رياح التغيير تعصف بالنظام السوري
20 ربيع الثاني 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

مثل جميع اللصوص يظن الطغاة أنهم لن يقعوا أبدا وأنهم أذكى من نظرائهم؛ لذلك عندما يقع طاغية في دولة ما لا يعتبر طاغية الدولة المجاورة لأنه يظن أن الطاغية الأول لم يتمكن من إدارة الامور بشكل جيد أما هو فقادر على ذلك, وهو ما حدث عندما رحب الرئيس السوري بشار الاسد بسقوط النظام المصري وبمنتهى السذاجة والسطحية اعتبر أن القضية التي أدت إلى سقوطه هي العلاقة مع الكيان الصهيوني ولم يلتفت إلى حجم الظلم والفقر والفساد الذي عم البلد والذي كان السبب الرئيس في زوال النظام حتى  قبل العلاقة مع الكيان الصهيوني, ثم هل يظن الأسد الذي باع أبوه الجولان لـ "إسرائيل" أن شعبه يثق في عداوته الكلامية للكيان الصهيوني؟! وأنه يمكن أن يقتنع أن الأسد الصغير الذي وقف ساكنا أمام قصف دير الزور واحتلال الجولان طوال هذه السنوات الطويلة يمكن أن يكون عدوا حقيقيا للكيان الصهيوني؟!

 

هل يمكن في عصر المعلومات والإنترنت أن يصدق بشار أن الشعب السوري يصدق أدبياته الخطابية وكلامه الاجوف عن العداوة مع "إسرائيل" وضرورة الوقوف في وجهها؟ ألم يشاهد بشار على القنوات الفضائية الثوار في مصر وتونس وهم يحرقون المقرات الامنية التي أذاقتهم صنوف العذاب؟ لم يفطن بشار مثل غيره من الطغاة إلى أهمية الحرية والعدالة التي تنشدها الشعوب وظن أنه قادر على قمع شعبه إلى النهاية متجاهلا أن الشعوب العربية كانت تنتظر إلى إلهام يعطيها الأمل لتتحرك وجاءها الإلهام من تونس على خلاف التوقعات ثم توالت الثورات التي لن تتوقف إلا إذا عاد الحكام إلى رشدهم وأعطوا الشعوب حقوقها المسلوبة... الشعوب العربية بسبب طول فترات الظلم والاستبداد التي عاشتها على أيدي حكامها ومن قبلهم على أيدي الاحتلال وصلت إلى قناعة خاطئة وهي أن هذه الأنظمة لا يمكن إزاحتها بالاحتجاج والتظاهر وعندما تيقنت من إمكانية ذلك خلعت عن نفسها لباس الذل والهوان وأظهرت حقيقة معدنها..

 

لقد سار الاسد الصغير على نهج والده وظن أنه من السهولة أن يبيد أهل درعا كما أباد أبوه أهل حماه وتطوى الصفحة ويستمر متربعا على الحكم دون مساءلة, في استمرار للحسابات الخاطئة التي ما زال النظام السوري يتعامل بها مع شعبه ومع العالم رافضا الاعتراف بالمتغيرات التي جعلت العالم قرية صغيرة ونقلت ما يحدث في أقصى بقاع الارض بالصوت والصورة لجميع أنحاء العالم, لقد ظن أنه سيدفن الابرياء من المحتجين في درعا ثم يخرج ليقول أن فئة مندسة تسببت في القتل وأنه سيجري تحقيقات لمعرفة الحقيقة فيصدقه الناس, وظن أنه يمكن أن يسكّن الشعب الثائر ببعض الإصلاحات الهامشية والوعود الكاذبة في وقت تواصل قواته الامنية قتلهم واعتقالهم وتعذيبهم...لقد فات الأوان للمراوغة والمخادعة ولن تفلح الحلول المؤقتة أن تسكت الشعب السوري الذي ظل تحت حكم البعث النصيري عشرات السنين, يدير البلاد بمنطق العزبة الخاصة ولا يسمح لأي حركة أو حزب آخر أن تتواجد أو تعبر عن نفسها بأي شكل وإذا حدث ذلك توجه إليها الاتهامات الجاهزة بالعمالة والخيانة..

 

النظام السوري نظام منتهي الصلاحية تجاوزته الاحداث ومجريات الامور ولم يعد يشبهه إلا بعض الانظمة الشيوعية التي تعيش الرمق الاخير في فيتنام والصين وكوبا وكوريا الشمالية وهي القوى الحليفة للنظام السوري والتي كان من الممكن أن يعتمد عليها لإطالة عمره قليلا لولا أنها تحتاج إلى من يمد يده إليها بالعون, ولولا النهضة الاقتصادية في الصين وتشابك مصالحها مع الغرب لكانت أول الساقطين..إن النظام السوري النصيري يعتمد أيضا على تحالف طائفي لتثبيت أركانه مع إيران الشيعية والتي دعمها في حربها مع العراق متحديا جميع الدول العربية ضاربا بشعارات "القومية العربية" التي يرفعها ليل نهار عرض الحائط , وقد أدى هذا التحالف إلى المزيد من استفزاز الشعب السوري ذي الاغلبية السنية خصوصا عندما ترك الابواب مشرعة لنشر التشيع في البلاد ومعاداة التيار السلفي...قد تبدو الاحتجاجات في سوريا محدودة مقارنة بالاحتجاجات التي شهدتها مصر وتونس ولكن ينبغي أن نضع في الحسبان أنها البداية وكلما زاد القمع كلما اشتد الزخم.