دروس من الثورتين التونسية والمصرية
6 ربيع الأول 1432
عبد الباقي خليفة

تبدو الأوضاع في بلادنا، متقطعة الأوصال، والمقسمة بين عصابات النهب الدولي، والسرقات، والخيانات الداخلية، كالتالي: استفاقة في تونس ومصر، وتأهب في بقية الدول العربية، وشباب في أقطار كثيرة ينتظر ساعة الصفر. تلك هي حالة المخاض التي بدأت في دولة وطئت أقدام عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم ، وغيرهم أرضها، وأريقت دماء الصحابة والتابعين على أديمها . كانت تلك أرض الزيتونة، والقيروان، وعقبة ابن نافع، وابن الحبحاب، وأسد بن الفرات، وابي زيد القيرواني، والإمام سحنون ، والامام بن عرفة، وابن خلدون.

 

أمة تولد من جديد : استفاقة انتظرناها طويلا، وكاد اليأس أن يجد له مكانا في القلوب والعقول، لولا نور من قبس النبوة " الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة". واليوم تصنع تونس ومصر، مجسدات للأحلام المقدسة، فقد تناغمتا تاريخيا، وأثرت إحداهما في الأخرى، فمن مصر وصل عقبة بن نافع إلى الأطلسي،عبر تونس، وفي مصر حطت جحافل المعز القادمة من تونس رحالها، وبنت الأزهر والقاهرة. واليوم كذلك، نرى عيون الملايين من المسلمين وغيرهم من أحرارالعالم تتطلع لقيامة العرب الحقيقية، من التخلف، والموات السياسي، والإقتصادي، والثقافي، والأممي. والآن، يعود الوعي بالتوحيد مجددا، يحمل معول ابراهيم، ومقلاع طالوت، وعصا موسى، ودعوة محمد صلى الله عليهم وسلم..

 

 أمة تولد من جديد .. بعد قرون من الظلم، والفقر، والردة، والكفر، والهزائم،أعادت الثورتان التونسية والمصرية للأمة الثقة بالنفس، والثقة في الشعوب، التي كادت تنسى أن " بعد العسر يسرا". وأن " الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته". وأن الأمة تتحمل جزءا من وزر الحكام الظلمة، عندما اغتصبوا سلطتها، وهجروا تعاليم دينها، وسرقوا ثروات شعوبها، فلم تصرخ، والصراخ أضعف الإيمان . فضلا عن أن تضحي من أجل كرامتها، وتحقق مقاصد الخلق، بتفعيل منة التكريم الإلهي" ولقد كرمنا بني آدم". وقديما قالوا " النار ولا العار". جاء ذلك النداء مدويا من سيدي بوزيد في تونس، وسمع يوم 25 يناير في مصر الكنانة ، مصرالأزهر، والعز بن عبد السلام، سلطان العلماء، وقطز، والظاهر بيبرس. وبين الإستجابة للتحدي، ووصول الرسالة إلى ميدان التحرير، كانت هناك دروس كثيرة جديرة بالتسجيل .

 

العثور على الحل :
1 ) كشفت الثورتان التونسية والمصرية،أن شعوب الأمة كانت في سبات عميق، تحتاج فيه للاستغفار المستمر دون انقطاع، وأن الأنظمة الحاكمة كانت تستفرد بالأحرار، سواء كانوا مجموعات، حركات ، وقيادات، وطاقات أكاديمية ، وصحافيين ، وكتاب، وغيرهم. وأن الصراع لم يكن متكافئا سواء أخذ طابع التمرد المسلح، سوريا، الجزائر. أو الخروج للشارع تحت لافتات حزبية غير مسنودة شعبيا، وتمثل تونس ومصر، نموذجا فاقعا في هذا الخصوص. وقد رأينا أن قوات الشرطة في تونس ومصر، انهارت خلال المواجهات مع الشعب، بما يعيد نتائج صدامات الحركات الاسلامية مع السلطات المستبدة في القطرين .
إذن، الدرس الأول هو أن أي تحرك يجب أن يكون مسنودا شعبيا، وأن يتم إقناع قطاعات واسعة من الشعب للخروج ضد السلطات الاستبدادية الفاسدة على كل المستويات .

 

التراكم يولد الانفجار:
2 ) أن التحركات الفردية، والجماعية، ضد السلطات المستبدة، ليست عبثا، بل ضرورة ليستفيق بقية أفراد الشعب، وتكوين وعي سياسي لديهم بوجود مشاكل في البلاد غير التي يتحدث عنها الإعلام الرسمي، مع ظهور وسائل الاتصال الحديثة، الانترنت، والفايس بوك، والتويتر، والسكايب، وغيرها . فالناس في حاجة لمن يضرب لهم المثل في التضحية، وقول كلمة الحق، ومواجهة الباطل، والظلم، والقهر، والاستئثاربالثروات، والقرارالسياسي.
وجميع النضالات وما يترتب عليها من دفع لفواتيرالحرية، من سجن، وتهجير، وتعذيب ، وحتى القتل، هي تراكمات تبقى في المخيلة الشعبية بطولات، إلى أن تصل الأمور إلى حد الغليان في نقطة فارقة، كالتي حدثت في تونس ومصر.

 

بيوت العنكبوت ..أوعصا سليمان:
3 ) كشفت الثورتان التونسية والمصرية، عن هشاشة العصابات الحاكمة في البلاد العربية، ولا سيما تلك المرتبطة بالمنظومة الأمريكية، وكان الشعب يحسب لها ، مخطئا، ألف حساب، رغم وجود أعداد هائلة من قوات القمع ،أرهبت وترهب بها الشعب، حيث هناك 160 ألف شرطي في تونس، مقابل 25 ألف جندي، في دولة يبلغ تعداد سكانها نحو 11 مليون نسمة . في حين يبلغ عدد قوات القمع المصرية مليون و450 ألف مقابل 300 ألف جندي ، في شعب يبلغ تعداده نحو 85 مليون نسمة . وبدت الملايين التي يزعم الحزبان الحاكمان في القطرين، انخراطها في صفوفه كسراب يحسبه الضمآن ماء. فهاته الملايين ليست سوى مجموعات من الانتهازيين الذين لا يتورعون عن اعلان براءتهم من الطغم الحاكمة إذا شكت في امكانية استمرارها. وعندما تنهار تكون أول من يكشف فضاعة ممارساتها كما حصل في تونس بعد 14 يناير 2011 م . حيث لم تخرج أي مظاهرة مؤيدة للديكتاتورالمستبد بن علي، أوحزبه ، الذي يواجه اليوم قرار حله.

 

التغلب على سياسة فرق تسد:
4 ) على الحركات الشعبية، والسياسية، والنخب المختلفة، أن لا تدخل في صراعات فيما بينها، لتسحب البساط من تحت أقدام السلطات الغاشمة، التي تعمل على إذكاء الصراعات بين المجموعات، اسلاميين وليبراليين، قوميين ويساريين، ( .... ) باعتماد سياسة، فرق تسد، فالكثير من الصراعات مفتعلة، وتقف وراءها السلطات الحاكمة. وهي لا تخشى أي تيار سياسي في مجتمع متدين بالفطرة، خشيتها من الإسلاميين، ولكنها لا تتورع في كتم صوت أي بيدق من بيادقها، إذا ما تجاوز المسموح به ، وخرج عن حدود اللعبة . وهذه السلطات تشعر بالتسلية عندما تتراشق مختلف الأطراف بالاتهامات، وتضرب بعضها بعضا من خلال المشاريع التي تقوم تلك السلطات بتمويلها. لا سيما إذا لجأت تلك الأطراف الغبية المتصارعة، إلى الحاكم ليحكم لصالحها ضد الطرف الآخر. هنا تبلغ به النشوة مبلغها، ويشعر بأنه يحرك عرائس الكراكوز في مسرح لعبته السياسية، وكثيرا ما تلعب السلطات سياسة تبادل الأدوار، بين مراكز صنع القرار، فيحسب هذا المركز على الليبراليين، ويحسب الآخر على المحافظين، ويصبح المركز الليبرالي، زعيما لليبراليين ، والمركز المحافظ زعيما للمحافظين، وكلا المركزين يعملان لهدف واحد ، هو أن يبقى الطرفان يدوران في فلك السلطات وحسب.ولا يخرجان على الخط الوهمي الذي حدده مركز القرار. وقد تم في تونس ومصر كسر هذه اللعبة، باجتماع جميع الأطراف على تحقيق مبادئ كونية يلتقون عليها، وهي لا وصاية لأحد على أحد ، والخلافات يفصل فيها الشعب في أجواء الحرية للجميع، مع احترام قيم المجتمع وتقاليده الراسخة .

 

تكسير الأصنام :
5 ) نزع هالة القداسة عن الآلهة المزيفة، ولا سيما رأس السلطة ، ففي هذه المرحلة، يشعر المستبد بالانهيار الداخلي، وبانهيارالصورة التي رسمها لنفسه، وعمقها في وجدان وأذهان الشعب، بأنه " لا يسأل عما يفعل" " وهوعلى كل شئ قدير" ( حاشا لله ) و" ذاته مقدسة" لا يمكن لأحد أن يجرأ على النيل منها. فإذا تم كسر هذه الصورة النمطية في المجتمع، يشعر من يرددها بأنه تحرر من المستبد في داخله، ويشعرالمستبد بأنه أضحى عاريا أمام الشعب، فينهار ثم يهرب، كما حصل مع طاغية تونس، بن علي.. كانت شعارات الثورة التونسية، أمشاط تهتك عروق وعظام وأغشية وأعصاب هالة القداسة التي أحاط المستبد نفسه بها.ومن خلال تلك الشعارات، نعلم لماذا انهار بن علي، ثم هرب، فالشعب علم حقيقته، وأمعن في تحقيره وتسفيهه والسخرية منه." التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" السارقين" و" يا نظام ( السلطة ) يا جبان شعب تونس لا يهان" و" تونس حرة حرة وبن علي يطلع برا" و" خبز وماء وبن علي لا " أي أنهم يفضلون الحرية الحقة، على أكاذيب التنمية، والوعود الكاذبة، مفضلين الحرية على رغيف مغموس بالذل والمن والاستعباد. و" اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام" و" لا إله إلا الله ، الشهيد حبيب الله " وكانت ثالثة الأثافي " الشعب يريد إسقاط النظام " والشعب يريد إسقاط الحكومة" وهو الشعار الذي استلهمه المتظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة . وكانت" شد شد( امسك امسك ) بن علي هرب" قمة السخرية والاستخفاف، وهتك هالة القداسة التي أحاط المستبد نفسه بها .

 

أخبارالخيانة رافعات الثورة :
6 ) من الأهمية بمكان، في معركتنا ضد الاستبداد، كشف الحياة الخاصة للمستبد، وعلاقاته الدولية، وأسرار تواطئه مع الأعداء التاريخيين للاسلام والمسلمين. فعلاقات بن علي، وحسني مبارك مع الكيان الصهيوني، كانت روافد هامة في الثورة ضدهما. مع صلف العدو الصهيوني، ورفضه حتى ( للسلام ) الذي يعرضه الرعناء العرب، الذين يسمون أنفسهم تجاوزا ( زعماء ). فعلاقات بن علي وحسني مبارك مع الكيان الصهيوني، كانت رافعات للثورة ، وحنق الشعوب عليهما وعلى الكيان الصهيوني الذي يهود القدس، ويستمر في بناء المستوطنات فوق أراضي 1967 م ويحاصرغزة ، ويقتل سكانها بشكل بطئ، ويهدد القطاع بالغزو. بينما يغلق حسني مبارك الحدود مع القطاع، ويساهم في حصار غزة ويحارب حماس، ويتواطئ مع الأعداء ضد الاسلاميين، وجميع شعبه ، ويحرض عليهم . وقد كشفت وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة، سيبي ليفني، أن زعناء عرب يلتقونها سرا في الفنادق، ويطلبون منها عدم كشف أمرهم، فأي خيانة يرتكبونها في غفلة من شعوبهم. فإذا كانوا يفعلون ( الصح ) لماذا يخافون ؟!!!!

 

حرامية ومافيا في جلبابي الحكمة والرشد المزيفين :
7 ) أمر آخر في غاية الأهمية ، يكشف جانبا، من حرص الزعناء العرب، على البقاء في السلطة. بعد أن أصبحت، الدجاجة التي تبيض ذهبا، والبقرة المقدسة التي وضعوا أنفسهم سدنة لها دون غيرهم، ومن ينازعهم إياها يقصمون ظهره . فهذه السلطة التي يتمسكون بها، يسرقون من خلالها ثروات الشعب، وهذه السرقات، وراء حالة البطالة التي يعيشها آلاف الشباب، وحالة التخلف التي تعيشها البلاد، والتراجع الرهيب الذي يهدد مستقبل الأجيال، على كافة المستويات. مافيات حاكمة يخلع عليها ألقاب، الحكمة، والرشد، وهي لا تلمك حكمة ولا رشدا. بل هي تجسيد حي للخبث، والنذالة ، والخسة ، واللؤم . مجموعات من، الحرامية ، والمافيا المحترفة ، التي تتجاوز وبمراحل صفات وسمات المافيا التقليدية . فعائلة بن علي، كانت تتحكم في 40 في المائة من الإقتصاد التونسي. وثروتها تتجاوز الاربعين مليارا. وهو رقم بامكانه أن يجعل تونس، جنة على الأرض. أما ثروة آل مبارك ، فتصل إلى 70 مليار دولار، وهي بدورها كافية لتشغيل جميع العاطلين في مصر، وإحداث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد المصري. وهكذا يتبين لنا أن إصرار الرعناء على البقاء في السلطة، هو إصرار على مواصلة السرقة والنهب وإفقارالشعب، ورشوة الغرب للسكوت على تلك الانتهاكات، وهي رشوة تتجاوز وبكثير ما يسرقونه ، وهي نكبات متجددة تحل بالشعوب المنكوبة بالرعناء المستبدين . وكشف كل ذلك وتتبعه ونشره ضروري لكسر الهالة المزيفة التي يحيط بها سارقوا الشعوب ومفقريها أنفسهم بها.

 

سحرة فرعون:
8 ) يحيط لصوص الحكم في البلاد العربية أنفسهم ، بمجموعة ممن يسمون أنفسهم تجاوزا" مثقفين" لأن المثقف الحقيقي، هوالذي ينحاز للشعب، حتى وإن أغضب السلطة، بل لا يعد مثقفا إذا لم يفعل ذلك . حتى ولوكان من في السلطة من التيار الذي ينتمي إليه، فالمثقف الحقيقي ، كما يقول غرامشي، لا يعدم الرؤية التي يكشف من خلالها مكامن القصورفي أداء السلطة على كافة المستويات . وكان بن علي وحسني مبارك، أكثر ممن استخدم ، مثقفي الايجار، المستعدين لخدمة المستبد، مقابل فتات، وغالبا ما يبررون ذلك كذبا بأنهم يخدمون مبادئهم، فمتى كانت المبادئ تخدم من خلال التمكين للاستبداد، الذي لا يمكنه أن يصنع نهضة، وإنما نكبات متتالية تحيق بالشعب. وكان ممن انتعلهم بن علي، محمد الشرفي، الذي كان وزيرا للتعليم، وعفيف لخضر، وآخرين يطول ذكر أسمائهم .... وهو ما فعله حسني مبارك مع الفقي قبل استقالته مؤخرا، وجابر عصفور، الذي وقع في الفخ أكثر من السابق، بانضمامه للحكومة الجديدة في مصروآخرين يطول ذكر أسمائهم ....

 

الشيطان يتبرأ من وكلائه :
9 ) رأينا كيف أن القوى الدولية، تظل حامية للطغم ، ومدافعةعنها، وساكتة على استبداد الأنظمة العربية . بل تتعاون معها في إبقاء العرب متخلفين، وضعفاء، ومتفرقين، ومشلولين على المستوى السياسي، كما نرى في الهوات السحيقة، التي يسمونها تجاوزا" قمما " لكنها تتخلى عنهم عندما تشعر بأن صلاحيتهم انتهت، كما تنتهي صلاحيات المعلبات . فبن علي الذي كان عميل فرنسا المدلل، والذي يسارع باذاعة كل برقية يرسلها أو يرسلها إليه الرئيس الأمريكي، لم يجد ملجأ سوى في محضن الدين الذي حارب حملته على مدى 23 سنة . لم تقبله فرنسا الذي ظل في أجوائها لمدة 7 ساعات، وكذلك ايطاليا، ومالطا. في حين لم يلق حسني مبارك أي دعم معلن من أسياده الذين خدمهم طوال حياته، ولا سيما السنوات ( الكابوس ) التي حكم فيها الشعب المصري على مدى يزيد عن ثلاثة عقود. وكان رد الغرب على هؤلاء المستبدين، كرد الشيطان على الذين اتبعوه، يوم القيامة" وما كان لي عليكم من سلطان،إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم" ( النساء ) واليوم يردد الغرب نفس المقولات، ما أطغيته ولكن كان في ضلال مبين" قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال مبين..." ق الآية 27 . فوزيرة الخارجية الفرنسية ، تبرأت من بن علي، ونظامه، بل إن وزير الثقافة فريدريك ميتران قدم اعتذارا للشعب التونسي. بينما تصريحات ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، تفيد بأن صلاحية حسني مبارك انتهت ، وإن كال له المديح كعميل موثوق به في واشنطن وتل أبيب. وأن الرعناء العرب، هم من يحق وصفهم بأوراق الكلينيكس، وليست وثائق ويكيليكس، كما وصفها القذافي.

 

دعوة لصنع تاريخ جديد :
10 ) لقد فرخت هذه الأنظمة كل الشرور، وكل الموبقات، وكل الظواهر السلبية، والخطيرة . فهي المسؤولة عن ظهور الإرهاب، وهي المسؤولة عن البطالة والفقر، وهي المسؤولة عن التخلف، وهي المسؤولة عن حالة التكلس الاقليمي بينما تصعد ايران، وتركيا، والهند، والنمور الآسيوية، والكيان الصهيوني .

 

الانسان لا كرامة له في الداخل، ولا في الخارج بسبب هذه الأنظمة . أصبحت الشعوب والبلدان وما تحتوية من ثروات ملكا خاصا للطغمة المستبدة يتاجر بها في أسواق النخاسة الدولية . وتوزع الثروات على الشركات الامريكية والاوروبية لحماية العروش .وأصبحت بلداننا خاضعة للاملاءات الخارجية ومراعاة مصالح الغرب على حساب الشعب والامة .وبالتالي لم نصبح ملكا خاصا للحاكم فقط، بل لامريكا والغرب عموما، يغيرون مناهج تعليمنا، ويرسمون خطط اقتصادنا، ويحددون سقف سياساتنا، ويجعلون من أرضنا قواعد عسكرية لاحط ما أفرزته مجتمعاتهم من أنواع البشر. بينما مستشفياتنا تفتقد للكثير من الضروريات ، وطرقنا للكثير من الاصلاح، ومؤسساتنا للكثير من العناية . وهكذا نجد أن اليهود لديهم مشروع في المنطقة ، والايرانيين لديهم مشروع ، والاتراك لديهم مشروع، والامركيان لديهم مشروع، ونحن ملحقين بالمشروع الامريكي عن طريق حكامنا الرعناء . بل أن مشروع الانظمة هو سرقة المزيد وإفقار المزيد من الشعب وخدمة المشاريع الصهيونية والامريكية .

 

الجرأة ، في نقد الحاكم، ومن ثم الثورة، بعد تهيئة متطلباتها، وكسر حاجز الخوف، والشعور بالمسؤولية، وتكرار السؤال، لماذا كل هذا السكوت وهذا السكون في مواجهة الظلم والسرقات، والخيانات. هو ما نتعلمه من الثورتين التونسية والمصرية . وقد كان الأنبياء عليهم السلام، قدوات لنا جميعا، فموسى عليه السلام لم يكن يتحدث من برج عاجي، بل واجه بنفسه الفرعون، ولم يوكل أحدا لذلك. وعيسى فعل الشئ نفسه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم الوحيد الذي أنجز ما يجب على كل انسان رسالي وكل مثقف عضوي، أن ينذر نفسه له ، وهو مقارعة الشرك والظلم، وبناء دولة التوحيد والعدل. فالأنبياء كانوا زعماء مصلحون، ودعاة للخير، وتطهير الروح ،وتحقيق الرغبات المشروعة للجسد وفق ضوابط حددها المولى عز وجل . وفي الثورتين التونسية، والمصرية ، شعر الكثيرون بأنهم مدعوون لصنع تاريخ جديد لبلدهم، وأحس كل فرد بأنه مسؤول عن ذلك ، لذلك شهدنا ونشاهد الملاحم التي يصنعها الشباب والكهول والشيوخ من كلا الجنسين . فالتضحية والتضحية فقط هي طريق الخلاص، ولا ننتظر أحدا أن يضحي من أجلنا ليخلصنا، بل نحن جميعا يجب أن يكون أول من يفعل ذلك، فبالتضحية توهب الحياة .