ياشعب تونس.. لصوص الثورات أخطر من "بن علي"
14 صفر 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ما زال الشعب التونسي يثبت أن دفة الأمور بيده فبعد أن أطاح بزين العابدين بن علي وحاشيته المتمثلة في أقاربه وأقارب زوجته أجبر رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع ورئيس الوزراء محمد الغنوشي, على الاستقالة من الحزب الحاكم بعد أن شكلوا حكومة سيطر عليها حزب بن علي المسؤول عن 23 عاما من الاستبداد والظلم وانتهاك الحريات, والملاحظ منذ هروب بن علي وحاشيته أن هناك محاولات حثيثة من بعض رجالاته للتحكم في الوضع والالتفاف على ثورة الشعب التي أصبحت مشعل نور في المنطقة؛ فمحمد الغنوشي أحد أركان النظام السابق وعندما هرب بن علي نصب نفسه رئيسا خلافا لما ينص عليه الدستور لكي يحمي ظهره أو يقفز بدلا منه على السلطة الفارغة, وواصل الغنوشي ألاعيبه عندما كلف بتشكيل الحكومة الجديدة وأسند جميع الوزارات السيادية لعناصر من حزب بن علي, وهو ما أدى لانسحاب عناصر المعارضة "الشرعية" الذين تم وضعهم داخل التشكيلة لتحسين صورة الحكومة الجديدة وتمريرها أمام الرأي العام.

 

حتى هذه اللحظة الشعب التونسي مستيقظ لحيل الحرس القديم وحتى هذه اللحظة الحرس القديم يرفض الاستسلام للامر الواقع, وإذا كان الجيش قد قرر الانحياز للشعب ضد بن علي فيبدو أن له حسابات أخرى مع رجالات بن علي, والمؤكد أن هناك مخاوف من صعود الإسلاميين ليس في الجيش فقط ولكن في الخارج أيضا؛ فهذا رئيس الوزراء الحالي محمد الغنوشي ينفي إمكانية السماح لزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي بالعودة للبلاد بحجة أن هناك حكما صادرا بحقه عليه تنفيذه, والكيان الصهيوني أبدى تخوفه من سيطرة الإسلاميين على حكم تونس, والقضية في جوهرها أكبر من أحزاب أو قيادات إسلامية معينة بل هي الشعب التونسي بكامل طوائفه الذي من حقه أن يطالب بدستور يتلاءم مع طموحاته وعقيدته وثقافته بعيدا عن التغريب المتطرف الذي تعرض له طوال عقود وليس من حق أحد أن يعين نفسه وصيا على هذا الشعب تحت أي مسمى فقد قدم ولا يزال عشرات الضحايا وضرب مثلا رائعا في الوعي بحقيقة ما كان يدور حوله.

 

إن استبعاد الأحزاب المعارضة التي كانت محظورة في عهد بن علي يثير الريبة حول نوايا المسيطرين على مقاليد الأمور ومن يحميهم في الداخل والخارج . إن سرقة ثورات الشعوب عادة مزمنة في عالمنا العربي فالشعب يموت من أجل حريته ويأتي أصحاب رابطات العنق الانيقة ليجلسوا على الموائد المستديرة ويتصلون بالسفارات الاجنبية لكي يشكلوا الحكومات ويلقوا البيانات ويقفوا أمام عدسات المصورين متباهين بما حققوه, وبعد قليل يكتشف الجميع أن طاغية حل مكان طاغية وحاشية حلت محل حاشية والضحية دائما هو الشعب. على الشعب التونسي أن يعلم أن ما هو قادم أخطر مما مضى والمتربصون بثورتهم من دعاة التغريب والفاسدين كثر فعليهم الحذر والإصرار على رحيل بقية الطغمة الفاسدة وتشكيل حكومة من جميع طوائف المعارضة "المحظورة" وغير "المحظورة" يترأسها شخصية مستقلة حتى إجراء انتخابات بإشراف دولي, كما عليهم الاعتبار بما مضى وما شهدته البلاد المجاورة, والنظر في تجارب الدول التي اختارت العلمانية منهجا وماذا حل بشعوبها, وضرر البعد عن الدين والثقة في الأحزاب التي تدين بالولاء للمناهج الغربية.

 

سيسعى الغرب وبقوة في الفترة القادمة لتحضير قيادات موالية له لكي تتصدر المشهد السياسي حتى ولو كانت بعيدة عن الحزب الحاكم السابق, كما سيسعى أنصار بن علي المتخفين هنا وهناك لتفجير الأوضاع الامنية لكي يصوروا للعالم أن البلاد على حافة الانهيار وأن ما يحدث فوضى وليس ثورة وهو ما يلقي بمسئولية جسيمة على الشعب الذي عليه أن يوجه ثورته ضد عناصر النظام السابق ويقف بالمرصاد لمن يريدون تخريب المنشآت ونهب المتاجر .لقد بدأ الشعب التونسي المشوار الصعب, ولكن ما زال أمامه الكثير ليصل لمبتغاه, فالحذر من تداعي الهمم دون بلوغ الهدف أو الرضا بالقليل.