المدون طليق.. حماية الهرطقة أولوية العالم بمصر!!
16 ذو الحجه 1431
أمير سعيد

ها قد انتصرت إرادة العالم "الحر"، وأطلق سراح المدون.. فلم تطق منظمات العالم الخارجية وأحذيتها المحلية أن يظل المدون المهرطق وراء القضبان لما يزيد عن عشرة أيام، واحتشد العالم، وجاء بقضه وقضيضه ليسأل عن المدون المحتجز بعد قضائه محكوميته..

 

ارتعشت منظمة العفو الدولية فالمدون قد أصيب بنزلة برد شديدة.. إنه يسعل.. لقد أهين وضرب.. إنه يقضي العيد خلف الجدران!! محامون، صحف تغطي، منظمات حقوقية تنتحب.. كيف للولد أن يقضى عشرة أيام بكاملهم حبيساً رغم قضائه مدة عقوبته؟ لماذا حوكم من الأصل؟ ألأنه قد جدف بالدين ونشر الهرطقة وسب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين وكره الإسلام وسلطته؟! وما العيب في ذلك، أليست هي "حرية الرأي والتعبير" التي لا تراها أعين الحقوقيين والأذناب إلا في مثل هذا الموضع؟!

لقد عميت أعينهم أن ترى المئات من غير المدون، ناشطين، وأصحاب رؤى سياسية، مقيدين في الأصفاد، وتجاهلوا أصحاب العلل والأمراض فلم يحفلوا إلا بعطسات مدونهم وزكامه؛ فكانوا بحق النموذج القاهر الفاجر للمنظمات الحقوقية المنافقة التي لا تحمل الخير لأبناء هذا الوطن، الحانقة على مقدساته وقيمه وثوابته.

 

تعلمون، لم يكن للمدون السجين من رصيد مهني إلا عدة مقالات قليلة نشرت في مواقع إيلاف ذي التوجه المعروف ومواقع أقباط المهجر ومدونته الشخصية لم تكن تجاوز العشرة على ما أذكر، ولم تكن تحمل من أبسط قواعد المهنية اللغوية والصحفية شيئاً، لكنها كانت كفيلة بأن تجعل الشاب في قلب الإعلام العربي المتغرب وعينه، وتكتظ الصحف "المستقلة" والمواقع اليسارية بنداءات ومطالبات للإفراج عنه، وتحمر له أنوف منظمات حقوق التجديف العربية، واعذروني أن أنقل ما قال القضاء أنه ازدراء بالأديان؛ فإن ناقله ليس بكافر، وإنما يتوجب أن نقف على أقوال من احتشدت له الجهود ضاغطة من أجل "الحرية" قبل أيام من الانتخابات التي لا تسمع عنها تلك المنظمات وإعلامها المغترب..

 

المدون الذي ألبسه اليساريون ثوب البطولة:

1 ـ يقول "بصراحة شديدة ، توصلت إلى قناعة مفادها أن أحوالنا لن تنصلح إلا إذا تخلينا عن الدين بشكل تام ، فهو أحد أهم الأسباب وراء تخلفنا وإنحدار مستوى تفكيرنا ، ربما لا يكون هذا هو الحل الوحيد ، ولكنه أحد الحلول التى أعتقد أنها ستعمل على إنقاذنا مما نحن فيه" [ في مقاله المعنون دعوة للانضمام للقطيع 5/10/2006 ].

2 ـ ويبعث للناس بالتهنئة لانتهاء ما أسماه شهر النفاق (أي شهر القرآن أو رمضان)، قائلاً: "إلى كل إنسان إحترم ذاته وإرتد عن الإسلام … كل عام وأنتم جميعا بخير" [في مقالة بعنوان وداعا شهر النفاق 25/10/2006 ].

3 ـ ويقول: "إن التعاليم الإسلامية التى جاء بها محمد قبل أربعة عشر قرنا يجب أن تواجه بكل شجاعة وجرأة ، يجب علينا أن نفضحها ونبين سوءاتها ونظهر للعيان مساوئها ، ونحذر البشرية من خطرها ، يجب علينا ( على إختلاف إنتماءاتنا ) أن ننظر بعين العقل الى هذه التعاليم التى تعمل على تحويل الإنسان الى وحش مفترس لا يفقه فى لغة الحياة سوى القتل والنهب والسلب وإغتصاب وسبى النساء .يجب علينا أن نعقد محاكمة لكل رموز الإرهاب والتطرف الذين إحتفظ لنا التاريخ الإسلامى بأسمائهم وأفعالهم الإجرامية بدءا من محمد بن عبد الله مرورا بصحابته سفاكى الدماء من أمثال خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب وسعد بن أبى وقاص والمغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب(..) يجب علينا أن نبين للعالم حقيقة هؤلاء المجرمين الذين أصبحوا - مع الأسف الشديد - مثلا عليا للعديد من شبابنا وأطفالنا ونسائنا ، يجب علينا أن نفضحهم ونكشف زيف تعاليمهم ونبين للعالم أنهم خطر يجب القضاء عليه وإستئصاله من جذوره (..) حاكموا الإسلام وإحكموا عليه وعلى رموزه بالإعدام المعنوى حتى تتأكدوا أن ماحدث بالأمس لن يتكرر حدوثه مرة أخرى . طالما بقى الإسلام على هذه الأرض فستفشل كل محاولاتكم لإنهاء الحروب والنزاعات والإضطرابات ، فأصابع الإسلام القذرة ستجدونها - كما عهدتموها - وراء كل مصيبة تحدث للبشرية !." [مقالة بعنوان حقيقة الإسلام كما شاهدتها عارية فى محرم بك 22/11/2005 ].

4 ـ ويقول: "يجب أن نقنع الإنسان بقدسيته الذاتية وأنه لا شىء يفوقه أهمية ومكانة سواه" [ في مقالة بعنوان بـ"لا إله إلا الإنسان" 11/9/2006].

(عذراً فقد تعمدت ترك الأخطاء اللغوية المتنوعة في المقال التزاماً بحرفية النقل، ولكي يكون القارئ على اطلاع بحال الثقافة التي تحظى بالمساندة، ولأن ما احتوته النصوص يتضاءل جوارها أكثر أخطاء اللغة فداحة).

هذه إذن مقومات البطولة القمينة بجعل صاحبها محظياً لدى منظمات وصحف عربية خادمة لمشروع يراد له أن يكون في بلدنا الذي ينص دستوره على كونه بلداً مسلماً، وتلك مسوغات الاحتشاد الغربي له وانبراء الـCNN الأمريكية، والدويتشه فيله الألمانية، والبي بي سي البريطانية، ووكالاتي رويترز والفرنسية وغيرهما لتغطية أخبار احتجازه بعد مدة العقوبة لأكثر من أسبوع وإصابته بالعطاس، ومطالبة العفو الدولية بالإفراج الفوري عن المدون.

 

إنها الانتقائية الليبرالية في أبشع صورها، والاجتزاء الحقوقي في أحط منحدراته، والذي يتحاشى القسط الوافر والهامش الواسع من الحريات التي تتشوق لها جماهيرنا العربية التي تعيش أجواء الاستبداد والديكتاتورية من المحيط إلى الخليج، ويختزلها في كل ما يمس قيمنا وثوابتنا، ليبرهن على كونه في الأخير بيدقاً من بيادق الاستبداد، وكتيبة تدافع عن وجوده وتشرعن لاستمراره، وفزاعة تفيد منها الأنظمة للتخويف من الحرية كل الحرية، ما دامت لا تجلب إلا التجديف والهرطقة.. هو الدور الرديف للاستبداد إذن تقوم به تلك المنظمات، وهذه الوسائل الدعائية والإعلامية؛ لنلتصق أكثر بالواقع ونرضى به، خشية أن تمسنا ريح التغيير بسمومها الصماء!

 

لا المظالم تعنيهم ولا الفساد يحفزهم لمكافحته، إنما المستهدف هو الثوابت وخلخلة أسسها، ومن بعد لا حاجة لحديث عن قهر واستعباد.. وبمثل هذا تتكشف النوايا وتجلو الحقائق؛ فإذا الحرية مطية لنسف القيم، وإذا عدالتهم عوراء ومنطقهم أجوف وموازينهم مختلة، فسلسلة المطالب العادلة تنزوي في أجندتهم وتضمحل، وتحرير الإنسان من ربقة الاستبداد ليس في وارد نضالهم من أجله.. ولعل من المفيد أن تقودنا مثل هذه المواقف لتبيان سرابية أوهام تلك المنظمات وتهويماتها، وجميل أن نراها هكذا على خستها وحقارتها في صورتها البشعة وندرك وضعها في أي خندق تكون..

[email protected]