إهانة بشار للشعب السوري
29 صفر 1432
د. ياسر سعد

في حديثه لصحيفة الوول ستريت جورنال، أعطى بشار الأسد مثالا حيا على أنه من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل على الطغاة أن يتعظوا بغيرهم أو أن يبادرو بالقيام بإصلاحات ضرورية، إن لم يكن ذلك نتيجة ضغوط وانتفاضات شعبية تنتزع الحقوق وتسترد الكرامة والتي سلبها وانتهكها أولئك العتاة ردحا من الزمن. ولعل من أهم أسباب تلك المكابرة ثقافة النفاق والتزلف والتي تحيط بالحاكم من كل صوب وحدب لتزين له كره المواطن هياما وحبا، وجرائمه وموبقاته إنجازا ونصرا. كما إن الحديث عن ضرورة الإصلاح هي بالضرورة نتاج فساد الحاكم واستبداده، وبالتالي من غير المنطقي أن يفسد الدكتاتور عقودا ثم يأتي بشهور ليلعب بدور المصلح! بشار الأسد يشعر بالخوف والرعب الشديد مما جرى في تونس ويجري في مصر، فلقد منعت قواته الأمنية مواطنين سوريين من التجمع امام السفارة المصرية لإظهار تأييدهم وتضامنهم مع إشقائهم المصريين وشددت الرقابة على خدمات الإنترنت وحظرت مواقع التواصل الإجتماعي.

 

الرئيس الحالم أو بالأحرى الواهم والذي يمارس بحرفية عالية باطنية سياسية ورثها عن والده، تحدث عن الشعب السوري بطريقة فوقية وبإزدراء وإستعلاء. فبشار والذي وعد هذا العام "بانتخابات بلدية، ومنح المنظمات الأهلية غير الحكومية سلطات أوسع، وطرح قانون جديد للإعلام"، استبعد القيام بإصلاحات سياسية سريعة لكون المجتمع السوري غير مهيء، فلا بد من التعليم وإصلاحه وكذلك بناء المؤسسات ونحوها قبل التوجه إلى الإصلاحات السياسية بحسب تصريحاته. الشعب السوري والذي كان من أوائل الشعوب العربية في نيل الإستقلال، ومن أهم مصادر الحراك السياسي في المنطقة بأبعاده القومية والوطنية والإسلامية، ومارس أرقى أنواع التعددية السياسية والانتخابات البرلمانية الحرة بعد جلاء المستعمر الفرنسي، هذا الشعب برأي بشار وبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الأسدي الاستبدادي غير مؤهل للممارسة الديمقراطية والتمتع بالتعددية السياسية. فإذا كان هذا صحيحا –وهو أمر أرفضه تماما- فإن حكم عائلة الأسد هو المسؤول عن هذا الأمر وبالتالي فإن رحيله ضروري، وإذا كان طرح بشار زائف –وهو ما أعتقده-  فهذا يعني أن النظام لا يريد صلاحا ولا إصلاحا ولذا فإن إنهاء هذا الحكم هو واجب إنساني ووطني.

 

لقد مل الشعب السوري وعود الإصلاح والتي كررها حافظ ومن بعده بشار، بل إن الرئيس الحالي وعد بإصلاحات وسمح بحريات محدودة عرفت وقتها بربيع دمشق حال وصوله للحكم بتعديل دستور كاريكاتوري، ما لبث أن نكص عنها حانثا بوعوده وناقضا بعهوده. وحين إشتدت الضغوط على النظام بعد مقتل رفيق الحريري وعانى من عزلة إقليمية ودولية خانقة، أرسل إشارات توحي برغبته للإنفتاح وتخفيف القيود. غير أن النظام ما إن توهم بأن كفة القوة تميل لصالحه، حتى كشر عن أنيابه مضيقا على الحريات وليحاكم النشطاء والحقوقيين بتهم تثير الإزدراء والشفقة مثل إضعاف الشعور القومي، ورمى خلف قضبان الزنازين الشيخ الثمانيني المالح والفتاة طل الملوحي وعمرها لا يتجاوز 17 عاما. سلوك النظام واستخدامه الإصلاح كأداة سياسية أمور تبرهن على أن هذا النظام عصي على الإصلاح وإن صلاح البلاد والعباد يكون فقط في رحيله وإنهائه.

 

بشار زعم للصحيفة الأمريكية بأنه "سيكون لديه متسع من الوقت أكثر من الرئيس مبارك لإجراء الإصلاحات المطلوبة"، وعزا ذلك إلى أن مواقفه المناهضة للسياسة الأميركية ومواجهته لإسرائيل جعله في موقع أفضل مع القواعد الشعبية في بلده. وشدَد الأسد على أن "سورية مستقرة بسبب قرب توجهاتها من تصورات شعبها وهذا أمر مهم وأما عندما يكون هناك تباين فهذا ما يثير المشاكل". هل ما يقوله الأسد صحيح؟ وهل سياسة نظامه قريبة من تصورات الشعب ومعتقداته كما يزعم؟ وهل سقط النظام التونسي لإنه حليف للغرب كما جاء في افتتاحية أحد صحف النظام، في وقت أعرض إعلام النظام وبصورة من الجهالة عن تغطية أحداث تونس حتى لا تؤثر على مزاج الشعب السوري. وهل مواقف النظام ودعمه لحماس مواقف مبدئية أم أنها تقع ضمن الباطنية السياسية له؟ دعونا نستذكر الحقائق التالية وعلى سبيل الأمثلة وباختصار شديد:

 

•    حافظ الإسد كان وزيرا للدفاع حين سقطت الجولان في حرب 1967وقد أعلن عن سقوط القنيطرة قبل يوم من سقوطها، بعدها تولى الوزير الفاشل حكم البلاد. دراسات كثيرة أهمها كتاب الضابط السوري مصطفى خليل تحدثت عن تواطؤ الأسد مع إسرائيل والقوى الغربية لمقايضة الجولان بحكم سورية.

 

•    جبهة الجولان السورية هي الاكثر هدوءا في الجبهات العربية، والنظام الذي يدعم المقاومة إعلاميا يحرس الدولة العبرية بحرفية عالية.
•    سورية أنفقت جزءا كبير من دخلها على التسلح في سبيل ما كان يسميه الأب التوازن الإستراتيجي، وبعد هذه الحشد والاستعدادت تقوم الطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق قصر بشار وتقصف موقع الكبر فيما يلوذ الإعلام السوري بالصمت المطبق ويمنع النظام القوات السورية من الرد.

 

•    استقبلت فرنسا جاك شيراك في الأليزيه بشار الأسد دون أية صفة رسمية أو حزبية قبل وفاة الأب، مما إعتبره المراقبون التعميد السياسي الغربي للتوريث والذي شكل سابقة عربية سيئة وبكل المقاييس.
•    النظام السوري يلجأ لستر عوراته السياسية بدعمه الإعلامي والسياسي المعلن لحماس ويستضيف قياداتها السياسية. حماس تعلن في ميثاقها أنها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي يحكم فيه النظام وبقانون 49 –والذي ليس له نظير في العالم- بالحكم بالإعدام على من ينتمي لجماعة الإخوان في سورية ولا ينفك في المدارس يتهمها بالعمالة للصهيونية. وفي الأمر نموذج صارخ على نفاق النظام ولا مبدئيته وعلى باطنيته السياسية.

 

•    نظام بشار "البعثي والقومي" وضع سورية تحت الإنتداب الإيراني وفتح باب التشيع على مصراعيه في سورية مما أثار حفيظة العلماء ورجل الشارع وهو أمر يخالف تطلعات الشعب ويناقض معتقداته.
سورية الشام على أعتاب عهد جديد، فأعمار الطغاة مهما طالت قصيرة، والضغط والقمع وقانون الطوارئ وخنق الحريات وانتهاك الكرامات وسلب الثروات، هي عوامل ضاغطة تهيء لإنفجار كبير مرتقب، ولموعد للشعب والجيش السوري مع الحرية والديمقراطية.