الحراك السياسي بمصر بعد انتخاباتها
7 محرم 1432
د. محمد مورو

حين تصف أطراف في الحكومة وبالتحديد في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أن الانتخابات البرلمانية لسنة 2010 والتي أجريت مؤخراً والتي فاز الحزب الوطني فيها بنسبة 95 % من المقاعد ، بأنها انتخابات تاريخية وأنها الأكثر أهمية في التاريخ المعاصر ، فإن ذلك مفهوم في إطار الرغبة العادية في المبالغة أو الشعور بأن عدد المقاعد التي فاز فيها الحزب الوطني الحاكم لم يحدث من قبل في مصر وربما في العالم كله ، حيث أن نسبة حصول حزب الأغلبية على 95 % لا تحدث في أي دولة ديمقراطية ربما حدثت في الدول الشمولية التي كان يحكمها حزب واحد مثلاً وهذه لا يعتد بها بالطبع .

 

وحين تصف أوساط – المعارضة – تقريباً كل المعارضة تلك الانتخابات بأنها الأسوأ في تاريخ مصر ، فإن ذلك مفهوم أيضاً ، في إطار أن التزوير كان هذه المرة شاملاً ، وأن الحزب الوطني لم يترك لأحد شيئاً من الفتات ! ! .
كل المعارضة تقريباً قالت إن الانتخابات هي الأكثر تزويراً في التاريخ المعاصر ، وأن التزوير كان موجوداً في كل الانتخابات السابقة ولكنه هذه المرة فاق كل التوقعات.

 

وتقول كل المعارضة تقريباً، لأن ذلك الوصف بتزوير الانتخابات جاء على لسان رئيس وأعضاء حزب الوفد، وهو حزب شارك في الانتخابات في الجولة الأولى، وانسحب في الثانية، وقد قيل والله تعالى أعلم أن صفقة كانت قد تمت بين الحزب والحكومة على أساس أن يحصل الحزب على 40 – 50 مقعد، ولكن الحكومة نكثت بوعدها هذا ، وقد تم نشر هذا الكلام منذ ستة أشهر على إجراء الانتخابات ونفى رئيس الحزب السيد البدوي ذلك ومن ثم رفع دعوى قضائية ضد الصحفي الذي كتب هذا ، وفي الحقيقة فإن التزوير طال حزب الوفد أيضاً ، ولم يحصل إلا على مقعدين فقط في الجولة الأولى ، ومن ثم فإن الحديث عن تلك الصفقة لم يكن دقيقاً ، ولو كان هناك صفقة بالفعل لكان حزباً ساذجاً حيث كيف يثق في وعود حزب آخر لم يف بوعد من قبل قط .
نفس الكلام عن أن الانتخابات كانت الأسوأ في التاريخ المعاصر قاله رئيس حزب التجمع ، الذي لم يحصل حزبه إلا على ثلاثة مقاعد ، ولم يقاطع الجولة الثانية للانتخابات واستمر فيها رغم انسحاب كل من الوفد والإخوان منها .

 

أما الإخوان المسلمون وهم القوة الأكثر تواجداً في الشارع المصري فإن المرشد محمد بديع قال أن الانتخابات مزورة ، والحكومة فاقدة للشرعية وأن النظام بلا مصداقية ، وقد انسحب الإخوان من الجولة الثانية للانتخابات بعد أن حصلوا على صفر في الجولة الأولى ، وكان لهم 27 مرشحاً في الجولة الثانية .
من ناحية أخرى ، فإن معظم القوى السياسية المستقلة أو التي قاطعت الانتخابات أصلاً مثل حزب العمل ، المناصرين للبرادعي ومنظمات المجتمع المدني قد أجمعت على وصف الانتخابات بالتزوير ، وقالت أن من العبث الدخول أصلاً في انتخابات معروف سلفاً أنها ستزور ، والذين قالوا بأنها انتخابات نزيهة هم أحزاب معارضة بلا وجود حقيقي في الشارع ولا تمثل إلا رأي عدد قليل جداً من أصحابها وهو أمر لا يقدم في اعتبار أن هناك إجماعا من المعارضة على أن الانتخابات مزورة .

 

من مظاهر التزوير
لعل التزوير قد بدأ مبكراً جداً قبل بدء الانتخابات ، حيث تم اختيار لجنة عليا للإشراف على الانتخابات قالت أوساط قضائية أن اختيارها كان باطلاً ، وكذا في احتكار الحزب الحاكم لتسجيل أسماء الناخبين ومعرفة مقاعد اللجان وغيرها من الأمور الإدارية ، وكذا تحديد نوع الدعاية وطريقتها والقبض على من يخالف ذلك ، فمثلاً إذا ذهب مرشح إلى كنيسة أو مسجد تتم معاقبته بدعوى استخدام الدين في الدعاية ، وقد حدث وذهب وزراء مرشحون إلى الكنائس وتم اعتبار ذلك تجسيداً للوحدة الوطنية ، أما الآخرون فإنه قد تم اعتقال حوالي 1500 من عناصر الإخوان بدعوى الخروج على القانون .
-    أن الحكومة ومعها عدد من الذين يرددون كلامها ، أو الذين خضعوا للابتزاز رفضت الرقابة الدولية بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية ، ولا ندري ما علاقة السيادة الوطنية بذلك ، ولماذا تسكت الحكومة المصرية على قتل جنود مصريين على يد الإسرائيليين على الحدود أليس هذا انتهاكاً للسيادة الوطنية مثلاً .
-    أن اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات قررت منع التصوير في لجان الانتخابات والسماح فقط لمن لهم تصريح بالمرور على لجان الانتخابات من أعضاء منظمات المجتمع المدني ، وأن يقتصر عملهم على كتابة تقرير ، وصحيح أن التقارير كلها أكدت التزوير إلا أن منع التصوير حال دون حدوث فضيحة إعلامية كبرى .
-    أن الحزب الوطني استطاع بنوع من الإجراءات الحزبية التحكم في عدد من أعضاء الحزب الذين يمتلكون نفوذاً قبلياً أو جهوياً ، وكان يمكن لهم الترشح كمستقلين في حالة عدم ترشيح الحزب لهم ، إلا أن تلك الإجراءات منعتهم من ذلك ، حيث تم استكتابهم توكيلات تعطي رئيس الحزب الحق وحده في الترشيح لهم أو سحب ترشيحاتهم ومع إعلان الحزب ترشيحاته بعد إغلاق باب الترشيح ، كان من المستحيل على هؤلاء التقدم للترشيح ، وصحيح أن معظم هؤلاء قد حصلوا على أحكام قضائية تعطيهم الحق في الترشيح ، إلا أن تلك الأحكام لم تنفذ .
-    أن اللوائح المنظمة لعمليات الحصول على توكيلات من المرشحين لحضور عملية الاقتراع داخل اللجان الانتخابية وعمليات الفرز قد أعطت ذلك الحق لمأمور كل قسم ومركز ، وبديهي أنه تم منعها عن المعارضين عموماً والإخوان خصوصاً ، بل إن من استطاع بوسائله الخاصة الحصول على بعضها ، تم منع مندوبيه من الحضور ، ومن استطاع أن يدخل اللجنة تم طرده فيما بعد .
-    تم عمليات تقفيل واسعة النطاق في لجان الانتخابات ، بمعنى الانتخاب الجماعي بدلاً من الناخبين ، وإعطاء كل الأصوات لمرشح الحكومة .
-    إذا حدث واعترض أحد القضاة المكلفين رسمياً بالإشراف على الانتخابات ، كان يتم الاعتداء عليه من قبل الشرطة ، وقد حدث لأحد القضاة في دائرة البدرشين بمحافظة الجيزة .
****

 


دلالات نتائج الانتخابات

جاءت نتائج الانتخابات لتعطي الحزب الوطني 95 % من المقاعد ، وقد حصل الحزب الناصري على صفر ، وانسحب كل من الإخوان المسلمين وحزب الوفد ، وحصل التجمع على ثلاثة مقاعد وعدد آخر من المقاعد ذهب للمستقلين ، وإن كان بعضهم أصلاً سيدخل الحزب الوطني ، وهناك قوى مقاطعة للانتخابات أصلاً مثل الجبهة الوطنية للتغيير التي تدعم البرادعي ، وحزب العمل الإسلامي وهو حزب صدر أصلاً قراراً بتجميده منذ عدة سنوات وإلى الآن رغم حصوله على أحكام قضائية نهائية واجبة النفاذ بإلغاء قرار التجميد ، إلا أن الحكومة تتعسف معه وترفض تنفيذ أحكام القضاء وهناك 17 حزباً آخرين شاركوا في الانتخابات لا يعتد بأي منها سوى حزب التجمع الذي ربما يعاني هو نفسه من التمزق بعد تلك الانتخابات .
كانت النتائج لصالح الحزب الوطني تماماً ، وبديهي أن الحزب لا يريد أن يعترف بالتزوير ، وربما تكون قياداته لا تعرف كيف تم التزوير أصلاً ، ومن ثم فإن الحزب سيصاب بالغرور ، وسيشعر أنه وحيد في الساحة ، وسوف يتعالى المسئولون على الناس ، وقد حدث أن الوزير بطرس غالي وزير المالية ، حينما نجح في دائرة شبرا قال له الناس أن عليه إعادة النظر في ضريبة العقارات فقال لهم أنه لو أعاد النظر فيها سوف يزيد مقدارها وليس العكس ، وهو تصريح يدل على التعالي والغرور وحتى لو كان صحيحاً فليس هذا زمانه ولا مكانه .

 

خسر الإخوان كل المقاعد في الجولة الأولى ، وانسحبوا من الثانية ، وبديهي أن الإخوان لهم تواجد في الشارع لا يمكن أن يصل إلى الصفر ، والتقديرات المحايدة تقول أنهم القوة الرئيسية في الشارع ، فالحزب الوطني حزب الرئيس ولو تخلى عن السلطة أو تخلت السلطة عنه فسوف يتلاشى من الشارع كالفقاعة ، ولا يمكن بحال من الأحوال ألا يحصلوا على أي مقعد في حين أنهم حصلوا في المرة السابقة على 88 مقعد – حوالي 20 % من المقاعد – المسألة أن السلطة أعطت رسالة بأنه تيار غير مرغوب فيه سياسياً .
-    أن الأحزاب الثلاثة التي لها بعض التواجد في الشارع كالوفد والتجمع والناصري شعرت بالإهانة ، فقد أظهرتها الانتخابات أنها شديدة الضعف ، فالناصري حصل على صفر ، والوفد والتجمع على أعداد أقل من 10 ، فانسحب الوفد وأكمل التجمع ، وهكذا فإن المؤامرة هي عنوان المعارضة سواء من الإخوان أو الأحزاب .
-    من الملفت للنظر في تلك الانتخابات أن الذين استخدموا شعارات دينية لم يكن الإخوان فقط ، بل إن الأمر ظهر عند مرشحي الحزب الحزب الوطني بصورة أكبر ، وفي بعض الأحيان تحالف مرشح الإخوان مع مرشح مسيحي ، في حين أن عناصر الحزب الوطني كانت تحارب المرشحين المسيحيين على أساس طائفي ، وقد اشتكت من ذلك المرشحة المعروفة – الوفدية – منى مكرم عبيد – بنت الزعيم الوطني المعروف والذي كان ضد الطائفية وهو المعروف بقوله – أنا مسلم وطناً مسيحي ديناً – وقالت السيدة منى مكرم عبيد أن تحريض الحزب الوطني ضدها كان تحريضاً طائفياً .
-    من المثير أيضاً أن الكنيسة وجهت اتباعها إلى اختيار مرشحي الوفد وأن البابا شنودة الثالث شخصياً اختار مرشح الوفد ! ! وهو أمر له دلالاته المستقبلية على علاقة الحكومة بالكنيسة وهناك بالطبع أحداث وخلفيات أدت إلى هذا المسار ليس هنا محل توضيحها منها أحداث العمرانية الأخيرة والتي اصطدمت فيها الدولة بالكنيسة بشدة .
الرسالة الأولى والأخيرة في نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2010 هي انسداد أفق الإصلاح والتغيير عن طريق الانتخابات وأن الأمور وصلت إلى حد إهدار أحكام القضاء وليس التزوير فقط بمعنى أنه إذا تم التزوير وتم كشفه وإثباته وأصدر القضاء حكمه بذلك لا يعتد بأحكام القضاء وهو أمر خطير جداً .
وإذا كان أفق التغيير عن طريق الصندوق قد أغلق ، ومع الفساد والرشوة والمحسوبية والفقر وغلاء الأسعار والإهانة الوطنية على يد إسرائيل وأمريكا ، فأي طريق سوف يسلك الناس أم تتحول المسألة إلى فوضى مبدعة وخلاقة أم عشوائية ومدمرة .

 

الغباء والذكاء ، الربح والخسارة
إذا حاولنا أن نحسب الربح والخسارة في تلك الانتخابات فإن أول الخاسرين هي مصر ، لأن انسداد أفق التغيير السلمي يقود إلى المجهول ، وثاني أكبر الخاسرين هو الحزب الوطني الذي حكم نفسه بالعزلة المحلية والدولية وبات معروفاً بالتزوير ، وتصرف بغباء ، ماذا كان سيضيره لو أعطى مائة وخمسين مقعد لمختلف قوى المعارضة والمستقلين ، ويظل محتفظاً بالأغلبية المطلقة وفوقها عشرات المقاعد ، وكان هذا ممكناً جداً ، ألم يكن هذا أفضل من ناحية الشكل والمضمون ، وهذا البرلمان بذلك الشكل مشكوك في شرعيته ، فالطعون القضائية لا أول لها ولا آخر والأحكام الصادرة ببطلان الانتخابات كثيرة جداً ، والإجماع المحلي والدولي يتجه نحو أن الانتخابات مزورة ، وهذا البرلمان نفسه سوف ينتخب الرئيس في عام 2011 ، وبديهي أن انسحاب القوى السياسية مثل الإخوان والوفد ، سيجعل من الصعب إخراج مسألة انتخاب الرئيس في جو جدي أو مثير أو فيه أخذ ورد .
من الخاسرين أيضاً حزب التجمع الذي انشق عملياً بعد إصرار رئيس الحزب على الاستمررا في الانتخابات رغم وصفه لها بالتزوير ، وقد دعا 19 لجنة من لجان المحافظات " 29 محافظة " إلى الانسحاب ، بل واستقال عدد من أهم رموز الحزب احتجاجاً على ذلك .

 

-    الإخوان المسلمون خسروا حين دخلوا الانتخابات أصلاً ، مخالفين رأي القوى السياسية الأقرب إليهم أيديولوجياً مثل حزب العمل الإسلامي ، أو سياسياً مثل الجبهة الوطنية للتغيير ، ثم عادوا فانسحبوا من الجولة الثانية فظهر أنهم مترددون ولا يحسبون الأمور بكفاءة منذ البداية ، على كل حال فإن إصرار الحزب الوطني على عدم إعطاء أحزاب المعارضة عدد كبير من المقاعد قد أنقذ الإخوان المسلمين من فضيحة كبرى .
-    ربما كان الكاسب الوحيد من تلك الانتخابات هو حزب الوفد الذي كان قد حصل على أكبر نصيب من الفتات بالنسبة للإخوان والأحزاب الآخرى سواء في الجولة الأولى أو المحتمل في جولة الإعادة ، إلا أنه ضحى بذلك وانسحب وحقق من ثم اتساقاً مع نفسه حين شارك ، وحين انسحب وارتفعت أسهمه في الشارع على حساب الآخرين .