خطة ليبرمان لفصل غزة.. حصار "دولي" بدل "الإسرائيلي" !
17 شعبان 1431
جمال عرفة

سرب وزير الخارجية "الإسرائيلي" أفيجدور ليبرمان في يوليه الجاري 2010 لوسائل الإعلام "الإسرائيلية" خطة قال أنها تهدف إلى رفع مسؤولية "إسرائيل" عن غزة بشكلٍ كاملٍ، وتحويل القطاع إلى كيانٍ مستقلٍّ ومنفصلٍ تمامًا.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» "الإسرائيلية" أن وثيقة سرية أعدها ليبرمان في هذا الصدد جاء فيها : «يجب التوجه إلى الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون ورجال قانون مشهورين فى مجال القانون الدولى، لدراسة الظروف اللازمة للاعتراف الدولى بانتهاء الاحتلال لقطاع غزة بعد أن قامت اسرائيل بفك الارتباط بشكل أحادى مع قطاع غزة وانسحابت منه فى صيف ٢٠٠٥.

 

الجانب الايجابي (الدعائي) في خطة ليبرمان هو مطالبته المسئولين الأوروبيين أن يطرحوا على حكومة حماس إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومنشأة لإزالة ملوحة مياه البحر ومنشأة لتنقية مياه الصرف الصحى، بهدف إعتماد غزة علي نفسها وبنيتها التحتية بعيدا عن "اسرائيل" .

 

أما الجانب الذي يثير الشكوك حول النوايا الصهيونية فهو إقترح ليبرمان على الدول الأوروبية إرسال قوة عسكرية دولية إلى المعابر الحدودية بين "إسرائيل" وقطاع غزة ، وقيام الاتحاد الأوروبي بتفتيش أي سفينة تتجه الي غزة مقابل تنازل إسرائيل عن مطلبها بتفريغ حمولات السفن المتوجهة إلى غزة فى الموانئ الإسرائيلية، وأن تجرى أعمال التفتيش الأمني لهذه الحمولات فى ميناء ليماسول القبرصى مثلا (لاحظ أن رئيس وزراء قبرص زار "اسرائيل" بعد إعلان الخطة مباشرة لأول مرة منذ 30 عاما !) .

 

للوهلة الأولي تبدو خطة ليبرمان بمثابة اعتراف صهيوني بفشل حصار غزة وارتفاع التكلفة التي يتكبدها الاحتلال نظيره استمراره في تحمل عبء القطاع ، فضلا عن أنها تمثل إنتصار لحركة حماس لأن خطة ليبرمان تتحدث عن التفاوض – "اسرائيليا" وأوروبيا – مع الجهة الحاكمة في القطاع وهي حماس ، ما يعني الاعتراف الصهيوني بحماس برغم محاولات مقاطعتها وحصارها منذ فوزها في انتخابات 2007 .
ولكن لأن التجربة علمتنا ان ما يأتي من الصهاينة – ولو تحت وطأة ارتفاع تكاليف المقاومة – ليس خالصا لوجه الله وإنه ربما يكون "ملعوب" صهيوني جديد للصيد في وحل غزة علي حساب أطراف أخري ن فمن الطبيعي أن ندقق في خطة ليبرمان وأن ننظر لما وراءها !
خطة قديمة يعادل إخراجها

 

خطة ليبرمان تقضي بانفصال "إسرائيل" عن قطاع غزة مرة ثانية وبشكل كامل، ويسعى فيها أيضا إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية، والتعامل مع حركة "حماس" في القطاع والتوقف عما وصفها بسياسات "حسن النية" تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة.
وبحسب يديعوت أحرونوت فإن خطة ليبرمان تتضمن مطالبة الأوروبيين أن يعرضوا على حكومة إسماعيل هنية ثلاثة مشاريع ضخمة؛ محطة طاقة لتوليد الكهرباء، ومحطة لتحلية مياه البحر، ومنشأة لمعالجة المياه العادمة، وتشجيع المنظمات الدولية على البدء بمشاريع بناء ضخمة لسكان القطاع.

 

وينوي ليبرمان أيضا أن يقترح على الأوروبيين إرسال قوات دولية إلى المعابر الحدودية من أجل فرض التسويات التي يتم الاتفاق عليها على ذوي الصلة، إضافة إلى وحدات كوماندو لمنع "تهريب السلاح" إلى قطاع غزة .
والحقيقة أن خطة ليبرمان ليست وليدة فكرة شخصية بقدر ما هي وليدة مطالب صهيونية متزايدة بسبب أعباء احتلال قطاع غزة وفشل خطط حصاره وهطول الصواريخ علي قلب الدولة العبرية من هناك.
فقد جاءت خطة ليبرمان نتاج لمطالبة خبراء إسرائيليين بشق ثان لخطة الانفصال عن غزة التي اتبعها شارون بالانسحاب من مستوطنات غزة مثل الدكتور يسرائيل كار – نير، على موقع مجلة هرئيل "الإسرائيلية" بالعبرية على الانترنت، أواخر عام 2005 بعنوان "هل ننتظر خطة انفصال ثانية؟" والذي أوضح فيه بشكل مباشر أن سيناريو ما حدث في عام 2005 يؤكد أن هناك خطتان لفك الارتباط وليس خطة واحدة، الأولى هي التي تم تنفيذها بالفعل والثانية في انتظار أن تخرج إلى حيز التنفيذ .

 

وجاء تسريع المطالبة بهذه الخطة الثانية نتيجة سيطرة حماس علي قطاع غزة وفشل الحصار الصهيوني ضدها وبالتالي الرغبة في التخلص من عبء القطاع أمنيا وسكانيا واقتصاديا ، فضلا عما سببه حصار القطاع من مشاكل لإسرائيل وتشويه لصورة الجيش الصهيوني أو بمعني أصح كشف حقيقته عندما اعتدوا علي راكبي السفن التركية بالسلاح وضربوا الرجال والنساء علي السواء .

 

أهداف ومكاسب صهيونية
وأول ما يجب أن ندرسه ونحاول فهمه ، هو "سر" هذا التحول في الموقف الصهيوني من حصار غزة الي طرح هذا المخطط الجديد لفصل القطاع تماما عن سيطرة الدولة العبرية ؟ وما هي الإجراءات المتوقع أن تتبع لتنفيذ هذا السيناريو الجديد ؟
وهذا السر لا يمكن معرفته إلا بمتابعة التطورات الأخيرة التي هبطت بسمعة الدولة الصهيونية في التراب عقب هجومها علي أسطول الحرية التركي وقتل 9 من أعضاءه وما تلاه من تدهور في العلاقات التاريخية بين إسرائيل وتركيا حليفها التقليدي والوحيد في الشرق الأوسط ، وقبلها العدوان علي غزة ، وقيام الدولة العبرية بجهود إعلامية ودعائية جبارة لتبييض صورة وجهها الكريه أمام العالم .
فمع إصرار المنظمات الحقوقية على كسر حصار غزة وتزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل وسياساتها من القطاع، وبعد فشلها في كسر شوكة حركة حماس بعد حرب يناير ٢٠٠٩ ، جاءت خطة ليبرمان للتخلص من عبء قطاع غزة بالترويج لخطته الجديدة.

 

وهنا يجب أن ننظر للأهداف الصهيوني الاستراتيجية الخفية من وراء خطة فصل قطاع غزة والتي تدور حول ثلاثة أهداف رئيسية هي :
أولا : الانسحاب ستريح "إسرائيل" من العبء العسكري المتمثل فى التهديد الصاروخي للمقاومة الفلسطينية فى غزة، ومن العبء السياسى للحصار المفروض على القطاع الذى دفعت إسرائيل فاتورته من شرعيتها الدولية وموجة الانتقادات التى تعرضت لها فى جميع عواصم العالم، ويشرك الغرب كله بقواته في حماية الدولة الصهيونية من أي أعمال مقاومة قد تقع ضد الدولة العبرية ، كما أن اسرائيل ستنال اعتراف دولي أنها أنهت احتلالها لغزة !.

 

ثانيا : بدل أن يكون الحصار "إسرائيلي" بحت ويثير انتقادات دولية ويضر بسمعة الدولة الصهيونية سيكون الحصار البري (المعابر) والبحري ، هنا مسئولية دولية لا إسرائيلية فقط ، وعلينا أن نتذكر هنا أن "إسرائيل" لم تنسحب من قطاع غزة عقب عدوان ديسمبر 2009 الأخير إلا عقب توقيع وزيرة الخارجية السابقة (تسبي ليفني) اتفاق مع أمريكا تضمن إشراك قوات دولية في مراقبة السفن التي تصل إلي غزة ، وهو أتفاق لم ينفذ لاحقا بصورة مرضية ، وخطة ليبرمان تسعي لتنفيذه عمليا عبر طرحها هذه الفكرة !.

 

ثالثا : خطة ليبرمان تستهدف في نهاية المطاف ضم غزة الي مصر ضمن مخطط إسرائيل الخبيث المستمر للتخلص من عبء احتلال غزة ، كأحد الحلول العديدة التي سبق طرحها مثل مخطط تبادل الأراضي بين سيناء والضفة وغزة، وأخطرها مخطط إلحاق قطاع غزة بالكامل إلى مصر، وإعلان دولة فلسطينية على أراضى غزة وسيناء ، علما أن مخطط إلحاق غزة بسيناء ظهر عام ٢٠٠٦ وهدف إلى جعل مصر مسؤولة عن إدارة غزة سياسيا، كما كان الوضع قبل حرب يونيو ١٩٦٧ ، وكان من أبرز الداعين لهذا المخطط جون بولتون، سفير الولايات المتحدة السابق فى الأمم المتحدة وأحد صقور اليمين المحافظ فى إدارة جورج بوش الابن السابقة .

 

رابعا : لا يمكن أن نغفل توقيت الخطة الصهيونية الجديدة لفصل غزة في نفس توقيت الهجوم الصهيوني الشرس لتهويد القدس بالكامل عبر الحفريات وطرد السكان العرب والشيوخ وكبار السياسيين وتخطيط المدن وتهويد الآثار الإسلامية ، بل وإعداد خطط أمنية لاقتحام الأقصى بالمدرعات كما كشفت صحيفة عرب 48 الصادرة في الأرض المحتلة ، بما يدفع للقول – كما يقول خبراء فلسطينيون أيضا - أن فصل قطاع غزة ونقل عبء حصاره الي أوروبا والغرب وتوفير مشاكل خوض حرب جديدة هناك ، ربما يهدف أيضا إلى تكريس فصل غزة عن الضفة الغربية من جهة ومنع توحد الفلسطينيين عمليا ، والأهم التفرغ لالتهام القدس والضفة الغربية .

 

ولا ننسي هنا – كما يقول الخبير الفلسطيني مصطفي البرغوثي - أن هناك رغبة صهيونية في التخلص من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية عبر فصل قطاع غزة والتخلص من 30 في المائة من السكان الفلسطينيين خاصة بعد أن أصبح عدد الفلسطينيين المقيمين في فلسطين التاريخية مساويا لعدد "الإسرائيليين" !.
ليس كل ما يبرق ذهبا .. والتاريخ علمنا أن الصهاينة حتي ولو أردوا الانسحاب أو التراجع نتيجة الفشل في تحقيق أهدافهم ، فهم يسعون دوما لحصد أي مكسب مادي من وراء الانسحاب أو التراجع وزرع مسمار جحا في كل صفقة لضمان أن يعود عليهم باي ربح ؟!