العجز الأمريكي أمام تصاعد حالات الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي
11 ذو الحجه 1431
سارة علي

عندما وقف وزير الجيش  الأمريكي جون ماكهيو أمام مجلس النواب الأمريكي قبل شهور  خجلا من سؤال وجه له من احد النواب يتعلق بإمكانية الجيش الأمريكي في الحد أو التقليل من تزايد نسب الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي أو الجنود الذين شاركوا في حربي العراق وأفغانستان, فما كان من ماكهيو ألا أن رد قائلا: [أننا لا نزال مرتبكون ومشوشون بشأن معرفة الأسباب الكامنة وراء إقدام الجنود والمجندات الأميركيات على الانتحار.؟!]، وعلى منوالهِ كان رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي "الجنرال جورج كيسي" الذي اعترف أمام مجلس النواب في مارس الماضي إنه: [لأمر يثير الإحباط أن نفشل في وقف عمليات انتحار الجنود بالرغم من مستوى الجهود التي بذلناها في مواجهة الظاهرة..؟!]،وأشار كيسي إلى : إن التحدي الذي نواجهه على مدى السنوات القليلة المقبلة ستكون للحفاظ على تفوقنا في مكافحة الانتحار بوتيرة مناسبة، مع إعادة أنظمة حامية لرعاية أفضل لجنودنا وعائلاتهم، فمزيج من لياقة الجندي الشاملة مع هذه الجهود يتم تعزيز الصحة ويوفر الأساس لتحسين مرونتها وقوتها.

 

الشعور بالعجز والإحباط دفع صحيفة التايم الأمريكية إلى إيضاح أن المفردات المستخدمة من قبل وزراء مهمين في أمريكا كوزير الجيش الأمريكي ورئيس هيئة الأركان المشتركة , كعبارات محبطون" و"مرتبكون" فهي ليست عادة متضمنة في قواميس قادة الجيش الأميركي، ولكن تزايد ظاهرة انتحار الجنود تجبرهم على التلفظ بها، في ظل تزايد نسبة الانتحار في صفوف الجيش إلى الضعف في الفترة الزمنية بين 2001 و2006 وبقائها على حالها بين المدنيين الأميركيين.

 

لكن الجنرال الأمريكي "إيريك شومايكر" كان أكثر وضوحاً عندما أدلى بشهادته أمام الكونغرس خلال شهر مارس 2010 أيضاً، فقد اعترف بجملةٍ واحدة يُمكن وصفها بأنها "جامعه شامله"، تضمنت: (القادة ربما فاتهم أن تلك المشاكل مردها للحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في الخارج), وهذا الرأي أيضا أكده عالم نفسي درس ما يسمى ارتفاع وباء الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي  حيث  أكد عالم النفس الأميركي في جامعة تكساس "كريغ برايان" أمام الكونغرس أيضاً، من: [إن التواجد في الجبهات الأمامية لميادين القتال يعتبر بحد ذاته مدعاة للخوف من الموت وبالتالي يشجع على الإقدام على الانتحار في ظل توفر السلاح بين أيادي المحاربين.؟]، في حين طرح الجنرال بيتر شارلي -نائب رئيس أركان الجيش الأميركي- مُقترحاً لمُعالجة ذلك الوباء في شهادته أيضاً أمام الكونغرس، بقوله: ينبغي للجيش السعي إلى تحسين الصحة الجسدية والعقلية والنفسية بشكل كامل لكل من الجنود وعائلاتهم بدلا من التركيز على العمليات الوقائية ضد الانتحار، وأنه إذا نجحنا في هدفنا الأول، فإن الهدف الثاني سرعان ما يتحقق.

 

البحرية الأمريكية أيضا كصنوف الجيش الأمريكي الأخرى أيضا انتشر فيها وباء الانتحار وهذا ما يؤكده الجنرال "جميس أف. آموس" نائب قائد العمليات بالبحرية الأمريكية ليُعلن أن: الانتحار يقف في المرتبة الثالثة بين مسببات الوفاة بين أفراد الجيش, مُشدداً على أنه في حالة وضع معالجات جذرية للتخفيف من نسب الانتحار فيجب وفق رؤيته أنْ يجري: تحجيم وتغيير المفاهيم السائدة بشأن العار والخزي والخجل من طلب المساعدة.

 

لقد وصلت نسب الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي نسبا أعلى من نسب الانتحار بين المدنيين الأمريكيين وهذا الأمر يحصل لأول مرة مما دفع السيناتور "لينسدي غراهام" ليتساءل: ماذا يجري في العراق؟! وعلى منوالهِ كانت "سندي شيهان" الناشطة الأمريكية المناهضة للحرب في العراق التي أعلنت من جهتها خلال شهر سبتمبر 2009: أن الخسائر التي خلفتها حرب العراق وأفغانستان ضخمة جدا وأنها لا تقتصر على مقتل الجنُود فحسب بل خلَفت تداعيات وأثار وخيمة على الجنُود الأمريكيين لدرجة يقوم يوميا ثمانية جنود أمريكيين بالانتحار، مقارنة بما قبل بدء غزو العراق عندما كانت النسبة لا تتجاوز جنديا واحدا.

 

مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الصحة "وليم وينكينويرد" في حديث لشبكة" سي إن إن " الأمريكية عن وقوع " 21 " حالة انتحار بين الجنُود الذين شاركوا في الحرب على العراق خلال عام 2003 لتصل النسبة إلى   5% مقابل مائة ألف جندي بارتفاع " 9، 10% عن عام 2002م, أما في عام 2004 وصلت نسب الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي  الذين خدموا في العراق وأفغانستان وأقدموا على الانتحار وصل إلى (52) شخصاً ,وكان لسلاح الجو الأمريكي نصيبا كبيرا من عدد المنتحرين حيث سجلت 26 حالة انتحار بين عناصره، أي ما يساوي معدل سنوي يبلغ 13حالة لكل 100 ألف شخص، مقارنة مع 38 حالة انتحار عام 2003 ونوه سلاح الجو أن الذكور الشباب يشكلون نسبة 24% من أصل 37% من قواته، لكنهم أيضا يمثلون نسبة 54% من حالات الانتحار.

 

أما في العام 2006 فقد اعترف الجيش الأمريكي إن مُعدلات الانتحار بين جنوده سجلت ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الثلاث الماضية (2006-2008)، حيثُ وصلت إلى مستويات لم يشهدها الجيش منذ أكثر من ربع قرن. ودلت الأرقام التي نشرها الجيش على أن أكثر من ألفي جندي حاولوا الانتحار خلال عام 2006. وبلغ عدد الجنُود الذين انتحروا خلال ذات العام 2006 نحو 102 جندي، أي ضعف عددهم عام 2001، وهو العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة حروبها ,وتزيد هذه الأرقام عن عدد المُنتحرين عام 2007 الذي تأكدت فيه 89 حادثة انتحار بينما وقعت 32 وفاة أخرى ينتظر تأكيد ما إذا كانت نتيجة الانتحار (89+32=112)، وارتفعت نسبة الانتحار بين الجنُود النظاميين بنسبة 5% لكل 100 ألف جندي بنهاية عام 2006، بارتفاع نسبته 8 لكل 100 ألف جندي عند بداية العام ذاته.

 

 

أما في عام 2007 فقد شهد انتحار 115 جنديا، أي بزيادة 13 % عن حالات الانتحار في عام 2006. وهو المُعدل الأعلى الذي تم تسجيله ـ حينها ـ منذ عام 1980، وهو العام الذي بدأ فيه الجيش الأمريكي رصد حالات الانتحار في صفوفه, ومن الأرقام الأخرى المُعلنة عن الانتحار في العام 2007 التي أقلقت الجنرال "بيتر تشياريلي" نائب رئيس هيئة الأركان للجيش الأمريكي في شهادتهِ أمام لجنة الكونغرس المُصغرة للجيش الأمريكي، قولُهُ: أعتقد أنها الآثار التراكمية لعمليات الانتشار التي تمتد من 12 إلى 15 شهراً. ثم يعود الجنرال إلى بيان أن: 133 حالة انتحار مؤكدة بين أفراد الجيش الأمريكي وقعت عام 2007 واستمرار التحقيقات في سبعة أخرى محتملة,أي أن النسب المعلنة هي اقل من الأرقام الحقيقة لحالات الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي.

 

أما إحصائيات الانتحار لعام 2008 تؤكد إلى الارتفاع في نسبتها عن السنوات السابقة لها  حيث ارتفع مُعدل حالات الانتحار بين أفراد الجيش الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ عقود خلال عام 2008 بانتحار 128 جنديا وأن هذا الرقم مرشح للارتفاع نظرا لوجود 15 حالة وفاة لا تزال رهن التحقيق128 + 15= 143 حالة انتحار بين الجنُود الأمريكان في العراق.
من جهته أعلن سلاح مشاة البحرية الأمريكية إن عدد حالات الانتحار بين أفراده ارتفع بنسبة 24% إلى (41) حالة انتحار في 2008 من (33) حالة انتحار في 2007، ويبلغ مُعدل الانتحار بين مشاة البحرية (19) حالة لكل (100) ألف جندي.

 

 

أما عام 2009 فقد سجل في مطلعه انتحار 140 حالة في صفوفه منذ بداية 2009 مع توقع تسجيل مستوى قياسي جديد للحالات في 2009، هذا الاعتراف الخطير أعلن عنهُ : ((الجنرال بيتر شياريلي" نائب رئيس أركان الجيش الأميركي، في مؤتمر صحافي عقد في 17-11-2009 قال فيه: [إن سلاح البر سجّل 140 عملية انتحار لجنود في الخدمة، ما يساوي العدد الإجمالي لحالات (الانتحار) في 2008، فيما يبقى شهر ونصف الشهر لنهاية العام 2009، وسنُنهيهِ بكل تأكيد برقم يفوق رقم العام الماضي 2008، ونود عدم حصول انتحار جديد هذه السنة (المقصود 2010) أو في السنوات المقبلة، لكننا نعلم أنه لن يكون الأمر كذلك.؟! مع ذلك نعتقد أننا نُسجلُ تقدماً، فالعدد يختلف من شهر لآخر ولكن منذ مارس 2009 يميل الاتجاه نحو الانخفاض باستثناء شهرين، سيما وأن الـ140 حالة انتحار ثلثها لم يسجل في منطقة قتال.

 

 وفي تصريحٍ آخر لـ " شياريلي" أيضاً أعلنه أمام الصحفيين، أعلن فيه: أن زوبعة الانتحار عادت لتؤرق قيادات البنتاغون بعد أن فاقت مُعدلات الانتحار بين الجنُود الأمريكيين العام 2009 أرقام العام 2008 القياسية، وبلغت 211 حالة انتحار منذ مطلع العام 2009، سيما وأنَّ مُعدلات الانتحار تتجه نحو مسار تنازلي مع اقتراب العام 2009 من نهايتهِ، هذا أمرٌ فظيع، وأنا لا أريدُ أن أقلل من أهمية هذه الأرقام بأي شكلٍ من الأشكال.

 

 

أما الإحصائيات المتواجدة لعام 2010 تشير إلى حد الآن تصاعد في نسب الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي وأن نسب الانتحار بين صفوف الجنُود بسبب الضغوط النفسية المتصاعدة في حربي العراق وأفغانستان قد ارتفعت لرقم قياسي في شهر يونيو  لتصل لمُعدل انتحار جندي واحد يوميا، وان عدد حالات الانتحار قد بلغت 32 حالة في الشهر أعلاه منهم 21 جندي عامل، أي أنهم في مُهمةٍ قتالية، في حين بلغت النسبة 11 جندي في قواتِ الحرس القومي والاحتياط التي تتمركز داخل أمريكا ولم يتم بعد نشرها خارج البلاد وهي نسبة لو استمرت على هذه الحال فقد تبلغُ أكثر من ضعفِ عددها العام 2009،ويقول "البنتاغون"، أن 70% من المُنتحرين هم جنود متواجدون في ساحات القتال بالبلدين "إلا أن الواحد منهم لم يكن قد قاتل ودخل الميدان بعد"، وفق تعبير الجنرال بيتر شياريللي، وهو نائب رئيس شؤون الجنُود بالجيش.

 

ولعل تزايد نسب الانتحار تلك في صفوف الجيش الأمريكي تؤكد حقيقة العجز الذي وصل إليه القادة الأمريكان للحد من ظاهرة الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي على الرغم من إنفاق أكثر من 50 مليون دولار لعمل الدراسات وتقديم الدعم النفسي للجنود الأمريكان .