بنتكِ صارت زوجة ..هل تصدق ؟!
20 صفر 1432
يحيى البوليني

لحظة يتصورها كل أب وأم بعيدة جدا ولا يصدقان أنه سوف يأتي اليوم الذي يريان فيه طفلتهما - التي تحبو أمامهما - وهي تزف إلى بيت زوجها وتبدأ حياة جديدة مكونة أسرة جديدة أو لبنة صغيرة من لبنات هذا المجتمع .

ويظل معظم الآباء والامهات يعاملون بناتهم كطفلة أبدا , فلا يهتمون بالاستعداد لتلك اللحظة الا ببعض الاهتمامات المادية فقط من شراء مستلزمات العروس التي تقع على الأب ولا ينتبهون لشئ أعظم خطرا وأعمق أثرا وأدوم سعادة لابنتهم أن يعلموها ماذا يعني كونها زوجة !

 

 

فتجدهم لا يغرسون فيها معاني الزوجية وأهدافها ووسائلها ومقوماتها , ويظنون أن أمامهم متسعا من الوقت لتعليمها كل شئ عن الزواج , وينسون أن هناك محاضن ومؤثرات تربي أبناءهم في تلك الموضوعات وأشباهها نيابة عنهم بصورة قد تختلف كليا عن ثوابت التربية التي يحرص عليها الآباء والأمهات عليها .

 

 

وبالتالي فقد نشأ جيل من الفتيات لا تعرف عن الزواج إلا فستانا أبيضا ولفظ عروس وتجهيز بيت الزوجية واختيار وترتيب لأثاثه وحفل زفاف تكون فيه تلك البنت الملكة المتوجة في اليوم الذي تنتظره كأي فتاة , وتظن بمفهومها الذي كونته من جميع المؤثرات الخارجية : أن الزواج لا يعدو كونه رحلة تنزه وكثرة أسفار وخروج ورجل يحبها على أتم الاستعداد لفعل كل مايرضيها لتحقيق السعادة الكاملة التي تنشدها , ولكي تتباهى به وبتصرفاته وبكلماته ووعوده على صويحباتها , وتظن أنها لن تفعل شيئا لإنجاح تلك العلاقة الزوجية وأنها ذاهبة فقط للاستمتاع بالحياة الرغدة الجديدة .

 

 

وينسي معظم الناس تربية وإعداد البنات على الاستعداد للحياة مع رجل لم تعرفه من قبل ولم تخبر طباعه وتصرفاته , رجل سيصبح بين عشية وضحاها أهم إنسان في حياتها وسيصبح إرضاؤه بابا من أحد أهم أبواب الجنة , وليس لها بعد رضاه عنها سوى أن تحافظ على الصلوات الخمس وأن تصوم شهرا واحدا في العام وأن تحفظ فرجها حتى تُنادي يوم القيامة وتُخير بين أبواب الجنة  , فيروي الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في الجامع الصغير. 

وفي حين تظن الفتيات أن هذا أمرا ميسورا لا يستغرق منهن جهدا , فالرجل كما يتصورنه في أيام العقد ما قبل البناء - وهي الفترة التي يتجمل فيها الزوجان لبعضهما ظاهرا وباطنا ويظهران أحسن مافيهما ويحاولان اخفاء وستر ما لا يرضى الطرف الآخر – فالرجل واقع في غرامها وتستطيع أن تسترضيه كزوجة بنظرة أو بكلمة , ولا تعرف أنها ستتعامل مع رجل ذي طباع لا تعلمها ورغبات لا تفهمها ومشكلات لا تدركها إلى وقتها هذا .

 

 

 

ولذا يستلزم منها الاستعداد الحقيقي للزواج والعمل له معظم وقتها وتفكيرها وعظيم جهدها لتنال هذا الأجر العظيم الذي يوازي كل ما يفعله الرجال من طاعات كالجهاد والجماعة والجمعة , فقد جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية - رضي الله عنها-الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات ، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، وفضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرة أو جهاد، جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملته- يعني بجسده- وقال: ( هل تعلمون امرأة أحسن سؤالا عن أمور دينها من هذه المرأة )
قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله , فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد : ( يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله ) " أخرجه البيهقي في شعب الإيمان .

 

 

وأول من يُعني بتلك التربية المنشودة هما الأبوان وهما أول من يوجه له اللوم إن قصرا فيها بل ويتحملان بمفردهما ويلات إهمالهما لتربية ابنتهم على معاني الزوجية حين لا تستطيع ابنتهما أداء دورها , وقد يحدث مالا يُحمد عقباه من عودة البنت إلى بيت أبيها قبل مرور أقل من عام واحد وهي تحمل لقب مطلقة فكما تقول الإحصاءات الرسمية في معظم الدول العربية أن السنة الأولى للزواج هي أكثر السنين شهودا لحالات الطلاق .

 

 

ولعلنا نستطيع أن نحصر بعض مظاهر إهمال تربية الأبناء على معاني الزوجية وبعض تصوراتهن الخاطئة عن الزواج ومتطلباته .

- هناك معتقد بأن الزواج لا أهمية له ولا ضرورة مادامت البنت سعيدة مجابة الأوامر في بيت أبيها مستريحة فيه لا ينقصها شيئ , ويسري هذا المعتقد بين بعض فتيات اليوم من كثرة ما يسمعن من مشكلات وشكاوى خاصة من الزوجات بعضها حقيقي وأكثرها مختلق مكذوب - لدرء العين عنهن كما يعتقدن - فتصبن الفتيات بنفور من فكرة الزواج ذاتها وخاصة مع صغر سنها وقلة خبرتها واعتمادها في ثقافتها على زميلاتها أو على وسائل الإعلام ذلك مع إهمال وانشغال الأبوين وعدم تصحيح تلك الفكرة الخاطئة لها .

 

 

- بعض منهن لا يعرفن من الزواج إلا المراسم الشكلية فقط , وتجدها تهتم عند ذِكر الزواج بتفاصيل مادية لا قيمة لها في حين أنها تهمل وتتناسى وأيضا لا يلفت نظرها أحد إلى الجوانب الأخرى الأعظم تأثيرا والأكثر أهمية في العلاقة الزوجية ذاتها مثل كيفية إدارتها لبيتها وكيفية التعامل مع زوجها وأهله وكيفية التصرف في ضوء المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها , فبعضهن يتصرفن بعد الزواج بطبيعة البنت في بيت أبيها ولا تريد ان تقتنع أنها قد تغير حالها وأصبحت زوجة ومسئولة أمام الناس عن كل تصرف تتصرفه فالناس تغفر وتتقبل من الفتاة مالا تتقبله من المرأة المتزوجة حتى ولو بعد ليلة واحدة من الزفاف .

 

 

- ترسم معظم الفتيات صورة خيالية وهمية للزوج في أحلامهن فيه من الصفات المتكاملة التي لا تنطبق على إنسان واحد أبدا , وعند مقارنة من جاءهم للخطبة بفارس الأحلام الوهمي يجدون أن الخاطب ينقص عنه بمقدار كبير أو صغير , فهذا يردونه لفقره وهذا لكبر أنفه وهذا لسمنته وهذا لقصره وغير ذلك من الأسباب الشكلية المحضة , ويسير الآباء والأمهات خلف رأي البنات اللاتي لا يُحسن الاختيار ولا يُخضعن الخطاب لمقاييس موضوعية بدعوى إعطائهن حريتهن في الاختيار , وبالتالي فقد تُضيع الفتاة رجلا ذا شأن سيحفظها في دينها ودنياها وسيتقي الله فيها ويحسن عشرتها وسيرفع مقامها عند الله وقد تختار وتفضل عليه من يشينها الارتباط به , واللوم في ذلك على ذوي العقل والرأي من أهلها إن كان الأبوان قد قصرا في ذلك .

 

 

- هناك بعض من الأمهات من يتحملن أعباء كل شئ في البيت , ولا تُحمل البنت أية مسئولية لا في إعداد طعام ولا في نظافة حتى لحجراتهن الشخصية ولا لأمتعتهن الخاصة ولا تعودهن على المسئولية الاجتماعية من تهنئة وتعزية ومشاركة ومواساة , فتشب البنت على ما اعتادت ولكنها سرعان ما تقع في مشكلة كبرى بعد أيام قليلة من الزواج إذ تكتشف أنها مطالبة بكل شئ وأن تقوم بنفسها بكل شئ – فليس في كل بيوت المسلمين خدم  والاستثناء لا يقاس عليه – وأيضا لو أنجبت لا تستطيع أن تتصرف مع هذا الوافد الجديد عليها وهي التي لا تحسن أن تصنع له شيئا وقد تضطر الأم إلى إكمال الدور بتحمل مسئولية بيت ابنتها بعد زواجها لعدم قدرة البنت على ذلك , وهنا تختلف ردود أفعال الرجال الأزواج فمنهم من يصبر عليها ويتحمل ومنهم من يضيق صدره ولا يتحمل - وله حق في ذلك – فتقع المشكلات تلو المشكلات والتي قد تنتهي بأبغض الحلال ولا يلام في ذلك إلا الأبوان وخاصة الأم .

 

 

- وهناك بعضهن من يعتقدن أن الزواج حلم وردي وانه نهاية قصة الحب الجميلة وأنه بوابة السعادة دون بذل الجهد لنيلها وأنه سفر وسهر ونزهة وضحك ولعب كما تصوره لهن الأعمال المصورة التي عبثت بقول وأفكار الشباب دون إعادة توجيه من الأبوين لتصحيح تلك الأفكار الخاطئة , وعندما يصطدمن بالواقع الحقيقي يجدن أن كل ذلك كان أوهاما , فالزواج مسئولية حياة دائمة ليس فيها الاستمتاع فقط , بل عمل ومثابرة لنيل السعادة التي قد يختلف شكلها عما تصورته , إذ أن للسعادة في الزواج أشكالا أخرى مغايرة تماما عما في أذهان البنات