سميرة المسالمة وإصلاحات الأسد
9 جمادى الأول 1432
د. ياسر سعد

الإقالة السريعة والعاجلة لسميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين السورية بعد إدلائها بحديث طلبت فيه على استحياء من الأجهزة الأمنية الكشف عن الأطراف التي تقف خلف إطلاق النار رغم أنها دافعت في المجمل عن وجهة نظر النظام من الأحداث الدامية في درعا. هذه الإقالة تكشف عن ضيق النظام بأية مساءلة مهما كانت خجولة وتنسف من الأساس إدعاءاته بالرغبة في الإصلاح. النظام السوري في ورطة حقيقة ويواجه تصدعات وتحديات تهدد باقتلاعه وإزالته، ولعل تخبط النظام في تعامله مع الأحداث وردود فعله وإدعاءاته والتي تثير السخرية المرة، تظهر أن سورية على مفترق وأن موعدها مع الحرية يترسخ ويقترب.

 

النظام أعجز من أن يقوم بإصلاحات حقيقية، فلقد وصلت حالة الفساد والتعفن فيه درجة متقدمة ومزمنة لا يجدي معها دواء وينفع فيها علاج، فالحكم في سورية لا يتحمل ولا يقوي على الوقوف في وجه نسائم الحرية ناهيك عن أعاصيرها. فسياساته الخارجية والداخلية والتي تتناقض فيها الأقوال مع الأفعال والشعارات مع الحقائق، ستشكل حريات التعبير والشفافية بالنسبة لها كما الأحوال الاقتصادية والتي رهنت ثروة البلاد ومقدراتها لحفنة من الأقرباء والمقربين، ضربات قاصمة وقاضية. كما إن بقاء حال النظام على ما كان عليه في ما قبل مرحلة الثورة الشعبية ليس ممكنا ولا متاحا، فلقد تحطم حاجز الخوف وتحدى الشباب الثائر آلة قمع النظام الدموية بصدور عارية عرت حقيقة النظام الدموية والبائسة والأفاكة.

 

خطاب بشار الأخير قدم خدمة كبيرة لمعارضيه ووحد صفوفهم بعد أن برهن النظام من خلاله عن عجز فاضح في استيعاب المتغيرات والمطالب الشعبية، واستهتار واضح بدماء المواطنين ومعاناتهم. كما إنه كشف للعالم الصورة البائسة لحقيقة نظامه السياسي وهو يظهر مجلس الشعب كمجموعة من المصفقين والمطبلين والمزمرين. هذه الصور بالإضافة إلى الحالة الإعلامية المثيرة للسخرية من روايات النظام والتي تعجز عن إقناع الأطفال بها لجهة تفككها وضعف منطقها والذي من أسبابه ضعف الحجة واتجاه الأنظمة الدكتاتورية إلى إلغاء حالة الإبداع –حتى في الدجل- من أزلامها وتحويلهم إلى دمى عرائس لا تجيد سوى الهتاف والتصفيق. فمن يستطيع أن يصدق أن النظام السوري صاحب الأجهزة الأمنية الكثيرة والعديدة والتي تحصي على الناس أنفاسهم يعجز ومنذ أسابيع عن اعتقال مندس مسلح أو حتى تصوير أحد هولاء وهو يطلق النار؟ لقد أظهر التلفزيون السوري فيلما مضحكا عن ملثمين يطلقون النار، ولعل الصورة تحمل الكثير من الغرابة فالقناصة على غير العادة في مكان منخفض فيما الكاميرا في وضع مرتفع، وحين سئل رجالات النظام عن السبب وراء عدم اعتقال الجناة عوض تصويرهم أجابوا أن الكاميرا ثابتة، فهل للنظام السوري كاميرات ثابتة بين الأشجار والمزارع وكم يبلغ عددها وتعدادها؟ 

 

الروايات الرسمية الضحلة والمضحكة، والتي بدأت بزعم أن متنكرين بزي ضباط في بداية الأحداث مروا على مراكز الشرطة بدرعا طالبين منهم إطلاق النار وانتهت إلى جماعات مسلحة تطلق النار على الشرطة والمتظاهرين، هذا الكذب السافر والذي يفضحه عدم قيام التلفزيون الرسمي بتصوير تلك المجموعات لا بكاميرات ثابت ولا متحركة وبعدم السماح لوسائل الإعلام العربية والعالمية بتغطية الأحداث، تفضح مزاعم النظام بالرغبة في الإصلاح، فالكذب الفاضح وهو من شيم الفاسدين والمفسدين نقيض الإصلاح والشفافية.

 

أليس عجيبا أن يأتي بعض أهل العلم أو المنتسبين للعلم الشرعي فيشهدوا بشهادات زور عن رغبة نظام القتل والقمع في الإصلاح، وعن حسن استقبال الأسد لهم والسماع لمطالبهم والاستجابة لبعضها كإغلاق كازينو القمار، فأين كانوا أولئك السادة وأين كانت تلك الوعود من قبل؟ وهل تم الاستقبال والاستجابة الهزيلة لها إلا بعد أن سالت دماء المنتفضين؟ إن المجرب لا يجرب، ثم إن تصرفات النظام وبطشه الدموي بالمتظاهرين المسالمين وأكاذيب إعلامه ووعوده السابقة جميعها تشير إلى إن هذا النظام عصي على الإصلاح، وأن صلاح البلاد والعباد يكون في رحليه واستئصال شروره وجذوره.