مصر بين مقاومة التغيير ومحاولات إجهاض الثورة
7 ربيع الثاني 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

للثورة التي اندلعت في مصر يوم 25 يناير وأدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك طبيعة خاصة عن ثورة تونس أو ليبيا أو اليمن أو غيرها؛ لأن مصر مركز للتوجيه والتأثير في العالم العربي وأي تغيير فيها سيؤدي حتما إلى تداعيات هامة على المنطقة بأسرها, ورغم التفاؤل العام الذي ساد عقب الثورة وما حققته من نجاح تمثل في الإطاحة بعدد من رموز الفساد في النظام السابق إلا أن الأحداث التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة لا تدعو للارتياح وتمثل خطورة شديدة ليس فقط على إنجازات الثورة ولكن على مستقبل البلاد ككل.

 

فاستمرار غياب الأمن وانتشار حوادث السرقة والنهب والاحتجاجات والإضرابات وتعطل العمل في المصانع والشركات ينذر بكارثة إن لم يتم التعامل معه بحزم, ومن المدهش أنه ومنذ رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك وتولي المجلس العسكري للحكم في البلاد منذ شهر تقريبا والشرطة لم تعد إلى مواقعها بل يكتفي عدد منهم بالتجول في السيارات لمشاهدة الشوارع ورجال المرور يقفون في أماكنهم دون تدخل لضبط حركة المرور ويتركون الامر لعدد من الشباب المتطوعين, ويبدو الامر كأنه مخطط مرسوم لإغراق البلاد في الفوضى وهو امر غير مفهوم على الاطلاق كما من غير المفهوم ايضا التعامل اللين من المجلس الاعلى تجاه جهاز الشرطة وقياداته وتركهم يحرقون ملفات كبار المسؤولين قبل أن يتدخل المتظاهرون ويلقون القبض عليهم بعد أن انتهوا من التخلص من عدد كبير من ملفات كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس البرلمان السابق فتحي سرور ورئيس ديوان الرئيس السابق زكريا عزمي ورئيس الوزراء السابق عاطف عبيد, وغيرهم, بل أن الامر وصل إلى ترك ملفات وصفت بالملفقة لعدد من رموز المعارضة لتقليب الرأي العام عليهم وأيا كانت صحة هذه الملفات فالسؤال المطروح وبقوة كيف تترك هذه الملفات في يد قيادات الأمن الذين قتلوا المتظاهرين وأطلقوا المساجين وتركوا مواقعهم للبلطجية وقطاع الطرق خلال الثورة؟ ولماذا يتحرك المجلس الاعلى دائما متأخرا وبعد فوات الأوان؟ ولماذا لم يتم تقديم عدد من كبار رموز النظام السابق للمحاكمة أسوة بغيرهم مثل صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور رغم تقديم عدد كبير من البلاغات ضدهم؟

 

من المؤكد أن هناك عددا من رجال النظام السابق يسعون لنشر الفزع والرعب والعبث بالأمن ومقاومة التغيير خوفا على مصالحهم ولكن المثير أن المجلس الأعلى الذي يقوده عدد من الجنرالات الذين عينهم مبارك في مواقعهم لا يتحرك إلا بضغط من الشارع وكل ما يهمه هو إخلاء ميدان التحرير والكف عن التجمع فيه رغم عدم المضي قدما في ملفات هامة تتعلق بالقضاء تماما على رجال النظام السابق الذين يثيرون الفتن في البلاد وآخر مخططاتهم إثارة الفتنة الطائفية وتقليب "المسيحيين" لتقديم رسالة للخارج بأن النظام بعد الثورة غير قادر على حمايتهم ويفتح الباب أمام التدخل الخارجي. إن عدم الحسم بشأن نشر رجال الشرطة ومعاقبة المقصرين منهم وعدم الحزم مع البلطجية واللصوص الذي يتحرك بعضهم بإيعاز من بعض رجال أمن الدولة يصب في مصلحة الثورة المضادة, كما أن الاولى بالحسم ليس من يجلس في ميدان التحرير للمطالبة بمطالب سياسية عامة ولكن الاعتصامات الفئوية التي تخرج بداعي وبدون داعي وبتحريض أحيانا من بعض الجهات وتؤدي إلى خراب اقتصادي سيزيد من سوء الاحوال المعيشية للمواطنين.

 

هناك شعور عام بأن المجلس العسكري يريد "تسكين" الثوار وليس تحقيق مطالبهم فتتم الاستجابة للمطالب ببطء وبعد ضغوط حتى يمل الثوار ويتناسون أو يتنازلون عن بعض مطالبهم؛ لأنه لو كان هناك نية حقيقية للتغيير والإصلاح لتمت عدة خطوات حاسمة بشكل أسرع من ذلك على رأسها إعادة الامن ومحاسبة جميع رموز النظام السابق ووضع اليد على ملفاتهم التي تركت في أيدي أمن الدولة لفترة طويلة, وتكليف مجلس رئاسي بإدارة البلاد مع بقاء الجيش حاميا للثورة وللبلاد وهي مهمته الأولى, أما ما يحدث الآن من تخبط وخطوات بطيئة وبعد مماطلة فسيؤدي إلى التقاط النظام البائد لأنفاسه وسعيه للانقضاض على مكاسب الثورة. تجارب الجيش في الحكم في جميع انحاء العالم تجارب فاشلة والفترة القادمة تحتاج إلى عين سياسية خبيرة لإدارة دفة الامور حتى يتم انتخاب رئيس وبرلمان بشكل صحيح  يعبر عن إرادة الشعب حتى لا تفرز الاجواء المرتبكة ديكتاتورا ومجلسا مزيفا جديدا.