7 ربيع الأول 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: مشكلتي أن زوجتي تمنعني من الفراش وعندما ذكَّرتها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضباناً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" قالت: خلها تلعن، علما أنها تحافظ على الصلاة، وقائمة بأمور أولادها وبيتها، وتدَّعي أن بها مسّاً يأتيها فقط عند الجماع، وقد هدّدتها بالطلاق، لكنها قالت: إذا كنت رجال طلقني، وأنا لم يطاوعني قلبي على تفريق الأم عن أبنائها، وكذلك أخشى على نفسي من الحرام (الزنا)، علما أنني مارست العادة السرية عدة مرات، لتفريغ الكبت الذي أعانيه، علما أنني أبلغت وليها بذلك، ولكن لم يستطع عمل شيء، وعلاقتنا سيئة جراء هذه الأحداث (عمري 47 سنة وعمرها 43 سنة)، ولي متزوج 23 سنة دلوني كيف أتعامل مع هذا الموقف، وجزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أخي الكريم نشكرك على اهتمامك وحرصك على بيتك وأولادك، وعلى رغبتك الأكيدة في استمرار ونجاح علاقتك الزوجية.
أما جواب مسألتك فينحصر فيما يلي:
أولاً: أنت راع ومسؤول عن رعيتك، فعليك أولاً واجب النصيحة والتوجيه لزوجتك، ذكِّرها بحقوقك وعِظْها بالكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة، والمعاشرة بالمعروف، وداوِمْ على ذلك، ولْيَكُن لك في قول رسولك صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وقوله: "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله"، ووصيته صلى الله عليه وسلم للرجال في حجة الوداع: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله"، وقوله: "استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإذا ذهبت تقيمُه كسرت، وإذا تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
ثانياً: كُنْ قدوةً في قولك ومعاملتك، حكيماً في تصرفاتك، قويًّا في شخصيتك وكيانك، مستقلاًّ في تفكيرك، فلا ترى منك زوجتك إلا ما تقرُّ به عينها، فيصير لكلمتك احترام وصوت مسموع، ولموعظتك تأثير بالغ، ولحضورك هيبة وسلطان على قلبها، والشخصية القوية والرجولة الحقيقية أيُّها الزوج الكريم لا تعني: أن تكون ظالمًا، مستبدًّا في تعاملك، متسلِّطًا في علاقتك بزوجتك، ولا تراعي الله في حقوقها كما تراعي حقوقك، إنَّما الرجولة والقِوامة الحقيقية في العدل والإنصاف بين أداء الواجب والمطالبة بالحقوق.
ثالثاً: الحب مفتاح قلب المرأة، لو مَلَكْتَهُ أيها الزوج الكريم مَلَكْتَ قلب زوجتك، فكانت أمَتَك وطوع يمينك، واعلمْ أنّها وردة جميلة زرعتها في حديقة بيتك لتزينه، فاسقِها من حنانك وعطفك لترتوي، وأحِطْْها بالِّدفء والأمان لتتفتََّحْ، فالمرأة بطبيعتها تأسرها الكلمة الطيبة، الرَّقيقة الحانِيَة، الحلوة المَذاق، وتهزُّها عبارات اللُّطف والثَّناء، النّاعمة كالحرير، وتسحرها الابتسامة الصّافية المشرقة، وتذيبها المشاعر القويّة الصّادقة، والمعاملة الرَّاقية المهذَّبة، ويسلب فؤادها مدح زوجها لحسنها وجمالها ومَلاحَتِها، وإعجابه بعملها، وإشعارها بالدَّلال.
رابعاً: ما كان الرِّفق في شيءٍ إلا زَانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شَانَه، فعليكَ أيها الزوج الكريم بالرِّفق فهي وصيَّةٌ نبويّة، فالمرأة شأنُها شأنَ القوارير، يلزم صانعها الرِّقَّة والهدوء لتتشكَّلَ بطريقة جميلة ورائعة، فهي قلبٌ رقيق، وعاطفةٌ جيَّاشة، وفؤادٌ حنون، وهي هشَّةٌ شفَّافة، سريعة الغضب والكسر، حسّاسةٌ جدًّا تحتاج رعاية خاصة، والرِّقَّة، والرَّحمة، والحنان، واحترام كيانها، وتقدير مشاعرها، يكسب الزوج حبَّها واحترامها.
خامساً: خصِّصْ لزوجتك من وقتك واهتمامك كما تخصِّصُه لعملك وأصدقائك، كأن تسهر معها وتسامرها وتحدثها، وتنصت لكلامها، وتمازحها وتضاحكها، وتشاركها همومها وأفراحها، وتستشيرها في أمورك وإن لم يكن رأيها سديداً، ووفِّرْ لها ولأولادك يوماً لتغيِّرا من جوِ المنزل ورَتابةِ الحياة، واغتنم وقت الإجازات للسفر والاستجمام معهم لتجديد النشاط والحيوية، وإحياء المشاعر..
سادساً: تقرَّبْ إلى زوجتك بالهدية التي تدخل البهجة والسعادة لقلبها، وفاجِئْها بين الفينة والأخرى بحفلة تذكِّرًها بمناسبة أو ذكرى سعيدة، تعبر خلالها عن حبِّك لها وتقديرك لقيمتها ومكانتها وقوة ارتباطك بها..
سابعاً: ساعد زوجتك بالبيت إن كانت متعبة أو مريضة، فهي تتحمَّل أعباءً كثيرة داخل البيت، وتعاني معاناةً شديدة في تربية الأولاد، فتحرق كلَّ رصيد طاقتها، وتبذل كل مجهودها، لهذا تقصِّر في أداء حقوقك والاهتمام برغباتك، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح ويمسي في خدمة أهله، وهو سيد الخلق وأكرمهم، ونبي الأمة، وزعيم البشرية، وصاحب الأعباء والمشاغل الكثيرة والجسيمة، وحين سئلت عائشة: "ما كان يصنع في بيته؟ قالت: يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة"، وكان صلى الله عليه وسلم يرقِّعُ الثوب، ويخصِفُ النَّعل ويقطِّع اللحم، ولم يكن يجد في كلِّ ذلك غضاضةً ولا نقصًا في رجولته، ومع أن مساعدتك لها في البيت ليست من مهامِّك، لكن المقصود منها زيادة المحبة وتمتين الروابط بينكما، ولتشعرها باهتمامك، وحرصك على راحتها، ومراعاتك لمجهودها، وليس في هذا شرخاً لرجولتك، أو نزولاً عن قوامتك، أو إهدارًا لكرامتك ومنزلتك، بل هي الرحمة والرفق والتعاون الذي حث الإسلام عليه.
ثامناً: شجِّعْ زوجتك على حضور دروس العلم بالمسجد أو في مجالس النساء، وانْصَحْها بمصاحبة الصالحات من النساء، المتفقِّهات في أمور دينهن، لتتعلم منهنَّ أمور دينها، وتكتسب منهنَّ مفاتيح السعادة الزوجية، فإن الجهل أصل كل بلاء، والعلم أصل كل خير.
تاسعاً: ابحثْ عن أسباب كراهة زوجتك لمعاشرتك، وهجرها لفراشك، فإن كان السبب هو: عدم اهتمامك بنفسك ومظهرك، فاحْرِصْ على الاعتناء بزينتك ولباسك، كما كان شأنك في بداية زواجك، وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19]: "أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم، حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منكم"، وإن كان السبب هو: إهمالك لآداب المعاشرة الزوجية، والتي من جملتها مداعبة المرأة وملاعبتها وملاطفتها والتودُّد إليها، فعليك بالالتزام بهذه الآداب، حتى تُقْبِل زوجتك على معاشرتك برغبة وحب، أما إن كان السبب مرضيًّا إما عضويًّا أو نفسيًّا، فاعْرِضْها على طبيبةٍ مختصّة، للكشف عن موطن الداء ومعرفة أسباب العلاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء"، وإن كان السبب هو: كما قالت مسٌّ أصابها، فاعرضها على أهل التخصُّص الثقات، ممن توفرت فيهم شروط الأمانة والعلم، للتأكد من صحة ذلك والمبادرة بعلاجها.
وختاماً: لا أتهمك أيها الزوج الكريم بالتقصير تجاه زوجتك، إنما هي إرشاداتٌ ومناراتٌ تنير طريقتك، لتجدِّد نبض الحياة في بيتك، وتحيى حياة طيبة كريمة مع زوجتك، فكم من البيوت تنهار بسبب إهمال الزوج أو الزوجة، أو بسبب عنادهما ورفضهما البحث عن أسباب معاناتهما، والمبادرة لحل مشاكلهما، والتغيير من طباعها وعاداتهما السيئة، وليس العيب في أن تراجع نفسك أيها الزوج الكريم وتراقب تصرفاتك، وتحاسب نفسك بميزان العدل كما تحاسب زوجتك، وحتى وإن كنت ترى نفسك عادلا منصفا، وزوجتك جائرة في حقوقك، حافِظْ على استقرار وسعادة بيتك، فأنت تتفضَّل عليها بما فضل الله به الذكر على الأنثى، من أسباب القوة والقوامة والالتزام بالمسؤولية والقيادة، فابدأ أنت في التغيير من أسلوبك وطريقة معاملتك لها، وأيقظ فيها أحاسيس ومشاعر الأنثى، وتَنازَلْ لأجل سعادتكما وسعادة أولادكما عن غرور الرجل وتكبُّره، وتحرَّرْ من الأفكار الخاطئة والعادات السيئة، الموروثة عن الأجداد، التي تفسر قوامة الرجل تفسيراً خاطئاً، وتمسَّكْ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاشرة زوجاته، حتى كان صلى الله عليه وسلم يُطعمهن ويسقيهن بيديه الكريمتين الشريفتين الطاهرتين.
فإن فشلت كل محاولاتك للإصلاح، ويئست من تبدل أحوال زوجتك، ونفذ صبرك، وخشيت على نفسك الوقوع في الحرام، أو تأكد لديك بعد عرضها على الطبيب أنها مريضة مرضاً لا تستطيع معه تلبية حاجاتك، فلك أن تتزوج بأخرى غضًّا لبصرك، وتحصيناً لفرجك، وعفَّةً لنفسك، وردْعًا لرياح الفتنة تهلكك، بشرط عدلك بينهما في الحقوق من النفقة والمبيت وتوابعهما، ولا تلجأْ للطلاق فإنه أبغض الحلال عند الله، وهو آخر حل تلجأ إليه حين تُعْدَم كل الحلول الشرعية والمباحة، كما لا يجوز لك أن تتَّبع في حل مشكلتك السبل الحرام أو المشبوهة لتسكن شهوتك كالعادة السرية، وتبرر لنفسك لامتناع زوجتك عن فراشك، لأنك تملك السبل الحلال ما يدعوك لتترفع عن هذا.
أسأل الله العلي القدير أن يهديك ويهدي زوجتك ويصلحكما، ويديم المعروف والمحبة والمودة بينكما، ويصرف عنكما الشيطان ويبعدكما عن الطريق الحرام.