القديم والجديد في تسريبات ويكيليكس عن كشمير
13 محرم 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

بعد تسريبات ويكليكس.. هل تندلع ثورة الكشميريين مجددا؟

لم تكن التسريبات التي كشفها موقع ويكليكس المثير للجدل بخصوص تعذيب منهجي تقوم به السلطات الهندية ضد المعتقلين المسلمين في إقليم كشمير المحتل بالأمر الغريب على الاحتلال الهندي، فنيودلهي دأبت منذ احتلالها للإقليم طوال 20 عاما على ممارسة أبشع الانتهاكات والقمع المنظم ضد مسلمي كشمير.
لكن هذه الوثائق التي شهدت عليها منظمة الصليب الأحمر الدولية بوسعها أن تفسر غضب الكشميريين للعالم الذي يجهل قضيتهم العادلة كشعب مسلم محتل من قبل الهندوس، وذلك في ظل توتر الوضع الحالي في الإقليم الذي يشهد احتجاجات شعبية واسعة ضد الاحتلال، في انتفاضة لم ترها الهند منذ بدأت المقاومة الإسلامية انتفاضتها المسلحة في عام 1989م من القرن المنصرم.

 

فبين الضرب والاعتداء الجنسي والصعق الكهربائي وأساليب أخرى تغاضت عنها الهند، جاءت أبرز أساليب التعذيب التي كشفتها منظمة الصليب الأحمر الدولي في الفترة ما بين عام 2002م إلى عام 2004م خلال 177 زيارة قامت بها لمراكز اعتقال هندية بكشمير.
ووفقا للتسريبات فقد تعرض 1500 معتقل كشميري لتعذيب روتيني بالضرب والصعق الكهربائي وغيرهما من الانتهاكات التي تفننت فيها السلطات الهندية بما فيها أسلوب الاسطوانة (جلوس العاملين في السجون على ألواح حديدية وضعت فوق أفخاذ المعتقلين لتكسيرها).
كما كشفت الصليب الأحمر عن أن مئات المعتقلين بل أغلبهم كانوا من المدنيين ولا ينتمون لأي حركة مقاومة أو مسلحة في كشمير المقسمة (إلى قسمين أحدهما مازال يخضع لإدارة باكستان المسلمة، والقسم الآخر الأكبر تحتله الهند).

 

وعقب نشر التسريبات تصاعدت التحذيرات الغربية من اندلاع احتجاجات واسعة من جانب الكشميريين الذين يأملون في أن تجذب هذه التسريبات الرأي العام العالمي كي يهتم بمتابعة محنتهم مع الاحتلال الهندي، بحسب ما ذكرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية، لكن الحقيقة أن العالم مغمض عينيه على مآسي مسلمي كشمير الذين لا تكشف ويكيليكس إلا قدراً ضئيلاً من معاناتهم. وقد راجت قوائم قبل عشر سنوات تحوي أرقاماً هائلة من القتلى والمعوقين والأرامل واليتامى والمغتصبات والمعتقلين والمعتقلات لم تحرك "ضمير العالم الحر" من قبل.

 

 

الانتفاضة الأخيرة
ويأتي الكشف عن التسريبات في الوقت الذي تشهد فيه كشمير توترا شديدا وانتفاضة واسعة ضد الاحتلال الهندي فمنذ شهر يونيو الماضي وحتى الآن قتل أكثر من 110 شخصا على أيدي الشرطة والجيش والقوات شبه الحكومية الهندية، فرضا عن حظر التجوال المستمر منذ هذا التاريخ.
وتنوع القمع الحكومي، الذي شهد تزايدا خلال هذه الفترة بين تعذيب، وإعدام، وترويج لوقائع كاذبة مثل المواجهات المزيفة وارتفاع مستوى التهديد على الحدود؛ كذريعة لاستمرار هيمنتها على الإقليم.

 

هذا فضلا عن ما تمنحه لشرطتها من رخصة للقتل، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وتعذيب الأطفال، واعتقال الرجال بدون اتهامات، ونزع اعترافات كاذبة بالإكراه، والاعتداء -بالتعاون مع القوات شبه الحكومية- لفظيًّا وجسديًّا على المعارضين.
وكانت شرارة الانتفاضة هي مقتل شاب كشميري برصاص الاحتلال الهندوسي الذي يعطى الأوامر بضرب أي تمرد بالذخيرة الحية، فانتفض على إثر ذلك الشعب الكشميري كله، وقد تميزت الانتفاضة الأخيرة بمشاركة شباب كشمير بكافة أطيافه السياسية، ولم تقتصر الانتفاضة على فصيل دون آخر، بل شارك فيها الكل.

 

وكما هو الحال تحرص الهند على إلصاق وصف "المليشيات المسلحة الأجنبية" على المدنيين الذين يسقطون صرعى قمعها ووحشيتها، والترويج لهذا التزييف أمام العالم -الذي يغض الطرف عما يحدث-، لتعطي انطباعًا بأن تواجدها في كشمير محتوم لوقف عمل المليشيات المكونة من أبناء الشعب الكشميري المدعوم من إخوانهم في باكستان والشق الباكستاني من كشمير؛ والنتيجة أن كشمير لا تزال أحد أكثر المناطق عسكرة في العالم، مع تواجد أكثر من 700 ألف من القوات الهندية شبه العسكرية بموجب قوانين الأمن الصارمة.
وقد أزعجت الانتفاضة الحكومة الهندية التي قالت إنه لابد من إعطاء الشعب الكشميري حقه في "حياة كريمة"، ولكن بشرط أن يكون ذلك في إطار السيادة الهندية على الولاية، متجاهلة أن السبب الرئيسي لثورة أهل كشمير هو الاحتلال الهندي، فانتفاضته الغرض منها الحرية، فهو شعب ينتفض للحصول على حريتِه التي كفلتها له قرارات الأمم المتحدة منذ ما يزيد عن ستين عامًا، وأيضا تعهد قادة الهند الأوائل بمنح الكشميريين حقهم في تقرير المصير.

 

 

أسباب الاحتلال
وبالرجوع إلى أسباب الاحتلال الذي سقط فيه أكثر من 47 ألف قتيل على مدار السنوات العشرين الماضية، فالهند لم تحتل كشمير لتمتعها بثروات ضخمة؛ حيث إن كشمير لا تملك ما تملكه بعض الدول من هذه الثروات، غير أن الهدف الأساسي من احتلالها هو استخدامها كقاعدة لمخططات الهند الهدامة وتحقيق مطامعها العدوانية ضد العالم الإسلامي ومقدساته، بما فيها الكعبة المشرفة؛ حيث تزعم الأساطير الهندية أن الإمبراطورية الهندية كانت تمتد من سنغافورة شرقًا إلى نهر النيل غربًا، مرورًا بالجزيرة العربية، وتستهدف المطامع الهندوسية إقامة الإمبراطورية الهندوسية العظمى لتستعيد مكانتها المزعومة.

 

والأدهى من ذلك أن بعض قادة الهندوس اعتبر الجزيرة العربية بما حوته من أراضي إسلامية مقدسة إنما هي أراض هندوسية بحتة.
ولعل أكبر دليل على الأطماع الهندية أن صواريخها النووية التي يصل مداها إلى أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، في الوقت الذي تبعد فيه أقصى نقطة في باكستان من الحدود الهندية حوالي ألف كيلو متر وهذا يعني أن الصواريخ النووية لم تعد لضرب باكستان الجارة، إنما أعدت للعالم العربي والإسلامي والمقدسات الإسلامية.
 

 

وعن أهمية كشمير الاستراتيجية للهند فكشمير ترتبط من الناحية الشمالية بحدود مشتركة مع ثلاث دول هي أفغانستان والاتحاد السوفيتي والصين، وهو ما يجعل أمن كشمير أمرًا حيويًّا لأمن الهند؛ خاصة وأن الحدود الجنوبية لها مشتركة مع الهند، وتعد كشمير إحدى أجمل بقاع الأرض ويعني اسمهما "جنة الله".
كما  تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية أن تفتح بابًا لا يمكن غلقه أمام الكثير من الولايات الهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقو ديانة معينة.
كما أن هناك تقارب هندي "إسرائيلي" (هندوسي ليكودي متطرف ) منذ 1999م بعد صعود التيار القومي الهندوسي المتطرف إلى السلطة بزعامة رئيس الوزراء بيهاري فايجبايي، ويتمثل في الدعم "الإسرائيلي" العسكري للهند لمحاربة المجاهدين الكشميريين، وفي شهر مايو من عام 2002 أزيح النقاب عن تواجد عناصر عسكرية "إسرائيلية" في الجانب الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، قدر عددها بنحو 300 فردا لتقديم الدعم للقوات الهندية أمام العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الكشميرية.

 

وتنقسم كشمير إلى شقين، حيث إن 32358 ميلاً مربعاً منها يشمل الجزء المحرر ويُسمى ولاية جامو وكشمير الحرة، و53665 ميلاً مربعاً منها تحت الاحتلال الهندي ويطلق عليها ولاية جامو وكشمير المحتلة، ويبلغ عدد السكان طبقا لآخر الإحصائيات الرسمية إلى حوالي 13 مليون نسمة، يشكل المسلمون نسبة 64.2% منهم، والهندوس 32.25%، والسيخ 2.23%، (ويتشكك المسلمون في هذه الأرقام) وذلك بعد حملة تهجير قامت بها الهند بحق المسلمين هناك.  وكان الصراع في كشمير سببا في حربين من الحروب الثلاث التي خاضتها الهند وباكستان منذ عام 1947.

 

والآن وأمام هذه الوحشية الهندية، وفي ظل الصمت الإسلامي والدولي والتواطؤ الغربي الصهيوني، هل ستسلط تسريبات ويكليكيس الضوء على ثورة الكشميريين، وتحفزهم على استمرارها وزيادة شدتها، وهم بالفعل يشنون انتفاضة من أجل التحرير من الاحتلال الهندوسي أو "انتفاضة حتى النصر" كما يسمونها، وينجح الكشميريون في تحريك المياه الراكدة منذ عقود في قضيتهم العادلة؟ أم أن العالم والغرب خصوصاً ليس بحاجة لتسريبات ليدرك حجم معاناة يفهم جيداً أبعادها لكنه يؤثر الصمت بل ويتمنى خمود انتفاضتها الحالية حتى لا تثير ازعاجه ولا تعكر صفو علاقته مع العملاق الهندي القادم؟!