عزمي بشارة و احتجاجات سورية
28 ربيع الثاني 1432
أحمد عبد العزيز القايدي

في لقاء له مع الجزيرة مباشر عن الاحتجاجات العربية تحدث عزمي بشارة في جزء من اللقاء عن الوضع في سورية واختلافه عن الانتفاضات الأخرى في العالم العربي ومما قال (أنا أُفضل أن يتم التحول إلى الديمقراطية بالضغط الاجتماعي المؤدي إلى الإصلاح .... الإطاحة بالرئيس ليست مطروحة إطلاقا) وقال أيضا (في سورية المطلوب هو الإصلاح هي إحدى الدول الأمر يجب أن يتم بالإصلاح)، وأيضا انشغل في كل الدول بتحليل ودعم الثورات ولكن في سورية انشغل بتقديم نصائح إصلاحية للنظام بل إنه امتدحه أحيانا، وفي لقائه بشكل عام سماها ثورة في مصر وتونس واليمن وليبيا ولكن في سورية كان يتحاشى ذلك، في مواطن متفرقة يشير بشارة بشكل غير مباشر بأن رحيل النظام سيأتي بتفتيت سورية وأن هناك أنظمة خارجية تتمنى رحيله كل هذه الفزاعات استخدمها الرؤساء العرب عندما قامت عليهم شعوبهم.

 

كان الشعار في كل الانتفاضات العربية (إسقاط الرئيس) لكن عند بشارة سورية لا إسقاط للرئيس وإنما إصلاح النظام, هذا الكلام لو قيل في مصر أو ليبيا لعده المنتفضون خيانة لهم ولدمائهم، إذن لماذا في سورية يختلف الموقف هل لأن عزمي يستمد رمزيته الفكرية من النظام في سورية، أو لأنه متحالف مع النظام كما ذكر في حديثه، إن المفكر الرمز هو ذاك الذي يقطع فكرته عن كل ارتباط سوى الارتباط بمصلحة أمته وإن أذهب ذلك اسمه بين الناس، أو تحالفاته مع قتلة ومجرمين.

 

تحدث في أغلب أجزاء اللقاء عن مظاهر الفساد ورؤيته الإصلاحية، ولكن بشكل غير متوازن ذكر قليلا من الفساد السياسي والأمني وكثيرا من الفساد الاقتصادي والإداري، تحدث عن مخالفات السير وتسجيل الأراضي وحق السفر والعلاج و البنى التحتية و الرشاوى و المحسوبية و رأس المال الجشع وحرية التعبير وقمع المثقفين وغيرها من مطالب خدمية ومادية وإعلامية، وهذا جزء منه كان موجودا في مصر –الإعلام والثقافة- ومع هذا طالب الناس بإسقاط الرئيس، والفساد المالي فعلوه في الخليج والخدمات أفضل فيه من سورية ومع هذا لعن الناس الخليجيين وشعوبهم التي قبلت برشاوى الحكام لها، فلماذا يختلف الحل بسورية؟!!

 

يبرر عزمي موقفه بأن سورية وقفت مع المقاومة، وهو منطق عجيب التزام النظام بالمقاومة يجعل بقاءه مهم، وقمعه وإذلاله لشعبه سنوات طويلة ينسى إذا قام بالإصلاحات، ثم هذا العراق مقاومته لديها معتقلين في السجون السورية، وفي فلسطين النظام يأخذ منها أكثر مما يعطيها والمقاومة قيمة عليا؛ يعتبر التكسب منها أو التلويح بها خيانة، وفي لبنان أي مقاومة هذه التي تقاوم شهر وتتعطل سنوات وهي تملك كثيرا من أسباب القوة، ويحارب كل من يحاول تجاوزها في جهاد اليهود، وهناك تعطيل هضبة الجولان وقبله بيعها لليهود، ثم إذا ذهب النظام هل يعني هذا ذهاب المقاومة ؟!! هل يعقل بأن الشعب السوري سيتخلى عن فلسطين ومقاومتها، وهو الذي ذاق الويلات بسبب نصرته لها منذ أن بدأت قضيتها، هل سيتنكر لها اليوم ويتحول كله إلى خائن وعميل؟؟!!! ، وربط المحافظة على المقاومة بالرئيس وحده تخوين للشعب في عدم محافظته عليها عند ذهاب الرئيس ونظامه الفاسد.

 

ومن مبرراته أنها رغبة الناس فهم لا يريدون إسقاط النظام وإنما يريدون إصلاحه، فلم نسمع مطالب بإسقاطه، ماذا يفسر عزمي إسقاط تمثال حافظ الأسد في درعا وتقطيع صور بشار وإزالتها من البنايات في حمص واللاذقية، وبماذا يفسر الهتافات (الله..سورية..حرية..وبس) شعار التقط النظام دلالته فأشاع بين أعوانه شعار مشابه يستبدل (بشار) بـ(حرية)، التحرك في سورية هو تأثر بنتائج الانتفاضات في بلدان عربية مجاورة أسقطت زعماءها، ومحاولة تحريف مطالبها في سورية خدمة للنظام، ثم لو لم يقل السوريون ذلك ألا يفترض به وهو المفكر العربي أن يوجه الناس لقولها كما ساعد قناة الجزيرة في تثبيت الناس عليها في بلدان عربية أخرى.

 

انتقد عزمي تغطية قناة بي بي سي للأحداث في سورية ووصفها بأنها (تبث دعاية طائفية) القناة البريطانية تبث دعاية طائفية !!! يا للعجب، في المقابل أشاد عزمي ببعض وسائل الأعلام العربية بأنها خففت من التغطية في سورية شعورا منها بالمسئولية وخطورة الموقف في المشرق العربي وإمكانية تفتته، وذكر بأنها (مش مسئولة عن كل واحد شو بيقول جملة) وإن كانت جملته( أريد حريتي ) .. (إني أقتل في درعا).. (وابنتي اختطفت من الشارع).. و(طفلي القاصر يعذب في السجن).

 

قارن بشارة بين ضمانات الإصلاح في سورية ومصر حددها في مصر بروح الانتفاضة لدى الشعب المصري وكبرياء الانتفاضة، بينما في سورية (إلي بدو يضمن الإصلاحات هو صدق النظام عندما يطرح الإصلاحات وليس تجاوز الأزمة) كذا صدق النظام!!!
مما قاله عزمي (الشعب السوري أعطاك 11 سنة وإن شاء الله يعطيك أكثر لو صار إصلاح جدي) حسني اقترح تنحيه خلال أشهر، وصالح خلال أيام ورفض المنتفضين ذلك، ويفترض بشارة بأن الشعب السوري سيقبل ببقاء بشار لسنوات فقط للإصلاح وسينسى الناس دمائهم في درعا، واختطاف النساء من الشارع، وتعذيب الأطفال، ومجزرة سجن صيدنايا، قليل من الاحترام لمشاعر الناس!!، ثم أين ذهبت الديمقراطية، وتداول السلطة .. وكل القائمة التي يستعملها بشارة في وعظه لبقية الثورات، وللشباب الطامح للتغيير الذي يتخذ منه قدوة في الحرية والديمقراطية ؟!

 

يعد عزمي بشارة من أكثر المفكرين القوميين قبولا لدى بعض الحركات الإسلامية فالرجل تجاوز الحواجز والثارات بين الطرفين، وأصبح ملهما لكثير من الإسلاميين الإصلاحيين ومرجعا في نوازل الأمة يستنيرون برأيه، وقد انسحب موقف بشارة و الجزيرة قبله على رؤية بعض الإسلاميين ووافقوا الرجل في خذلان الانتفاضة السورية والسعي في إجهاضها، وجزء من هذا راجع لحالة ترميز بشارة في الأوساط الإسلامية وكأن الإسلاميين عاجزون أن يجدوا بينهم محللين ومفكرين أعمق وأوثق ارتباطا بمصالح الأمة من عزمي.

 

عندما منع العلماء المظاهرات في السعودية مع قناعتهم التامة بشرعية النظام و لا يقبض قوم منهم أموالاً في ذلك بل يراه ديناً مع إيمانه بمظالم الناس ومشكلات أخرى على الدولة حلها بالإصلاح وصفهم الديمقراطيون السعوديون الجدد بأبشع الأوصاف والأقوال، وعندما امتنع بعض الدعاة في مصر عن التظاهر مع تأييدهم لكثير من مطالب المتظاهرين ومشاركتهم في حفظ الأمن في الشارع لعنهم الناس، لكن عندما يعتذر بشارة للنظام في سورية ويصفه بالصديق ويلتف على مطالب المحتجين ويسعى لتحريفها يُتلطف له في القول ويلتمس له العذر، وفي أسوأ الحالات يعتبرونها كوبة جواد، وخطأ بسيط، هذا الخلل المنهجي في التفكير لم يعد يشعر به أصحابنا من الإصلاحيين، فقد تناسوا العقيدة والمنهج وجعلوا الحرية – هكذا بالإطلاق – مركزا للاجتماع ومحورا للالتقاء الفكري.
يقول عزمي بشارة : (لم امتدح القذافي ... ولكن سورية أنا أعرفها وأنا صديق مازلت ...)

 

نقلاً عن مركز التأصيل للدراسات والبحوث