جريان الشمس والقمر وسكون الأرض بطريقة ابن القيم (2-2)
23 ربيع الثاني 1432
خالد بن صالح الغيص

والآن نأتي إلى مناقشة استدلالهم الثاني - آيات توليد الليل والنهار بالإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ والسبح -

قالوا: ومن تلك الإشارات القرآنية ما يتحدث عن جري الأرض في مدارها حول الشمس، ومنها ما يتحدث عن دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، وقد استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلى تلك الحركات الأرضية بالوصف الدقيق لسبح كل من الليل والنهار واختلافهما وتقلبهما، وإغشاء كل منهما الآخر، وإيلاج كل منهما في الآخر، وسلخ النهار من الليل، ومرور الجبال مر السحاب كما يتضح من الآيات القرآنية...، ثم ذكروا تلك الآيات والتي منها قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33). ثم قالوا بعد ذلك: مما تقدم يتضح أن النتائج المستنبطة من آيات توليد الليل والنهار بالإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ نتائج علمية هامة، ولكنها صعبة الفهم على ذهن من لم يكن ملماً بعلم الطبيعة والفلك إلماماً كافياً، وكما أنها نتائج لم يصل إليها علماء التفسير من قبل لتمسكهم بالمعنى الزمني لليل والنهار، وكان لهم في ذلك عذر واضح..... إلى آخر قولهم.

 

قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله فهم لم يقفوا عند حد التأويل والتحريف بل تعدوا ذلك إلى الطعن في سلفنا الصالح، فهم إذ لم يجدوا من علماء السلف المعتبرين من يوافقهم إلى ما ذهبوا إليه طعنوا فيهم ولمزوهم وتنقصوهم بل وأكدوا هذا الطعن في نهاية البحث حيث قالوا: والقرآن لا ينكر صعوبة القضية، بل يصرح بها في آيات مختلفة بقوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لإولِي الألْبَابِ (190) آل عمران، وألو الألباب، أي: أصحاب العقول المتعلمة المتخصصة (قلت: يقصدون أنفسهم)، وقوله تعالى مشيراً إلى دوران الأرض حول نفسها: وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) الفجر، والحجر معناه: العقل المفكر." وقالوا أيضاً بعد ذلك: لقد أخطأ المفسرون القدامى عندما اعتبروا هذه الآية إشارة إلى نسف الجبال نسفاً يوم القيامة، وهم معذورون في ذلك، لأنهم لم يكونوا على معرفة بأن للأرض حركة ما، لا يومية ولا سنوية، ومن ثم فليس صحيحاً أن يحتج الطاعن بكلام المفسرين في ذلك الوقت الذي لم يكن لديهم فيه علم بهذه الحقيقة الكونية، وهم في النهاية بشر يؤخذ من كلامهم ويرد ". انتهى (نقلاً بالنص من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة)،

 

وهذا فيه جناية عظيمة وطعن في سلفنا الصالح الذين أمرنا الله تعالى بعدم الخروج عن طريقتهم أو رأيهم أو فهمهم كما قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) النساء، وقال: وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة، وفيه جرأة عظيمة على تخطئة أمة بأكملها إلى أن خرج علينا الألوسي بقوله، مع أن القول بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس قد كان موجوداً قديماً ويقول به طائفة من الفلكيين كما نقلتُ قول ابن حجر في مقالي "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض " الجزء الثاني حيث قال رحمه الله: وَظَاهِره مُغَايِر لِقَوْلِ أَهْل الْهَيْئَة أَنَّ الشَّمْس مُرَصَّعَة فِي الْفَلَك، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي يَسِير هُوَ الْفَلَك وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسِير وَتَجْرِي. انتهى (نقلاً من الفتح بَاب صِفَة الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانِ). فهذا القول كان موجوداً ومع هذا لم يعبأ به أحد من علماء السلف لمخالفته لصريح القرآن، وقد حاربته الكنيسة - كما ذكروا في موقعهم – لمخالفته للكتب المقدسة لديهم – التوراة والإنجيل – فالقول بأن سلفنا لم يكن لديهم فيه علم بهذه الحقيقة الكونية فيه مغالطات وتجني عليهم، وهم وإن عذروهم ولكن هذه جناية كبيرة لابد أن يتراجعوا عنها ولا يكونوا كحال السابقين من أهل التأويل والتحريف الذين يقولون: إِنَّ طريقة السّلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا تنقّص للسّلف، وطعن في علمهم وإيمانهم، وتناقض ظاهر، إذ مقتضى السّلامة العلم والحكمة!! كل ذلك ليوفقوا بين الآيات والنظريات الحديثة في ظنهم، وحتى لا يطعن – بزعمهم - أهل الإلحاد بالقرآن لأنه يثبت دوران الشمس حول الأرض، وكأن أهل الإلحاد إذا اتبعناهم في قولهم هذا سيرضون عنّا، بل لن يرضوا عنّا حتى نتبع ملتهم ونلحد في آيات الله، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) البقرة، فلنصدع بكلمة الحق ولا نخاف في الله لومة لائم ولا يضرنا بعد ذلك من وافقنا أو من خالفنا.

 

واستدلالهم هذا يدل على العجب!! وأنهم يتعلقون بمثل خيط العنكبوت، ومثلهم كمثل رجل اتهم رجلاً بسرقة ماله، وعندما طلب منه القاضي دليلاً على السرقة، قال: الدليل هو أن السمك يسبح في الماء!! فكما أنه لا علاقة بين سبح السمك في الماء وبين سرقة الرجل، فكذلك لا علاقة بين آيات توليد الليل والنهار بالإغشاء والتكوير والإيلاج والسلخ والسبح وبين دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، وأتوا بكلام كثير وتصاوير ورسومات لا فائدة منها سوى موافقة الفلكيين المعاصرين والتدليس على الناس، وقولهم هذا يدل على أنهم يلوون أعناق الآيات لتوافق قولهم ومذهبهم، بل ويؤولونها ويحرفون الكلم عن موضعه ويتبعون المتشابه من نصوص الآيات، ولديهم مقررات سابقة، وأحكام مبيَّتة، يريدون تبريرها وإقناع الناس بها، بل ويقتطعون من الآية ما يناسبهم من كلماتها ويغفلون عن بقيتها ليتم لهم الاستدلال – زعموا – فإذا كان بعض السابقين من أهل التأويل والتحريف يقتطعون الآية عن مثيلتها أو عن نسق الآيات، فهؤلاء قد اقتطعوا من نفس الآية ما يناسبهم ويغفلون عن بقيتها، فمثلاً: استدلوا بآيات إغشاء الليل النهار فقالوا: ويقول تعالى: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (54) الأعراف، وهذه الآية جاءت لتصف تعاقب الليل والنهار عقب تمام خلق السماوات والأرض، حيث جعل الله ظلمة الليل تطلب مكان النهار، وضياء النهار يطلب مكان الليل على الأرض وهذا لا يحدث إلا بدورانها سريعاً حول محورها، بحيث يتعاقب الليل والنهار، بدليل العبارة القرآنية (يطلبه حثيثاً)، وبذلك لا يبقى مكان على الأرض دائم الليل أو دائم النهار. انتهى نقلاً من موقعهم. قلت: نص الآية التي يستدلون بها هو قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف، فهم قد اقتطعوا من الآية ما يريدون وحمّلوها المعنى الذي ويَهوون!! فمن أين لهم من الآية التفصيل السابق الذي ذكروه في طريقة إغشاء الليل النهار أشهدوا خلق ذلك، فالله تعالى قادر على أن يخلق إغشاء الليل النهار بغير التفصيل الذي ذكروه، أم أن التفصيل الذي ذكروه هو نفس كلام النظرية الفلكية التي نحن وإياهم في خلاف عليها، وإذا أرادوا أن يحتجّوا علينا بآيات من القرآن فعليهم أن يأتوا من نص القرآن على المعنى والتفصيل الذي يحتجون به علينا، لا أن يأتوا بنص متشابه من القرآن فيحملونه على المعنى الذي يوافق نظريتهم وهواهم ويلزموننا به، بل عليهم أن يحملوا النص القرآني المتشابه على معنى النصوص القرآنية المحكمة الأخرى كما ذكرت في أول هذا الرد، وآيات القرآن الدّالة على دوران الشمس حول الأرض والذي به يحصل تعاقب الليل والنهار كثيرة ومحكمة، كما استدللت بآية البقرة المذكورة في أول هذا الرد ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى مقالي "جريان الشمس والقمر وسكون الأرض" الجزء الأول وهو الأدلة من القرآن، ثم أن نسق الآية دليل لنا عليهم، فإن الله تعالى ذكر الشمس مع القمر والنجوم وهذه باتفاق الناس أنها سيارة (النجوم منها سيار ومنها ثابت)، وذكر الأرض مع السماوات وهي باتفاق الناس ثابتة وهكذا في جميع آيات القرآن (راجع إن أردت التفصيل مقالي " جريان الشمس والقمر وسكون الأرض " الجزء الأول وهو الأدلة من القرآن) وكذلك نجد أن نص الآية يصف الشمس بأنها مسخرة ولا يصف به الأرض فدلت الآية أن معنى التسخير المراد ليس هو المعنى العام بل هو معنى خاص بالشمس لا توصف به الأرض – وهذا بنص الآية من غير حاجة إلى إشارات ضمنية كما في استدلالاتهم - فهم قد اقتطعوا من الآية ما يريدونه ويناسب قولهم وغفلوا عن الباقي والذي قد يكون فيه دليل عليهم كما ذكرت.

 

وكذلك يقتطعون الآية عن النسق العام للآيات كما في استدلالهم بآية سورة الأنبياء: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) فقالوا:
يقول الله سبحانه وتعالى في وصف حركات كل من الأرض والشمس والقمر: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)، وقال: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس. فالليل والنهار ظرفا زمان لا بد لهما من مكان، والمكان الذي يظهران فيه هو الأرض، ولولا كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس لما ظهر ليل ولا نهار، ولا تبادل كل منهما نصفا سطح الأرض، والدليل على ذلك أن الآيات في هذا المعنى تأتي دوما في صيغة الجمع (كل في فلك يسبحون)، ولو كان المقصود سبح كل من الشمس والقمر فحسب، لجاء التعبير بالتثنية (يسبحان). كما أن السبح لا يكون إلا في الأجسام المادية التي أقل منها، والسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم بحركة ذاتية فيه من مثل حركات كل من الأرض والشمس والقمر في جري كل منهما في مداره المحدد له، فسبح كل من الليل والنهار في هاتين الآيتين إشارة ضمنية رقيقة إلى جري الأرض في مدارها حول الشمس وإلى تكورها وحول محورها أمام الشمس. انتهى نقلاً من الموقع، فهم قد اقتطعوا الآية من النسق العام للآيات، فالآية جاءت في السورة هكذا: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)، فسياق الآيات يدل على أن قوله تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يعود إلى اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ولا يعود إلى الأرض ولو عاد إلى الأرض لعاد إلى السماء وهي أقرب مذكور قبل الأرض وهم لا يقولون به، فكيف يعيدون المعنى إلى الأرض وهي أبعد من السماء ويحملون الآية ما لا تحتمل، ثم نجد أن الله تعالى بعد أن قال: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) قال بعدها: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) أي أن هذه المذكورات هي آيات السماء، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى، إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادراً واحداً فيستحيل أن يكون له شريك، قوله تعالى: (وهو الذى خلق الليل والنهار) ذكرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم، (الشمس والقمر) أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في " سبحان " بيانه. (كل) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار (في فلك يسبحون) أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. انتهى.

 

قد يقول قائل منهم: النجوم والكواكب لم تذكر في الآية، فأقول له: بل ذكرت بقوله تعالى: سقفاً محفوظاً، فالسماء حفظت بالنجوم والكواكب بنص القرآن، وأما قولهم: ولو كان المقصود سبح كل من الشمس والقمر فحسب، لجاء التعبير بالتثنية (يسبحان)، قلت: بيّن القرطبي آنفاً أن "كلٌ" تعود إلى الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار، فإن أبوا تفسير وتوضيح القرطبي، فيرد عليهم الشوكاني في تفسيره لآية يس: لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) قال: التنوين في " كلٌ " عوض عن المضاف إليه: أي وكل واحد منهما. انتهى ، وإن أبوا تفسير وتوضيح الشوكاني - أيضاً – فترد عليهم آية سورة الرعد حيث يقول الله تعالى : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)  فإنه لم يأت ذكر للأرض إلا بعد ذلك ، والقرآن يفسر بعضه بعضاً – كما بيّن علماء التفسير -  فالخلاصة  : سياق الآيات يدل على أن  قوله تعالى : ( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يعود الى اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ولا يعود الى الأرض ، وأما قولهم : كما أن السبح لا يكون إلا في الأجسام المادية التي أقل منها ، والسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم بحركة ذاتية فيه ...الى آخر قولهم . قلت : فهذا على فهمهم وعلى مايريدون تحميل الآية به ، والله تعالى على كل شيء قدير ويخلق مايشاء كيف ما شاء ، فلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

 

وحتى لا يطول بنا المقام فما قيل عن آية سورة الأنبياء يقال عن آية سورة يس وبقية الآيات التي استدلوا بها في هذا القسم، وبهذا الرد يسقط استدلالهم بآيات توليد الليل والنهار، ويكون بذلك لا حجة لهم ولا استدلال بآيات القرآن كما ظنوا وزعموا على أن القرآن أثبت أو أشار إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وبه يتعاقب الليل والنهار.

 

وهم لم يكتفوا بجنايتهم على علماء السلف حتى أضافوا إليها طامة كبرى من حيث لا يشعرون وهي جنايتهم على كتاب الله بقولهم: فليس في القرآن ما يدل على ثبات الأرض كما يُدعى، ففي الوقت الذي ساد فيه اعتقاد الناس في ثبات الأرض وسكونها، تنزل القرآن بالتأكيد على حركتها، وعلى حركة باقي أجرام السماء، ولكن لما كانت تلك الحركة خفية على الإنسان، جاءت الإشارات القرآنية إليها لطيفة غير مباشرة حتى لا تصدم أهل الجزيرة العربية وقت نزول القرآن فيرفضوه لأنهم لم يكونوا أهل معرفة علمية، فلو أن الإشارات القرآنية المتعددة إلى حركات الأرض جاءت صريحة صادعة بالحقيقة الكونية في زمن ساد فيه الاعتقاد بسكون الأرض وثباتها لكذب أهل الجزيرة العربية القرآن والرسول والوحي، ومن ثَم فإن جميع الإشارات القرآنية إلى حقائق الكون التي كانت غائبة عن الناس في عصر الوحي جاءت بأسلوب غير مباشر وصيغ بصيغة بالغة الدقة حتى تبقى مهيمنة على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها.انتهى نقلاً بتصرف من الموقع.

 

قلت: جنايتهم على القرآن بقولهم:
1- فليس في القرآن ما يدل على ثبات الأرض كما يُدعى، قلت: وهذه الآيات الكثيرة والمحكمة والصريحة التي تثبت دوران الشمس حول الأرض وبه يحدث تعاقب الليل والنهار، ألا تدل على أن الحركة هي للشمس وليس للأرض في تعاقب الليل والنهار.

 

2- فلو أن الإشارات القرآنية المتعددة إلى حركات الأرض جاءت صريحة صادعة بالحقيقة.... إلى آخر كلامهم. قلت: سبحانك هذا بهتان عظيم، فقولهم هذا يُفهم منه أن القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى الناس أو يحابيهم ويداهنهم، بل أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدع بكلمة الحق ولا يخاف في الله لومة لائم كما قال تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الحجر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب فصدع بالحق وبكلمة التوحيد وكذُب من أجلها واستهزؤا به وعجبوا منها كما قال تعالى: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص، بل وصدع بالإسراء بعد ذلك عندما أسري به وكذبوه به كذلك، وما سمي أبو بكر بالصديق إلا لأنه أول من صدّق به، أفبعد كل هذا يأتي من يزعم أن القرآن خشي من تكذيب الناس له، أو أنه قصّر في بيان الحق أو أنه كان يورّي (من التورية) في تبيان الحقيقة؟!! فالقرآن لا يأتي بالمعنى وبما يخالفه أفبعد أن قال الله على لسان نبيه إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) وغيرها من آيات - وأحاديث محكمة - يأتي من يقول أن الآية تشير إلى حركة الأرض وهي المقصودة بالحركة لا الشمس؟!!! أي تلاعب بكتاب الله أعظم من هذا؟ وهذا من لوازم قولهم الباطل، ويدل على فساد قولهم، وأدعوهم إلى التوبة إلى الله، والرجوع عن هذا القول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة، ولا يأتي قائلهم فيقول الموضوع لا يحتاج كل هذا الاهتمام، فأقول: لا وألف لا، بل فيه الذبّ عن كتاب الله أن ينسب إليه مثل هذا القول، وكما قيل: ولو سكتوا لسكتنا، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فيكون قوله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب} يعني يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها بأن ذلك في الدنيا وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرَّف الكَلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم، وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين، لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل: إما من القرآن نفسه، وإما من السنة، وإما من تفسير الصحابة - رضي الله عنهم - أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». نقلاً من تفسير سورة الطور للشيخ، وقال أيضاً رحمه الله: أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولاً ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتاً أو نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناً ظاهراً لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة. انتهى من فتاوى نور على الدرب.

أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في تبيان الحق، ومن أراد الاستزادة فأنصحه بالرجوع إلى مقالاتي السابقة وإلى مقالي "رأس التأويل والتحريف يطل من جديد" وأستغفر الله وأتوب إليه.