ليبيا: أيام القذافي المعدودة
16 ربيع الثاني 1432
عبد الباقي خليفة

يجد القذافي نفسه هذه الأيام عاريا، وحيدا، رغم المرتزقة الذين جلبهم لقتل الشعب الليبي، ورغم الرهائن الذين يتمترس بهم في، العزيزية، ورغم الجرائم العسكرية التي يقوم بها في طبرقة، وراس لانوف، والزنتان، والرجبان، ومصراتة، وبن غازي. لقد فقد القذافي الشرعية الدولية، لدى الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، بعد القرار الأخير، وقبل ذلك وهو الأهم فقد الشرعية في ليبيا، وتعزز ذلك مع انطلاق الثورة الليبية الفعلية ، ثورة 17 فبراير، وهي فعلية لأن كل ما سبقها كان مجرد تجارب. ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة 18 مارس بفرض حظر على الطيران على نظام القذافي، مما يمنع تدفق المزيد من المرتزقة إلى ليبيا.

 


محاكمةلارحيل:
من المؤكد أن الشعب الليبي، لن يسمح للقذافي بالهروب، كما حصل مع ديكتاتور تونس المخلوع زين العابدين بن علي، لا سيما بعد الجرائم التي اقترفها بحق المدنيين في مصراته، وجدابيا وغيرها، على إثر صدور قرار مجلس الأمن، حيث تظاهر بالانصياع على لسان وزير خارجيته، بينما تحداه وابنه بالقول واقتراف الجرائم، واستغلال حالة الارتياح في الشارع الليبي ليقوم بخدعته الكبرى ومهاجمة الآمنين في الأحياء السكنية في العديد من المدن الليبية. وبالتالي فإن رحيل القذافي، سيعد تفريطا في دماء الشهداء، التي طالما نادى المتظاهرون والثائرون في ليبيا بأنها لن تذهب هدرا" دماء الشهداء لن تذهب هباء"، ولا شك فإن الشعب الليبي سيطالب اليوم بمحاكمة القذافي، وليس دعوته للرحيل، وكما قال أحد النازحين من جدابيا" سأخرجك يا قذافي من قبرك وأحرقك " فالقذافي كغيره من المستبدين، أشبه ما يكونون بالخنزير البري، الذي طلما طال عمره كلما طالت أنيابه، ولكن ذلك ليس ميزة، بل ايذانا بنهايته، فتلك الأنياب تمنعه من العيش فيذوي ويموت.

 

وعودة للسيرة الذاتية للقذافي فإنه ولد في قرية "جهنم" باحدى مناطق مدينة سيرت، في عائلة فقيرة جدا، وكان أثناء دراسته يعمل مخبرا ضد زملائه، وبعد قيامه بانقلاب 1969 م المشؤوم، كتب الدكتور محمد المقريف " انقلاب بقيادة مخبر"وعندما دفع ابنه الساعدي القذافي مليون دولار لفريق ايطالي لكرة القدم، قال القذافي إن ابنه باع ابل جده وحصل على ذلك المبلغ!!! وتصرف في ثروات ليبيا كما لو كانت ثروات جده . ويزعم القذافي أنه سلم السلطة للشعب، ولكن لا أحد في الصورة غيره، ولا رأي للشعب، فيما يبعثره من أموال الشعب، ولا يحق للشعب أن يقول رأيه فيه، إلا ما يراه للشعب. فالشعب كما قال مؤخرا في احدى خطبه" نحن الشعب" لقد اختزل القذافي ليبيا في شخصه، وردد ما كان يتخرص به الرئيس التونس المقبور الحبيب بورقيبة، بأنه أكثر شهرة من الوطن، بل يعرف الوطن به،" عندما تقول من ليبيا يسألون ما هي ليبيا ولكنك عندما تقول القذافي يقال لك آه القذافي" وهي فرية اقتبسها كما أسلفنا من بورقيبة.

 

حقدوانتحار: إذا كان ديكتاتور تونس المخلوع، بن علي، قد رفض من الغرب الذي خدمه على مدى 50 سنة، منها 23 سنة وهو رأس المافيا الحاكمة في البلاد، ثم انتهى به المطاف في المملكة العربية السعودية، فإن القذافي ليس له من ملجأ، سوى إشفاء غليله من الشعب الذي ثارعليه، وكسر قيد العبودية، ورفض استمرار القذافي في ركوبه بعد 42 سنة من الضنك، والمعاناة، والمذابح، والمشانق، وعمليات الاختطاف، واطلاق الرصاص في الملاعب وقتل العزل، واعدام المساجين داخل الزنازين كما حدث في سجن أبو سليم. والقذافي يعرف ذلك جيدا، ويعرف بأن الشعب لن يفلته هذه المرة. ولذلك يخوض حربا يائسة ضد الشعب، وهي حرب تعبرعن حقد دفين ضد أبناء ليبيا الأبرار، ولذلك ينتحر ويأخذ معه العديد من الأبرياء ، فمن ليس معه فهو ضده، ويجب أن يموت على مذهب حقده الأسود" لا شفقة ولارحمة " و" البحث عنهم تحت كل حائط فلعل بعضهم يختبي تحت حائط". وطالما حدد القذافي طريقته في التعامل مع شعبه، فليكن ذلك جزاءا وفاقا، ينسحب على القذافي ومن ولاه .

 

لقد خسرالقذافي المستقبل، فلا مستقبل له، وحاضره ينقرض تدريجيا، وينقص من أطرافه، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، ولم يبق له سوى ماضيه الأسود يحمله بشماله في الدنيا قبل الآخرة، والآخرة أشد وأنكى. وقد رأينا كيف انقلب من محاولة للايهام بأنه يواجه" ضحايا لحبوب الهلوسة" إلى" القاعدة " إلى " الخونة والزنادقة" إلى التهديد بالتحالف، مع من خوف الغرب منها طويلا، القاعدة.ثم تهديد الملاحة البحرية والجوية، في حال تعرضه لضربات عسكرية. ولاشك فإن ازدواجية الخطاب التي بدت جلية يوم الجمعة 18 مارس، بين ما قاله وزير خارجيته، عن وقف العلمليات العسكرية، واحترام حقوق الانسان، وعدم المساس بالرعايا الأجانب، وما طفحه هو وابنه سيعجل بنهايته في الأيام القادمة. حتى وإن لم يتدخل المجتمع الدولي لصالح الثوار، وهو تدخل ومع كل مبرراته، سيدنس ثورة الشعب الليبي، التي وددنا لو كانت على طريقة الثورتين التونسية والمصرية، ولكن القذافي أبى إلا أن يدنسها كما دنس كل شئ في ليبيا تقريبا. فالشعب الليبي كان سينتصر، حتى لولم يتدخل المجتمع الدولي، ليوقف دموية العقيد القذافي، مرددا قول المتنبي، "  ومن نكد الدنيا على الحر.. أن يرى عدوا ما من صداقته بد ". فالتاريخ يشهد على انتصار أصحاب الحق، رغم اختلال موازين القوى العسكرية لصالح العدو الصائل.

 

كم بقي من القذافي؟: لا شك أن فرض حظر جوي وبحري على نظام القذافي، يجب أن يبقى في إطاره ولا يتجاوزه للتدخل البري، مع ضرورة تأمين الجيران العرب ولا سيما مصر وتونس السلاح للمقاتلين، لأن ترك كتائب القذافي، وهي المدججة بمختلف أنواع الأسلحة تقتل الشعب الليبي دون أن يكون له السلاح المكافئ للدفاع عن نفسه، هو ما سيزيد من عدد الضحايا وحجم الدمار الذي تتعرض له المدن والبلدات الليبية . وليس ما ذكره وزير الخارجية الليبية بأن تسليح الثوار سيزيد من عدد الضحايا، فهي مغالطة يدركها من يتابع الأوضاع في ليبيا عن كثب. ويعرف مدة دموية القذافي، فعندما اندلعت الثورة التونسية، في 17 ديسمبر2010 م ، كما قلت في مناسبة سابقة، تساءلت في مقال، هل تكون ثورة تونس ايذانا بفجرعربي جديد، وتوقعت حصول مذابح فضيعة يرتكبها الديكتاتور كما فعل نيرون في روما، وحصل ذلك الشعور، مع انطلاق الثورة في مصر، ولكن لقب نيرون فاز به القذافي دون بن علي وحسني مبارك.

 

لقد دفعت دموية القذافي شعوب العالم، ولا سيما الاسلامي منه، إلى الوقوف إلى جانب الشعب الليبي،الذي أبدى حرصا على نزع حقه في الحرية، والعدالة ، والتنمية ،وأنهم ليسوا ارهابيين، ولا متعاطي مخدرات، ولا متمردين على سلطة شرعية، وإنما هم أحرار، ومناضلون ، ومجاهدون، ورساليون. وبذلك تكشف ثورات تونس ومصر وليبيا أن الشعوب أقوى من الاستبداد والامبريالية والصهيونية التي عملت وتعمل على بقاء حلفائها في السلطة، وحصلت مقابل ذلك على مليارات الدولارات من خزينة الشعوب العربية ظلما وعدوانا بتواطئ واضح مع أنظمة ساقطة اخلاقيا وساقطة وطنيا، وساقطة شعبيا وساقطة تاريخيا وساقطة اسلاميا.

 

أما ماذا بقي من القذافي، فالجواب هو ما يتسربل به وسيحمله التاريخ ، من أنه شجع الأعداء على غزو ليبيا من خلال تخويفهم من مزاعم " إقامة إمارات للقاعدة في ليبيا تهدد أمريكا وأوربا والعالم" ، و" افتقاد الشركات الأمريكية لامتيازات النفط ، التي منحها لهم سنة 2005 م "، و" استيلاء ما وصفهم بالارهابيين على النفط ، وتدفق الأفارقة على أوربا"، و" قيام أنظمة تهدد الغرب، ووجود الكيان الصهيوني"، و" استفادة العرب ولا سيما التونسيين والمصريين من النفط الليبي". مما يعني أنه كان أحد القيمين على كل تلك المهمة  الكاذبة. ولا شك فإن شمس الحرية في ليبيا قد أشرقت، ولكن الدخان الكثيف لآخر قذائف القذافي، هوالذي يغطي تلك الشمس، وسينكشف الغبارالدامي لنرى شمسا ساطعة دافئة في ربوع ليبيا. فالقذافي لا يريد أن يترك للشعب الليبي، مالا ، ولا سلاحا، ولا بناءا، ولا أرضا، ولكنه واهم . فالمال يمكن توفيره، والسلاح يمكن صنعه، والبناء يمكن إعادته، والأرض ستدفنه في رمالها دون أن يقدرعلى النيل منها. فلم يبق من القذافي إلا ما يفعله من قتل، تتحداه إرادة الحياة لدى الليبيين، ومن أوهام ستنقشع مع رياح التغيير التي تهب على ربوع ليبيا منذ 17 فبرايرالماضي، ومن مرتزقة سيختفون مع آخر مرتزق يقتل أو يؤسر على يد نشامى ليبيا العظام . ولم يبق سوى انتظار ذلك اليوم الذي تدخل فيه قوات الشعب الليبي إلى طرابلس والتوجه إلى، العزيزية، لتخرج القذافي منه حيا أو ميتا، لتنزل به العقاب الذي يستحقه، وفي القصاص حياة.