دلائل ثورات العالم العربي
21 ربيع الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ما يشهده العالم العربي من ثورات في الفترة الأخيرة ليس وليد اللحظة ولكن منذ سنوات طويلة والعديد من الدول العربية تئن تحت أنظمة بوليسية متسلطة أذاقت شعوبها صنوف العذاب, ونهبت خيراتها فأفقرت الشعوب وعاشت هي في رفاهية,وأحاطت نفسها بحاشية فاسدة زينت لها الباطل وأوهمتها أن الناس بخير ما داموا هم بخير وأن البلد هي الزعيم والزعيم هو البلد, ورغم الانفتاح النسبي الذي شهدته بعض هذه البلدان في السنوات الأخيرة بعد أن رفعت الولايات المتحدة شعار نشر الديمقراطية والحرية في بلاد الشرق الأوسط لكي تبرر غزوها للعراق, إلا أن الامر لم يتعد بعض الأمور الشكلية كحرية التعبير بحدود معينة من خلال الصحف وبعض الفضائيات الخاصة مع سيطرة أمنية على العاملين فيها وإبعاد من يثبت تجاوزه الحد المسموح به, وظلت طريقة الحكم كما هي في أيدي مجموعة معينة من المنتفعين.

 

ومنذ عشرات السنين وبعض الشعوب استعاضت بالنكتة لكي تنفس عن همومها وعن رأيها في حكامها وكانت هذه الشعوب لا تملك أداة اتصال فعالة لكي تجمع نفسها وتعرف حجمها الحقيقي إذا أرادت أن تتحرك في لحظة ما لكي تقف في وجه الظالمين؛ حتى حدثت ثورة الاتصالات العالمية بدخول الدش والموبيل والرسائل القصيرة والنت وانتشار المواقع الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر وأصبح العالم قرية صغيرة حقا , وتمكن الثوار من تجميع أنفسهم وبحث مطالبهم دون رقابة أو وصاية من أحد وقرروا جس النبض بتجمعات واحتجاجات صغيرة أفلحت في تحريك المياه الراكدة في محيط السياسة الميت بالعالم العربي.

 

لقد تخلص العالم العربي من الاحتلال الأجنبي لأراضيه خلال القرن العشرين الميلادي إلا أنه ابتلي بأنظمة لا تختلف معظمها عن الاحتلال بل إن بعض هذه الأنظمة كانت أسوأ من الاحتلال لأنها كان تبرر البطش بالمعارضين بأنهم أعداء للثورة وذيول للاحتلال وأنها تخشى على البلاد من العودة للوراء؛ فالاحتلال كان عدو واضح للعيان لا لبس فيه أما هؤلاء فكانوا يتخفون وراء شعارات الوطنية حينا والقومية حينا والمصالح العليا حينا, وصبرت الشعوب كثيرا ورأت بأم أعينها شعوبا أخرى كانت متأخرة عنها تتقدم وتعيش في رغد من العيش رغم قلة إمكانياتها, ولنضرب مثالا هنا بماليزيا هذه الدولة المسلمة الفقيرة التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني مثل كثير من الدول العربية, لقد بدأت نهضتها في وقت قريب مع عدد من الدول العربية ولا تمتلك الكثير من الإمكانيات إلا أنها تمكنت خلال 20 سنة فقط ان تصبح أحد النمور الأسيوية الاقتصادية وارتفع دخل الفرد فيها عدة مرات وإذا زرتها تحسبها قطعة من أوروبا رغم أن أكثر بيوتها كانت من الصفيح, وأصبح فيها بناية من أعلى البنايات في العالم.

 

لم يفطن هؤلاء الحكام إلى مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية ببقاء الامم الكفرة ما دامت عادلة وزوال الامم المسلمة إذا انتشر الظلم فيها, لقد اتسعت الفوارق الطبقية بشكل رهيب في عدد من هذه الدول حتى أصبح بعض مواطنيها في قوائم أغنى أغنياء العالم ويتحركون بالطائرات الخاصة ويستورودن الطعام الفاخر من أرقى المطاعم العالمية بينما يبحث ملايين من سكانها عن لقمة خبز جافة في صناديق القمامة ليسدوا جوعهم.

 

من أكبر العوائق التي أحبطت الشعوب عن التحرك للتغيير طوال سنوات طويلة هي الوسيلة الناجعة التي تجنبهم بحورا من الدماء  فهم رغم كل شيء مسالمون, حتى فعلتها تونس وتمكن شعبها من إسقاط أحد أكبر طغاة العصر في أيام معدودة وبأقل قدر ممكن من الخسائر وعندها تشجعت بقية الشعوب وكأنهم كانوا ينتظرون إشارة الدليل على الطريق الوعر, وتفجرت الثورات الواحدة تلو الأخرى مطالبة بحقوقها المشروعة في حياة تصون آدميتهم التي كرمها الله وأهانها الطغاة. سيتشبث بعض الطغاة بمقاعدهم إلى آخر نفس لأنهم يعلمون أن رحيلهم عن السلطة يعني رحيلهم عن الحياة بعد أن أكثروا من الجرائم ونسوا يوم الحساب إلا أن هذا لن يفت في عضد الثوار بعد أن رأوا نسيم الحرية يداعب أشقاءهم في بلاد مجاورة.