دور الشباب في الحراك الاجتماعي للشعوب (1-2)
16 ربيع الثاني 1432
خباب الحمد

كثيراً ما كان الخبراء يخوضون في ضرورة علم المستقبليات، وفنون استكشاف المستقبل كعلم متعمق بعيداً عن الحديث عن الغيبيات، التي لا يعلمها إلاَّ الله عزَّ وجل، وقليل منهم بل أقل القليل من كانوا يتوقعون حدوث انقلابات معاصرة تهز عروش الطغاة في غضون شهر أو أكثر بقليل، لكني أجزم أنَّه لم يكن يتخيَّل أحد قبل أربعين يوماً أن تقع ثورات في كثير من الشعوب العربيَّة، وبمثل هذه الطريقة من سرعة التغيير، وتهاوي كثير من الأنظمة الطاغوتيَّة التي حكمت البلاد والعباد ردحاً من الزمن، وقد انقلبوا على وجوههم كأحجار الدومينو، بدون حلفاء يناصرونهم، ولا قوى تتذكرهم، بل وتبرؤ قوى الشرق والغرب منهم وعدم استقبال الكثيرين منهم، ونستذكر حينها قول الله تبارك وتعالى عن قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:81-83].

 

سيد الأدلَّة.. الاعتراف:

إنَّ هذه الثورات المباركة كان الشباب وقودها، ومشعل نورها، ومحرك ضمير الشعوب من خلالها، ومُهيِّج الكثير من الوسائل الإعلامية لمتابعة اجتماعاتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم، ولقد كانوا بالفعل مثار اهتمام الجميع، ومحط أنظار كثير من الساسة وأهل العلم والفكر والتربية، وكان لهم قصب السبق في إذكاء الثورة، وإطلاق تلك الهبَّات الاحتجاجيَّة الجماعية التي تطالب الأنظمة المستبدَّة بالتغيير والإصلاح، بعد عقود من أزمنة التردي والتخلف وأردية العفن السياسي التي غطَّت تلك الأنظمة البائسة ردحاً من الزمن.

 

ولقد كانت تلك الأنظمة المنهارة تظنّ أنَّها بتضييقها الأمني الشديد على تلك الشعوب وخصوصاً (الإسلاميين منهم)، وتضييق الخناق على الحريَّات وحقوق الشعوب، وإفقار الشعوب بناء على مبدأ (جوِّع كلبك يتبعك)، والتفريق بين الإسلاميين، واستغلال حالة الاختلاف بينهم، بل الدخول فيها عبر أطراف مدسوسة منهم؛ لكي تكون هنالك حالة من استحكام العداء بينهم باسم (الدين) تارة و(الحفاظ على المنهج) تارة و(المفاصلة الحزبية) تارة أخرى، وإلهاء الشباب بالفن والمسارح والأغاني ونجوم العفن الفني، وأن يكون همّ الشباب متابعة مثل هذه الجوانب، ومحبة السياحة والسفر لأغراض غير شريفة، والولوج لعالم الإنترنت والفضاء غير المقنَّن لرؤية ما لا يرضي الله، كان ذلك في مخيَّلة تلك الأنظمة وأجهزتها القمعيَّة تدبيراً مخطَّطاً له لإيجاد حالة الإلهاء لدى الشعوب، وتفريغ شحنتها في الكدّ وجمع المال، والوصول إلى البيت بحالة مترديَّة من الضنك والهمّ والإرهاق، فلا يبقى هنالك ما يُمكن التفكير به، غير عمل الغد والذهاب إليه..!!

 

لكنَّ ما كل ما يتمنى المرء يدركه، والصبر إن طال يومه على المتمسك به، فلربما يفرغ من تلك الشحنة التي تغذيه، والضغط يولد الانفجار، وويل للأغنياء من جوع الفقراء، حينما يرونهم يخرجون عليهم بأنفسهم ومُهَجهم وأرواحهم أن أطعمونا!

 

وليست القضيَّة مجرد زيادة مال وكساء ورغيف خبز فحسب، بل كانت مطالب تلك الشعوب الثائرة أطعمونا الحريَّة، لكي نستنشقها، ونعيش في ظلالها، وهكذا كانت هبَّة الجماهير الشبابيَّة، الذين ولدوا وهم يرون أنفسهم في حالة مزرية من الفقر والخوف والجوع والمرض، ولا أحد يسأل عنهم، بل إن ذُكِرَ الشباب فمعناه في العقل الجمعي للشعوب هم الشباب المكدسون والمتسكعون في الشوارع وشباب (الكرة) و(الشطرنج) و(البلياردو) و(متابعات الفضائيات).

 

فالمنابر الإعلامية للنخب المثقفة، والقنوات الفضائية لهم كذلك، والمراكز الاجتماعية والقيادية والإدارية لا يتولاها إلاَّ الشخصيات المفكرة والمثقفة وأهل العلم والدعوة، ومواقع الإنترنت الرسميَّة لا يمكن أن (يفضفضوا) فيها عن همومهم، فلم تكن سوى المنتديات والمدونات والمواقع الشخصيَّة والتجمعات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) و(تويتر) وغيرها، وهي الوسائل الاجتماعية التي لا يُحسن التعامل معها في الغالب إلاَّ الشباب، ومنها صنعوا الأعاجيب، وحاكوا خيوط النسيج الاجتماعي الذي جمعهم على شاشة الحاسوب، بالتواصل السريع والحر من خلال لوحة المفاتيح (الكيبورد).

 

* وخرج الشباب كالأُسْد تزأر في غابتها غضباً:

إنَّ أقصى ما يعانيه الشباب، أن يروا الدنيا تلتفت للكثيرين من طبقات المجتمع أكثر مما تلتفت إليهم، فلربما تكون هنالك مؤتمرات باسم (حقوق الطفل) و(حقوق المرأة) و(حقوق العلماء) و(حقوق البيئة) و(حقوق الحيوان)، ولكنَّ الشباب لا يجدون حديثاً عنهم، وإن كان هنالك حديث فهو قليل، ولربما يكون محسوبًا على فئة معيَّنة منهم، مِمَّن مَنَّ الله عليهم بنوع ذكاء وزكاء، والأغلبية الساحقة منهم لا يرون أنَّ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية قد لُبِّيت لهم.

 

إنَّنا والحالة هذه لا ننظر إلى شبابنا اليوم إلاَّ بعين الرحمة والمحبة والإجلال والاحترام، ونحن ننظر إليهم وهم يطالبون بحقوقهم، ولا تخش على حق يُطالب به لسان شديد اللهجة، ونستذكر الحديث الصحيح الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوه فإنَّ لصاحب الحق مقالاً)، ولا غرو أن نجدهم ينظرون لمجتمعهم حينما لم يعطهم الكثير من حقوقهم:

فأين حقوقهم في دعم تعليمهم في الجامعات؟ وأين الحكومات والجمعيات الأهلية والمدنية لتزويج الكثيرين منهم، وقد بلغ الكثيرون منهم الثلاثين سنة وهم يبحثون عن لقمة العيش التي يمكن أن تسد رمقهم فضلاً عن المال الذي يجمعونه بآلاف الدولارات لكي يتزوجوا (بنت الحلال)؟

 

ولماذا يرى الشباب أنفسهم في حالة بطالة متكدِّسة بعد التخرج من الجامعات، فلا يرون أنَّ شهادتهم قد نفعتهم، بل لربما أرهقتهم مالياً، ولم يجنوا من ثمارها إلا الفقر والبطالة، وهم في المقابل يرون أموالاً مهدرة من تلك الحكومات بمليارات الدولار في دعم أنشطة تافهة، وأمور لا تُحمد عقباها!
وأين حقهم في استهدافهم بتنمية مواهبهم واستثمار طاقاتهم؟
وأين جهود الدول والحكومات في استقطابهم لخدمة المجتمعات والإفادة من سواعدهم الفتيَّة ولو كان ذلك نظير أجر مادي يسير كجائزة تقديريَّة لإنتاجهم؟
بل لربما يتساءلون: أين إشراكهم في أخذ رأيهم والاستعانة بفكرهم، وابتغاء حدَّة عقولهم، والجمع بين حماستهم وحكمة الشيوخ؟
ولماذا يرون كثيراً من طبقات المجتمع لا تنظر إليهم إلاَّ على أنَّهم مراهقون وأطفال في صورة (كبار)؟

 

ولطالما رأيناهم كذلك يرفعون صور بعض الشباب ممَّن قتلوا ظلماً على أيدي المجرمين دون ذنب، كصورة (خالد سعيد) وصور (سيد بلال) ـ رحمهما الله -، فلقد رأى الشباب أنَّ كثيراً من إخوانهم يُقتلون ويُنكَّل بهم ويحرقون أنفسهم بسبب ظلم الطغاة لهم.

 

لقد زادت تلك الجرائم البشعة الشباب حماسة لأن يبقوا صامدين في مطالبتهم بحقوقهم؛ ما رأوه من أجهزة الأمن التي قمعتهم وقتلت بعضهم دون ذنب إلاَّ لأنَّهم طالبوا بحقوقهم، فصاروا أشدَّ ثباتاً، وباتت المسألة عند الشباب في موقف تحدٍ: نكون أو لا نكون، فثبتوا وصبروا وإنَّما النصر صبر ساعة....

 

إنَّ من أبرز أسباب انفجار الشباب وحرصهم على التغيير الكلي للأنظمة الحاكمة هو القبضة الأمنية الغاشمة التي تعتمد عليها الأنظمة المستبدة في تثبيت أركان حكمها، ويكفي القارئ أن يعلم أن سجون مبارك ضمت بين زنازينها أكثر من ثمانين ألف شاب بينهم من قضى أكثر من خمسة عشر عامًا من عمره دون محاكمة وفي تعذيب مستمر، ومعظمهم حُرِموا من زيارة أهليهم لهم مدة تزيد على سبع سنوات حتى ظن أهلوهم أن أبناءهم لقوا حتفهم، وكذلك الحال في تونس وليبيا وغيرها من البلدان التي قامت فيها الثورات.

 

وحينما خرج هؤلاء الشباب المساجين من سجون الظلم، فاجأتهم عجلة الزمان بدوران يجلب الدوار، فلا فرص عمل ولا مؤهلات تقنية وفوق كل هذا متابعات أمنية ومداهمات من ضباط أمن الدولة؛ كل هذا شكل حطب الاحتجاجات ضد أنظمة تهين مواطنيها وتجبرهم على حياة الموت قد يكون أفضل منها.

 

هي بالفعل أسئلة وأفكار أرجو ألاَّ يستخفَّ بها قارئ، ولا أن يستبعدها مطالع، فإنَّ لكل نتيجة أسبابًا، وإنَّ من أسباب التغيير وبواعث تحريك الشعوب؛ قيام أولئك الشباب، وحمل أرواحهم على أكفهم بمظاهرات واعتصامات سلميَّة، لا يريدون سوى حقوقهم التي يكفلها لهم شرع رب العالمين، بل وجميع الأنظمة والقوانين الأرضيَّة العادلة، من قبيل: الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتحقيق الأمن والرفاء، والغنى والهناء.

 

ما الشباب إلا قوم قد اجتمعت فيهم جميع الخصال الخيِّرة من طبائع الشجاعة، وألحان الحماسة، وصدق الحميَّة، وقوَّة العصبيَّة، وإجادة تشكيل المجموعات والتكتلات، فبعد أن رأوا كلَّ تلك المظالم، والمكائد السياسيَّة بهم وبشعوبهم، لم يكن منهم سوى أن طلقوا الدنيا بأجمعها، فإما حياة تسر الصديق، وإمَّا ممات يغيظ العدى.

 

ولقد كان أغلب الشباب في تلك الثورات الشعبيَّة شباباً مؤمنين بالله،ـ نشيطين يقظين، واعين منتبهين لجميع المكائد السياسيَّة، وألاعيب الطغاة، وأحابيلهم المتلونة، ولقد كنَّا نراهم على شاشات التلفاز، ما إن ينادي منادي الصلاة، إلا ويقومون لله ملبين النداء، قائلين في بداية أذانهم (الله أكبر) وفي نهايته (لا إله إلا الله) وقائلين خلف الإمام الذي يؤمهم للصلاة (الله أكبر) ومختتمين الصلاة بقولهم: (السلام عليكم ورحمة الله) فكأنَّهم يُشعِرون الطغاة والعتاة وجلاوزة الإجرام أنَّ (الله أكبر) من أفعالكم وهو أكبر من مُلْكِكم وحُكْمكم، فلن تقفوا أمام من لبَّى نداءه أبداً، ويختتمون صلاتهم بالسلام وكأنَّهم يقولون: لسنا أهل عنف وإرهاب، بل نحن أمَّة الإسلام والسلام، ولن نرفع في وجوهكم السلاح، بل إن متنا فنحن أدَّينا ما علينا وكنَّا شهداء. فلله درَّهم!

* كيف استطاع الشباب أن يؤثروا على واقع المجتمعات؟

أهدي الشباب تحية الإكبار *** هم كنزنا الغالي وذخر الدار
ما كان أصحاب النبي محمد *** إلا شبابا شامخ الأفكار

 

ليس لهؤلاء الشباب الذين كسروا بمعاولهم رؤوس الطغاة، إلاَّ التحية والعرفان، والتبجيل والشكران، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.

 

لقد أيقظوا هذه الأمَّة من سباتها يوم أن صرنا نسمع عبارات اليأس والتشاؤم من كبار السن، وقد احدودبت ظهورهم، واختنقت الكلمات في حناجرهم، واحتبست الدمعات في أعينهم وهم يقولون لأولادهم وأحفاهم: (الله يجعل أيامكم خيراً من أيامنا) و(التعويل عليكم يا شباب، فلقد هرمنا وأكلتنا السنون).

 

فماذا بعد؟!

لقد طفق هؤلاء الشباب يتذكرون كلام شيوخهم الركع، وهم ينظرون إلى إخوانهم الصغار أو أولادهم الرضَّع، فلربما قالوا: (إن عاش أجدادنا وآباؤنا حياة الهوان فسنؤمن لكم حياة الحرية)، ولو كان الثمن أن تدق رقابنا، وأن تسحل أجسادنا، وأن تسيل الدماء من عروقنا، بثورة سلمية تهز الأرض هزًّا، وتدك عروش الطغاة دكاً، فإمَّا نحن وإما الطغاة، وإمَّا الحريًَّة وإما الشهادة، وكان ما كان من فتوحات شبابيَّة على تلك الدول العربيَّة التي تحرَّرت من كيد الطغاة أو من بعضهم..!!!

يا شباب الدين يا حصن العلا *** أهديك حب الحب في الأشعار

 

إنَّ هؤلاء الشباب المؤمنين بالله، لم يكونوا منتسبين لحزب أو جماعة، لكنَّهم شباب ينتسبون لهذا الإسلام الرحب، الذي أعطاهم بعظمته وقوَّته وحيويَّته الإصرار على أن يتصدَّوا للطغاة، ويفلقوا هام البغاة، ويدمدموا عليهم عروشهم وقصورهم فيتخلوا عنها هاربين مذعورين من تلك الهبَّة الشبابيَّة التي أيقظت الشعب بأجمعه فشارك معهم في صناعة النصر، وصياغة العزَّة، واسترداد الكرامة.

قوم كأن وجوههم شمس الضحى ** طلعت ففر الليل كالح مظلما
ملكوا الفؤاد وما دروا يا ويحهم ** أن الفؤاد بهم يهيم متيما
سكنوا شغاف القلب ليس لهم به ** غير الشغاف تفضلاً وتكرما
يتلذذون ببذلـهــم ويرونه ** حقاً أكيداً للإله ومغنما

 

يروي بعض الناس عن رسول الله صلًَّى الله عليه وسلَّم: (نصرت بالشباب)، وإن كان هنالك من إشارة لذوي الخبرة والجدارة، فإني أنبِّه على أنَّ هذا الحديث موضوع لا أصل له عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يصح روايته عن رسول الله إلا تنبيهاً على أنَّه موضوع مكذوب عليه الصلاة والسلام.

 

إلاَّ أنَّ معناه صحيح، فلقد كان أول من ناصر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الشباب، وكان معهم كذلك بعض الغلمان الصغار، وكان منهم العشرة المبشرون بالجنة، مثل: أبي بكر الصديق أسلم وكان عمره (38) عاماً، وعلي بن أبي طالب وكان عمره (10) سنين، والزبير بن العوام وكان عمره(8) سنوات، وعمر بن الخطَّاب وكان عمره(26) عاماً، وسعد بن أبي وقاص وكان عمره (17) عاماً، وطلحة بن عبيد الله وعمره (17) عامًا، وعبد الرحمن بن عوف وكان عمره (30)عاماً، وأبو عبيدة عامر بن الجرَّاح وكان عمره (32) عامًا، وكل هؤلاء من العشرة المبشرين بالجنَّة وكانوا جميعاً شبابا، فهنيئاً لهم ولشبابهم ولصباهم.

 

ثم من ينسى من كان مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مساندته بهجرته من مكَّة إلى المدينة إلاَّ الشباب ونحن نستذكر تلك الأسماء العظيمة (علي بن أبي طالب، أسماء بنت أبي بكر، عبد الله بن أبي بكر)؟
ومن الذي استقبل رسول الله في المدينة وكانوا أشدَّ المحتفين به سوى الشباب؟
ومن نصر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في معركة بدر إلاَّ الشباب؟
وهل ننسى أسامة بن زيد حيث استخلفه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قيادة جيش كان فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، إلاَّ أحد الشباب وكان عمره دون العشرين؟!

أليس هذا كلَّه يُعبِّر عن مدى نصرة الشباب للدعوة الإسلامية، واحتفاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بهم ورضاه عنهم.

 

وهكذا في جميع الحروب والمعارك التي خاضها الإسلام مع دعاة الكفر والضلال، والزندقة والردة، ما كان من حارب فيه إلاَّ شباباً، ولا ننسى موقف محمد بن القاسم بن محمد الذي قاد الجيوش لفتح بلاد الهند والسند، حتَّى قال الشاعر فيه:

إنَّ السماحة والمروءة والندى * لمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجَّة * يا قرب ذلك سؤدداً من مولد
فغدت بهم أهواؤهم وسـمت به * همم الملوك وسورة الأبطال

 

إنَّ الخيرية في الأمَّة معدنها الأساس في الشباب، والفضل في الأمَّة والإصلاح والبناء لن يتم إلاَّ بسواعد الشباب، وهممهم ونشاطهم وجدهم واجتهادهم، ولماذا نبعد عن تراث سلفنا الصالح الذي أولى الشباب أهميَّة عظمى، فهذا الإمام محمد بن شهاب الزهري يقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدة عقولهم".

 

ومن منَّا لا يعرف الصحابي الجليل ابن عبَّاس، الذي كان شاباً ودعا له الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يفقّهه الله في الدين، وأن يعلمه التأويل، وتوفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ثمَّ جد واجتهد في طلب العلم فصار عالماً من كبار العلماء، وحينما كان في العشرينيات من عمره كان يجمعه عمر بن الخطَّاب مع كبار مستشاريه من الصحابة، ولربما سأله أحدهم عن سبب جمع ابن عبَّاس معهم مع أنَّهم من شيوخ الصحابة، وكثير منهم حضر معركة بدر؟! فيقول رضي الله عنهم: (ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول) هذا الصحابي الجليل والمفسر العبقري ابن عباس الذي تربَّى في مدرسة النبوَّة يقول: " ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب"، ثمَّ استدلَّ على كلامه بما في كتاب الله حيث تلا قوله عز وجل: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}، وقوله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}، وقوله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيا}.

 

وهكذا كانت حفصة بنت سيرين ترشد الشباب وتقول لهم: "يا معشر الشباب اعملوا، فإنما العمل في الشباب"، وقال الأحنف بن قيس: " السؤدد مع السواد". (أي: من لم يسد في شبابه لم يسد في شيخوخته).