د. سميحة غريب : التكافؤ بين الزوجين من أهم أسس السعادة الزوجية

القبول النفسي والإرتياح بين الشاب والفتاة في فترة الخطبة عامل هام لنجاح العلاقة بينهما بعد الزواج، لكن يأتي التكافؤ بينهما ليكون أحد العوامل الرئيسية التي يجب أن يراعيها الزوجان عند إختيار شريك الحياة، ولا مانع أن تأتي الكفة لصالح الزوج بعض الشيء ليكون شعور الزوجة بتميز زوجها عنها، وبالتالي تأتي القوامة، باحتوائه لها وقوامته النفسية عليها.

 

ويتحير الكثيرون عند تحديد  معايير التوافق والتكافؤ بين الزوجين، فقد ترى بعض الفتيات أن الفروق في السن قد تكون سبباً للتعاسة الزوجية، في حين يرى بعض الشباب أن الفروق الكبيرة في السن بين الزوجين قد تكون معياراً للسعادة عندما تكون الزوجة دائماً صغيرة بالسن، ويتحدث معظم الآباء والأمهات عن التكافؤ المادي بين الزوجين، ليضمن والد العروس أن زوجته ستكون سعيدة... معايير كثيرة لا نعرف الصحيح منها، فتواصلنا مع الدكتورة سميحة محمود غريب الأستاذة الجامعية بدرجة بروفيسور، وعضو اللجنة العلمية للمرأة بنقابة المهن العلمية، والوكيل السابق لنقابة المهن العلمية، ومقررة لجنة النشاط النسائي بها، لنعرض عليها بعض هذه المشكلات لتضع معنا بعض التوجيهات النافعة.

الأستاذة الدكتورة سميحة محمود غريب تعمل في المجال الدعوى والاستشارات الأسرية ومهتمة عموما بالأسرة المسلمة، ولها العديد من المؤلفات في مجال المرأة والأسرة ومنها كتاب " زواج بلا مشاكل"، كتاب" الزواج الناجح.. إعداد وتأهيل" وكتاب " الجنة في بيوتنا ... خطوة خطوة نحو الزواج الناجح" وكان للمسلم معها هذا الحوار: "

 

 

1- إلى أي مدى يمكننا أن نعتبر الكفاءة أساسا مهما في اختيار الزوجين وهل لذلك مستند معتبر ؟
التكافؤ من العوامل الأساسية المعتبرة في إنجاح الحياة الزوجية، والمقصود بالتكافؤ هنا ليس التطابق ولكن مجرد التقارب وعدم وجود ما يسبب الضرر في الزواج ويكون التقارب  في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري أيضا، كما يكون التقارب كذلك في العادات والتقاليد.

 

وما يؤكد علي ذلك حديث الرسول صلي الله عليه وسلم عندما قال : " ثلاث لا تؤخر، وهن الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا". وضح الرسول صلي الله عليه وسلم في الشطر الأخير من الحديث شرطا ثالثا – خلاف الدين والخلق – لنجاح الزواج وهو الكفاءة بين الزوجين. [الترمذي والحاكم]، وما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء) [ابن ماجه]، وغير ذلك من الآثار.

وعلى الرغم من ضعف كثير من الآثار الواردة بهذا المعنى -من حيث ثبوتها- فإنها في جملتها تشير إلى اعتبار الكفاءة عند التزويج، بوصفها شيئًا من أسباب نجاح الزواج، وقد يفهم بعض الناس الكفاءة فهمًا ضيقًا، فيشترط كثرة المال، أو علو الجاه، أو جنسًا معينًا يتزوج منه، أو أصحاب حرفة بعينها يصاهرها، والصواب أن ينظر أولا وقبل كل شيء إلى الدين.

 

أما المستند المعتبر فقصة السيدة زينب بنت جحش –رضي الله عنها- وهي القرشية صاحبة النسب والمكانة عندما تزوجت زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم- وذلك تحقيقا لرغبة الرسول صلي الله عليه وسلم ، وهنا يتملك زيدا شعورا أن السيدة زينب تتكبر وتتعالي عليه، وحقيقة الأمر أن زينب رضي الله عنها لا تتكبر ولا تتعالي،ولكنها تتصرف بطبيعتها، بينما زيد يؤول أي تصرف علي محمل ينطلق من فرط حساسيته علي أنه تعالي وتكبر.

2- ما هو التوصيف الدقيق للكفاءة المطلوب وجودها بين الزوجين ؟ وكيف يتم تطبيقها بالمواصفات العصرية؟
الكفاءة المطلوبة تكون في كل ما لا يستطيع أحد الطرفين التغاضي عنه وتجاوزه، وتختلف حدود التكافؤ من شخص إلي آخر، بمعني أن هناك مثلا فتاة تستطيع أن تتحمل أي صفة في زوجها إلا البخل، وأخري تستطيع أن تتحمل أي شيء إلا أن تعيش في مستوي مادي دون المستوي الذي اعتادت عليه في أسرتها، وأخري لا تتحمل أن تتزوج بمن هو أقل منها تعليما، بينما أخري تستطيع أن تتكيف مع اختلاف العادات والتقاليد التي تربت عليها ونشأت في ظلها. كما أنه هناك رجلا لا يستطيع أن يتقبل من هي أعلي منه ماديا أو تعليما، بينما آخر عنده من الثقة بالنفس ما يجعله يقدم علي الزواج ممن هي أعلي منه شهادة، ولا يشعرها بأي اختلاف إن هي تقبلت ذلك، بل علي العكس تكون زيجة ناجحة تماما.

 

 

3- هل لافتقاد الكفاءة بين الزوجين أثر ظاهر في المشكلات الزوجية ؟
الإحساس بعدم التكافؤ حينما يتملك أحد الزوجين، وبالذات الزوج ويحدث ما يؤيده من تصرفات أو تلميحات أو حتى نظرات فإن هذا نذير بوجود أزمة وسيتحول إلي ردود نفسية تترجم عمليا في سلوكيات، أو أقوال، ربما تصل للسخرية والاستهزاء، أو قد تصل إلي حد الانتقام للكرامة والكبرياء. وقد تكون في كثير من الأحيان أمور غير مقصودة، أو أحداث تافهة لا تستحق أن تشغل مساحة من النقاش، ولكن مع الإحساس بعدم التكافؤ تتفجر وتسبب صدامات ومشاكل لا حصر لها، تستجلب الكثير من التبريرات واستحضار كل وسائل الدفاع التي في كثير من الأحيان تفشل في إعادة الوئام والاستقرار، وإن نجحت ما تلبث أن تنهار مرة أخري بعد فترة وجيزة.

 

 

4- عبر تجربتكم الحوارية والبحثية .. ما هي أهم الخطوات التي تنصحون بها لتلافي مشكلات عدم الكفاءة الزوجية ؟
في البداية ، لابد من استثمار هذه الفترة للتعرف الدقيق علي كل طرف، من حيث الطباع والسمات والميول والحالة المزاجية والأهداف والرؤى المستقبلية للحياة بعد الزواج والطموحات والاهتمامات الشخصية والعلاقات الاجتماعية وغيرها من الأمور التي إن لم يتم التعرف عليها وتقبلها والتعايش معها بعد الزواج ، من الممكن أن تعصف بالزواج وتنتهي به والعياذ بالله إلي الفشل في بدايته. كما من المهم جدا التعرف علي أسرة كل طرف وتقبلها، ومن الخطأ أن يظن أحد الأطرف أن التباين والاختلاف مع أسرة الطرف الآخر غير ذات أهمية، إنما المهم فقط هما الزوجان، فهذا فهم خاطئ، فالزواج ليس تزاوج طرفان وإنما مصاهرة أسرتان ، وأكثر من ذلك انصهار عائلتان.

 

 

5- ما مدى ما تعتقدونه من تميز أو نجاح للأسرة المتكافئ فيها الزوجين في الأداء التربوي ..مقارنة بالأسرة الناقصة لهذا الجانب ؟
كما قلنا التكافؤ مهم، والاهم منه المرونة في تقبل سلبيات الطرف الآخر، والتغاضي عن النقائص، فنجاح الزواج لا يعتمد بالكلية علي التكافؤ، فكثير من الزيجات فشلت رغم وجود تكافؤ بين الزوجين، ولكن نجاح الزواج يعتمد علي قدرة الطرفين في تجاوز المشاكل الحياتية وحلها داخل الأسرة وعدم السماح لخروج هذه المشاكل عن نطاق الأسرة، والاستعداد للتضحية من أجل إسعاد الطرف الآخر ، مع تقبل كل طرف للآخر بميزاته وعيوبه. ومن الخطأ أن يقدم طرف علي الزواج وفي خططه المستقبلية تغيير عادات أو صفات أو سمات الطرف الآخر.