أنت هنا

المقدمة
25 شعبان 1431
اللجنة العلمية
شرع الله الصيام محدوداً بحدود شرعية، من تجاوزها أفسد صيامه أو نقَّصه، فيجب على المسلم أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله مما يتعلق بالعبادات التي فُرضت فرض عين على كل مسلم ومنها الصيام، وخاصة فيما يتعلق بمعرفته بما يؤدي إلى فساد صومه وبطلانه وقد ظهر في عصرنا هذا من المفطرات المتعلقة بالجوانب الطبية ما ينبغي النظر فيه، ودراسته، للتوصل إلى القول الذي تدل عليه النصوص والقواعد الشرعية.
        ولم أقف على كتاب أو بحث مستقلٍ حول هذه الموضوعات، عدا ما ورد ذكره في بحوث المجمع الفقهي، أو كتب الفتاوى المعاصرة، وهي تعتمد في الخوض فيها على  دراستها في ضوء نصوص الكتاب والسنة، وتأصيل هذه المسائل وإرجاعها إلى قواعدها الشرعية المتعلقة بالصيام، وتخريج هذه المسائل على ما ذكره فقهاؤنا المتقدمون رحمهم الله.
        ومفسدات الصيام التي ذكرها الفقهاء قديمًا، والمتفق على أنها من المفطرات، والتي يدل عليها النص والإجماع على أنها مفسدة للصيام، ما يلي:
  1. الأكل.
  2. الشرب.
  3. الجماع.
ودليل هذه الثلاثة قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ([1]).
  1. دم الحيض والنفاس: ودليله حديث أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"([2]).
  2. السَّعوط: وهو إيصال شيء إلى الجوف من طريق الأنف فهذا مفطر؛ ودليله قوله r: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"([3]). ولعل علة هذا النهي هي: خشية دخول الماء من الأنف إلى الجوف عند المبالغة.
  3. القيء: وهو تعمد إخراج ما في المعدة من الطعام، ودل على ذلك قوله r: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض"([4]).
  4. الاستمناء: وهو استدعاء خروج المني بنحو لمس، أو ضم، أو تقبيل، ونحو ذلك مما يدخل تحت اختيار المرء. وهو من المفطرات عند عامة أهل العلم. قال ابن قدامة([5]): "يفطر به الصائم بغير خلاف نعلمه"، ولعموم قوله r "يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي"([6]).
أما المسائل المعاصرة المستجدة والتي ينبغي البحث في كونها مفسدة للصيام فكثيرة؛ منها ما يلي:
        بخَّاخُ الربو، والأقراص التي توضع تحت اللسان، والمناظير الطبية (منظار المعدة)، وقطرة الأنف، والأذن، والعين، وغاز الأوكسجين، وبخَّاخ الأنف، وغازات التخدير (البنج)، والحقن العلاجية (بأنواعها الجلدية، والعضلية، والوريدية)، والدهانات، والمراهم، واللصقات العلاجية، وإدخال القسطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين للتصوير أو العلاج، وإدخال منظار البطن، أو تنظير البطن، والغسيل الكلوي، وما يدخل إلى الجسم عبر المهبل كالغسول المهبلي، والتحاميل، والمنظار المهبلي، وأصبع الفحص الطبي، وما يدخل إلى الجسم عبر فتحة الشرج كالحقن، والتحاميل الشرجية، والمنظار الشرجي، وما يدخل إلى الجسم عبر  مجرى البول كإدخال القسطرة أو المنظار، أو إدخال دواء أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، والتبرع بالدم.
 




([1]) الآية (187)، من سورة البقرة.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، (1/116)، رقم (298).
([3])  أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب الاستنشاق للصائم، (1/721)، رقم (2366)، والترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (3/155)، رقم (788)، والنسائي في كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)، رقم (87)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنفار، (1/142)، رقم (407)، وابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الوضوء، (1/78)، رقم (150)، وابن حبان في كتاب الطهارة، باب فروض الوضوء (3/332)، رقم (1054)، والحاكم في مستدركه، في كتاب الطهارة، (1/248)، رقم (525)، من حديث لقيط بن صبرة عن أبيه عامر t.
([4])   أخرجه الترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا، (3/98)، رقم (720)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء (1/536)، رقم (1676)، وابن حبان في كتاب الصيام، (8/284)، رقم (3518)، والحاكم في كتاب الصيام (1/589)، رقم (1557).
([5])   في المغني (3/20).
([6])   أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، رقم (7054)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصوم (2/806)، رقم (164).