الانتفاضة السورية ومواقف الحركات الإسلامية
16 ربيع الثاني 1432
د. ياسر سعد

معاناة سورية وأهلها مزدوجة وفيها من الجروح وآلام المركبة ما يجعل قلوب كثيرين من أهلها مثقلة بمشاعر عميقة من الأسى والحزن العميقين. فالسوريون يشعرون بأنهم في مواجهة تجاوزات النظام وجرائمه وقفوا وحيدون ومعزولون ولسنوات عديدة. لا بل وأكثر من ذلك فإن كثير من رموز العمل الإسلامي والقومي ممن يتصدرون المعارضة في بلادهم ساعين للحرية والديمقراطية، يحجون لدمشق والتي يصفونها بعاصمة الممانعة ويسرف بعضهم بكيل عبارات من المديح والإطراء لنظام دكتاتوري يذيق سوريا وأهلها ألوانا من العذاب وصنوف من المهانة.

 

يستند مادحو النظام السوري إلى مواقفه الإعلامية وإلى استضافته لفصائل المقاومة الفلسطينية والتي ضاقت الأرض ببعض منها مع تنكر عواصم عربية لخيار المقاومة نهجا وفكر وإعلاما. غير أن سلوكيات النظام وتاريخه ومواقفه في الأوقات الحاسمة والمنعطفات الفاصلة تكذب إدعاءاته وتفضح مزاعمه وتظهره على حقيقته، نظام خادعا ومنافقا يتاجر بطموحات الأمة ويعبث بمصيرها. وإذا كان الغرب يستخدم حقوق الإنسان كأداة سياسية لتحقيق مصالحه ومنافعه، فإن النظام السوري استخدم وما يزال المقاومة كأداة لتغطية عوراته السياسية ومخازيه الأخلاقية، والاستقواء بمواقفه الكلامية منها لقمع معارضيه السياسية وتكميم حريات المواطن الأساسية، وتوجيه تهم التخوين والتشكيك بالمصلحين والحقوقيين والناشطين.

 

المسافة الواسعة بين ما يقال في إعلام النظام وبين سلوكياته ومواقفه شاسعة جدا، لا بل وحتى مواقف اللفظية تفضحه أحيانا وتظهر ازدواجيته وأكاذيبه. فحين غزت القوات الأمريكية العراق وشعر نظام بشار بالخوف خاطب إدارة بوش عبر صحيفة أمريكية بلهجة كسيرة بأنه ليس كصدام، وبالرغم من زعمه في أوقات معينة بدعمه للمقاومة العراقية، كان في أوقات أخرى يتباهى بتعاونه الأمني مع الأمريكيين في الشأن العراقي، لا بل إن بشار كان يتبجح في أحاديثه مع الأمريكيين قبل غزو العراق وبعده بأن نظامه كان الأسبق في محاربة "الإرهاب". وحين تأزمت العلاقات التركية-الإسرائيلية في الصيف الماضي على خلفية الاعتداء الصهيوني الآثم على قافلة الإغاثة البحرية، خرج بشار بتصريح عجيب عبر فيه عن قلقه من التأثير السلبي لتدهور تلك العلاقات على الوساطة التركية في مفاوضات السلام بينه وبين الصهاينة.

 

إذا كان النظام السوري جادا في ممانعته وتبنيه خيار المقاومة، فإن ذلك الخيار يقتضي التضحية والاستعداد للبذل وهو ما يتناقض تماما مع فساده والسرقات التي يقوم بها رموز النظام وأقربائه لقوت الشعب السوري ولخيراته، كانزين المليارات ومحتكرين أسواق المال والأعمال. كما إن ثقافة المقاومة تستوجب بأن تكون الخلية الأساسية للوطن والمجتمع –المواطن- في حالة عالية من المناعة والشعور بالكرامة والقيمة الإنسانية العالية، وهو مناقض لواقع الحال في سورية تحت الحكم الاستبدادي، حيث يتعرض المواطن للمعاملة القاسية وقد يسجن لسنوات طوال لخروجه في مظاهرة أو تعبيره في مدونته عن حبه فلسطين كحال طل الملوحي. السوري بحسب مواصفات وثقافة نظام بشار "الممانع" يراد له أن يكون بوقا وأداة بيد النظام يهتف كالببغاء بالروح بالدم نفديك يا بشار أو الله سورية بشار وبس، هو بحاله هذا أضعف من أن يواجه عدوا أو يقاوم غازيا.

 

أربعة عقود من حكم عائلة الأسد والذي ضيع الأب وهو وزير للدفاع هضبة الجولان أو تنازل عنها بحسب شهادات تاريخية كثيرة وموثقة، ولم يحرر هذا النظام شبرا من الأرض، لا بل وتم استعباد الوطن واستباحة مقدراته والإساءة للمواطن وكرامته، حتى أصبحت الهجرة والغربة من أكبر آمال الشباب السوري وتطلعاته. أربعة عقود من القفز على الحبال والعبث السياسي ومن الانتقال من التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني إلى السلام الاستراتيجي معه، أكثر من كافية ليرحل هذا الحكم الفاسد ويحرر البلاد والعباد من جوره وفساده وظلمه.

 

وإذا كان للمقاومين أو رواد الحركات الإسلامية والقومية أو العلماء والمفكرون والذي ساندو نظام الأسد، أن يتجاوزوا تاريخه وحقيقة مواقفه، فإن تفجر الانتفاضة السورية والهتافات الشعبية الرافضة للظلم والفساد والهاتفة للحرية، والعنف الدموي والقتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، تفرض على الجميع اتخاذ مواقف صريحة وواضحة من نظام القمع والفساد. الشعب السوري سينظر لكل من دعم جلاديه ولو بموقف إعلامي أو بالصمت على جرائمهم كشريك لهم في تجاوزاتهم وانتهاكاتهم. المطلوب من قادة الحركات الإسلامية في كل مكان وبالتحديد في الأردن موقفا مبدئيا وحازما وداعما لسعي الشعب السوري للتحرر من جلاديه. فليس مقبولا ولا يمكن تفهم أن يخرج رموز الحركة الإسلامية طالبين بالإصلاح والحرية في بلادهم وقد اصطف بعضهم مع النظام السوري الأكثر فساد وانتهاكا للحقوق بحسب المنظمات الدولية، وإذا لم تكن تلك المواقف من قبيل التطفيف السياسي فما عساها أن تكون؟