الواقع المرير لأهل السنة في إيران
10 محرم 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

أعاد موقع ويكيليكس إلى الأذهان مجددا الواقع المرير الذي يعيشه أهل السنة في إيران عندما نشر وثيقة تؤكد الاضطهاد المستمر من قبل الحكومة الإيرانية الشيعية الطائفية لهم والتضييق عليهم والإغارة على مساجدهم واعتقال أئمتهم, والوثيقة التي تتمثل في برقية صادرة من  السفارة الأمريكية في أذربيجان ,التي تشارك إيران حدودا طولها أكثر من 430 كيلومترا, توضح مدى المعاناة التي يتعرض لها اهل السنة والحملات التي يشنها الرئيس احمدي نجاد على منطقة بلوشستان وتعيينه لأقرب أعوانه حبيب الله ديهموردا حاكما على بلوشستان الذي وصف بأنه "غبي ودموي ويبغض السُنة".

 

إن الكشف ليس بالجديد ولا يقتصر على فترة أحمدي نجاد بل هو مستمر حتى من قبل قيام الثورة الشيعية ولكنه زاد بعد قيامها وما أثار الدهشة الدعاية المضللة التي يروجها النظام الفارسي بأنه "حامي الإسلام والمسلمين", والقضايا الإسلامية التي يدّعي اهتمامه بها وينافح عنها أمام عدسات المصورين وشاشات التلفزة. قد يتخيل البعض أن أهل السنة في إيران قلة صغيرة لا يلتفت إليها ولكن الواقع أنها أكبر اقلية مذهبية في العالم فالمسلمون السنة، حسب الإحصاءات شبه الرسمية، تتراوح أعدادهم بين 14 إلى 19 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 20 - 28% من الشعب الإيراني. وهم مقسمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان، ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان، والعراق وتركمنستان، ومن المعروف أن إيران كانت دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري .

 

إن ما كشفت عنه الوثيقة الأمريكية ليس إلا غيض من فيض مما يتكبده أهل السنة فأهل السنة ليس لهم مسجد بالمدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز,  رغم أن طهران يوجد فيها أكثر من مليون سني, كما أن السلطات الفارسية اعتادت على هدم مساجدهم ومدارسهم بحجة أنها بنيت بدون ترخيص ,وهي نفس الحجة التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني لهدم بيوت ومساجد الفلسطينيين, كما يقوم النظام الإيراني باعتقال واغتيال علماء السنة خصوصا المشهورين وأصحاب التأثير , ومن أكثر الامثلة التي تدل على غدر قادة الشيعة انقلاب الخميني على من ساعده من علماء السنة في الثورة وهو الشيخ أحمد مفتي زاده، فكان مصيره الاعتقال الذي استمر طيلة عقدين من الزمان, كذلك تلفق القضايا المختلفة لأهل السنة ومن أهمها العمالة والاتجار بالمخدرات لإعدامهم ورميهم في غياهب السجون, ومن مظاهر الاضطهاد كذلك عدم تمثيلهم سياسيا بشكل يتناسب مع حجمهم, وتوجيه الإهنات للصحابة وامهات المؤمنين رضي الله عنهم ليل نهار في أجهزة الإعلام المختلفة ورغم شكوى كبار دعاة أهل السنة وتشدق المراجع الشيعية باحترام الصحابة وامهات المؤمنين إلا أن الإهانات ما زالت مستمرة دون رادع وهو ما يثير حفيظة أهل السنة ويصيبهم بالأسى والحزن.

 

كما يتم منع كبار علماء أهل السنة من السفر للخارج للالتقاء بإخوانهم ومناقشة القضايا المشتركة معهم كما تم مؤخرا مع الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في زاهدان, كذلك يشن المرجعيات الشيعية حملات لتشييع أهل السنة ويستخدمون في ذلك كل الأدوات من ترغيب وترهيب.

 

قد يندهش بعض البسطاء من ذكر هذه المآسي ويظن أن هناك تحاملا على النظام الإيراني خصوصا وطهران تواجه مثل هذه الاتهامات بحجج خادعة مثل المساواة في الدستور وأن مشاكل السنة مشاكل عرقية وليست مذهبية وأن هذا حال أغلب الأقليات العرقية في البلاد الذين يعيشون في الاطراف, ولكن المدقق يرى طائفية واضحة فالدستور على سبيل المثال لم يكتف بأن يكون دين الدولة هو الإسلام بل نص على ضرورة المذهب الشيعي الإثنى عشري واشترط توفر ذلك في رئيس الجمهورية, كما أن الديانة الزرادشتية الشركية التي يتبعها عدد قليل في البلاد لا يقارن بأهل السنة لهم معبد بطهران بينما يمنع أهل السنة من ذلك, وأبو لؤلؤة المجوسي الوثني له مزار في طهران لا لشيء إلا لأنه قتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وهو من هو عند أهل السنة, كذلك ينتشر الفقر في مناطق السنة بشكل كبير مع غياب متعمد في خطط التنمية...لقد اعترف مؤخرا بعض المسؤولين في طهران بممارسات تعسفية ضد أهل السنة ولكنهم أرجعوها لأخطاء فردية لبعض الأشخاص وهو ما يتنافى مع شدة هذه الممارسات واتساعها واستمرارها طوال عمر الثورة .

 

لقد كان لأهل السنة في إيران منذ سنوات مطالب مشروعة عبرت عنها جماعة "الدعوة والإصلاح" في بيانها السياسي الأول، عام 2005م، طالبت فيه الحكومة الإيرانية بتطبيق العدالة، ورفع جميع أشكال التمييز المذهبي والقومي، التي تمارس ضد أهل السنة, وطالبت بإطلاق المعتقلين من أهل السنة, وشددت الجماعة على ضرورة أن تراعى جميع الحقوق الإنسانية والدينية والقومية لأهل السنة وفق البنود الثالث والخامس عشر وما نص عليه في الفصل الثالث من الدستور الإيراني, ودعت إلى حماية الهوية القومية واحترام ومراعاة الأقليات، وتنفيذ المادة 15 من الدستور التي تنص على وجوب تدريس لغات تلك القومية في مختلف المراحل التعليمية, كما دعت إلى عدم حرمان أهل السنة من استلام الحقائب الوزارية، طالما منع الدستور المسلم السني من الوصول لمنصب رئيس الجمهورية, وإعمال التنمية والتوسعة الثقافية في مناطق أهل السنة، ومنح التراخيص لإصدار النشرات، ورفع الرقابة عن الكتب الخاصة بهم, وتفويض شؤون الأوقاف السنية وإدارة سائر الأمور الدينية ومنها على الأعم انتخاب أئمة الجمعة والجماعة وإدارة المدارس الدينية وإقامة الأعياد لأهل السنة أنفسهم, وغيرها من المطالب العادلة لكنها ذهبت أدراج الرياح واستمر النظام الطائفي على عناده واضطهاد لأهل السنة حتى الآن.