أزمة الكوريتين.. هل تستفز أمريكا الصين؟
22 ذو الحجه 1431
تقرير إخباري ـ المسلم

 

في تصعيد عسكري هو الأول والأخطر منذ حرب الكوريتين عام 1953، قامت كوريا الشمالية الأسبوع الماضي بإلقاء مئات القذائف المدفعية على جزيرة يونبيونغ بكوريا الجنوبية في البحر الأصفر، والمجاورة لمنطقة حدود بحرية محل نزاع بين الطرفين وهو ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص بينهم عسكريان،  وقد ردت القوات الجنوبية بطلقات مدفعية مماثلة، وتوعدت بالثأر لقتلاها.

 

هذا القصف من جانب كوريا الشمالية، بررته بأنه جاء ردا على قصف تعرضت له، فضلا عن تخوفها من التدريبات العسكرية التي يجريها الجيشان الأمريكي والكوري الجنوبي بدءاً من الأحد في البحر الأصفر بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية "يو أس أس جورج واشنطن" التي تعمل بالطاقة النووية وتحمل 75 طائرة حربية، وطاقماً يزيد على 6000 فرد.

 

واعتبرت بيونج يانج هذه المناورات تمهيدا لشن حرب كورية جديدة، كما حذّرت الصين أمريكا بدورها من أي نشاط عسكري في منطقتها الاقتصادية الحصرية التي تمتد إلى أبعد من مياهها الإقليمية وصولاً الى 370 كيلومتراً من سواحلها.
ومن جانبها حاولت الولايات المتحدة تهدئة مخاوف الصين على لسان وزارة الدفاع الأمريكية التي أكدت أن تلك المناورات "ليست موجهة" إلى الصين وأنه تم إبلاغ بكين بها، مطالبة إياها بتصعيد ضغوطها على كوريا الشمالية لوقف الاستفزازات.
ومن المعروف أن الصين هي الراعي المالي والسياسي الأول لنظام بيونج يانج، وأن الولايات المتحدة كانت تتطلع دوماً لبكين باعتبارها الأمل الوحيد لها لممارسة الضغط على ذلك النظام من أجل الحد من طموحاته النووية.

 

 

وإلى جانب التدريبات العسكرية فقد تحدث عسكريون ومحللون عن أسباب أخرى للتصعيد الكوري تتعلق بمحاولة بيونج يانج الضغط على الولايات المتحدة لاستئناف المباحثات الخاصة بالبرنامج النووي دون انتظار وقف عملية التخصيب، فضلا عن رغبة كوريا الشمالية في توقيع اتفاق سلام، من شأنه إنهاء حالة المواجهة مع الولايات المتحدة، لذا من المتوقع أن تشهد المنطقة المزيد من التصعيد الشمالي في الأيام والأسابيع المقبلة، لكن دون أن تقدم كوريا الشمالية الأضعف كثيراً من الناحية الاقتصادية على خوض الحرب فهي تعرف أن حرب أخرى ربما يؤدي إلى نهايتها.
كما يرغب "كيم جونج أون" الوريث المختار للزعيم الكوري الشمالي" كيم يونج إيل" الذي يفتقر للخبرة والشعبية في إظهار صلابته أمام المؤسسة العسكرية في بلاده التي سيحتاج لدعمها في المستقبل..

 

وبالنسبة لكوريا الجنوبية فهي ستعمل على تجنب الحرب، وربما تعمل فيما بعد على إجراء مفاوضات، وتخشى سول من أن تؤدي الحرب لخسارتها للرخاء الذي حققته بشق الأنفس.
لكنها ستقوم بالتأكيد على التحالف الكوري- الأمريكي والعمل على تعزيزه وهو الأمر الذي يبدو واضحا منذ الأزمة حيث دعت الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى وقف عملياتها.
وفي هذا الصدد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة "ملتزمة بشدة" بالدفاع عن كوريا الجنوبية، و"بالحفاظ على استقرار السلام والأمن الإقليمي، كما أعلن عن مشاركة الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية في تدريبات مشتركة بقرب المنطقة محل الخلاف. دون إهمال الدور الصيني وأهميته كحليف استراتيجي لكوريا الشمالية".
ويرجع الاهتمام الأمريكي باحتواء هذه الأزمة التي تعد تحدياً جيوبوليتيكياً خطيراً لواشنطن إلى الحيلولة دون تصعيد الصراع، ذلك لأن احتدام القتال بين الدولتين سيضع العاصمة الكورية الجنوبية في دائرة الخطر المباشر لأنها تقع في نطاق المدافع الكورية الشمالية طويلة المدى.

 

علاوة على أن ذلك القتال قد يعرض للخطر مصير 25 ألف جندي أمريكي منتشرين في قواعد في تلك الدولة بموجب بنود المعاهدة الدفاعية الموقعة بينهما، كما يهدد بالخطر حياة ما يقرب من 50 ألف أمريكي مدني يعيشون في تلك الدولة، ويتركز الجزء الأكبر منهم في العاصمة سول.

 

لذا فإن الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للرد محدودة، وهو ما يجبر إدارة باراك أوباما على التصرف بحذر شديد. ولكن ذلك الحذر يمكن أن يفسر من قبل النظام الكوري الشمالي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته على أنه ضعف. من ناحية أخرى فإن تلويح الولايات المتحدة باستخدام القوة بعد الهجوم الذي شنته كوريا الشمالية قد يؤدي - من ناحية أخرى - إلى مفاقمة الأزمة.
وفي وقت سابق قال"فيكتور دي تشا" المستشار الرئيسي لكرسي كوريا في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن في مؤتمر عقد الاثنين الماضي:"إن السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية تقوم على أن تلك الدولة تعتبر (أرض الخيارات البشعة) لأن أمريكا تضطر في سبيل التعامل معها إلى المفاضلة بين الخيارات السيئة، والأسوأ، والأكثر سوءا".

 

وبالنسبة للصين فمن المرجح أن تحمي حليفتها كوريا الشمالية، فهذا القصف يعد اختبارا هاما لكيفية تحقيق الصين التوازن بين دورها كحليف رئيسي وحيد لبيونجيانج والمطالب الدولية بالضغط على كوريا الشمالية بل ومعاقبتها.
وفي حالة مقاومة الصين المطالب بتوجيه توبيخ أقوى لبيونجيانج قد تتأثر مكانتها الإقليمية وهو مبعث قلق قد يؤثر أيضا على أسلوب تفكير المسؤولين في بكين.
وقد شكا مسؤولون أمريكيون من رد فعل الصين "الواهي" إزاء القصف الكوري الشمالي. ومن المقرر أن يزور الرئيس الصيني هو جين تاو واشنطن في أوائل 2011 ومن الممكن أن يزيد ذلك من الضغط على بكين لانتقاد الشمال، بل  وفرض عقوبات من المحتمل أن تكون من خلال مجلس الأمن.

 

وتعتبر الصين كوريا الشمالية واقيا إستراتيجيا في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وعلى مدار العام أظهر الرئيس الصيني مدى استعداده لاستثمار مكانة سياسية ومعونات اقتصادية في بيونجيانج.
وتمتد حدود الصين مع كوريا الشمالية لمسافة 1415 كيلومترا وأجزاء منها أنهار تتجمد في الشتاء وتخشى الصين أن تصبح الحدود ممرا للاجئين والاضطرابات إذا ما انهار النظام في بيونجيانج.

 

ويعد الهجوم الكوري الشمالي هو آخر الاستفزازات في قائمة طويلة تعود إلى عام 2007 كما أنه يأتي عقب حادث إغراق مدمرة كورية جنوبية"تشونان" بالقرب من الحدود البحرية المتنازع عليها، مما أدى إلى مصرع عدد كبير من أفراد طاقمها. وهناك احتمال كبير أن تكون تلك السفينة قد تعرضت لهجوم بالطوربيد من قبل غواصة كورية شمالية وفقاً لمحللين عسكريين أمريكيين وكوريين جنوبيين.

 

كما تعود جذور التوتر الحالي في شبه الجزيرة الكورية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وقد اندلعت الحرب الكورية في 25 يونيو 1950 وشاركت فيها الولايات المتحدة و15 دولة أخرى تحت راية الأمم المتحدة لصالح الجنوب. وفي  يوليو 1951 أخذت جبهة القتال تشهد حالة استقرار، واتخذت الحرب طابع المناورات، حتى جرى التوقيع على اتفاق الهدنة في 27  يوليو 1953.

 

وفي النهاية تثير هذه الأزمة مخاوف من أن تكون أجندة الاستفزاز الكوري-الكوري بغض النظر عن البادئ والمتجاوب برد الفعل المتوقع هي أجندة عالمية، فقد يكون بالأحرى استفزاز أمريكي-كوري جنوبي متعمد لكوريا الشمالية بل واستفزاز غير مباشر للصين العدو الاقتصادي الأول للولايات المتحدة ، وعدم رضا الأمريكيين عن الرفض الصيني للرضوخ للمطالب الأمريكية بإعادة تقييم اليوان الصيني لصالح الدولار الأمريكي المتداعي، ناهيك عن القلق المتصاعد للولايات المتحدة من ازدياد النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري للصين إقليمياً وعالمياً.