تونس الجديدة: الإسلاميون وشخوص الماضي
24 صفر 1432
عبد الباقي خليفة

يبدو لنا المشهد التونسي في حالة تشكل، وبتعبير أدق محاولات للتشكل السياسي والثقافي، بقطع النظر عن الصفقات السريعة والمريبة التي تمت في الفترة ما بين 14 و27 يناير. وإذا استخدمنا لغة الصراع، أو بتعبير قرآني أكثر تحضرا " التدافع السياسي" نجد أن هناك تدافعاً بين عجائز السياسة، وما يمثلونه من دهاء إلى حد الخبث، (انظر كيف يفاوضون وينظرون للأمور، وكيف قدموا التنازلات والتقهقر بالميليميتر وعلى مراحل من يوم 14 يناير وحتى 27 من نفس الشهر، وإقصاء المعارضة غير الممثلة في الحكومة من التلفزة التونسية "الوطنية" جدا، حيث لم يتم استدعاء أي ممثل عن الحركة الإسلامية، ومنصف المرزوقي، وقولهم إنهم استدعوا حمة الهمامي ولم يحضر) وبين التيارات السياسية التي جمعت بين خبرة شيوخها، ووعي شبابها، والتي تعبرعن آفاق رحبة، للعمل السياسي، والمشاركة السياسية، والتحالفات المستقبلية. ولا تريد أن ترهن تونس في رئيس بصلاحيات ملك، أو في حزبين يمكن السيطرة عليهما داخليا وخارجيا. أو بتعبير آخر هناك "صراع" بين "بطرونات" السياسة والحكم، وأصحاب الأحلام المشروعة.

 

القوى الفاعلة:

وإذا نظرنا إلى القوى الرئيسية في تونس، نجدها تتمثل في الجيش، ثم الإتحاد العام التونسي للشغل، ثم في أحزاب سياسية، يصعب تحديد حجمها في الوقت الراهن، مع وجود 60 حزبا سياسيا في تونس الآن، وفق بعض المصادر، وستفرز الانتخابات القادمة قوة بعضها "الحقيقية". وهي انتخابات تحيط بها الكثير من المخاطر، وسيكون لها ما بعدها من حيث الوجهة التي تتجه باتجاهها تونس، حريات، وديمقراطية، وتنافسية شريفة، أو الوضع السابق بأشكال مختلفة.

 

وبقطع النظر عن طبيعة الحكومة المؤقتة، وبقاء الكثير من الشكوك، والكثير من الهواجس، والكثير من النقاط الغامضة، أو بتعبير واحد الكثير من الأسئلة. فقد وددنا لو كانت جميع الأطراف السياسية ممثلة بالتساوي في الحكومة الانتقالية. ولكن عزاؤنا هو أن الثورة صيرورة ومآلات، وهي فعل يومي، وليست أحداث مرتبطة بتوقيت معين، ونتائج بذاتها. والثورة قد تسرق، وقد تخمد، وقد تمرض، وقد تعتقل، لكنها لا تموت.

 

من المخاوف هو أن الذين شكلوا الحكومة المؤقتة في غياب أطراف سياسية تمثل في معظمها العمق التونسي، لا سيما الذين قادوا المظاهرات، فلم يتم اختيار أي من رموز للشباب الذين ثاروا. ويمكن للوزراء الانتقاليين أن يستغلوا وضعهم المرحلي الانتقالي، فيقدمون أنفسهم أثناء الانتخابات أو بعدها (وقد بدأوا من الآن) القول "نحن الذين أرسينا الديمقراطية، ونحن الذين أنجزنا القوانين، ونحن الذين حققنا الاستقلال الثاني، الذي كنتم تطالبون به، ونحن الذين وضعنا لبنة المجتمع المتكافل. وإبعاد بقية الأحزاب غير الممثلة في الحكومة الانتقالية بما فيها الأحزاب التي كانت متحالفة مع الديكتاتورية، يعني أنه لم يكن لها (تاريخيا) دور في عملية الانتقال الديمقراطي، وإنما دعيت للقصعة الديمقراطية بعد انتهاء عملية الطبخ وفق أذواق من هم في الحكومة الانتقالية. وتعديد الشابي للإنجازات التي قامت بها الحكومة التي انتمى إليها داسا على جميع حلفائه في تحالف 18 أكتوبر، وهو ما يؤكد بأنه سيفعل نفس اللغة ونفس السياسة بعد ستة أشهر. وسيحاول كسب الرأي العام، مع شركائه.، ويطمعون بالتالي في الاحتفاظ بالحكم. ولا شك فإن منع أحزاب من المشاركة في الحكومة الانتقالية يعني منعها من تعريف نفسها ومن خدمة المجتمع من داخل الدولة مما يسمع لها بالتعريف بنفسها أكثر.

 

الحركة الإسلامية:

على الحركة الإسلامية أن لا تتصرف كما لو أنها في ظل نظام ديكتاتوري، وإنما تمارس حقها كاملا، وبكل طاقاتها.ولدينا بعض التوصيات التي لا تلزم أحداً:

1) على الحركة الإسلامية، أن لا تعتبر الحكمة في عدم تخويف الآخرين، من خلال عدم المطالبة بجميع حقوقها وممارسة سياسة تنافسية وفق المعايير الديمقراطية، تماما كما يحدث في الانتخابات الاوروبية وغيرها من الانتخابات الديمقراطية.

2) على الحركة الإسلامية أن تعيش الحرية، حتى لو لم تكن متوفرة بالشكل المطلوب
3) على الحركة الإسلامية أن تطالب بكل حقوقها كطرف وطني. وإذا أرادت أن تتنازل فلتتنازل عن مقدرة، وبمعطيات كاملة، وليس وفقا لسياسة لا مكان لها في الوقت الراهن، وظروف لم تعد قائمة قطعا. وحذار حذار من أي قرار بالانسحاب الجزئي، أو تقليص المشاركة في الانتخابات، تحت ذريعة لم تعد قائمة كما سلف وهو عدم تخويف الآخرين؟!!!!
4) نحن في مرحلة تختلف عن كل التقسيمات السابقة، وهي مرحلة جديدة تحتاج لإستراتيجية جديدة. تتطلب وضع ملفات الماضي أمام القضاء، والمستقبل أمام الحركة الإسلامية والأجيال.
5) الحركة الإسلامية مطالبة بخطاب معتدل،وهذا لا يحتاج لتوصية، وبرنامج عملي يشمل كل القطاعات، وأولها المشاركة الفاعلة في ترميم وضع مناضليها الاجتماعي، ليمتد إلى المجتمع بكامله، من خلال رفع مستوى المعيشة وتحقيق توازن إنمائي بين الجهات.
6) على الحركة الإسلامية أن تعيد روح التعبئة، كما كانت سنة 1989م، وإن كان التاريخ لا يعيد نفسه، وليس هناك أي خشية من ارتدادات سياسية أو غيرها، وليس ذلك على الإطلاق.
7) على الحركة الإسلامية أن تكون منفتحة على محيطها، وأن تكسب قلوب الجميع، ولا شك الأطراف السياسية الأخرى، فضلا عن الشعب.
8) عمل الحركة على الصعيد الثقافي والاجتماعي سيكون أو يجب أن يكون له الأولوية.مع إشاعة روح التسامح والسلام والأخوة في المجتمع.
9) مساعدة الأسر الفقيرة، والتطور في منظمات مؤطرة.
10) أن يكون لها إعلامها.... وأمور أخرى يجب طرحها بشكل مباشر تتعلق بالوضع الاجتماعي..... هناك أوضاع صعبة جدا، وأكثر مما كنا نتصور، رأينا الحداثة البورقيبية النوفمبرية في أبهى مظاهرها، في قرى الجنوب والوسط والشمال الغربي، في سيدي بوزيد، والكاف، والقصرين، وتوزر، وقبلي وغيرها. مما جعلنا نكشف أن ما يحدث في تونس، لم يفصح عن وجود شوارع بدل شارع واحد، ومعارضات بدل معارضة واحدة، بتعبير من انضم للحكومة وترك رفاق الأمس، وإنما تونسات بدل تونس واحدة، وهو ما يؤسس لقيام حكومات بدل حكومة واحدة، إذا استمر الإقصاء السياسي والاجتماعي والجهوي. وقد قالها البعض، أن إقصاء المرزوقي، وحمة الهمامي، لأنهما من أصول جنوبية.
11) في تونس عكس ما حصل في ألمانيا عندما ضحت ألمانيا الغربية، من أجل تنمية الجزء الشرقي بعد الوحدة سنة 1990 م، فقد تم فصل العمق التونسي، وأصبحت تونس الأطراف فقط، وبالتالي جعل الأموال التي كانت من المفترض تنمية العمق التونسي(الأغلبية) في قبضة نخبة الحكم والأطراف التي مثلت تونس لوحدها في المؤسسات الدولية التي أصبغت لقب (المعجزة) على القناع الظاهر من تونس.
12) اكتشفنا أننا لسنا مختلفين في اللهجات ولون البشرة والسحنات، بل مختلفين في الحقوق. وهناك من يرى بأن هناك من يريد استمرار هذا النهج.وقد ورد في خطاب رئيس الوزراء (محمد الغنوشي) تعبير خطير عندما تحدث عن المشاورات التي اشتركت فيها " الأحزاب المعترف بها وغير المعترف بها " استخدم معايير النظام السابق...
13) حركة النهضة، ليست في موقف، ولا موقع، يتطلب منها تطمين الآخرين، ولكنها في حاجة ماسة وأكيدة إلى أن يطمئنها الآخرون. وكما ترون فإن الوزير الأول لا يزال يتحدث عن أحزاب محظورة وأحزاب قانونية. شيء مخيف وسياسة المماطلة في الاعتراف بجميع الأحزاب. وسط حديث يردده عجائز حزب الدستور عن حزبين كبيرين كما لو فوضوا بالحديث نيابة عن الشعب. وهو ما يمثل فرض رؤية لوضع سياسي، لا يزال في مرحلة التشكل، ومتحول وغير ثابت.
14) الجميع يقول لا أحد يمثل الشعب في المرحلة الانتقالية، ولكن هناك محاولات لخلق تمثيلية وفوق قوانين لعبة غير ديمقراطية بعد الانتخابات من خلال جملة من المعطيات، ومنها المواقع الوزارية الحالية باستغلال النفوذ، وخلق شعبية في غياب أحزاب أخرى عن تشكيلة الحكومة، ومحاصرة الأحزاب غير الممثلة.
15) الحركة الإسلامية تشبه حال القيصرية، قياس مع الفارق، إبان ثورة أكتوبر 1917 م عندما كانت في حالة إعياء من الحرب فقدت فيها ثلاثة أرباع قوتها في الحرب العالمية الأولى. بيد أن عقل الحركة بعد 23 سنة من الديكتاتورية، أكثر نضجاً وعطاءً ومقدرة على الفهم والتحليل، واستخلاص النتائج من أي وقت مضى.

 

أسماء جديدة:

حزب التجمع، سيغير من اسمه، بدون أدنى شك، وربما سيعود لاسم، الحزب الاشتراكي الدستوري، أو الحزب البورقيبي، ويقدم نفسه كأحد أحزاب يمين الوسط، متجاوزا أخطاء بورقيبة في ممارسته الديكتاتورية، واستخفافه بالدين واستفزازه للشعب. حيث لا يمكن لأي شخصية باهتة، في غياب كاريزما بورقيبة، أن يقول شيئا في الدين ويسكت الشعب عنه طواعية، وما حدث في عهد بن علي لن يجرئ أحد على تكراره إلا من وراء البحار، خشية ردة فعل الشعب الذي تحرر. ويطمح حزب التجمع على أن يكون أحد حزبين، مع حزب يساري آخر، وهو ما يعني أنه لم يتحرر بعد من عقليته الشمولية. كما يكشف عن حسابات خرافية، حيث يعتقد أنه يمكن أن يتغلب على منافس يساري، يطالب به كمعارضة. لكن حزب التجمع مرشح للانقسام، فقد كانت هناك حزازات بين شخوصه، وعداء، وأجنحة لم تظهر كما كان في عهد بورقيبة، لكنها ستعبر عن نفسها في أحزاب جديدة، وهو أفضل للحزب ولتونس ومستقبلها. بالنسبة للأحزاب الأخرى، فلا شك أن، الأحزاب الصغيرة ستبقى صغيرة، والأحزاب الكبيرة بهواء السلطة، ستعود إلى حجمها الطبيعي بعد تفريغها من الأوراق المزورة، في حين أن هناك أحزاب خسرت حلفاء موثوق بهم، كالحزب الديمقراطي التقدمي، مما يجعل حظوظها في الانتخابات القادمة رهن بموقف الشعب منها، بعد تصريحات الشابي، المؤيدة لحكومة، يمثل فيها حزب التجمع الكتلة الأكبر قبل التعديل الذي أعلن عنه يوم الخميس 27 يناير،و الذي لم يكن له يد فيه.