نظام الأسد: إدمان للخداع وعبث بالوحدة الوطنية
22 ربيع الثاني 1432
د. ياسر سعد

لا كاد أتصور أن هناك نظاماً سياسياً في العالم يدمن الكذب ويمارس الاستخفاف بالعقول والاستهزاء بالمنطق وتشويه الحقائق كنظام الأسد. نظام يرفع شعارات ويعلن سياسات فيما يطبق نقيضها ويمارس ما يعاكسها تماما.
 لقد أصبحت المزايدة الرخيصة في مسألة الدعم اللفظي للمقاومة وسيلة سياسية لتغطية السياسات الخانعة والتي تقف كسيرة وذليلة أمام التجاوزات الصهيونية مثل التحليق فوق قصر بشار والصمت المطبق عن تدمير موقع الكبر، واستخدام شعار المقاومة للنيل من المعارضين وتخوينهم وقمع الحريات وتحطيم كرامة المواطن وتحويله إلى كيان خائف عاجز لا يقوى على مواجهة طاغية داخلي ولا عدو خارجي.

 

النظام الأسدي ومنذ استيلائه على الحكم استخدم القضية الفلسطينية معبرا للهيمنة على البلاد والعباد وفرض القهر والدكتاتورية ونهب المقدرات والثروات، يكمل مسلسله الهازل بدعمه الخادع لخيار المقاومة.

 

انفجرت براكين الغضب الشعبية بعد عقود من التهميش والإذلال والإفقار، وبعد أن طفح الكيل بالوعود والعهود وبعد تطاول بشار -القادم للحكم عبر تعديل دستوري هزلي على الشعب السوري- بزعمه أنه غير مؤهل للإصلاحات. التعامل الرسمي مع الأحداث كان فاضحا ومنعدم الحياء لجهة الأكاذيب والافتراءات واتي تدعو للسخرية المريرة. بدأت الرواية الرسمية لمقتل العديد من أبناء درعا الجريحة بالزعم أن هناك عناصر مندسة تجولت بلباس ضباط على مراكز الأمن طالبة من عناصرها فتح النار على المحتجين. هل يعقل أن يدخل مراكز الأمن في دولة بوليسية وأمنية بامتياز، أناس مندسون دون تدقيق ولا تمحيص؟ وهل هذه هي الطريقة التي يتلقى بها عناصر الأمن الأوامر؟ أولم يخطر على بال إحدى تلك المراكز الاتصال بوزارة الداخلية للتأكد من تلك التعليمات الخطيرة؟

 

وتستمر مسلسل الأكاذيب لتعلن بثينة شعبان ليلة الجمعة في مؤتمرها الصحفي أن بشار الأسد أعطى أوامره بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، لنشهد في اليوم التالي مجازر جديدة في الصنمين وفي غيرها. وتكررت ادعاءات رجالات النظام عن عناصر مندسة مؤامرات خارجية، وتطاول بعضهم على وسائل الإعلام متهما إياها بتشويه الحقائق على رغم من عجز المدافعين عن النظام عن الإجابة على سؤال بديهي ومنطقي، لماذا منعت السلطات السورية وسائل الإعلام من دخول درعا لتغطية مظاهرات الفرح المزعومة بقرارات الأسد الإصلاحية؟!

 

الحديث عن الأجندة الخارجية وعن التحريض من خارج الحدود، لا يشكل استهتاراً بالعقول وتقليداً لإطروحات أنظمة عربية سبقت نظام بشار بالرحيل، بل فيه إدانة للنظام بمنطقه نفسه. فهل يعقل أن الشعب السوري –الملتحم بقيادته بحسب مزاعم بشار- والذي يتلقى في المدرسة والمجتمع والإعلام توجيهات الحزب القائد، يمكن بسهولة تحريضه وإخراجه إلى الشوارع ليواجه الموت لمجرد تلقيه رسائل نصية من "إسرائيل" كما يزعم إعلام النظام الفاسد، أو تحريضه من عناصر مندسة؟؟

 

إن أخطر ما طرحته بثينة شعبان اللعب الخطير والمدمر بالورقة الطائفية معتبرة أن الأحداث الحالية "تندرج ضمن مشروع طائفي يحاك ضد سوريا، ولا علاقة له بالتظاهر السلمي والمطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري"، مضيفة "ما تأكدنا منه حتى الآن بعد أن اتضحت بعض الصور، أن هناك مشروع فتنة طائفية في سوريا". ليس غريبا أن يلعب النظام الفاسد بهذه الورقة الخطرة على الرغم من تأكيد الثوار على سلمية تظاهراتهم ووطنية مطالبهم. اللعب على الوتر الطائفي هو أسلوب ممل ومكرر للنظام في مواجهة النشطاء والحقوقيين، فمجرد أن يطالب معارض بالإصلاح يحاكم بتهمة توهين نفسية الأمة وإثارة المشاعر المذهبية أو ما شابه ذلك. بل إن تهمة إثارة الفتنة الطائفية وجهت منذ نحو عقد من الزمان للنائبين رياض سيف ومأمون الحمصي لمجرد استفسارهم عن إعطاء مناقصة تتعلق بالهواتف النقالة لرامي مخلوف في مظهر فاقع للفساد على الرغم من وجود عرض يزيد عن عرضه ببليوني دولار.

 

الحديث عن الفتنة الطائفية هي محاولة من النظام للهروب للإمام، وهي تذكرنا بكلام بن علي ومبارك والقذافي عن الإرهاب والقاعدة. وإن كان حديث نظام الأسد أخطر بكثير لأنه يسعى لإشعال فتنة وحرائق داخلية والتضحية بالوطن وسلامته من أجل استمرار حكمه الفاسد. لقد أصاب علويين ما أصاب شرائح الشعب السوري المختلفة من قمع النظام واضطهاده ولعل عارف دليله وأمثاله يشكلون رموزا وطنية بامتياز. المطلوب من الطائفة العلوية ومن رموزها المجاهرة بالمواقف الوطنية، كما فعل الثوار والمعارضون بتأكيدهم على مفهوم المواطنة والمشاركة، حتى تفوت الفرصة على النظام الفاسد بالتمترس بالطائفة وزجها في حرب مدمرة وخاسرة.