الجمل يحاور نفسه في الحوار الهزلي
28 ربيع الثاني 1432
أمير سعيد

إطلالة على معظم الشخصيات المدعوة للحوار الهزلي الذي يديره نائب رئيس الوزراء د.يحيى الجمل تختصر الجهد الذهني الذي يمكن أن يبذله أي مراقب لتوقع ما سوف تسفر عنه جولات الحوار التي وعد رئيسه بأن تكون مطولة ومستمرة، فنتيجته باتت معروفة كحلقة أخرى من حلقات الالتفاف التي كتبت عنها منذ أن بدأ المستورثون يمتطون ظهر الثورة المصرية ويجيرونها باتجاه سلطوي متغرب يقفز على إرادة الجماهير في الاحتكام إلى الصناديق والتي تتفق مع إرادة المجلس العسكري الحاكم حتى الآن، الذي أثبت هو من خلال إعلانه الدستوري أنه أكثر ليبرالية وتماهياً مع الإرادة الوطنية المصرية التي جسدها ميدان التحرير الذي التأمت فيه رؤى معظم القوى المؤثرة الحقيقية خلف هدف يحترم الإرادة الجماهيرية ولا يقفز على خياراتها عبر سلسلة من التهويمات الارتجاعية نحو حكم الأقلية النخبوية الجامحة في سياق لا يتفق وإرادة وقيم وحضارة هذا الشعب الأصيل، وتنحو به نحو التسليم لإرادة تحدث عنها رامسفيلد وجيتس صراحة قبل أيام، وتزخر بالدعوة إليها صحف عبرية عديدة خلال الأيام الماضية.

 

لقد بدأ الحوار جلساته بغياب من أحزاب معروفة وأسماء لامعة، وقوى وحركات ظل الإعلام الشللي يقصفها بوابل افتراءاته زاعماً أنها تمثل تيارات عريضة في الشعب المصري، كالسلفيين مثلاً، لكن صاحب دعوة "الفرح" لا يستريح لوجود عقولها "العفنة" و"المظلمة" على مائدة الحوار فأقصاها، واختار بدلاً منها وجوها كان يفترض أن تجلس على المقاعد الخلفية لمراقبة المشهد لا التأثير فيه.

 

تاجر كبير له استثماراته الواسعة وقنواته الكبرى في مصر تمت دعوته لأنه ثري ولأسباب أخرى! حضور لممثل ديني للأقلية لا يناظره آخرون للغالبية ولا لمؤسستهم الدينية الجامعة (يفترض أن تكون النسبة لو جرى تطييف الحوار مثلاً هكذا أن تكون 19:1)، كبير باحثين في مؤسسة بحثية أمريكية هدفها تقديم مشروعات أمريكية للمنطقة، كان ينبغي له أن يحضر كمراقب لإعداد تقريره لمؤسسته لتقوم بدورها برفعها مع توصيات ما للإدارة الأمريكية لتبني سياستها حيالنا بما تمليه عليه مصالحها، والمنطقي أن يقدم ورقته لمؤسسته الأمريكية ويجلس ليراقب الوضع كباحث لا كموجه لموجات الحوار، حزمة من القوى والأحزاب الكرتونية المجهرية التي تحتاج للتكبير ألف مرة لكي تراها العين المصرية المجردة، كانت تجلس منتفخة على كراسي الحوار المسرحي، مذيع تليفزيوني ترك قناته الأولى بسبب "إسلاميتها"، واختار أخرى متهمة بأنها المعبر الأول عن الـC.I.A في العالم العربي، مجموعة من الأسماء المنتخبة من قبل سوزان مبارك وفاروق حسني وغيرهم في السابق حلت على المائدة التي افترشها هؤلاء ليؤسسوا لنا "عقداً اجتماعياً" غير دستوري ولا شرعي ينسف كل الإجراءات التي يقوم بها المجلس العسكري، والقنوات الديمقراطية الحرة التي وافق على تضمينها في بياناته والإعلان الدستوري الجديد.

 

وإذا كان البرادعي وأيمن نور وحمدين صباحي وأحزاب الوفد والناصري وغيرها لم يحضروا لحد الآن، ولم توجه الدعوة لمجموعات التيار السلفي المختلفة، وغاب العديد من الشخصيات الرمزية الشبابية التي دعت للثورة، وإذا كان حتى الدبلوماسي المحنك عمرو موسى نفسه وجد أن الحوار غير مطمئن رغم أنه أحد المستفيدين من الشو الإعلامي الذي يوفره له هو الآخر؛ فلماذا إذن أقيم هذا الحوار؟! وإذا كان الأمر كذلك من السخافة والإقصائية وتجاوز الصلاحيات والهدف المبطن غير المعلن للحوار فما الذي يدعو القوى الإسلامية الأخرى والوطنية أن تظل تضفي شيئاً من المشروعية على هذا الهذيان في الحوار الهزلي، لاسيما أنه ليست هناك آلية واضحة للخلوص إلى التوصيات الأخيرة التي بدا الجمل وكأنه يستبقها إن باختيار الشخصيات أو من خلال كلمته "الاستباقية"؟! وفي ظني أنه من الواجب على ممثلي الإخوان والوسط والرئيس المحتمل لمصر، المستشار هشام البسطويسي أن يبادروا فوراً إلى الانسحاب من هذا الحوار المشين، ومباشرة تأسيس دعوة ـ هم أولى الناس بالنهوض بها ـ إلى إجراء حوار وطني للمستبعدين من الحوار الهزلي، بغرض إفشاله، وإلا، فلسنا في حاجة إلى حوار خارج قبة البرلمان الآن ريثما يستبين الحجم الحقيقي للقوى السياسية وتتمثل بالشكل اللائق لها، بدلاً من اجترار حوارات مبارك وصفوت الشريف السابقة التي كانت عاراً دوماً على المشاركين فيها، وانتهت بالأخير إلى النزول إلى الميادين بالملايين رفضاً لهذه الأحابيل وكنساً للمشاركين في تنفيذها

[email protected]

 

نقلاً عن صحيفة المصريون