14 جمادى الثانية 1432

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا أُدرِّس لعدد من الشبان في مسجد من مساجد الشام، ولكنني أعاني من عدة مشاكل؛ يأتي معظمها من إمام ذلك المسجد، ويتجلى ذلك فيما يلي:
1- إمام المسجد صوفي، ويطرح أفكاره بين الطلاب، وأنا لا أستطيع دوماً ردها؛ لأنّ ذلك سيؤدي إلى عزلي من التدريس.
2- ليس لديه ثقة بصدقي في عملي؛ فهو يشكك في إخلاصي وأخلاقي- دون ذكر ما نوعها-.
3-إعطائي أوامر تعسفية حتى أثناء تدريس الشبان أحياناً.
4- استغلالي من خلال قوله "في سبيل الله"؛ فهو كلما أراد أن يسلبني شيئاً من حقوقي أعطاني درساً عن الإخلاص.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فإن من يريد أن يعمل في مجال الدعوة إلى الله؛ في أي مجال من مجالاتها، سواء بالخطابة والوعظ، أو بالتدريس والتربية، أو تحفيظ القرآن، أو .... إلخ؛ لا بد أن يتحلى بعدة صفات أساسية؛ إلى جانب إتقانه وإجادته للفرع الذي يعمل فيه، ومنها على سبيل المثال:-
1- إخلاص النية لله وابتغاء الأجر منه: فيما تقوم به من عمل، لأنه أساس قبول الأعمال الصالحة، وشرط تحصيل الأجر، فلا تقصد إلا وجهه، ولا ترجو إلا رضاه، ولا تستعين إلا به، ولا تخشى إلا غضبه، قال تعالى: (... فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف - 110]، وعَنْ أبي عبد اللَّه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري (رَضيَ اللَّه عَنْهُما) قَالَ: كنا مع النبي (صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم) في غزاة فقَالَ: إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض". وفي رواية: ألا شركوكم في الأجر (رواه مُسْلِمٌ).
2- التحلي بالصبر الجميل وسعة الصدر: امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)[غافر - 55]، ووعد الله الصابرين بالأجر الجزيل؛ فقال تعالى: (... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر - 10]، وبين فضل الصبر ومكانى الصابرين بقوله: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى - 43]، وجاء في السنة؛ عَنْ أبي يحيى صهيب بن سنان (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال، قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمِنْ: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" (رواه مُسْلِمٌ). وعَنْ أبي يحيى أسيد بن حضير (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن "رجلا مِنْ الأنصار قال: يا رَسُول اللَّهِ ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ فقال: إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني عَلَى الحوض" (متفق عَلَيْهِ). وعَنْ أبي سعيد وأبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما) عَنْ النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "ما يصيب المسلم مِنْ نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللَّه بها مِنْ خطاياه" (متفق عَلَيْهِ).
3- إجادة العمل والاتقان فيه: فإن الإجادة والإتقان في أداء ما نكلف به من أعمال هو الذي يغلق الطريق أمام منتقدينا، ويصعب عليهم مهمتهم، وفضلا عن أنه واجب شرعي، فإنه يجلب لك تأييد الآخرين، ويضعك في موقف جيد قبالة أولئك الذين يخططون بليل، ويكيدون لك ويتصيدون لك الأخطاء ليبررون قرارهم بفصلك من عملك، أو الاستغناء "المبرر" عنك.
4- الفطنة والحصافة والحكمة: فتعرف جيدًا ماذا تقول؟، ومتى تقوله؟، ولمن تقوله؟، ومن الحكمة كذلك: وضع الشيء المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب، فليس كل ما يعلم يقال، ولكل مقام مقال يناسبه، وليس كل ما يقال هذا وقته، ولا كل ما هذا وقته هذا مكانه، ولا كل ما هذا مكانه هؤلاء رجاله، فكن حذرًا حصيفًا وفوت الفرصة على من يترقبونك، لتستمر في عملك ودعوتك.
5- خالق الناس بخلق حسن: فما أعطي أحد عطاءً أفضل من الصبر، وما أحد من السيف إلا اللين، واسمتمع إلى قول حبيبي وحبيبك محمد (صلى الله عليه وسلم): فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص (رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) قال: "لم يكن رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم) فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا" (متفق عَلَيهِ). وعن أبي الدرداء (رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم) قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن اللَّه يبغض الفاحش البذِيّ" (رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وقال حديث صحيح). البذِيّ هو: الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام. وعن عائشة (رَضِيَ اللَّهُ عَنها) قالت سمعت النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم) يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (رواه أبو داود).
6- تجنب الغضب وكن رفيقًا: فعن عائشة (رَضِيَ اللَّهُ عَنها) أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم) قال: "إن اللَّه رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه" (رواه مُسلِمٌ). وعنها (رَضِيَ اللَّهُ عَنها) أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم) قال: "إن الرفق لا يكون إلا في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" (رواه مُسلِمٌ). وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن رجلا قال للنبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أوصني. قال: لا تغضب فردد مرارا، قال: لا تغضب (رواه الْبُخَارِيُّ).
وقبل الختام؛ أنصحك - أخي الحبيب- بأن تهتم بالشبان الذين تدرس لهم، وأن تعتني بتعليمهم القواعد والأصول، وأن تعلمهم كيف يميزون الحق عن الباطل، والصواب عن الخطأ، والحلال عن الحرام، فإنك بهذا تكون قد وضعتهم على أول الطريق الصحيح؛ وكما يقول المثال الصيني الحكيم: (بدلا من أن تعطه سمكة علمه كيف يصطاد السمك)، والمثال المصري الذي يقول: (علمه السباحة وألقه في البحر)، وبهذا سيكون بوسعهم أن يختاروا مما يسمعون، وأن ينتقوا أطيب ما يقال لهم، وستضمن أنهم لن يكونوا صيدًا سهلا لأي فكر منحرف، بعيد عن صحيح الإسلام.
ولا تأخذ نفسك عليهم حسرات؛ فأنكر على قدر استطاعتك؛ فعن أبي سعيد الخدري (رَضِيِ اللَّهُ عَنْهُ) قال: سمعت رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان" (رواه مُسْلِمٌ). واعلم أن الرزق بيد الله، وأنه سبحانه وتعالى قد جعل الرزق في منطقة محظورة، يحظر على كل ذي سلطان أو نفوذ أن يصل إليها أو أن يؤثر فيها؛ فقثال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات- 22].
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يضعك حيث يرضى عنك، وأن يهد لك قلب إمام المسجد، وأن يصلح فساد بينكما، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.