مقابر شهداء الأرقام .. جريمة صهيونية نغفل عنها
17 شوال 1431
جمال عرفة

يوم الجمعة الماضي 27 أغسطس جري تدشين يوم لشهداء ما يسمي (مقابر الأرقام) الذين تحتجز الدولة الصهيونية جثامينهم بعد وفاتهم لتساوم الفلسطينيين والعرب عليهم ، بهدف تذكير العالم بهذه الجريمة الإنسانية البشعة وتخصيص يوم وطني في فلسطين لقضية الجثامين المحتجزة والمفقودين ، ولكن هذه الخطوات الاحتفالية التي اشتهرنا بها لا تكفي ولا بد من إتباع إجراءات عملية لهذه الجريمة التي لا تغتفر.
فالعالم الان كله أدرك الجرائم الصهيونية التي ارتكبت في غزة من قتل للأحياء بالفسفور وغيره ، وشاهد بعينه الجرائم الصهيونية في قتل ركاب سفن الحرية التركية ، وعشرات المؤسسات القانونية تحدثت عن رفع دعاوي لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة علي جرائمهم ضد الأحياء ، ولكن أحدا لم يتذكر جرائهم ضد الأموات من شهداءنا الذين لا يزالون يحتجزون جثثهم .

 

لماذا لا تلقي هذه القضية التي عمرها من عمر الدولة الصهيونية الاهتمام الإعلام الكافي ويتم فضح هذه الأساليب الصهيونية الدنيئة ومقارنتها بما كان يشكو منه اليهود من ممارسات نازية مشابهة ، ويجري تصعيد الأمر لأعالي الهيئات الدولية وفضح هؤلاء البرابرة المتعطشون حتي لرماد الشهداء بعدما امتصوا دمائهم وسرقوا أعضاءهم !!.
ففضحهم واحد منهم هو الطبيب (يهودا هيس) عندما كشف قبل أشهر عن قيام إسرائيل بسرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين على مدار سنوات الاحتلال لصالح الجنود والمرضى اليهود !؟ .

 

فهذه الأعمال ليست فقط خارجة عن القانون ولكنها جرائم تضاف لسجل الجرائم الصهيونية فهم لا يكتفون بسلسلة جرائمهم ضد الأحياء ، وإنما ضد شهداءنا في حين أن الحفاظ على كرامة الإنسان وتكريم الميت أمور نصت عليها كل الديانات ولكن العالم لا يدرك حجم هذه المأساة وهذه الجرائم بسبب خيبتنا العربية الإعلامية وتقصيرنا الفاحش .
ولا شك أن نشر تفاصيل هذه الجرائم وسعي منظمات حقوق الإنسان لتقديم هؤلاء المجرمين للعدالة الدولية بتهم احتجاز جثامين شهداء فلسطينيين وعرب بالمخالفة للنصوص القانونية التي طالبت بتكريم الموتى وعدم احتجاز جثامينهم أو الإساءة إليها، كما جاء في المادة 17 والمادة 120 والمادة 130 من اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والرابعة والبرتوكولين الملحقين بها ، هي أمور ضرورية لا يجب أن يغفل عنها أحد .

 

أربع مقابر
في السنوات الأخيرة كُشف عن أربع مقابر للفدائيين الفلسطينيين هم مقبرة الأرقام المجاورة لجسر "بنات يعقوب" بجوار نهر الأردن شمال البلاد، ومقبرة بير المكسور وأخرى تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين اريحا وجسر دامية، ومقبرة " شحيطة" في قرية وادي الحمام التي تشكل حالتها الراهنة عينة نموذجية عن كافة "مقابر الأرقام" .

 

ومعظمها داخل أراضي عام 1948، فمقبرة الأرقام المجاورة لجسر " بنات يعقوب "، التي تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، تضم رفات مئات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا في حرب 1982 وما بعد ذلك وفيها قرابة خمسمائة قبر، وليس فيها ما يدل على هويات ساكنيها سوى لوحات معدنية تحمل أرقاماً أكلها الصدأ ،وتناثرت على الجوانب قبور لا فواصل بينها، ومقبرة بير المكسور، وأخرى تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين أريحا وجسر دامية في غور الأردن، خلف الأسلاك الأمنية المكهربة في منطقة جسر دامية في غور الأردن ويحيط بها جدار فيه بوابة حديدية معلق عليها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو" ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقام من" 5003 –5107 " ولا يعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسلية لقبور في مقابر أخرى أم أنها كما تدعي إسرائيل مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر الأرقام .

 

وفي عام سعي حزب الله في صفقة تبادل الأسري لأخذ رفات جثامين 59 شهيداً لبنانياً وفلسطينياً من مقبرة الأرقام السرية شمال فلسطين ، وهو أمر معلن للعالم يكشف عن اعتراف صهيوني بهذه الجريمة .
ويكون التعرف على الجثث في مقابر الأرقام بالغ الصعوبة، فبعد الموافقة على تسليمها، يستدعي الأمر عمليات تحليل طبية وفحص لمعرفة ما إذا كانت تطابق الأسماء، وذلك بسبب تغير معالم الجثة خاصة وأن هناك جثثا تعود إلي عدة سنوات مضت، حيث تبلغ تكلفة تحليل الجثة الواحدة عشرة آلاف دولار أمريكي.

 

دلال المغربي كمثال هي شهيدة في مقابر الأرقام تتعرض منذ موتها لانتهاك صارخ، حيث ترقد في غرفة زجاجية مبردة بملابسها العسكرية، تنفذ قرارا إسرائيليا مجحفا صدر بعد استشهادها، حكمه المؤبد كعقاب لن تدفن بسببه إلا بعد انتهاء محكوميتها.
وبرغم تدشين حملة استرداد جثامين الشهداء التي بدأها مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان قبل بضعة أعوام، وتدويل قضية الأسرى واسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب وتوثيق 300 اسم لشهداء لا زالت تحتفظ إسرائيل بجثامينهم في مقابر الأرقام البائسة وثلاجات الموتى منذ عشرات السنين ، فلا يزال الطريق طويلا خصوصا أن بعض جثث الشهداء التي قامت إسرائيل بدفنها على عمق نصف متر من سطح الأرض في مقابر الأرقام نهشتها الكلاب، وبعضها جرفتها السيول !.

 

ولهذا طالب الأسير السابق ووزير شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية عيسى قراقع، بمحاكمة إسرائيل التي قال أنها دولة فوق القانون، وتمارس القرصنة بشكل علني، لذلك كان لزاما علينا أن نحمل قضيتهم إلى المحافل الدولية.
وقال قراقع: ' لدينا الكثير من التقارير والمعلومات، لكن نحتاج إلى إرادة سياسية حتى يكون هناك ملاحقة لإسرائيل سواء في الدول الذي يسمح دستورها بملاحقة قانونية او في محكمة لاهاي الدولية، بالاستناد الى اتفاقيات جنيف.
حيث تتعمد الدولة الصهيونية منذ احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 معاقبة الشهداء بعد موتهم، ومضاعفة آلام وأحزان ذويهم، وحرمانهم من إكرامه ودفنه وفقاً للشريعة الإسلامية، وأحياناً أخرى تستخدم هذه الجثامين كورقة للمساومة والابتزاز بخلاف هدم منازل الشهداء .

 

ولا يقتصر احتجاز جثامين الشهداء على منفذي العمليات الاستشهادية، أو من استشهدوا خلال اشتباكات مسلحة، بل تحتجز قوات الاحتلال الإسرائيلي أيضاً جثامين عدد من الشهداء الذين اغتالتهم وحداتها الخاصة، أو ممن توفوا في السجون الإسرائيلية، ولا زالت تحتجز عشرات الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب سقطوا في ظروف مختلفة، وتلك الجثث تُحتجز في ثلاجات، أوفي مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها أو الاقتراب منها أو تصويرها، وهي خاضعة لسيطرة الجيش ووزارة الدفاع .
وهذه المقابر تزدحم بعشرات الأضرحة وهي عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل، وهي غير معدة بشكل ديني وإنساني كأمان للدفن، إذ أن كل شهيد يحمل رقماً معيناً، ولهذا سُميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولية ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد، وتلك المقابر تضم أرشيفاً طويلاً وتتسع للمزيد وقابلة للتوسع .

 

مطلوب حملة إعلامية جنائية
لهذا مطلوب حملة إعلامية عربية عالمية تفضح هؤلاء المجرمين الصهاينة وتبين للعالم جرائهم ليس فقط ضد الأحياء وإنما ضد الأموات وتضحد إدعاءاتهم عن مبررات احتجاز هذه الجثامين لعدة سنوات بدعاوي فحصها ثم طرحها علي مائدة التفاوض !.
مطلوب تقديم عرائض اتهام بحقهم إمام المحاكم الجنائية الدولية ، وإحراج المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام لويس أوكامبو الذي رفض مطالب عربية للتحقيق في جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق ، وكذا مطالب عربية للتحقيق في جرائم الدولة الصهيونية ضد غزة ، ولكنه يصر علي أجندته الغربية فقط التي تحول المحكمة إلي أداة في أيدي الدول الكبري تعاقب بها الدول (المارقة) الخارجة عن سيطرتها ، مثل السودان !.
في أعقاب عدوان غزة شكلت الدولة الصهيونية لجان من شركات الدعاية ومسئولي المخابرات وسعت لتدشين حملة اعلامية لتلميع الوجه الصهيوني القبيح وإزالة من علق به من تلطخات عقب العدوان الأخير ورصدت الملايين لهذه الحملات .. ونحن لا نحتاج لهذه الحملات المكلفة لأن جرائمهم ثابتة وموثقة .. نحتاج فقط للإرادة العربية