الشيخ الصادق الغرياني.. ملهم الثورة في ليبيا
24 ربيع الأول 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

يعتبر الشيخ الصادق الغرياني من أبرز علماء المسلمين في ليبيا، على المستوى الشرعي والسياسي والشعبي، وله دور كبير في دعم الثوار وحركة الاحتجاجات الواسعة في ليبيا المطالبة برحيل نظام العقيد معمر القذافي الذي حكم البلاد على مدى 41 عاما.

 

وكان الغرياني دعا منذ انطلاق ثورة 17 فبراير 2011 إلى النزول إلى الشارع ومشاركة المحتجين، معتبرا أن ذلك فرض عين.

 

والغرياني ينحدر من عائلة لها باع في العلوم الشرعية؛ فهو حفيد الشيخ علي بن علي الغرياني الذي تُظهر ترجمته أنه قرأ القرآن علي والده علي بن بوكر بن امحمد بن محمد الغرياني في سن صغير. ولما توفي والده انكب على دراسة العلوم الشرعية واللغوية، التي تلقاها على يد أخيه الأكبر الشيخ محمد الغرياني المعروف بالشيخ الكبير الذي تخرج على يده أشهر علماء ليبيا.

 

وتبع تلك النخبة الحفيد النابه الشيخ الصادق الغرياني حتى بات أحد أهم رموز الدعوة في ليبيا؛ فهو -فضلا عن دوره كأستاذ أكاديمي- متنوع العلم غزير الإنتاج في فروع العلم الشرعي، حيث يؤلف في الأسرة، وفي المعاملات، والتفسير، وفي سائر شؤون الدعوة.

 

ولد الدكتور الصادق بن عبد الرحمن بن علي الغرياني بليبيا في عام 1942، وتخرج في كلية الشريعة عام 1969، وقد تم تعيينه كمعيد فور تخرجه من الجامعة عام 1970.

 

وحصل الشيخ الغرياني على درجة الماجستير من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1972 شعبة الفقه المقارن، وحصل على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عام 1979، وعنوان الرسالة (الحكم الشرعي بين النقل والعقل).

 

كما حصل على شهادة دكتوراه أخرى من قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة (إكستر) في بريطانيا، وعنوان الرسالة (إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك) لأحمد بن يحيى الونشريسي ، (تحقيق ودراسة) في عام 1984 .

 

أمضى الغرياني في التدريس الجامعي أكثر من ثلاثين عاما، قام خلالها بالإشراف على عدد كبير من الرسائل العلمية في مرحلة الدراسات العليا.

 

ويتولى حاليا الإشراف والتدريس في شعبة الدراسات العليا بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بطرابلس.

 

وللشيخ الغرياني حضور دعوي بارز في ليبيا، برغم التضييق على الدعاة هناك. وكانت تقارير صحفية أفادت بأن السلطات الليبية اعتقلته بعد أن دعا لنصرة المتظاهرين في ليبيا، لكنها سرعان ما أطلقت سراحه ربما خشية ردود الفعل.

 

وأصدر الشيخ الغرياني فتوى بضرورة خروج الليبيين لنصرة المتظاهرين أمام نظام العقيد معمر القذافي. وقال في فتواه: "إنّ الخروج إلى المظاهرات فرض عين لمساندة الإخوة المكلومين في باقي أراضي البلاد، وإن البلاد تعاني غزوًا أجنبيًّا من مرتزقة أفارقة يموَّنون من حكومة طرابلس إلى بنغازي عن طريق جسر جوي".

 

واعتبر الغرياني في فتواه أن "ما يفعله النظام في ليبيا أشد من عمل اليهود في غزة وفلسطين"، وهي الفتوى التي أيدها الشيخ الليبي الشهير محمد علي الصلابي.

 

ورأى الصلابي -الذي يحظى بشهرة أوسع في الأوساط الإسلامي خارج ليبيا بسبب كتبه في التاريخ الإسلامي-: إن الغرياني هو مرجعية للشعب الليبي، وكلنا كدعاة وعلماء نلتف حوله في هذه الفتوى، وعلى الجميع الوقوف يدًا واحدة أمام النظام.

 

ومنذ بداية الاحتجاجات في ليبيا المطالبة بإسقاط نظام القذافي، أصدر الغرياني بيانا على موقع الإلكتروني دعا فيها إلى وحدة الصف الليبي ونبذ الخلافات القبيلية.

 

وقال الغرياني في بيانه: "أتوجه إلى أبناء وطني في أنحائه وقبائله المختلفة، أن يتنبهوا ويتيقظوا حتى لا ينزلقوا لحمام الدماء الذي ربما تحييه في نفوسهم خلافات قبلية قديمة، وضغائن قد عفا عليها الزمن، فيحيوها من جديد ويكتوي بنارها الوطن بأسره، وربما لا تكون لها نهاية، وأذكرهم بمغبة ذلك وعواقبه الخطيرة، فإن من أعان على ذلك أو تسبب فيه أو سكت عنه وهو يقدر على منعه فسيلحقه إثمه وإثم من قام به على مر الأجيال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" رواه مسلم بنحوه.

 

وقال الغرياني في الرسالة التي عنونها: "دعوها فإنها منتنة" إن على العقلاء من الناس وخصوصا أولياء الأمور، ومن ينتمون إلى القبائل، أن يحذروا العصبية والقبلية، وليعلموا أنهم إخوة في الإيمان... وليعلموا أن ارتباطهم بالقبلية المخالفة لأخوة الإيمان، هو انتماء إلى جاهلية، حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم".

 

 كما دعا كبار السن والعقلاء والآباء أن يتبرؤوا تبرءا صريحا من كل من لا يسمع لهم ويطيع ويكفوا عن دعوى القبلية، أو يتصدى لقتل الأبرياء سواء كان من المدنيين أو العسكريين، فمن قتل قاصدا للقتل كان في غضب الله، ومن خرج مسالما لا يريد قتلا أو قُتل في بيته فعسى الله أن يكتبه في الشهداء.

 

وعلي المستوى الشعبي، شارك الشيخ الغرياني في مظاهرات الشباب المطالبة بإسقاط النظام، وتصدر في طرابلس مظاهرة يوم 25 فبراير، عقب الإفراج عنه.

 

ومن أبرز مؤلفات الشيخ: مدونة الفقه المالكي وأدلته، فتاوى المعاملات الشائعة، فتاوى المرأة المسلمة، العبادات أحكام وأدلة، الزِّفاف وحقوق الزوجين، الأسرة أحكام وأدلة، دفن الميت وعادات المآتم، أساسيات الثقافة الإسلامية، المعاملات أحكام وأدلة، المعاملات في الفقه الإسلامي، الأدعية والأذكار، عقود شائعة (أسئلة وردود)، في العقيدة والمنهج، المعاني في تفسير القرآن.