10 جمادى الأول 1435

السؤال

يا شيخ : أريد أن أبيع سيارتي في المزايدة (الحراج)، وفيها بعض العيوب، ونظام الحراج فيه تدليس، فهل في ذلك إثم علي؟ وهل يصح قولهم : (حديد مكوم) و(سكر في ماء) أي لا تلزمني أي عيوب تظهر ؟

أجاب عنها:
سليمان الماجد

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلا يجوز بيع السلعة إلا ببيان عيوبها ، ولكن لو أن البائع اشترط البراءة من كل عيب ففي ذلك أقوال لأهل العلم :

الأول : أنه يبرأ مطلقا ، وهو مذهب الحنفية ، ورواية عن أحمد .

وعللوا ذلك بما ثبت من الأحاديث من أن المسلمين على شروطهم ، وبأن هذا هو قول زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم .

القول الثاني : أنه لا يبرأ من أي عيب ؛ إلا عيبا معينا يسميه .

وعللوا ذلك بأن الإبراء من كل عيب أمر مجهول ؛ فالعيوب منها صغير لا يؤثر في الثمن ، ومنها كبير يؤثر فيه تأثيرا بالغا ؛ ففيه جهالة وغرر .

القول الثالث : أنه يبرأ بهذا الشرط من العيوب التي يجهلها وقت البيع ، أما التي يعلمها فلا يبرأ منها . وهذا مذهب المالكية ، ورواية عن أحمد ، واختيار ابن تيمية .

واستدلوا بما استدل به أهل القول السابق ؛ ولأن العلم بالعيب والسكوت عنه غش وتدليس ، وفي الحديث : "من غش فليس منا" ، وأما العيوب المجهولة فلا يُعد البائع فيها غاشا ؛ لعدم علمه به ، وبأن هذا هو قضاء عثمان رضي الله عنه .

وبالموزانة بين أدلة الأقوال ظهر أن ما ذكره المانعون من اعتباره غشا فيه نظر ؛ لأن البائع اشترط لنفسه البراءة من كل عيب ؛ فتم بذلك نقل عهدة الإيضاح والتبيين ـ التي تجب في الأصل على البائع ـ إلى الراغب في الشراء ؛ ليستبين بما يشاء ، أو ليفترض فيها أسوأ العيوب وأكثرها ، وإنما يكون غاشا إذا باعه دون هذا الشرط ، ثم سكت عن عيوبه المؤثرة في ثمنه ؛ فلا يتوجه هذا الإيراد .

ويقال أيضا : إن هذا موضع حاجة ؛ فكثير من السلع لاسيما السيارات هي من ذوات الأجزاء الكثيرة التي تدخلها العيوب ، كما أن السيارات المستعملة والقديمة ونحوها يصعب فيه حصر تلك العيوب ؛ فأصبح الناس يشترونها تحت مكبرات الصوت بأثمان بخسة ؛ تسهيلا لحركة البيع .

وقد أورد بعضهم على القول الأول أن عقده يشمل غررا يشبه القمار من جهة جهالة مطابقة الثمن لقيمة السلعة الحقيقية ؛ بمعرفة سلامتها في الحال ، أو ببقاء خيار العيب ؛ فيما قد يظهر من العيوب القديمة .

فالجواب أن هذا يرد على القول الثالث أيضا ؛ فلو صح لكان مبطلا للقولين ، ولكنه لا يتوجه عليهما ؛ لأن الجهالة هنا مغتفرة في الغالب ، ومن المعلوم أن ضابط الغرر المعفو عنه هو أن لا يكون غالبا على العقد ؛ كجهالة السيارة في نوعها وسنة تصنيعها ، ومقدار استعمالها ؛ فإذا لم يظهر هذا فيه لم تكن جهالة ولا غررا مانعين من صحته .

فلما ذُكر من المناقشة ، وأن الشروط معتبرة في الشريعة ، وأن هذا مذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن قضاء عثمان إنما هو في واقعة محددة ؛ مما قد يجعلها من قضايا الأعيان ، التي يتجاذب الحكم فيها وأسبابه أشياء كثيرة غير ما ذُكر فإن الأقرب هو رجحان القول الأول ، وهو صحة الشرط بالإبراء من كل عيب ، ولزومه للمشتري . والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين