الكويت إلى أين بعد ضرب النواب؟
9 محرم 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تتباهى الكويت "بديمقراطيتها" في المنطقة, وتشير إلى "شفافية" الانتخابات التي تأتي بالبرلمان وإمكانية استجواب الحكومة و"إسقاطها" عن طريق البرلمان و"الحرية" التي يعرب من خلالها النواب عن آرائهم في نقد الحكومة, وغير ذلك من الأمور , وقد نتفق مع الكثير من هذه الاشياء خصوصا إذا ما قورنت بغيرها من البلاد العربية إلا أن الازمة الاخيرة التي تفجرت عقب ضرب الامن الكويتي لعدد من النواب الإسلاميين الذين تجمعوا سلميا احتجاجا على مخطط حكومي لتعديل بعض بنود الدستور, وإصابتهم إصابات بالغة أدت إلى نقلهم للمستشفى ثم تقنين التعتيم رسمياً على هذه المهزلة التي أدانتها العديد من المنظمات الدولية والمحلية يثير العديد من الشكوك حول مستقبل هذه الديمقراطية ومكانة المجلس الذي يمثل الشعب؛ فعندما يتعرض نواب الشعب الذين يمثلون السلطة التشريعية للضرب على أيدي الشرطة التي تمثل السلطة التنفيذية يعني ذلك خروجا عن ابسط قواعد الديمقراطية.. فمن المفترض أن هؤلاء النواب هم من يحددون اختصاصات الشرطة ويضبطون عملها فإذا تعرضوا للتهديد والضرب منها فكيف يمكن أن يقوموها؟ وكيف سيكون تصرف الامن مع عامة الشعب الذي لا يملك الحصانة التي يتمتع بها النوب؟

 

إن العديد من الرسائل التي من الممكن قراءتها من هذه الحادثة من أهمها: أن الدولة ستضرب بيد من حديد على من يخرج عن خطوط محددة تراها حمراء وأن الديمقراطية الكويتية منذ الآن سيصبح لها انياب ولن يستثنى في ذلك نواب الشعب أوغيرهم, كذلك توجيه الضربة لنواب إسلاميين بالتحديد يحمل في طياته تهديدا للحركة الإسلامية التي يمثل نوابها أحد أعمدة المعارضة الاساسية في البرلمان والتي تقف بقوة للكثير من التجاوزات العقائدية والاخلاقية في البلاد.

 

لقد جاء الموقف الرسمي الكويتي بعد الازمة ليمثل تدخلا غير عادل؛ فقد دافع عن طرف في القضية دون إجراء أي تحقيق مستقل وهو ما يتنافي مع الحيادية المفترضة الممكنة لحل الخلافات بين مؤسسات الدولة الرقابية والتنفيذية..فلماذا لم تتريث الدولة وتقرر تشكيل لجنة تحقيق محايدة لمعرفة من الجاني ومن المجني عليه؟ فمسؤولية الامن لا تعني ابدا ان يكون تصرف هذه الاجهزة منزه عن النقص والعيب والخطأ وهو بذلك يعطيها تفويضاً على بياض للتنكيل بالمعارضين دون هوادة خصوصا أن هذه الاجهزة لا تعرف سوى العصا الغليظة في تصرفاتها التي ينبغي تلجيمها بالسياسة... لقد ألقي اللوم على النواب واتهموا بانهم تركوا المكان المناسب لمناقشة المشاكل وهو البرلمان ونزلوا للشارع "لإحداث فتنة وبلبلة  واضطراب" ولو صح هذا الكلام لما كان هذا وقته والنواب لا يزالون يعالجون من جروحهم كما ان التجمع السلمي معترف به في كل بلاد العالم وليس فيه ما يبرر أبدا التدخل الأمني العنيف.

 

إن الموقف الرسمي في الكويت لم يكتف بالدفاع عن الامن ولكن ذهب لأبعد من ذلك بتوجيه ضربات للإعلام لتلجيمه بعد أن كشف عن الازمة, وقامت الحكومة بإغلاق مكتب قناة الجزيرة لاستضافته أحد نواب المعارضة للتعليق على الحادث رغم عدم ممانعته باستضافة مسؤول في الحكومة للرد على النائب المعارض, كما سارع مجلس الوزراء ـ الذي يواجه رئيسه استجواب قريب في البرلمان حول الحادث ـ لتبني مشروع قانون للتضييق على الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع, حيث سيتم من خلال هذا المشروع تشديد العقوبات على مثيري النعرات الطائفية والإساءة إلى الدول المجاورة والعربية، وكذلك إلى الملوك والرؤساء, ومنع نقد أمير البلاد وولي عهده أو نسبة أي فعل لهما إلا بتصريح خاص مكتوب, كما نص المشروع على منع التعرض لرجال النيابة والقضاء, وهو فيما يبدو تكريسا لمرحلة لاحقة ستشهد المزيد من التضييق على الإعلام في مناقشة قضايا البلاد وظواهر الانحراف التي لا يخلو منها مجتمع ما.

 

 

إن النواب في تجمعهم الاحتجاجي كانوا يدافعون عن الدستور الذي كفل لهم الحرية التي تتباهى بها الكويت فهل يعقل ان يتم التنكيل بهم والدفاع عن ذلك بل الاعتداء على هذه الحرية بالمزيد من التضييق على الإعلام. النواب أعلنوا خوضهم المعركة للنهاية رافضين التنازل عن حقهم واكدوا انهم سيقومون باستجواب الحكومة , فقد أعلن رئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي أنه سيجري إدراج طلب استجواب رئيس الوزراء على جلسة 28 من الشهر الجاري.

 

وكان ممثلو كتلة "إلا الدستور" الكويتية أودعوا أمس صحيفة استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح مجلس الأمة، ليكون هذا ثامن استجواب يقدم لرئيس الحكومة منذ توليه الرئاسة في فبراير 2006. وقد تقدم النواب الثلاثة وهم مسلم البراك وجمعان الحربش وصالح الملا بطلب لاستجواب رئيس الوزراء. وقال البراك في مؤتمر صحفي :إن استجواب رئيس الوزراء هذه المرة يلقى تأييدا أوسع نطاقا مما كان عليه في مرات سابقة، لأن ثلاث كتل برلمانية وعددا كبيرا من النواب المستقلين يؤيدون الخطوة. ويمثل النواب المذكورون الكتلَ الرئيسية الثلاث المعارضة في البرلمان الكويتي، وهي كتلة التنمية والإصلاح وكتلة العمل الوطني وكتلة العمل الشعبي، كما يساندهم في طلب الاستجواب 17 نائبا آخرين.

 

مما سبق يتضح أن ضرب النواب سيكون بداية لمرحلة جديدة في أسلوب تعامل النظام الكويتي مع التجربة الديمقراطية ومع التيار الإسلامي على وجه الخصوص الذي اكتسب ارضية كبيرة من خلال أدائه البرلماني المتميز طوال السنوات الماضية وهو ما يقلق الاتجاهات الليبرالية في السلطة وخارجها ويلقي بظلال قاتمة على المشهد السياسي المتوقع في البلاد.