العمل التطوعي وثورة 25 يناير
7 ربيع الثاني 1432
صلاح فضل

في الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 ، انطلقت الشرارة الأولي لثورة مصر ، لكبح جماح الظالمين ، ورد المظالم إلي أهلها ، وقد شارك في هذه الثورة التي بدأت علي يد مجموعة من الشباب ، كل فئات الشعب المصري ، وبجميع مراحله العمرية ، بدء من الأطفال وحتي الشيوخ .

وهذه الثورة تدخل في نطاق المشاركة الشعبية لإصلاح وتغيير أحوال المجتمع ، والتي تحمل في جوهرها روح العمل التطوعي .
حيث نجد أن كل من شارك في الثورة ، خرج متطوعا من تلقاء نفسه ، دون أن يكون متطلعا إلي أي كسب مادي .

وكانت الثورة مجالاً رحباً ، استوعب كل مظاهر التطوع ، فتنوعت مناشطه ، وتعددت مجالاته ، بدء من الكلمة وحتي التضحية بالنفس .

وفي مركز الثورة بميدان التحرير وسط القاهرة ،امتزجت صيحات المتظاهرين بدمائهم ، في مشاهد وقف العالم بأسره لا ليشاهدها ، بل ليتعلم منها .

كما نلاحظ أن العمل التطوعي أثناء الثورة وحد المصريين ،وأذاب الفوارق بينهم ، فالكل تجمع ليُعين ويساعد بعضهم بعضاً،فوجدنا الصغير بجانب الكبير ، والشاب بجانب الكهل ، الفقير يقتسم طعامه مع الغني ، أستاذ الجامعة يعاون الحرفي .
 الشعب المصري بمختلف فئاته ،وطبقاته انصهر في بوتقة واحدة يسعي لتحقيق هدف واحد ،وهو إسقاط النظام . 

وقد أفرزت أحداث الثورة عددا ًمن المناشط التطوعية ،انتشرت في جميع مدن وأحياء وقري مصر ومن أقصاها إلي أدناها ، و من أبرز هذه المناشط .
اللجان الشعبية :

التي تشكلت في كل شوارع مصر ، عقب انسحاب جهاز الشرطة من مواقعهم ،بهدف إحداث فوضي أمنية ، ولاسيما بعد إطلاق الشرطة لسراح البلطجية ، والُمسجلين خطر ، وأصحاب السوابق ، من السجون  بل وإعطائهم تعليمات بالنهب والسرقة ،وإشاعة الفوضي، والهلع بين المواطنين  ، طمعاً منهم في تعجيز،وإرهاب الشعب ، ووأد الثورة في مهدها .

،كالمستشفيات،وشركات الكهرباء ،والمياه،والبنوك ،والمصانع ،وغير ذلك من المؤسسات، والمنشآت الاستراتيجية .
ولم يقف عمل هذه اللجان عند حفظ الأمن والحراسة فقط ، بل تعددت ألوان النشاط التي تقوم بها ،وتنوعت الخدمات التي تقدمها للمواطنين  فقد تم تنظيم اللجان إلي مجموعات وفرق، لكل منها نشاط وعمل مثل :
 فرق النظافة :

التي كانت تقوم بكنس ،وتنظيف الشوارع ،ورفع المخلفات الناجمة عن تحطيم ،وحرق بعض المنشآت والمحلات .
فرق محاربة الغلاء والإحتكار:

وأشرفت علي توزيع السلع الضرورية مثل الخبز ،وأنابيب الغاز ،ومحطات البنزين .
وكانت تقوم بشراء العديد من السلع الغذائية كالأرز، والسكر،والزيت،والخضروات والفاكهة وبيعها بسعر الجملة أو توزيعها بالمجان ،تخفيفاً علي المواطنين وأُسرهم،وكسراً لحالة الإحتكارالتي حاول البعض أن يمارسها ،في ظل غياب الرقابة الحكومية علي الأسواق .

فرق التوعية :
وقامت بتوعية المواطنين بخطورة المرحلة التي تمر بها مصر ، وضرورة التعاضد والتعاون ،من أجل نجاح الثورة، وإنقاذ البلاد من الظلم، والفساد .
وكانت هذه الفرق تقوم بدورها عبر المساجد،والتجمعات في الشوارع وأماكن العمل ،ومن خلال،وضع اللافتات والملصقات في الشوارع والطرقات ، وعبر صفحات "الفيس بوك " التي تحث علي التعاون والإلتفاف حول مصلحة الوطن،والتخلق بآداب الإسلام .

ولانكون مبالغين إذا ما قلنا بإن ثورة مصر هي "ثورة مسلمي مصر"  قاموا بها منذ البداية ،وأضاءوا شعلتها بدمائهم الطاهرة ،التي سالت في كل ربوع مصر،ولذلك كانت ملامح العمل التطوعي الإسلامي بارزة وغطت كل مشاهد الثورة .

 

فقد اكتظت ساحة ميدان التحرير بالألوف من المصلين،في جميع الأوقات ، وقام بعض الدعاة المؤثرين وتواجدوا مع المتظاهرين طيلة أيام التظاهر والإعتصام .
ولاشك في أن لتواجد مثل هؤلاء في أتون المظاهرات ، تأثيراً كبيراً في ثبات الشباب وتماسكهم ،و توجيه جهودهم الوَجة الصحيحة .

وإشاعة روح التكافل والتضامن ، المُتشبعة بتعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة .
وانتشرت مظاهر الحب والإيثار،والبذل والإنفاق ، فشاهدنا اقتسام الطعام والشراب والفراش ،والأموال ، ومد يد العون للمحتاجين ،وإغاثة الملهوفين .من المسلمين وغيرهم .
الفرق الطبية :

كانت مهمتها إنقاذ ،وإسعاف المتظاهرين المصابين،أثناء التظاهرات من خلال المستشفيات الميدانية التي أقاموها ، وعلاج المرضي الذين يحتاجون إلي علاج وحالت الظروف التي تمر بها البلاد،دون الذهاب للمستشفيات ، وضمت هذه الفرق متطوعين من الأطباء ،وأطقم التمريض ،والصيادلة ، كما ضمت المتطوعين بالدماء والأدوية ،والسيارات لنقل الجرحي والمصابين .

وفي المقابل نجد أن آداء الجمعيات الأهلية، لم يكن علي المستوي المتوقع منها أثناء المظاهرات ،وجاء مُخيباً للآمال ، فعلي الرغم من وجود جمعيات لها ثِقلها في مصر ، و ذات سمعة عالمية ، وتقوم بتُسيير قوافل الإغاثة شهرياً ، لم نجد لها تواجداً أثناء الأزمة ، ويُفسر هذا ماذكرناه في مقال سابق عن سطوة رجال الحزب الوطني وعملاء الأمن علي كل مؤسسات  العمل التطوعي في مصر .
ونفس الحال يقال علي الأحزاب السياسية ،علي اعتبار أنها من المكونات الرئيسية للمجتمع المدني .

وعلي صعيد المؤسسات الملتصقة بالنظام ،كجمعيات الهلال الأحمر وجيل المستقبل،وجمعيات رجال الأعمال ، نجد أن:

 هذه المؤسسات وحدت جهودها لإجهاض الثورة، والقضاء علي المتظاهرين ، من خلال حشد أعداد كبيرة من البلطجية والمجرمين  للاشتباك مع المتظاهرين في ميدان التحرير ، كما شاهدناه جمعياً علي شاشات التلفزه ،وعبر وسائل الإعلام الأخري ، ونفس الأمر تكرر في باقي المحافظات كالسويس ،والإسكندرية، والغربية .

لقد فضحت الثورة المصرية ،القطاع التطوعي المصري بكل مكوناته ، وكشفت عن حقائق مُفزعة في حصار العمل الخيري ،حيث أن الكل بلا إستثناء يعمل لمصلحة النظام ،يدور في فلكه ،ويأتمر بأوامره .
ويشير تحرك الشعب المصري للتطوع ،وتنظيم نفسه بطريقة تلقائية إلي انعدام الثقة في هذه المؤسسات ،وغيابها عن التفاعل مع أحداث الثورة.
 ففي الوقت الذي يحتاج المجتمع إلي جهودها لم تتحرك ، خوفا من بطش السلطة ،و حفاظا علي الولاء المطلق لها .

وسو ف تُسفر الأيام القادمة عن نتائج ، قد لا تصب في مصلحة هذه المؤسسات ،قد تتمثل في ثورة غضب ورفض ، مطالبة بتصحيح الأوضاع، والعودة للعمل من أجل المجتمع ،وليس من أجل النظام .
وواقع الحال في مصر حاليا يشير إلي أن :هذه المؤسسات في حاجة إلي إعادة بناء الثقة بينها ،وبين أفراد المجتمع ، ولن يتم ذلك إلا بتغيير اللوائح والقوانين المنظمة للنشاط التطوعي ،والأشخاص ، وإحداث ثورة من الداخل ،قبل أن تهب عليها رياح التغير من الخارج .