الروايات المشينة في معرض الكتاب 2011.. حتى لا يبرد الحديد
1 جمادى الأول 1432
هند عامر

[email protected]
 
تكشف بعض التقارير أن السماح بالروايات المحرمة بدأ منذ عام 2006 , وتؤكدها تواريخ إعداد بعض خطب الجمعة التي رافقت تلك المعارض , وثبوت هذا يعني أن ردود الفعل الهادفة لإصلاح هذا الخطأ المتكرر كانت مثل الحديد تماما يوحي تعرضها للتسخين بقرب تشكيلها غير أن تركها بلا تشكيل يجعلها تبرد سريعا .

 

أتساءل أين المقالات التي تندد بالتجاوزات في معرض الكتاب الآن , بالرغم أننا بالكاد أكملنا أسبوعا منذ اختتام فعالياته ؟! هذا البرود في التعاطي هو الذي جعل الأمر يستمر على مدى خمسة أعوام.
هذه الحقيقة تجعلنا ننتقل منها إلى حقيقة أخرى لا تقل أهمية عنها حيث سطرت وزارة الإعلام تحت تبويب (معلومات عن المعرض وتاريخه) في الموقع الرسمي لمعرض الكتاب العبارة التالية :

 

(تحرص وزارة الثقافة والإعلام أن يظهر المعرض في كل عام بشكل مميز ويرضي جميع الأطراف بمختلف توجهاتها الفكرية والثقافية ).
والحقيقة التي نطرحها في هذا المقال تقول: ( أن وزارة الإعلام اكتفت بجعل هذه العبارة الرنانة  شعارا لا مبدأ .. وهناك فرق )، حيث ما هو معلوم أن المبادئ السامية إذا لم تطبق تحولت إلى شعارات جوفاء تتجه أينما كانت المصلحة (الخاصة) ..  أقول الخاصة وليست العامة.

 

وتحول هذا المبدأ إلى شعار أجوف في معرض الكتاب , و ليكن المعرض المقام بالرياض لهذا العام 2011 أنموذجا ,كان سمة ظاهرة وانعكس أثره على فرض أطروحات إحدى التوجهات الفكرية في كل من المناشط المقامة على هامشه إلى جانب المعرض نفسه والسياسة التي اتبعتها (لجنة المطبوعات ) في ترشيح الكتب، حيث تجد التناقض الظاهر بين ما صرح به  د.عبد العزيز العقيل مدير معرض الرياض الدولي للكتاب في صحيفة الجزيرة بتاريخ 2/4/1432 قائلا: ( المعرض يخلو تماماً من كل ما يعارض الثوابت الدينية والسياسية والتاريخية ) من جهة، وبين النتائج التي يظهرها محرك البحث عن الكتب في موقع المعرض الذي تم إدراجها من قبل دور النشر من جهة أخرى، حيث ترجح النتائج صحة قول الشهود الذي قالوا برؤيتهم لتلك الكتب المخالفة بل وتلك القوائم التي ينشرها بعض من اشتراها متباهيا !! مما يحيل نتائج البحث لتكون دليلا موثقا لتلك الأقوال التي لم يسندها دليل.

 

ويلحظ أن دور النشر المشاركة والتي بلغ عددها 700 دار نشر بحسب تصريح (العقيل) في جريدة الجزيرة بتاريخ 16/3/1432 لم تكن تتورع عن إدراج عناوين الروايات الموغلة في الإباحية في الموقع والمعرض أيضا , إلى جانب وجود كتب تعج بالمخالفات العقدية وصولا إلى الإلحاد , بل حتى السياسة لم تسلم - كما توهم البعض -
ولو وضعنا افتراضية موغلة في المثالية تقول أن كل دار ستطرح كتابين فقط مخالفة للشريعة  و استثنينا 20 دار كونها  دورا محافظة على الثوابت الشرعية فهذا يعني أننا نقف أمام 1360 كتاب يتحدى الله ورسوله أولا ويتحدى المادة الثالثة والعشرون من نظام الحكم ثانيا ..
هذا اعتمادا على فريضة مغرقة في المثالية ولا أود أن أزيد مساحة الخذلان الممتد إذا ما طرحنا فرضية أخرى أكثر واقعية تقضي بــ10 كتب في كل دار نشر  وأترك لكم حساب تلك النتيجة المؤلمة !!

 

وفي هذه المعطيات ثمة مؤشرات :
أولها .. أن وزارة الإعلام لم توجه أي خطاب إلى دور النشر بخصوص نوعية الكتب المطروحة، وفي حال ثبت هذا فإن فيه  تحدٍ وتجاهل صارخ للمادة الثالثة والعشرين من نظام الحكم ! وهو ما حاول أن ينفيه وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية المُكلَّف، الدكتور عبد الله الجاسر في تصريحه المنشور في جريدة الرياض يوم الجمعة 6 /4/ 1432 باعتبار "كون جميع الوزراء ينفذون سياسة واحدة تتمثل في سياسة الدولة أيدها الله بنصره وتوفيقه" ـ بحسب نص كلامه ـ ولا أدري عن أي تنفيذ يتحدث الرجل.

أما الثاني : هو أن لائحة المخالفات  التي يوردها الموقع هي لائحة برتوكولية لا أكثر حيث برغم وجود بند ينص على أن (عرض أو بيع الكتب والمواد الثقافية غير المجازة من وزارة الثقافة والإعلام ) إلا أن قاعدة البحث في المعرض تضم آلاف الكتب غير المجازة !!

وأخيرا الثالث : أن تشكيل (لجنة المطبوعات ) المعلن عنها هو تشكيل شرفي لا أكثر و أن اللجنة تشاغلت بتقديم التسهيلات للمشاركين عن هدفها الرئيس وهو توجيههم !!
 
وإحقاقا للحق وحتى لا تكون التهم جزافا .. وحيث إني قد اعتدت أن أستبين الصورة كاملة عن المسائل المطروحة لأصدر حكمي الشخصي عليها من منطلق أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره), وحيث إني أيضا اعتدت على تمحيص ما يصلني وعدم قبول قول القائل دون مستند أو دليل؛ فإنني عمدت إلى تجاهل تلك القوائم التي أصدرها محتسبين لتجاوزات معرض الكتاب بالرغم من ثبوت وجود تلك الكتب في قاعدة بيانات المعرض الرسمية وبدأت بإجراء بحث موسع عن الروايات الإباحية التي يكشف عنها محرك البحث عن الكتب في الموقع  الرسمي وكان ذلك في ليلة الأحد 8/4/1432هـ  ولم أستطع إكمال ما بدأت  حيث تم تعطيل محرك البحث فجر نفس اليوم !! تحت مبرر (عذراً ، خاصية البحث فعالة أثناء فترة إقامة المعرض الرسمية فقط. ) بالرغم أن الفعاليات الثقافية للمعرض انتهت قبل ذلك بيومين !!

 

وما ينبغي ذكره وتوضيحه أن محتوى رواية واحدة من تلك الروايات التي عثرتُ عليها
كاف لإقالة اللجنة الثقافية بأكملها , لأن السماح بأمثال هذه الروايات جاء إما قناعة بالمحتوى أو تقصيرا في المراقبة , وكلا الاحتمالين لا يغتفر  في بلد ينص نظامها على أنها (تحمي عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.)

 

ووالله إن قلمي ليعف عن سرد تلك التفاصيل المشينة حتى إني كنت أعف بصري فلا أقرأ تلك الروايات كاملة وإنما أكتفي بقراءة بعض القراءات النقدية ومطابقة النصوص التي تستشهد بها تلك القراءات على النصوص الأصلية للكتاب، وما ذاك شأني وحدي مع تلك الروايات التي يدافع عنها بعض من لا لب له , وإنما هو شأن كل عين قرأت كتاب الله يوما..
وحسبك أن الاندهاش من ذلك الكم الاباحي في السرد يأتي بقلم نقاد اعتادوا على مثل ذلك..
 وسأورد هنا نماذج لبعض الروايات التي كشف عنها محرك البحث في الموقع  تحت تصنيف (إبداع) و (رواية ) لنستحضر سويا ما أستثار (الغضب الشعبي) لهذه الأطروحات التي تتحدى القيم الأخلاقية السامية  التي بعث نبينا محمد لإتمامها حينا بل وتتحدى إلهنا وتقدح في نبينا تارة أخرى فإليكم ما وجدت :

 

الرواية الأولى :
"البطل" فيها ( مسلم منحرف) وتبرر انحرافه بحرمانه من والدته و"البطلة" (فتاة نصرانية) ترتبط مع "البطل" بعلاقة محرمة , حيث امتنعت عن تكوين أي علاقة مع جميع الرجال ولكنها لم تمتنع حينما تعرفت على "البطل" ,حيث  يحاول المؤلف بطريقة سيئة أن يجعل الفتاة (تجسيدا للنصرانية السمحة) المستعدة للتحاور مع الفتى المنحل أخلاقيا (الإسلام بحسب الرواية )،  وتعج الرواية بتجاوزات عقدية في قالب تجاوزات أخلاقي لتكون ظلمات فوق ظلمات .

 

الرواية الثانية:
تتحدث الرواية عن شاب مغربي يهاجر إلى إحدى الدول الغربية  باحثا عن الاستقرار إلا أنه يجد نفسه قد انغمس في المجون وتركز الرواية على جيران "البطل" الذين لا هم لهم سوى الشرب والرقص وتذكر صراحة جارته (التي تمتهن القوادة) وابنتها التي ترتبط مع البطل بعلاقة محرمة !!

 

الرواية الثالثة :
هي رواية لمؤلف مصري,يستخدم فيها المؤلف أحد "أبطال" القصة للحديث عن أهمية تناول الجنس أدبيًا، ويسخر من النقاد الذين يمتعضون منه ويجسد المؤلف رؤيته تلك في نفس الرواية حيث تعج الرواية بالسرد اللاأخلاقي  حيث يحاول المؤلف التأكيد على أن هذا (الحال المنحرف) للحياة هو حال حقيقي معبر عن الحياة الطبيعية .

 

الرواية الرابعة:
تساوي بين "الأديان" تماما وتضع فرضيات ترى أن في كل دين خيط يجب ربطه ببقية الأديان لننتقل إلى العالم الآخر – عالم الروح –

 

الرواية الخامسة:
هذه الرواية موغلة في الإباحية لدرجة أن أحد من كتب قراءة نقدية لها قال أن أقارب وأصدقاء الكاتب تجاوزوا المفاجأة إلى حد الصدمة والاندهاش , حيث أنهم يعرفون مدى حشمة صديقهم وعفته ولا يستطيعون أن يبرروا تلك اللغة الإباحية التي عجت بها الرواية .
 
هذا فقط نتاج بحث ثلاث ساعات حرصت فيها أن أراعي الأمانة وأمحص وأدقق قبل أن تغلق الوزارة باحث الكتب في الموقع والذي استعان به – أي الباحث - بعض الباحثين لجرد الكتب المخالفة للعقيدة، فكيف لو أتاحت لنا الفرصة إتمام البحث , حيث كنت أعتزم تحليل مائة رواية..
 

 

ما فائدة هذه الروايات وما هو البعد الثقافي الذي يتحصل عليه عقل القارئ من هذا الانحدار الذوقي؟
كيف يصرح العقيل بملء فيه بعدم  وجود التوراة والإنجيل بينما من اشتراها لا يزال يحتفظ بالنسخ معه بالرغم من أنه لا يوجد دار نشر واحده مصرح لها في هذه البلاد ببيعها؟
بل كيف يصرح الجاسر بتقيد الوزارة بتقيد وزارة الإعلام بسياسة الدولة .. والمخالفة يكفي إحضار طفل لاكتشافها ؟
بل وأعظم من هذا وأكبر ما نقلته وكالة واس عن معالي وزير الإعلام  د.خوجة :
(أكد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة " إن وزارة الثقافة والإعلام لم تمارس أي إقصاء بحق أياً من فئات أو مفكري الوطن على مختلف توجهاتهم من خلال البرنامج الثقافي لفعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2011م ) !!
 

 

أختم:
 بـــ (دعوة)  :
لمن يملك إصلاح تجاوزات المعرض .. أن (لا يبرد)
و(نداء )
لكل مسؤول .. أن يكف عن التصريحات المعلبة , وأن ينزل إلى الميدان .
و( طلب ):
لوزاتنا الحبيبة أن تكون لنا سندا لا ضدا في تثقيف هذه الأجيال ثقافة طاهرة مثمرة و أن عن سياسة التخدير التي تتبعها منذ خمس سنوات , حيث أن التظاهر بعدم العلم بالتجاوزات هو تبرير سنوي متكرر لن يجدي العام القادم .