6 شوال 1431

السؤال

تقدم لي خاطب عمره 32 وأنا عمري 23 فالفرق بيننا 9 سنوات وإذا انجبت أطفال فعند بلوغ الابن الأول عشر سنوات فسيكون عمر والده 44 تقريبا .. فعل أوافق عليه؟ وماهي ايجابيات وسلبيات مثل هذا الزواج ؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

الأخت السائلة الكريمة، بداية أهنئك على حرصك علي اختيار الزوج المناسب لك، ولكنني في الوقت نفسه أتساءل لماذا ركزت كل اهتمامك على فارق السن الذي بينكما، مع أن الأصل أن توجهي عنايتك أولا إلى التزام هذا الخاطب دينيا وأخلاقيا، وإلى مدى قدرته على تحمل مسؤولياته كزوج، بعدها يأتي في الرتبة الثانية مدى تحقق التكافؤ بينكما عمريا واجتماعيا وثقافيا ...
هذا هو الترتيب الصحيح: أن تضعي في قائمة أولويات اختيارك للزوج الصالح، من ترضين دينه وخلقه، تطبيقا للحديث النبوي:(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، لأن توفر الخاطب على مقومات وشروط الصلاح، يلزمه وهو زوج أن يحافظ على زوجته وأن لا يبخسها حقها، كما يوفقه لإدارة شؤون بيته بتطبيقه لمفهوم القوامة الحقيقية، ولمعنى أنه راع مسؤول عن رعيته التي منها الزوجة والأبناء والأهل، وكل من هو مسؤول عنهم وعن رعايتهم .
ولكن في الوقت نفسه لا تغفلي عن النظر إلى مدى توفر هذا الخاطب على شروط أخرى مكملة، والتي منها: التكافؤ في السن، إلا أن فارق السن الذي بينك وبين هذا الخاطب هو 9 سنوات ، ولا أراه من وجهة نظري فارقا كبيرا، سيؤثر سلبا على حياتك الزوجية مستقبلا، كما أنه الآن بعمر مناسب جد، فهو عمر العطاء والجد والنشاط، كما أنه عمر النضج الفكري والاتزان العقلي، وهذا سيؤهله أكثر لتحمل أعباء الزواج، والقيام بواجباته باتزان واعتدال، أما بالنسبة لموضوع الأطفال فالمسألة لا ُتحسب هكذا بحساب بشري، كما هو شأننا حينما نحسب ونخطط لمشاريعنا الدنيوية، فهناك احتمالات واردة لا يخضع لها قانون هذه المعادلة الحسابية، منها احتمال عدم ضمان القدرة على الإنجاب، أو احتمال تأخره لسنوات، لأن عملية الإنجاب هي في علم الرحمن فقط، وكل هذه الأمور مقدرة، كما أن هناك أمرا آخر وهو : افترضي مثلا أنك رفضت هذا الخاطب بسبب فارق السن ثم تزوجت بمن هو من سنك أو اكبر منك بسنوات قليلة، هل تضمنين بذلك أن تنجبي من السنة الأولى فتكونين أما بهذه السن ويكون والده أبا وعمره أقل من عمر هذا الخاطب، ففي كل الحالات هناك احتمالان واردان هما: عدم الإنجاب أو تأخره لأي سبب أو مانع، فلا يقدر الرحمن أن تكوني أما ولا هو أبا إلا بسن متأخرة، ويكفينا حجة باهرة على كلامنا هذا قصة سيدنا زكرياء عليه السلام، ابتلاه الله فلم يرزق بالولد، إلا بعد أن بلغ من الكبر عِتِيا وكانت زوجته عقيم، قال تعالى في سورة الأنبياء: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
فهل أثر هذا الإنجاب بهذه السن على حياة الزوجين؟ وهل أتر كبر سنهما على نشأة هذا الولد وتربيته والذي سيقدر الله أن يصطفيه نبيا؟ إن المعادلة أكبر من ذلك، بل أعظم من ذلك .
ثم أن نجاح الزواج أو فشله لا يرتبطان شرطا بكبر السن أو صغره مع أن توفر شرط التكافؤ في السن مهم سدا للذريعة ومن باب الأخذ بالأحوط .
ثم أن المسألة هنا نسبية ترجع إلى اختيار كل فتاة للزوج الذي تتمناه، فهنا يظل الموضوع مرتبطا باختيارك أنت فقط، لعلاقته الوثيقة بتقبلك النفسي والعاطفي والعقلي لهذا الخاطب، بمحاسنه وسلبياته .
وتأكدي أنك وأنت تختارين أنه ما في خاطب كامل، فيه كل الشروط التي توافق شخصيتك وتنسجم مع طباعك، لذا حاولي أن تضعي الميزان وبطريقة متوازنة ومعتدلة، ثم قارني بين كفتا السلبيات والإيجابيات، وأيهما أرجح .
وفي النهاية ليكن اختيارك قائما على نظرة منصفة، فلا تركزي على زاوية حتى تصير هي الزاوية االمحورية لوحيدة التي تشغل كل تفكيرك واهتمامك، بل وزعي نظرتك بطريقة شمولية ومتكافئة، شأنك شأن الشمس الذي ترسل أشعتها على كل زوايا الأرض، فتأخذ كل زاوية حظها من نورها ودفئها..
أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقك للاختيار السديد، بعد الاستشارة والاستخارة، وأن يختار الله لك من ترضين دينه وخلقه، وفيه الخير لك في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك .