كرازي وأكياس اليوريو الإيرانية
21 ذو القعدة 1431
د. ياسر سعد

بعدما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية معلومات عن سعي إيران لترسيخ نفوذها في كابول عبر دفع اموال لمدير مكتب كرزاي، أقر الرئيس الافغاني بأن مكتبه يتلقى "اكياسا من المال" من إيران ودول عدة. وقال كرزاي خلال مؤتمر صحافي ان "الحكومة الايرانية تساعدنا مرة أو مرتين سنويا وتمنحنا 500 الف او 600 الف او 700 الف يورو كل مرة". واكد الرئيس كرزاي بأن مدير مكتبه عمر داودزاي "يتسلم الاموال من الايرانيين بناء على التعليمات التي اصدرها له". واضاف: "ان العديد من الدول الصديقة تدفع لنا النقود لمساعدة مكتب الرئاسة والموظفين الحكوميين وغيرهم. انها عملية شفافة تماما."ومضى الى القول: "لقد سبق لي ان ناقشت هذا الموضوع مع الرئيس بوش في كامب ديفيد. لا يوجد شيء مخفي. ونحن ممتنون للمساعدة الايرانية في هذا المجال. ان الولايات المتحدة تفعل الشيء ذاته، فهي تتبرع ايضا بالاموال لبعض مكاتبنا."

 

 

وبرغم اعتراف كرازي الصريح ، فقد نفت السفارة الايرانية في كابول من جانبها بقوة ما جاء في تقرير نيويورك تايمز واصفة ادعاءاتها "بالمهينة والمضحكة." وجاء في بيان اصدرته السفارة: "تقوم بعض وسائل الاعلام الاجنبية بنشر هذه الادعاءات التي تفتقر الى الصحة من اجل تشويش الرأي العام والإضرار بالعلاقات القوية التي تربط بين حكومتي وشعبي الجمهوريتين الاسلاميتين الايرانية والافغانية".

 

 

وتعليقا على المسألة قال بيل بورتون نائب المتحدث باسم باراك اوباما "اعتقد ان لدى الأميركيين والعالم بأسره ... كل المبررات للقلق من محاولات ايران الرامية إلى ممارسة نفوذ سلبي في افغانستان". واضاف في تصريحات صحفية ان واجب الايرانيين "كما كل الجيران هناك، أن يحاولوا أن يكون لديهم نفوذ ايجابي لتشكيل حكومة، وأن لا تكون افغانستان بلدا يستطيع الارهابيون أن يجدوا فيه ملجأ آمنا، او يتم التخطيط فيه للهجمات".

فيما قال المتحدث باسم الخارجية الاميركية فيليب كراولي للصحافيين "سندع للحكومة الافغانية أن تشرح كيفية انفاق المساعدة المالية التي تلقتها من دول اخرى". واضاف "لكننا سنظل نشكك في الدوافع الايرانية انطلاقا من الدور الذي اضطلعوا به في الماضي مع جيراننا لزعزعة الاستقرار". ودعا كراولي إلى "أن تؤدي حكومة مثل الحكومة الايرانية، وكذلك كل حكومات المنطقة، دورا بناء في افغانستان".

 

 

من المفارقات أن الكشف عن المساعدات الإيرانية لكرازي والتي وصفها بالشفافة، جاء قبيل نشر منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي والذي أعادت فيه تصنيف أفغانستان والعراق في ذيل قائمة الدول من حيث مستوى تفشي الفساد فيها. فالدولتين "المحررتين" من قبل القوات الأمريكية واللتان حظيا بأنسام الديمقراطية الأمريكية هم من أكثر دول العالم فسادا وانتهاكا لحقوق الإنسان. الأمر ليس بمستغرب، بل إن نقيضه هو المثير للتعجب. فهل هناك من فساد أكثر وأكبر من أن يرتبط السياسي بقوات الاحتلال ويصل إلى سلطة زائفة عبر دباباتها وخلال مسار سقط فيه أعداد كبيرة من الضحايا والأبرياء من مواطنيه ظلما وعدوانا. وإذا كان ليس بعد الكفر ذنب كما يقال، فإن الفساد الأكبر لإي سياسي والذي ستتفرع منه أشكال الفساد المالي والأخلاقي والسياسي، هو في الإرتباط بالاحتلال وبالعمالة له.

 

 

نعود لمسألة العطايا الإيرانية وردة الفعل أمريكا الهادئة وتكرار دعوة مسؤوليها لإيران للقيام بدور إيجابي في أفغانستان، وأمتنان كرازي العلني للمساعدة الإيرانية، أمور تعطي شيئا من المصداقية لمن يدعي أن الخلافات الإيرانية-الأمريكية المعلنة والتصريحات النارية بينهما تخفي أحيانا صفقات في الباطن وتنسيق في مواجهة عدو مشترك وهو "السلفية الجهادية". كما إن التحرك الإيراني النشط في المنطقة يدفعنا للتساؤل عن الشلل والغياب العربي خصوصا من عواصم عربية كبرى والتي تشهد قياداتها حالة من الغيبوبة السياسية الكبرى.

 

 

الأكياس الإيرانية فيها محاكاة للإساليب الأمريكية في شراء والذمم والضمائر، إن كان في العراق أو في أفغانستان. فلقد كانت القوات الأمريكية في بواكير غزو أفغانستان تجوب المناطق والأرياف وهي محملة بأكياس المال لشراء ولاء زعماء القبائل في مواجهة طالبان. والأمر نفسه تكرر في العراق كما أشارت كثير من التقارير الإعلامية. إفساد الذمم والضمائر، وتقديم الساسيين الفاسدين إلى مواقع المسؤولية والحكم، بتقديري سياسة متعمدة هدفها إبقاء بلداننا في ميدان الصراع وخانة الاحتراب حتى تبقى منطقتنا العربية والإسلامية أسيرة داوئر التخلف والاستهلاك والفوضى.