الطواغيت الصغار
23 ربيع الأول 1432
د. عبدالعزيز العبداللطيف

1- الطواغيت الصغار

الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة كما بسط الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - ..
وهم متفاوتون في أحجامهم وأجرامهم، فيتفاضلون في الطغيان حسب القدرات والصلاحيات، ويجتهدون في الاسبتداد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فطغيان الرئيس ليس كطغيان الوزير، كما لا يُسوّى طغيان الوزير بطغيان المدير...
ولئن كان طغيان ابن علي أضحى مكشوفاً عارياً، فإن "حسني" في ساقته، والبقية في قائمة الانتظار، وربك بالمرصاد.
ومما يجدر ذكره أن داء الطغيان والاستعلاء لا ينفك عن بني الإنسان والجان، فمستقل ومستكثر، إذ الجهل والظلم أساس الطغيان، وباليقين المنافي للجهل، والصبر المنافي للظلم تحصل المعافاة من آفة الطغيان، وقد قال بعضهم: ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قدر فأظهر، وغيره عجز فأضمر.

 

فالنفوس مشحونة بحبّ العلو والرياسة حسب الإمكان .. فقد تجد مديراً مغموراً، أو عميداً مطموراً، لا يتفرد بصلاحيات، ولو تجوّزنا فهو لا يملك من الصلاحيات ما لا يزيد على شبر ! ثم تراه يعيث في دائرته كأنها حلاله ومتاعه، ويعامل رعيته كما لو كانوا مماليكه، وحرّك تر!
فنسأل الله أن يرزقنا الصبر واليقين، وألاّ يحرمنا من العلم النافع فإنه النور في الظلم والأنيس في الوحدة. وأن يمنّ على علينا بالعدل والإنصاف من أنفسنا وسائر الخلق.
 

 

2- تركة من حكم نصف الأرض
 الدنيا حقيرة مهنية، وقارون هو أكثر الناس مالاً وقد خسف الله به فصار عبرة للمعتبرين، وأفراخ قارون من الحكام السرّاق –وآخرهم ابن علي- والتجار الفجار وأشباههم من عشاق المال لا يزالون في هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي..
قال تعالى: (( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )) التوبة:55.
قال ابن القيّم: "لا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همّه ، وهو حريص بجهده على تحصيلها والعذاب هنا هو الألم والمشقة والتعب.. ومن أبلغ العذاب في الدنيا: تشتيت الشمل وتفريق القلب، وكون الفقر نُصب عيني العبد لا يفارقه، ولولا سكرة عشاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب .." إغاثة اللهفان 1/59.

 

وأما من كانت الآخرة همه فهو في عافية من تلك الأدواء كما في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من كانت الآخرة همه جمع الله شمله ، و جعل غناه في قلبه ،  وأتته الدنيا وهي راغمة..) أخرجه أحمد.
وقرر ابن تيمية أن المؤدي للأمانة مع مخالفته هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذّل أهله أو يذهب ماله ، ثم سرد هذه الحكاية العجيبة " أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك  فقال: أدركت عمر بن عبدالعزيز ، قيل له: يا أمير المؤمنين أفقرت أفوه بنيك من هذا المال ، وتركتهم فقراء لا شيء لهم – وكان في مرض موته – فقال: أدخلوهم عليّ ، فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكراً ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه ، ثم قال لهم: يا بنيّ والله ما منعتكم حقاً هو لكم ، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم ، وإنما أنتم أحد رجلين إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله ، قوموا عني ، قال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله - يعني أعطاها لمن يغزو عليها -.

 

قلت (ابن تيمية): هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى الشرق –بلاد الترك- إلى أقصى المغرب –بلاد الأندلس- ومن جزائر قبرص وثغور الشام إلى أقصى اليمن، وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئاً يسيراً يقال أقل من عشرين درهماً.
قال : وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار، ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس.. - أي يسألهم بكفه -.
وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله مافيه عبرة لكل ذي لب" مجموع الفتاوى 28 / 247 -250
 

 

3- الخيانة وحرمان العلم

قال ابن القيم: (( سمعت رجلاً يقول لشيخنا (ابن تيمية) إذا خان الرجلُ في نقد الدرهم، سلبه الله معرفة النقد أو قال نسيه، فقال الشيخ: هكذا من خان الله تعالى ورسوله في مسائل العلم.)) روضة المحبين ص 512.
    وبضدها تتبين الأشياء، فالعلماء الربانيون صدقوا الله ورسوله ونصحوا، فأورثهم ذلك علماً نافعاً وبصيرة وتحقيقاً وبركة.. وعلماء السوء خانوا الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فسلبوا العلم وحرموا بركته والله المستعان.

 

 
4- شؤم البدعة والزندقة

    الجعد بن درهم هو رأس التعطيل، فهو أول من أظهر إنكار الصفات الإلهية، وكان مؤدباً للخليفة الأموي مروان بن محمد (الحمار)، ولذا كان يقال مروان الجعدي، وشؤم بدعة الجعد لحقتْ بمؤدبه، فكان سقوط دولة بني أمية في عهد مروان الجعدي، وكان أخر خلفاء بني أمية.
    ثم إن آخر خليفة عباسي وهو المستعصم بالله لحقه شؤم الرافضة لما استوزر ابن العلقمي، والذي أنهك جيش الخلافة بتسريح المقاتلة من الخدمة، ثم حرض التتار على غزو بغداد، فكانت نهاية خلافة بني العباس.
 

 

5- التجويع سياسة فاشلة

    حكام هذا الزمان يقولون الإثم ويأكلون السحت، ويتواصون في تجويع الرعية طمعاً في المزيد من خضوعها وخنوعها ! وقد كتب عبد الملك بن مروان لعامله الحجاج بن يوسف: واستعن عليهم بالفاقة فإنهم نعم العون على الطاعة ! (الآداب الشرعية لابن مفلح 2/243).
    وهذا التجويع لا مقدور عليه فضلاً أن يكون مشروعاً – كما هو مشاهد في أحداث تونس ومصر.. – فالتجويع باعث على منابذة الحكام والقيام عليهم، فالجوعى لن يخسروا شيئاً.. فليس في الإمكان أسوأ مما كان !
    ورحم الله مصطفى الرافعي إذ يقول:
إن ملكت النفوس فابغ رضاها      فلها ثورة وفيها مضاء
يسكن الوحش للوثوب من الأسر فكيف الخلائق العقلاء.