المسلمون فى أمريكا إحتفالات عيد.. أم معاناة ذكرى 11 سبتمبر
2 شوال 1431
خالد يوسف

تتزامن الأيام المباركة لعيد الفطر المبارك هذا العام، مع الذكرى التاسعة لحادثة تدمير برجى التجارة فى الحادى عشر من سبتمبر، التى قلبت خريطة العالم، وغيرت إتجاهات نيران المدافع والطائرات، وبدأت بوقوعها تحالفات جديدة ليس فى العالم الغربى وحسب، ولكن أيضا بين العالم الغربى بقيادة أمريكا وبين روسيا الإتحادية والصين، كما غيرت من أنصبة دول الإستغلال فى كعكة الدول الضحية.

 

ولكن التغير الأكثر عنفا جاء فى داخل المجتمع الأمريكى نفسه، وهذا ما أراده مخططوا الحملة الإعلامية التى واكبت وتبعت الحادثة وربما مخططوا الحادثة نفسها، فعلى المستوى العام تغيرت القواعد المستقرة المكونة للصيغة التى بنى عليها المجتمع الأمريكى، وأصبح للولايات المتحدة الأمريكية "وزيرا للداخلية"!!.. وسقطت الاستقلالية القانونية للولايات، أمام فزاعة الإرهاب، كما سقطت كل دعاوى الحرية الفردية التى طالما قدمت كعنوان للعالم الأمريكى " الحر "، فأصبحت الرقابة على وسائل الإتصال، والتنصت على المكالمات التليفونية، ومراقبة المواقع والحسابات الألكترونية والبنكية، والتوقيف للتحقيق دون ضوابط ودون حدود زمنية، وغيرها من وسائل الدول البوليسية، آليات معتمدة ورسمية للحكم فى زعيمة العالم "الحر".

 

أما على مستوى المسلمين فى أمريكا، والذين تتضارب التقديرات حول تعدادهم بشكل كبير، فهى تبدأ من المليونين وتصل فى بعض التقديرات إلى ثمانية ملايين، وحسب أوباما فى خطابه إلى العالم من جامعة القاهرة، فالعدد سبعة ملايين، ويرجع هذا التفاوت فى التقديرات إلى عدم إدراج الديانة فى إجراءات التعداد.. وأيا كان العدد، فنحن مسلموا العالم أجمع علينا أن نعرف فى أى حال سيأتى عيد الفطر القادم على إخواننا فى الولايات المتحدة الأمريكية.

 

فالحقائق التاريخية توضح أن المجتمع الأمريكي يرتكز في بنيته على التمييز والتعصب ضمن أشكال وتحولات زمنية مختلفة، وتتعدد أشكال التعصب والتمييز التى يواجهها الكثيرون من غير المسلمين أيضا، مثل السود واللاتين والشعوب الصفراء، وهو مجتمع قد تأسس على فكرة إزاحة الآخر والإحلال محله، وهي الفكرة ذاتها التي تأسس عليها الكيان الصهيونى العنصرى، فمن إزاحة الهنود الحمر ـ بعض التقديرات للعدد الذى أبيد من الهنود الحمر يصل إلى ثمانين مليون إنسان ـ إلى إزاحة السود إلى إزاحة أبناء أمريكا اللاتينية، وبعد أن يثمر الإقصاء والتحجيم نتائجهما التطويعية المطلوبة، تدمج الأقلية المتبقية الفاقدة للهوية، فى مشروع دولة الاستغلال الثابت ذاته، منذ بدايتها بالمستعمرين الأوائل.

 

وقد شهدت الفترة التى تلت الحادى عشر من سبتمبر، عملية منظمة لتوجيه هذه الخصائص الأمريكية فى مواجهة المسلمين والعرب، كما سبقها أيضا إعدادا نظريا بأطروحات فلسفية حول نهاية الأيديولوجيا وبدء صراع الحضارات، ولعل الإحاطة بأجواء الكراهية المتنامية الآن ضد المسلمين فى أمريكا، أحق بالمساحة من حديث مطول حول إعداد الشعب الأمريكى وشحنه معنويا للحرب التى خاضها الرئيس السابق بوش ضد العالم الإسلامى، وما تزال نيرانها تأكل كفى موقدها، كما تأكل فى جسد الأمة،وهى تفاصيل معلومة للجميع، فكيف هى حالة مسرح الأحداث التى يواجهها إخواننا المسلمون الآن فى أمريكا.

 

حقائق وبيانات..
وسط "جو متنام من العداء للاسلام" تصاعدت حدته في الاشهر الاخيرة، تلقت قوات الأمن الأمريكية ارشادات تطالبها بالبقاء على أهبة الاستعداد تحسبا لاي أعمال عنف خلال عيد الفطر، ويأتى هذا فى معرض الاحتجاجات المتنامية والمتزايدة على بناء مركز اسلامي ومسجد في "مانهاتن" في موقع قريب من البرجين الذين دمرتهما اعتداءات 11 سبتمبر، وقالت متحدثة باسم المجلس الاسلامي للشؤون العامة ومقره في لوس انجلوس: "نلاحظ احتجاجات كثيرة امام بعض المساجد تنظمها مجموعات معادية للاسلام".
واضافت ان "الاجراءات وقائية في المرحلة الحالية لان هناك عددا كبيرا من المساجد في البلاد تشعر بالقلق على جالياتها وتريد التأكد من اتخاذ تدابير وقائية".
مؤكدة ان مشاعر الغضب في الولايات المتحدة ازاء مخطط بناء مسجد في نيويورك وكذلك اعلان كنيسة صهيونية في فلوريد نيتها تنظيم "يوم دولي لاحراق القرآن" يوم 11 سبتمبر أيلول المقبل عززا مخاوف المسلمين من احتمال تعرضهم لاعتداءات خلال هذه الفترة.

 

كما أن هناك مؤشرات وتقارير أميركية حديثة مقلقة تتحدث عن موجة جديدة من موجات صعود جماعات الكراهية الأميركية خلال السنوات الأخيرة فمثلا تقرير «لمركز قانون الفقر الجنوبي» - ومقره ولاية ألباما - يقول أن جماعات الكراهية الأميركية ذات الخلفيات القومية (المتطرفة) نمت خلال العام الماضي وحده بنسبة 250% ليبلغ عددها أكثر من 500 جماعة، ويضيف أن جماعات الكراهية الأميركية عموما، نمت خلال الفترة من 2001 إلى 2008 بنسبة 50% ليتضاعف عددها من 602 إلى 923، وتحدث مؤخرا عن نمو غير مسبوق في جماعات الكراهية ذات الخلفيات الوطنية أو القومية المتطرفة.

 

تقرير صدر في أبريل (2009) - عن وزارة الأمن الداخلي الأميركية - يتحدث عن مخاوف من انتشار جماعات الكراهية وسط الجنود الأميركيين المتقاعدين، وعن مساعي تلك الجماعات للتوغل داخل الجيش الأميركي وتجنيد المتقاعدين من أبنائه بهدف امتلاك الخبرة العسكرية، والاستفادة من الظروف الصعبة التي تمر بها أميركا في الوقت الراهن – وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية – لتجنيد مزيد من الأعضاء ويقول البعض أن حوالي 200 جندي أميركي سابق انضموا إلى تلك الجماعات منذ عام 2001.

 

وقد كان تعليق كتاب المحافظين الجدد، أن التقارير السابقة تشتت انتباه أميركا عن عدوها ـ الحقيقي والرئيسي ـ في الفترة الحالية وهو الخطر القادم من بعض "الجماعات الإسلامية المتطرفة" كالقاعدة والتي تعمل على هدم أميركا وتقويضها.. هكذا يرون!!.
لقد أسفرت أحداث الحادى عشر من سبتمبر عن موجة من الاعتداءات على حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا، وظهرت سلسلة من التشريعات والقوانين والسياسات والملاحقات الأمنية التي ألحقت ضررا واسعا بهم، فقد اعتقل أكثر من 1000 مسلم على ذمة التحقيقات، وإغلق أو تم تفتيش عدد كبير من المؤسسات المسلمة والعربية، ووضع عدد كبير من مؤسسات العرب والمسلمين العامة تحت الرقابة، وكان قد سبق أن أقر " قانون مكافحة الإرهاب عام 1996 " .. قبل حادثة البرجين بخمس سنوات.. وهو القانون الذى أعطى للسلطات حق استخدام ما عرف باسم "الأدلة السرية" لاعتقال المسلمين والعرب المشتبه فيهم بناء على دليل سري لا يطلع علية المتهمون أو حتى محاميهم!!.

 

وفي وسائل الإعلام الأمريكية تعرض المسلمون والعرب منذ 11 سبتمبر لحملات تشويه يومية ربطت بين الإرهاب والدين الإسلامي ومفاهيمه وقيمه ونظرة المسلم المتدين للعالم، وعلت على السطح سلسلة من الأبواق الإعلامية المتشددة في نظرتها نحو الإسلام والمسلمين والتي باتت أكثر حرية وشراسة في تشويه صور المسلمين والعرب، مثل قناة فوكس نيوز الأمريكية ومجلة ناشيونال ريفيو المحافظة وموقع ورلد نت دايلي وكتاب مثل آن كولتر والمذيع بيل أورالي وبعض رجال الكنيسة الصهيونية مثل باب روبرتسون، وبيل جراهام.

 

المسلمون يعانون اليوم من كافة أشكال التمييز العنصري في أمريكا، وهو توجه تغذيه الهيئات الرسمية والإعلامية المختلفة، كما تغذيه وتدعمه مراكز البحث العلمي إضافة إلى المؤسسات التعليمية مثل المدارس والجامعات. وعلى ما يبدو أن ازدياد مستوى التمييز العنصري الذي يتعرض له المسلمون اليوم يرتبط بمستوى الإخفاقات التي تتعرض لها أمريكا في الكثير من مناطق العالم مثل العراق وأفغانستان ارتباطا طرديا.

 

ويأتي الأطفال من أبناء المسلمين على رأس الفئات التي تتعرض للكثير من أشكال وأوجه التمييز داخل المجتمع الأمريكي، فتلاميذ المدارس يواجهون مستوى مرعب من التمييز والعنف العنصري الذي يمارسه التلاميذ البيض وغيرهم من أبناء الجنسيات الأخرى وتدعمه إدارات المدارس المختلفة أو تتساهل تجاهه.. فحسب تقارير مراكز مراقبة معنية بحقوق الإنسان، "يواجه هؤلاء التلاميذ النعوت السيئة التي تُطلق عليهم مثل "إرهابي"، "أسامة"، "كاره أمريكا". إضافة إلى الإعتداءات التي يتعرض لها الكثيرون منهم مثل تكالب التلاميذ عليهم والصياح في وجوهم وتعرضهم للضرب وفي بعض الأحيان الركل بالأقدام".
وتضيف التقارير.. "إن هذه الأشكال المتواصلة من العنف ضد الأطفال من أبناء الجاليات المسلمة قد أدت بالبعض منهم إلى الإصابة بالأحلام المفزعة أثناء النوم، بل إن البعض منهم لم يعد يرغب في أن يكون مسلما، ويريد أن يغير اسمه، ويتوقف عن الصلاة، كما لم يعد يريد الصيام أثناء شهر رمضان، وقد انسحبت هذه المشاعر على رغبة الأبناء في ألا يروا آباءهم يمارسون أي من الشعائر التي تمت إلى الإسلام بصلة".

 

 

لا يتوقف الأمر عند الصغار بل يمتد دون شك للكبار، حيث يتم التمييز وفقا للشكل ولون البشرة ونوعية الملبس والحجاب واللحية وطبيعة الاسم، وتشمل أشكال التمييز العنصرية ضد المسلمين التمييز في فرص العمل والأجور، وعدم قبول توظيف المسلمين، والفصل غير المبرر من العمل، والتهديد بالقتل ضد النساء والرجال على السواء، والاستهزاء بالحجاب وبالنساء المسلمات، والاعتداء بالضرب والتحرش على النساء خاصة المحجبات، وكتابة الألفاظ النابية على حوائط المساجد، وإطلاق النكات الساخرة على المسلمين...إلخ، والأهم هو موقف السلطات الرسمية والأمنية من المسلمين، وهو موقف لا يخضع لأية قواعد قانونية، فالمسلم مدان ومتهم وملاحق إلى أن ترغب السلطات الأمريكية في اعتباره غير موصوم، حيث يحق للسلطات الأمريكية الاتهام أو القبض على أي فرد مسلم والتحقيق معه لأي فترة بغض النظر عن حقوقه القانونية التي يوفرها الدستور الأمريكي. إن هذا التوجه الرسمي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين في أمريكا يوفر مناخا خصبا لتصاعد أجواء التمييز العنصرية ضد العرب والمسلمين، كما يشعر كل مرضى التعصب العنصرى بنوع من الحماية الرسمية، فى تكرار لما كانت تفعله جماعات "الكيو كيوكس كلان" العنصرية ضد السود، وهى تشعر بالأمان والخروج من الجريمة دون عقاب.

 

فى هذه الأجواء المرعبة سوف يأتى عيد الفطر على إخوتنا فى أمريكا،، أتذكر حال إخواننا المسلمين فى الأندلس بعد سقوطها، وكيف كان على المسلم أن يخفى إسمه ودينه أو يحرق، وإلى أى مدى كان الإبتلاء شديدا، حتى تحولت المساجد هناك إلى أماكن لإيواء خيل الأعداء، أدعوك ربى ورب العالمين أن تلهمنا وأهلنا فى بلاد الغربة الصبر، وأن نبدأ تحركا يوقف الزحف الصهيونى لضرب الإسلام فى أمريكا والعالم الغربى، وهو ليس بالأمر المستحيل، حتى لا يأتينا العيد القادم ونحن نقول .. بأى حال عدت يا عيد.