الجميع يراقب الوضع يا أوباما.. فلم الكذب؟؟
26 صفر 1432
د. عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي

خرج أوباما بعد المظاهرات الشعبية بمصر بتصريحات عدة كان من آخرها قوله إن الولايات المتحدة تقف على الحياد بين النظام المصري والشعب، وهذه الكذبة الكبيرة هي امتداد لحال الساسة الأمريكان إذ يكذبون كثيرا لأنهم براجماتيون يرون أن الغاية تبرر الوسيلة تماما كحكام الدول العربية، والفرق الوحيد أنهم لايجرأون على الاستمرار في الكذب على الشعب الأمريكي فقط، بخلاف حكام العرب الذين لايقيمون وزنا لشعوبهم المغلوبة على أمرها.

 

وقد كانت آخر كذباتهم ترحيبهم بانتفاضة الشعب التونسي على لسان أوباما، وكأنه أراد الإيحاء بدور ما للولايات المتحدة. وآخر كذبات الإدارة الأمريكية هي محاولتهم إظهار الحياد الكاذب بين الشعب المصري والنظام بعد انتفاضة الثلاثاء. وهذا التصريح الذي يشي بحياد الإدارة الأمريكية سرعان ماكذبه تصريح آخر يظهر رغبة الإدارة في استمرار النظام الدكتاتوري الفاسد المتسلط في مصر حيث طمأن الناطق الأمريكي إسرائيل وأوربا على استقرار النظام في مصر وبقائه.

 

والشواهد والوقائع المؤكدة على الدور السيئ والقذر للإدارة الأمريكية في دعم تسلط وفساد النظام المصري أكثر من أن تحصر ولعلي أكتفي هنا بالشواهد التالية:

في يونيو 2005, أخبرت كوندوليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية آنذاك العالم أن أمريكا لن تدعم الأنظمة القمعية تحت اسم المصلحة السياسية النفعية, حيث قالت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة "طوال 60 عاما, سعت الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة --لكننا لم نحقق أيا منهما", ثم قالت: "أما الآن, فإننا نتخذ مسارا مختلفا, حيث سندعم الطموحات الديمقراطية لجميع الشعوب"..

 

وكانت أولى الأحداث التي كذبت كوندوليزا رايس الموقف الأمريكي من انتفاضة القضاة في مصر الأولى: في أواخر عام 2005, حين تحدت مجموعة صغيرة من القضاة المصريين نظام الرئيس حسني مبارك, وظلت الولايات المتحدة صامتة أمام سحق مبارك ونظامه للاحتجاجات العامة, وقد فهم العالم العربي وقتها بشكل صحيح أن واشنطن تخلت عن الديمقراطية, أو أنها لم تقصدها مطلقا.

 

ويخطيء من يصدق الولايات المتحدة في مزاعمها تأييد الديموقراطية في العالم الإسلامي فضلا عن العالم العربي فضلا عن الدول المجاورة لإسرائيل وذلك لسببين رئيسين:

الأول: أن من أسس السياسة الأمريكية التي قررها بعض أعمدة السياسة الأمريكيون ألا تعطى الحرية لشعوب المنطقة الإسلامية لأن الإسلام حينئذ ينتصر.

 

يقول المستشرق الأمريكي (وليفريد. كانتول سميث)[1] والخبير في وزارة الخارجية الأمريكية:
إذا أعطى المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها.

 

وينصح رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه "سفر آسيا" الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره.

 

ومما يعزز صدق هذه المقولات وأنها لاتزال سياسة ثابتة للولايات المتحدة في تعزيز الأنظمة القمعية والكذب على الشعوب بالوعود المعسولة أن أوباما نفسه اختار أن يلقي خطابه للعالم الإسلامي في يونيو 2009, دولة مصر التي يحكمها أحد أكثر الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط, فقد وصل حاكمها, مبارك, إلى السلطة عام 1981 وتشبث به بموجب قوانين الطوارئ والذي يسمح له بسجن الآلاف من المعارضين دون تهمة أو محاكمة, وكبت أي نشاط سياسي, كما يتلقى نظام مبارك ما يقرب من 1.8 مليار دولار سنويا من المساعدات الأمريكية, مما يجعلها ثاني أكبر دولة مستفيدة من المساعدات الخارجية الأمريكية بعد إسرائيل.

 

ولو أعلن أوباما قطع المعونة أو عقوبات على النظام المصري إذا قمع المظاهرات لرأينا كيف سيكون موفق النظام ضعيفا ذليلا.
ومنذ ذلك الخطاب, ظلت الإدارة الأمريكية هادئة بشكل ملحوظ بشأن تعزيز الديمقراطية وأحجمت عن انتقاد حلفاء الولايات المتحدة, بل إن الإدارة منعت أيضا تهديدات الكونجرس التي تربط المساعدات الأمريكية بمستقبل الإصلاح الديمقراطي أو التحسن في سجل حقوق الإنسان في العالم العربي.

 

السبب الثاني قرب هذه الدول من إسرائبل خاصة سوريا ومصر والأردن، حيث إن الديموقراطية الحقيقية قد تأتي بالإسلاميين الذين هم أعداء إسرائيل، واليهود يخذرون دول الغرب المؤيدة لهم وحاميتهم أن استقرار الدولة اليهودية مرهون بالأنظمة العميلة للغرب.
 وبالتالي فلا وجه للانخداع بالتصريحات الأمريكية، ولا أن ترجو الشعوب الإسلامية منهم خيرا.

 

إن الأمريكان بتصرفاتهم هذه إنما يزيدون كراهية العرب والمسلمين لهم إن المسلمين يعلمون أنه لولا هذا الدعم غير المحدود لهذه الأنظمة البائسة التي أذاقت شعوبها الجوع والفقر والذلة أمام العداء لاتملك ما يؤهلها للاستمرار في السلطة لولا الدعم اللا محدود الذي تقدمه لها الولايات المتحدة.

 

ويمكن لهذه الدولة التي بدأت مظاهر أفول قوتها وهيمنتها تظهر أن تكسب حياد المسلمين تجاهها، كما كسبتها دول أخرى. بأن توقف دعمها للظلم والقهر والتسلط في بلاد المسلمين.

 

ويبقى الأمل بالتغيير في مصر معقودا على جهود الشعب المصري وصبره وتغييره أفراد الشعب ما بأنفسهم من الهوان خصوصا وأن الكثير من أفراد الشعب لا يجد ما يحزن على فراقه حيث تبلغ نسبة الفقر في مصر 55% وأكثر حسب دراسة دولية.

 

ومن أهم أدوات التغيير حياد الجيش والشرطة، وذلك عبر التوعية الإعلامية عبر الانترنت وبالصلات المباشرة برجال الجيش والشرطة وإفهامهم بأن الشعب أولى أن تقفوا معه لأنهم أهلكم فهم آباؤكم وإخوانكم وأعمامكم وأخوالكم وجيرانكم ومواطنيكم، والفئة الحاكمة المستبدة الظالمة فئة قليلة هي التي أوصلت الشعب لما وصل إليه من جوع وهوان.

وإن التغير سنة كونية ولكنه لا يكون إلاّ بتغيير في الذات كما قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. أسأل الله أن يصلح الأحوال في مصر وفي كل بلاد المسلمين وأن يجعل عواقب الأمور إلى خير.

 

___________________

[1] ويلفرد كانتويل سميث.Wilfred Cantwell Smith
ولد في كندا عام 1916م، درس اللغات الشرقية في جامعة تورنتو، حصل على الماجستير والدكتوراه في مجال دراسات الشرق الأدنى من جامعة برنستون، متخصص في دراسة الإسلام وأوضاع العالم الإسلامي المعاصرة وأشهر كتبه في هذا المجال (الإسلام في العصر الحديث) عمل أستاذاً في جامعة هارفرد وفي معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مقيل بكندا، قام بتدريس الدين الإسلامي بكلية نورمان المسيحية بمدينة لاهور بباكستان 1941م-1945م، دعي للعمل أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات، صدر له حديثا (1998م) عدة كتب منها (نماذج الإيمان حول العالم) وكتاب (الإيمان نظرة تاريخية) وكتاب (الإيمان والاعتقاد والفرق بينهما).