التربية الأسرية في الإسلام (4)
13 رمضان 1431
د. خالد رُوشه

المرحلة الثالثة : الزوجان بطفل واحد أكثر دون سن الدراسة  :
هذه المرحلة تتحقق فيها الأسرة بالشكل المتكامل لها حيث يوجد الأبناء وهي تربط الشريكين بذلك الرباط الحيوي من أطفالهما الذين هم ثمرة الإتحاد الجنسي بينهما فتنشأ عنها عواطف جديدة يمكن أن تقوي العواطف الأولي كما يمكن أن تحل بدلا من العواطف الأولي فتجئ باهتمامات جديدة ومسئوليات جديدة

 

وفي هذه المرحلة تبدأ الزوجة بممارسة دور الأم ويبدأ الزوج بممارسة دور الأب ويجب في هذه المرحل عليهما أن يتفهما بجلاء الدور المطلوب منهما كل على حدة وهو في هذه المرحلة دور يغلب عليه العاطفة تجاه الأبناء والرحمة بهم والشفقة عليهم والصبر على تربيتهم وحاجاتهم .

 

وتبرز في المجتمعات الغربية شكاوى كثيرة من عدم استطاعة ا لزوجة من القيام بدور الأم قياما مناسبا إذ تفشل الكثير منهن في تمثيل عاطفة الأمومة تجاه أبناءها فتحكي لنا المواقف المختلفة عن هروب الكثير من النساء وترك أبناءهن للزوج بعد فشلها بالقيام بدورها كأم

 

وفي المجتمعات الإسلامية تمثل تلك المرحلة مرحلة خصبة للسعادة الأسرية على مستوى تبادل المشاعر مع الأبناء والشعور بالعطاء تجاههم ما يجعل كثير من الأسر ينشغلوا بالتخطيط بما يمكن أن يكون بعد نمو الأولاد ورشدهم .
وينصح ا لمتخصصون في هذه المرحلة الآباء والأمهات بالدراسة التربوية المركزة والمتعمقة والتي تشمل معرفة طبيعة شخصية الأطفال وحاجاتهم متطلباتهم كيفية توجيههم والاستفادة من التعامل معهم في تنمي ذكائهم وخبراتهم تدريجيا وحل مشكلاتهم التي تنشأ أثناء نموهم .

 

 

المرحلة الرابعة : الزوجان وجميع الأطفال في المدارس
في هذه المرحلة تبدأ اهتمامات الأسرة في التغير ويصبح تعليم الأبناء هو الشغل الشاغل للآباء كما يبدأ  البيت في إلقاء جانب من ا لمسئولية على المدرسة .
والحق أنه يجب أن يكون هناك تنسيق وتكامل بين دور الأسرة ودور المدرسة في بناء شخصية الأبناء كما يلزم أن يكون هناك تواصل بين القائمين بالعملية التعليمية والتربوية  في المدرسة سواء المعلمين أو الأخصائيين الاجتماعيين وغيرهم هذا التواصل ينبغي أن يكون بينهم وبين الوالدين بشكل دوري متقارب ليطلع ا لوالدان على مراحل التطور الحاصلة في المدرسة ويطلع المربون على  خفي عنهم فيما يحصل في البيت .

 

وفي حين يؤكد المجتمع الغربي المعاصر في هذه المرحلة تنشئة الطفل على الحرية والاستقلالية والتأثير ويؤكد على معاني العلم التطبيقي فإن نلحظ في هذه المرحلة تأخراً واضحاً في كثير من المجتمعات العربية سواء في القدرة الأسرية على بناء الشخصية المتميزة والمنتجة أو القدرة على إخراج نماذج قائمة بذاتها بصورة إيجابية  .

 

والموروث الإسلامي يوجه في هذه المرحلة نحو عدة أمور هامة منها , التأكيد على التنشئة الإيمانية للأبناء , وربطهم بربهم سبحانه على معاني المراقبة لربهم سبحانه , والصدق الكامل , والإخلاص في العمل لله سبحانه , والوضوح والتلقائية والشفافية والنقاء القلبيين للمرء تجاه الناس أجمعين , ومحبة الخير للغير , والمسارعة بالنفع لهم والسير في خدمتهم ومصلحتهم , التأكيد على حسن اختيار الصحبة الصالحة النافعة , والقدرة على السيطرة على النفس أمام الشهوات ..

 

كذلك ينبغي اهتمام الوالدين في هذه المرحلة بالتوازن بين الأمور التي قد تتعارض مفاهيمها أو يصعب فيما بعد التوفيق بينها, مثال التوازن بين طلب الوالدين الطاعة من الأبناء و تربيتهم على حرية القرار , والتوازن بين التشبه بالوالدين في أخلاقهم الحسنة من جهة واستقلالية الشخصية من جهة أخرى , والتوازن بين الحكمة في التفكير والسلوك وبين الحماس والحمية في المراحل العمرية المختلفة ..وغيرها من الأمور التوازنية ..

 

 

المرحلة الخامسة : الزوجان والأبناء بعد مرحلة البلوغ : ( وسن المراهقة  )
في هذه المرحلة تبدأ شخصيات الأبناء في الاستقلالية ومحاولة إثبات الذات وتتذبذب سلطة الآباء على الأبناء وتزداد تأثيرات العلاقات الثنائية بين الذكور والإناث وتبرز الصفات الشخصية التي تميز كل واحد من ا لأبناء عن الآخر وتبدي قدراته الخاصة على التفرد بصفة مؤثرة .

 

ويتمتع الذكور في هذه المرحلة بقدر كبير من الحرية بينما تكون مراقبة ا لبنات ومتابعتهن هي الصفة الغالبة في المجتمعات العربية في هذه المرحلة .
المجتمعات الغربية تختلف اختلافا تاما في هذه المرحلة عن المجتمعات العربية خوصا في مدى الحرية المعطاة للبنات في علاقتهن بالجنس الآخر ما ينتج عنه كثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية وكثرة حالات الحمل غير الشرعي وكثرة حالات الانتحار لأسباب ناتجة عن تلك الحرية الغير مقننة والإسلام قد قنن الحرية المعطاة للفتاة في تلك المرحلة فمن جهة أكد على بناء شخصيتها القوية الذكية الفعالة المؤمنة ومن جهة أخرى حماها من تعدي الآخرين عليها وأمرها بالعفة والوقار والحجاب ولم يمنع الإسلام الفتاة لتلك المرحلة أن تمارس حياتها ودورها الفعال في المجتمعات النسائية وبين الأقارب والمحارم والصديقات وفي المؤسسات ا لمختلفة المؤثرة والبناءة مادامت تحرص على الخلق والسلوك المقنن وبخصوص الذكور فإن المجتمعات الغربية تسمح للأبناء ما بلغوا ثمانية عشر عاما بالانفصال عن ذويهم والعيشة المستقلة بعيدة عنهم  وفي هذا آثار سلبية وأخرى إيجابية فإيجابيتها أن يتحمل الأبناء مسئولتهم المستقلة ويبدؤن في بناء مستقبلهم المأمول والسعي إلى طموحهم المرجو وأما الآثار السلبية وهو ذاك التقطع الحاصل بين أوصال الأسرة الواحدة وفقدان الأسرة لتكاملها وجوها الأسري وتراجع دور الأسرة تراجعا كبيرا في المجتمعات الغربية ابتداء من هذه ا السن وكثرة انتشار العلاقات ا لمشينة بين الجنسين وظهور علاقات الشذوذ وانحراف مثير من الأبناء وفقدانهم الموجه والمعلم واكتفاء كثير منهم بالتعليم المتوسط وعدم رغبتهم في إكمال تعليمهم العالي وما بعده .

 

والإسلام يوجه في تلك المرحلة إلى مراقبة الأبناء مراقبة بعيدة ولكنها دقيقة ويشعرهم باستقلاليتهم الذاتية ويدفعهم نحو الإنتاج والإيجابية والاعتماد على النفس ومحاولة النفع لأمتهم ودينهم ومجتمعهم ويأمر بتقنين سلوكهم  نحو الخلق الإسلامي الرفيع وتعليمهم العلوم الشرعية النافعة وتأديبهم بالأخلاق الإسلامية الخلوقة وتعليمهم وتدريبهم على السيطرة على شهواتهم وخصوصا شهواتهم الجنسية تجاه الجنس الآخر وإشغالهم بالنافع المقيد وإبعادهم علن اللهو والعبث

 

قد يبدو في هذه المرحلة ما يسمى بصراع الأجيال وهي ظاهرة تنتج من تأثير الوسائل الإعلامية الحديثة والتي كثيرا ما تكون مستوردة من الغرب وتفاعل تلك الوسائل مع شخصية المراهق الراغبة بطبيعتها في التميز والظهور فيبدأ الأبناء في التعبير عن عدم قناعتهم بفكر الآباء وعاداتهم وطموحاتهم وقيمهم ويحاولون التملص من العادات المجتمعية والأعراف الأسرية والأخلاق الدينية ما يحتاج معه المربون والآباء إلى اتخاذ كثير من التدابير التربوية لهذا الشأن وهو ما سنحاول تفصيل  القول فيه في الفصول القادمة إن شاء الله .

 

 

المرحلة السادسة : الزوجان والأولاد في مرحلة الشباب والاستعداد للزواج
إذا كانت دورة حياة الأسرة في المجتمعات الغربية تنتهي في اللحظة التي يبلغ فيها الأبناء مبلغ الكبار ويغادرون بيت الأسرة ليستقلوا عن سلطة الوالدين فإننا نجد أن مسئولية الآباء تجاه أبنائهم تستمر في الأسر العربية حتى سن زواج الأبناء وتتعدى بالنسبة للإناث حتى بعد الزواج بل إن مسئولية الأجداد وارتباطهم بالأحفاد واضحة جداً في غالب البلدان العربية .
ولا تمر كل الأسر بكل هذه المراحل لأن بعض الأسر قد تنتهي مسيرتها بسبب الموت أو الطلاق كما تختلف طول كل مرحلة مع تغير الظروف المجتمعية والشخصية لأفراد الأسرة