مدلولات القلق الصهيوني من رحيل الأسد والقذافي
3 جمادى الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

قد يندهش البعض من ورود معلومات كثيرة عن قلق صهيوني من قرب رحيل النظامين السوري والليبي؛ فالمعروف أن النظامين من المؤسسين لما يعرف بـ جبهة "الرفض والتصدي" الشهيرة التي ملأت الدنيا صخبا حول العداء للكيان الصهيوني وضرورة إزالته ومحو "دولته" من الوجود ـ إعلاميا فقط طبعا ـ حيث ترك الأول أرضه تحت الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من 40 عاما دون أن يطلق رصاصة واحدة ولو "للشهرة والمنظرة", أما الثاني فاكتفى بالخطب "الحنجورية" خلال مؤتمرات القمة العربية وقام بطرد الفلسطينيين بدعوى "عدم تكريس الاستيطان خارج فلسطين" ..

 

إن النظامين السوري والليبي اتخذا من القضية الفلسطينية درعا لتوجيه الاتهامات بالخيانة والعمالة للدول العربية المختلفة معهم ـ في إطار تصفية الحسابات ـ ولقمع شعوبهما لعشرات السنوات واتهام أي معارض بأنه من "فلول الإمبريالية التي تستخدمها القوى الغربية لمحاولة هدم الأنظمة الحرة المدافعة عن قضايا الأمة العربية", وهو ما تروجه الآن أجهزة الإعلام الحكومية الموالية للنظامين بشأن الثورة المندلعة للمطالبة برحيلهما وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في البلدين... لقد نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرًا عن حالة القلق التي تنتاب الأوساط "الإسرائيلية" من احتمال سقوط نظام بشار الأسد في دمشق, وقال التقرير الذي جاء بعنوان "الأسد ملك إسرائيل": "الكثيرون في تل أبيب يصلون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري الذي لم يحارب "إسرائيل" منذ عام 1973 رغم شعاراته المستمرة وعدائه الظاهر لها". وأضافت الصحيفة: "بالرغم من تصريحات الأسد، الأب والابن، المعادية لإسرائيل، إلا أن هذه التصريحات لم تكن إلا شعارات خالية من المضمون، وتم استخدامها لهدف واحد فقط كشهادة ضمان وصمام أمان ضد أي مطلب شعبي سوري لتحقيق حرية التعبير والديمقراطية". وتابعت: "النظام السوري المتشدق بعدائه لتل أبيب لم يُسمع الأخيرة ولو "صيحة خافتة واحدة" على الحدود في هضبة الجولان منذ سيطرة إسرائيل عليها عام 1973".

 

وزادت الصحيفة: "هذا النظام المعارض لتل أبيب مازال مستعدًا لمحاربة إسرائيل بآخر قطرة من دم آخر لبناني لا سوري، والسوريون لا يكلفون أنفسهم محاربة عدوهم الجنوبي مادام اللبنانيون مستعدون للموت بدلاً منهم". أما النظام الليبي فقد نشرت مصادر صحفية "إسرائيلية" أن نجل الزعيم الليبي سيف القذافي زار الكيان سرا من أجل الاتفاق على صفقة أسلحة لدعم الجيش في حربه ضد الثوار, وأكدت مصادر المعارضة هذه المعلومات واتهمت القيادي في حركة فتح محمد دحلان بالتوسط في الصفقة, وأوضحت المصادر أن الثوار تمكنوا من ضبط السفينة المحملة بالأسلحة وعليها نجمة داود..

 

حزن النظام الصهيوني أشد الحزن وإلى الآن يعض أصابعه غيظا ويتحسر على الايام الخوالي بعد سقوط حسني مبارك في مصر والذي كان من أقرب أصدقائه ونفذ أوامره بشأن تجويع شعب غزة وتشديد الحصار عليه وسط تطبيل أجهزة إعلامه التي وصفت هذه الجريمة بأنها "حفاظ على السيادة الوطنية", وأكد وزير الخارجية المصري الجديد نبيل العربي أن مبارك كان كنزا "لإسرائيل", ولم تهتم "إسرائيل" بإقامة نظام ديمقراطي في مصر ما دام النظام الموجود يحقق لها مصالحها رغم تفاخرها أمام الغرب ليل نهار "بأنها واحة الديمقراطية في منطقة تحكمها انظمة استبدادية"..

 

إن الكيان الصهيوني يعلم جيدا أن التفاهم مع نظام دكتاتوري حريص على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة ونهب أكبر قدر ممكن من الثروات في معزل عن الشعب الذي يناصب الكيان العداء لجرائمه المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني هو الأسهل والأنفع له؛ لأن الشعوب العربية لو اختارت حكامها بصدق ودون تزوير لما استطاعت "إسرائيل" العيش بأمان طوال هذه المدة بل وتزداد قوة كما هي الآن؛ من هنا كان من الطبيعي أن تدعم "إسرائيل" النظامين السوري والليبي, وإذا كان النظام الليبي لطبيعة زعيمه العشوائية قد أعلن دهشته صراحة من موقف الغرب تجاهه رغم الخدمات التي قدمها له فالنظام السوري المعروف بتحفظه لم يتكلم حتى الآن عن الصفقات السرية التي عقدها مع الغرب واتاحت له تحسين علاقاته معه في الفترة الاخيرة وتعيين سفير أمريكي جديد في دمشق, وإن كان تم تسريب الكثير بشأن التعاون بين الطرفين في مكافحة ما يسمى "الإرهاب" حيث استقبلت دمشق مع بعض الدول الاخرى عددا من المشتبه بهم وقامت بالتحقيق معهم تحت التعذيب وسلمتهم بعد ذلك للولايات المتحدة. لقد انتهى زمن الضحك على الشعوب بالشعارات الرنانة والجهاد بالخطابات العنترية والعداء للغرب في العلن وتبادل الانخاب معه في السر..

 

لم يعد هناك سر الآن بعد ويكيليكس, والفيس بوك وتويتر, وصراع المصالح, ويقظة الشعوب وانفجارها جراء استمرار الكبت والظلم والفقر لعقود طويلة..هل كان من الممكن أن يصدق أحد قبل 10 سنوات أن يخرج بشار الأسد نجل حافظ الأسد الذي أباد بلدة حماه بكاملها وحكم بالإعدام على كل من ينتمي لجماعة الإخوان, ويعترف بعد مظاهرات دامية بشرعية مطالب المحتجين ويشيد بشجاعتهم ويقوم ببعض التنازلات حتى لوكانت هامشية ؟! في زمن آخر غير هذا الذي نحن فيه كان الأسد قد دفن المحتجين أجمعين وعائلاتهم وكل من ينتمي لهم بصلة ولفق لهم اتهامات بالتجسس ولصفقت له وسائل الإعلام العميلة على شجاعته منقطعة النظير!... أما الآن فعلى الدكتاتور أن يضرب حينا ويناور ويداهن ويتنازل بعض الشيء ويستعين بصديق أو فنان أو لاعب ينقذه من الغرق حينا آخر,ولكن في كل الاحيان على الشعب أن يقول له وبوضوح.. "سعادة الدكتاتور وقتك انتهى عليك الرحيل".