مفتي موستار: منذ 10 سنوات ونحن ننتظر الموافقة على بناء المركز الاسلامي
5 ذو القعدة 1431
عبد الباقي خليفة

الشيخ سعيد سمايكيتش " للمسلم ": الناس وجدوا ذواتهم في الاسلام وهذه الشعلة يجب أن تبقى متقدة

 

تعرضت موستار البوسنية ( 120 كيلومتر شرق سراييفو ) لعدوان صربي كرواتي مزدوج أثناء الحرب ( 1992 / 1995 م) ولا سيما في الفترة ما بين 1992 و1993. حيث عمل الصرب على إجلاء السكان المسلمين منها، لإقامة مشروع صربيا الكبرى. ثم تولى الكروات هذه المهمة سنة 1993 م لجعل موستار عاصمة لدولة " هرسك بوسنة " التي عملوا على إقامتها أثناء الحرب، ولا يزال البعض منهم يحلم بإقتطاعها من البوسنة حتى الآن. وبعد الحرب، لم تتوقف الاستفزازات الكرواتية، المتمثلة في إطلاق النار على عدد من المساجد، وكتابة شعارات معادية للمسلمين على جدرانها، ومنع إقامة مركز اسلامي في الشق الغربي من المدينة، وهدم مسجد في ليفنو. وفي المقابل أقاموا كنيسة ضخمة في الجانب الشرقي من المدينة والذي يسيطر عليه المسلمون، دون أخذ إذن قانوني بذلك، وأقاموا صليبا ضخما على مشارف موستار في محاولة لتغيير معالم المدينة وإعطائها هوية نصرانية. حول هذه القضايا وغيرها زار " المسلم " موستار للقاء المفتي سعيد سمايكيتش.

 


*  ما هي صورة الوضع في موستار بعد 15 عاما على انتهاء الحرب، المدينة، والعلاقة مع الكروات؟

 موستار من الناحية مدينة واحدة، ولكنها في الواقع، مقسمة مع الأسف الشديد، فهي لا تزال تحمل اسمين، موستار الشرقية والتي يقطنها المسلمون، وموستار الغربية التي يهيمن عليها الكروات. حتى المؤسسات الرسمية مقسمة، المدارس مقسمة، هناك مدارس رسمية وكليات تحت سيطرة الكروات، ونادرا ما تجد غير الكروات بهذه المؤسسات التي أعطيت لها صبغة كرواتية من الناحية الإثنية، وصبغة  كاثوليكية من الناحية الدينية، ولذلك يلجأ الكثير من المسلمين المقيمين في ممتلكاتهم بالجزء الغربي لارسال أبنائهم للدراسة عندنا في الجانب الشرقي. وعندما نتحدث عن التقسيم، فإننا نتحدث عن تقسيم شامل وكلي، بما في ذلك الكهرباء، والأنشطة الثقافية كالمسرح.

 

*  أي أن ما قاله رئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك، من أن كروات البوسنة بنوا لهم كيان خاص صحيح تماما ؟
 الكروات لم يتوقفوا عن المطالبة بكيان خاص على غرار صرب البوسنة، وفي الحملة الانتخابية الأخيرة ( جرت الانتخابات يوم 3 أكتوبر 2010 م ) أعلنوا أنهم يريدون كيان خاص بهم في البوسنة، تكون موستار عاصمة له.

 

*  هل حصلت مناوشات أو احتكاكات بين المسلمين والكروات في المدة الأخيرة؟
 لا توجد حوادث عنف ولا مناوشات بين الطرفين، ولكن هناك حرب باردة يخوضها الكروات ضد المسلمين، من خلال الممارسات السياسية، والخطاب الاعلامي، الذي لم يتغير منذ  1993  م حتى إنك عندما تستمع لإذاعة، هرسك بوسنة، تتخيل أن الحرب قامت، أو بالأحرى لا تزال قائمة، وعلى كل حال، هم يعتقدون ذلك، ومستمرون في الاستفزاز.

 

*  هل هناك مخاوف من تجدد الصدام مع الكروات؟
 نحن نأمل أن لا يصل الوضع إلى هذا الحد، وهناك استفزازات كثيرة، ومتواصلة، وربما هناك محاولات للدفع باتجاه التصعيد، ولكننا ننتهج أسلوب الحكمة وتجاوز الإساءة.

 

*  لو تحدثونا بالضبط عما حدث في ليفنو؟
 مسجد ليفنو الذي جرفه الكروات في المدة الأخيرة، كان تحت الانشاء، وهو في الأصل بيت بدأ صاحبه في تشييده، ثم تبرع به للمشيخة الاسلامية وجعله وقفا في سبيل الله، وقد عقدنا العزم على تحويل المنزل إلى مسجد، وهو ما رفضه رئيس البلدية الكرواتي، واستقوى بالشرطة لهدمه، وهذا ليس من حقه. فالبيت حصل على الترحيص، وكان بامكانه أن يقول لا يوجد ترخيص لتحويله إلى مسجد، ولكنه تجاوز صلاحيته واعتدى على ممتلكات الغير بدون موجب قانوني. وقد صدمتنا جريمة تجريف المنزل وكنا نعد العدة لاقامة صلاة التروايح فيه في رمضان الماضي. إن رئيس البلدية، والأشخاص الذين وقعوا على قائمة تطالب بعدم السماح بإقامة المسجد، يعبرون بصنيعهم المشين هذا عن كراهية للاسلام والمسلمين، وهم بذلك يخالفون قول المسيح عليه السلام، أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. بل لم نر منهم تسامحا قط فضلا عن الحب والمباركة.

 

*  ما هو إذن مصير مسجد ليفنو؟
 نحن سنبني هذا المسجد، ورب ضارة نافعة، فقدر ألمنا بسبب العدوان الذي تعرض له المسجد، فإننا نبارك الشعور العارم بالانتماء الذي انتاب المسلمين عقب العدوان على المسجد، والجميع يقول، لقد كنا في غفلة، ونسينا بعد مرور 15 عاما على انتهاء الحرب، ولكن الآخرين يذكروننا مشكورين من حين إلى آخر بأننا لا زلنا تحت التهديد. وهناك تضامن واحتشاد كبير في جميع مناطق البوسنة، وأعرب الكثير منهم على الاستعداد لتقديم المساعدة المطلوبة من أجل تنفيذ مشروع المسجد في ليفنو

 

*  ما موقف المبعوث الدولي فلانتينو انزكو، حيث قام رئيس العلماء بارسال رسالة احتجاج له على العدوان الذي تعرض له المسجد؟
 كان يمكن أن يكون له موقف، لو حصل العكس، أي لو كان المسجد كنيسة. بل لهاج العالم وماج لو حصل العكس. وأمامنا قضية أخرى وهي المرأة المسلمة والأخت فاطمة أورليتش، والتي بنى الصرب فوقها كنيسة بدون موجب حق، ولم يقع إزالة هذه الكنيسة حتى اليوم، وإنما تم تجريف المسجد الذي بني فوق أرض وقف اسلامي. واسمح لي بأن أشيد بموقف رئيس العلماء الذي زارنا وذهبنا معا إلى ليفنو وصلينا التروايح مع السكان وشجعناهم على الصمود.

 

*  أين وصل مشروع المركز الاسلامي في موستار؟
 منذ 10 سنوات، ونحن ننتظر الترخيص من محافظ موستار ( كرواتي ) دون جدوى، قدمنا الطلب ولكنهم لم يردوا علينا لا سلبا ولا ايجابا. بل يتدخلون في شؤوننا بالقول لديكم 20 مسجدا في المدينة، ولم يلاحظوا أنهم يبنون كنائس في مناطق يعد الكروات فيها على أسابع اليدين، وقد بنوا كنيسة ضخمة في موستار الشرقية دون الحصول على ترخيص من رئيس البلدية المسلم، ولم يقم أحد بتجريفها.

 

*  لو تصف لنا مشروع المركز الاسلامي؟
 يقع المشروع على مساحة 5 آلاف متر مربع، ويتكون من مسجد يتسع لألفي مصل، وصالة محاضرات، ومطعم، ونادي انترنت، وصالة رياضية، وموقف للسيارات، ومحلات تجارية للوقف. أما تكلفته فتبلغ 5 ملايين يورو. ولا توجد أي موانع حقيقية لبناء المشروع، سوى كونه قضية سياسية وثقافية تتعلق بهوية موستار، فالكروات يريدون المدينة لهم فقط. وقيام مساجد ومراكز ومؤسسات اسلامية يقلل من مشروعهم الفاشي في موستار.

 

*  كيف ترون الوضع الاجتماعي والاقتصادي في موستار؟
 عدد سكان موستار 120 ألف نسمة، نصفهم من البوشناق المسلمين، والنصف الآخر من كروات البوسنة، وكان ما يزيد عن 15 ألف مسلم قد تركوا المدينة أثناء وبعد العدوان، وهم الآن في الدول الاسكندنافية، ودول أوروبية أخرى، وفي الولايات المتحدة، واستراليا وغيرها. وكبر أبناءهم هناك، ولن يستطيعوا التأقلم مجددا في موستار. لقد تكيفوا مع الأوضاع هناك. والكروات يأملون بأن يصبحوا أغلبية.
الوضع الاقتصادي صعب جدا، لا توجد مصانع تعمل، فقط دكاكين صغيرة للتجارة البسيطة، لا توجد استثمارات عربية ولا اسلامية في موستار، الشركات الكبيرة دمرت ولم يعاد بناؤها، وبعضها يقع تحت هيمنة الكروات حاليا كمصنع الطائرات، ومصنع الالمنيوم، ولا نزال نعاني من عدم العدالة فالصرب والكروات يحتفظون بما لديهم ويطالبون باقتسام ما لدينا، ولسان حالهم يقول، ما لنا هو لنا، وما عندكم نحن فيه شركاء. أما نسبة البطالة في موستار، فهي تصل إلى 60 في المائة.

 

*  أثناء العدوان، تعرضت المساجد، والمدارس الاسلامية للقصف، والهدم والتفجير، كيف حالها اليوم؟
 بحمد الله تمكنا من إعادة بناء 20 مسجدا تم هدمها وتدميرها أثناء العدوان، وتمكنا بعون الله من بناء مسجدين جديدين آخرين هدمهما الشيوعيون في خمسينات القرن الماضي. وعثرنا على أساسات 3 مساجد هدمها الشيوعيون أيضا، ونحن نحاول إعادة بنائها من جديد.

 

*  وكيف هو حال المساجد من حيث حضور المؤمنين لأداء الشعائر؟
 الحمد لله، المسلمون يستعيدون وعيهم بأهمية العقيدة والاسلام عموما في حياتهم، ونحن نلاحظ زيادة في الوعي بين صفوف المسلمين. هم يدركون بأن مستقبلهم يحتم عليهم أن يكونوا أكثر التزاما بالاسلام، لأنهم يحفظون وجودهم بحفظه ويتلاشون ويذوبون بدونه. الاسلام والالتزام بالشعائر يملئ الانسان ثقة في النفس وفي الشعب والامة وقبل ذلك عون الله وتوفيقه. ونستطيع القول بأن العدوان أعاد للكثير من المسلمين وعيهم، والجيل الجديد لديه إقبال كبيرعلى الالتزام بالاسلام عقائد، وعبادات، ومنهج حياة.

 

*  توجد في موستار مدرسة اسلامية لو تحدثونا عنها؟
 المدرسة الاسلامية نشطة والحمد لله، وهي ركيزة من ركائز الحفاظ على الهوية الاسلامية في موستار. وبها حاليا 200 طالب وطالبة. يمكنهم الالتحاق بالكليات العلمية الأخرى، كالطب، والهندسة، والاعلام، والاقتصاد، والحقوق، والزراعة وغير ذلك. كما يمكنهم مواصلة دراساتهم الاسلامية في مختلف صنوف التخصص الشرعي، سواء في البوسنة أو خارجها. ونحن نعمل على توسيع المدرسة لتتسع ل 400 طالب وطالبة، وهذا المشروع يحتاج للمساعدة، ولدينا مشاريع معمارية لا تزال قيد الانشاء لهذا الغرض.أما المبلغ المطلوب فهو 500 ألف يورو.

 

*  كيف نختم هذا اللقاء؟
أريد القول بأننا نحتفل في هذه الأيام بالذكرى الخامسة عشر لاعادة نشاط المدرسة الذي توقف أثناء فترة الحكم الشيوعي للبوسنة وقد وجهنا دعوات لجهات اسلامية لحضور الذكرى. وأريد التعبير في الختام عن روح متفائلة رغم الظروف الصعبة، فقد عشنا العدوان وتمكنا بعون الله ثم بوسائل بسيطة من الصمود وحفظ وجودنا البيولوجي والروحي المتمثل في الاسلام، لقد دافعنا عن أنفسنا ومستعدون للتضحية من أجل ذلك مجددا وأنتم تعرفون ماذا جرى هنا. الناس وجدوا ذواتهم في الاسلام وهذه الشعلة يجب أن تبقى متقدة، وأن تستلم الأجيال المقبلة الشعلة وهي في أحسن حال. وذلك بمساعدة إخوانهم في ديار الاسلام.