب الأخرى" يريد التمتع بالحقوق الانسانية الأساسية، التي حرم منها منذ زمن طويل". ودعا وزير خارجية بريطانيا، وليام هيغ، قوات الأمن السورية للتحلي بأكبردرجات ضبط النفس. وطالب وزير الخارجية الالماني غيدوفيستر فيله، بوقف العنف فورا، ودعا الحكومة السورية إلى ضمان احترام حقوق الانسان الأساسية والمدنية. كما دعا وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه سوريا إلى أن تسمع لصوت الحرية والديمقراطية. وطالب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بفتح تحقيق شفاف عن المجازر، ومحاسبة المسؤولين. وقالت المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية، مارك تونرإن بلاده تشعر بقلق عميق لاستخدام العنف والترهيب والاعتقالات التعسفية التي تقوم بها الحكومة السورية لمنع الشعب من ممارسة حقوقه الأساسية وتدين أعمال القتل.. ومع ذلك تفضل هذه القوى تعفن الأوضاع في سورية، لتتمكن من التدخل العسكري كما حصل مع ليبيا، ليكون لها فضل ودور في سورية المستقبل، فماذا سيختار اللانظام في سورية ؟ تغيير سلمي تتحول فيه السلطة إلى الشعب، وتتداوى فيه جراح الماضي، وتتآخى فيه طوائف سورية ،بالاستماع لنصائح الصادقين  مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،كالتي وردت في بيانه حول ما يجري في سوريا، أوتدخل عسكري غربي يقضي على الأخضرواليابس.